خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 26-4-2024 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 26-4-2024

الشيخ علي دعموش

شدد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش على “أنه بعد مرور أكثر من 200 يومًا على المواجهات مع العدو الصهيوني ورغم القصف والمخاطر والتهديدات نجد ثبات أهلنا وقوة حضورهم في الميدان وفي تشييع الشهداء حتى في القرى الأمامية”، مُعتبرًا “أنّ هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أن أهلنا طردوا عامل الخوف من نفوسهم، وهم على أتم الاستعداد لمواجهة هذا العدو بكل قوة وشجاعة، وهذا ما يُساهم في ردع العدو وإفشال عدوانه على لبنان”.
ورأى خلال خطبة الجمعة أنّ التمادي في العدوان على لبنان ليس بلا ثمن، فمقابل كل عدوان هناك رد مباشر وحاسم، والمقاومة زادت من استهدافاتها وردودها كمًّا ونوعًا ومدىً لردع العدو، ووصلت مسيراتها الانقضاضية وصواريخها إلى محيط مدينة حيفا، وأصابت أهدافًا عسكرية ومقر قيادة لواء غولاني وغيره.
وأكد أنّ هذه رسائل ميدانية يفهمها العدو، وهي تؤكد أنّ المقاومة مستعدة لمواجهة أيّ محاولة لتوسيع الجبهة، لناحية العمق والأهداف وحتى نوعية الأسلحة المستخدمة.
ولفت إلى أن الجبهات المساندة لغزة مستمرة في عملياتها من لبنان إلى اليمن، وكلّ المحاولات الأميركية والإسرائيلية لإيقاف هذه العمليات فشلت، وهذه الجبهات مُصمّمة على عدم ترك غزة وحيدة، وكلّ الضغوط والتهديدات القديمة والجديدة لن تُغيّر شيئًا في قرارها بالاستمرار في مساندة غزة.
نص الخطبة
يقول الله تعالى: (وَنَفۡس وَمَا سَوَّىٰهَا فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا).
تتكون شخصية الانسان من ثلاثة ابعاد: من العقل والنفس والجسد، أما الروح فهي الوعاء الذي يحتضن هذه الابعاد كلها.
طبعا المقصود بالجسد واضح ولا يحتاج الى تحديد وشرح، فهو هذه الاعضاء التي تتكون منها هيئة الانسان، اما معنى الروح والعقل والنفس فليست واضحة تماما للكثيرين وتحتاج الى تحديد وشرح.
نقصد بالروح هنا القوة التي تبعث الحياة في الانسان، القوة التي تنبع منها الحياة والتي اذا فارقت الجسد تنتهي حياة الانسان في هذه الدنيا.
هذا ما نقصده بالروح ولذلك قلنا انها وعاء يشمل العقل والنفس والجسد لانه من دون الروح التي تعطي الحياة لا يكون هناك عقل يفكر او نفس تشعر أو جسد يتحرك .
واذا فارقت الروح الجسد في هذه الدنيا انتهى وجود الانسان فيها وانتقل الى عالم آخر.
ونقصد بالعقل: « القوة التي يميز الانسان بها بين الحق والباطل، وبين الشر والخير، وبين الخطأ والصواب، بين الممكن والمستحيل.
وبعبارة اخرى هو قوة الادراك والتمييز والمعرفة، فبالعقل يدرك الانسان ويميز ويقيم الاشياء.
ونقصد بالنفس هنا « هي مركز العواطف والميول والشهوات لدى الانسان » يطلق عليها القرآن تارة عنوان : النفس ، ويطلق عليها تارة اخرى اسم : القلب.
العقل هو الذي يدرك الاشياء مثل هذا ممكن وذاك مستحيل او ان واحد زائد واحد يساوي اثنين، اما النفس فهي مركز عواطف الانسان وميوله ورغباته مثل الحب والبغض مثلا حب الذات الانانية والخوف والعواطف والمشاعر والاحاسيس كلها تنبع من النفس
والنفس بهذا المعنى هي محور الخطر بل هي اخطر منطقة في شخصية الانسان.
النفس التي هي مركز الميول والعواطف والرغبات والشهوات والغرائز والاهواء بامكانها ان توجه الانسان نحو السعادة وبامكانها ان تنحرف بالانسان في مهاوي الشقاء والفساد والانحراف والضلال.
العقل ليس له دور حاكم مثل النفس، لان العقل يدرك الاشياء ، يدرك مثلا ان العمل والنشاط جيد وان الكسل سيء ويدرك ان العدل حسن والظلم قبيح .. لكن من يأخذ الموقف ويبادر نحو العمل هو النفس، فهي التي تتخذ الموقف وهي التي تبادر فبيدها ان تصدق وتعمل بما يقوله العقل او تنحرف عما يقوله.
فمثلا العقل قد يحكم بان هذه الحقائق صحيحة وثابتة ولكن الانسان يجحد بها وينكرها لان اهواءه النفسية وشهواته ومصالحه لم تسمح له بأن ياخذ بكلام العقل مثلا يحكم بان الصيام مفيد للانسان ولكن حبه للطعام واشتهاؤه للطعام يمنعه من ذلك، يعرف ان السرقة عمل قبيح لكن حبه للمال والثروة يدفعه نحو السرقة، يعلم بان الدفاع عن النفس والاهل والعرض والوطن والارض واجب وحق، ولكن الخوف او الكسل او تعلقه بالدنيا بالمصالح بالاعمال بالعائلة والاولاد يمنعه من القيام بهذا الواجب ، كما قال تعالى (وتكتمون الحق وانتم تعلمون) فهم يعلمون الحق وعقولهم قررت ان هذا الاسلام حق والنبي حق ، ولكن الهوى والشهوات والامتيازات والمصالح هي التي تجعل الانسان ينحرف عما يقرره العقل ويكتم الحق ويتستر عليه.
احيانا يقع العقل تحت تأثير وسيطرة وهيمنة النفس وميولها ورغباتها ويصبح اسيرا لها، يصبح آلة في خدمة اهواء النفس، كم قال الامام علي ( عليه السلام ): كم من عقل أسير تحت هوى أمير.
العقل قد يصبح اسيرا للاهواء والشهوات، كما ورد عن علي( عليه السلام ) ايضا : قد خرقت الشهوات عقله.
وعنه ( عليه السلام ): ذهاب العقل بين الهوى والشهوة. ويقول ايضاً : « عدو العقل الهوى.
اذن النفس لها قدرة التحكم بالعقل والتحكم بمسار الانسان ومواقفه وتصرفاته واعماله وعلاقاته.
ومن هنا تبرز اهمية النفس وفيها يكمن الخطر، ومن هنا نجد القرآن الكريم يعلق سعادة الانسان وفلاحه ونجاحه على مدى سلامة نفسه يقول تعالى:( واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى ) .
اذن فالمسألة مسألة النفس ، من يزكي نفسه فقد فاز فوزاً عظيماً ، ولذلك يجب الاهتمام بالنفس، يجب ان نعتني بصحة النفس وسلامة النفس وان نعطيها اهمية كبرى.
بعض الناس يهتمون ويعتنون بعقولهم فيزودون عقولهم بالمعلومات والافكار ويهتمون بالثقافة والمعرفة كثيراً، ولكنهم يهملون نفوسهم.
بعض الناس يخدمون اجسامهم كثيراً فيقدمون الطعام والشراب واللذات والراحة لاجسامهم، ولكنهم يهملون نفوسهم ولا يهتمون بها مع انه لا قيمة للعقل ولا قيمة للجسد ان لم تكن النفس سليمة، فاذا كانت النفس مريضة فانها تستخدم العقل استخداماً سيئاً يؤدي بالجسد الى الهلاك ولو راجعنا التاريخ ونظرنا الى الواقع المعاصر لوجدنا ان اشخاصاً لديهم عقول كبيرة ومعلومات واسعة جدا ولكنهم في اسفل درك من الشقاء والانحطاط وابرز مثال على ذلك هو « ابليس » .
ابليس كان عالماً كبيراً ولكنه طرد بسبب انانيته ومرض نفسه ؟ قال (انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) مقتله كان الأنا والتكبر ، والأنا والتكبر حالة نفسية وليست عقلية ، لذلك لم يستطع ان يستفيد من علمه وعقله وكثير من الذين انحرفوا وكثير من الذين ضلوا ، المشكلة التي كانت عندهم ليست مشكلة قلة العلم والمعرفة وانما مشكلتهم هي مرض النفس.
عن علي(ع) : ومن لم يهذب نفسه لن ينتفع بعقله
الذين لم يؤمنوا بالانبياء والرسل لم تكن عقولهم مريضة وعاجزة عن المعرفة ، بل كانت المشكلة تكمن في نفوسهم حيث مرض التكبر وسيطرة الاهواء والمصالح والامتيازات.
قد نصرف اوقاتاً طويلة على على اكتساب العلم والمعرفة لتغذية عقولنا ،وهذا جيد، وقد نصرف وقتاً طويلاً على تقديم الراحة واللذة لاجسامنا وهذا جيد ، ولكن يجب ان نخصص ايضا اوقاتا نصرف لحماية نفوسنا من الامراض، من الانانية وحب الذات والاحقاد ووالنزعات الشريرة والتعلق بالدنيا وشهواتها وملذاتها ومصالحها.
اذا لم يكن هناك توازن بين سعة علم وعقل الانسان وبين سلامة نفسه فانه سيكون هناك خطر كبير على مستقبل الانسان فيجب ان نهتم بسلامة انفسنا وليكن من برامجنا فترة للعناية بأنفسنا.
يجب ان لا ندع نفوسنا تعطل عقولنا، لانه كما قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ): أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ) فعقولنا تعطل وتصرع وتقتل لكن ليس بالسيف ولا بالعنف وانما بالمطامع البراقة وبالرغبات والشهوات التي تنتاب نفوسنا كالخوف والكسل والانانية والراحة وما اشبه من هذه الامراض التي علينا ان نصون انفسنا منها.
يجب ان نصلح نفوسنا وان نصلح مجتمعنا،ويجب ان تكون رسالتنا اصلاح النفوس.
بعض المصلحين يتوجهون الى عقول الناس فيقدمون الفكر والثقافة والعلم للناس وهذا جيد ولكنه وحده لا يكفي ، لان مشكلة الناس لا تنبع فقط من قلة علمهم وانما هناك مشاكل نفسية ، الناس مصابون بالخوف والهلع والجبن وتقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة فيجب انتزاع ذلك من نفوسهم والا فلن ينتفعوا بالعلم ولا الثقافة
حسان بن ثابت كان اديبا كبيرا اعترف له الشعراء بالفضل والتفوق لكنه كان جبانا ولم يشارك في اي معركة، وفي بعض المعارك كان يجلس في المكان الذي يجلس فيه النساء والصبيان.
اذا اردنا اصلاح نفوسنا ومجتمعاتنا فمن الخطأ ان نركز فقط على اعطاء الفكر والثقافة للناس ، لان ذلك وحده لا يكفي بل يجب اصلاح نفوس الناس في البداية ولذلك فان الله سبحانه وتعالى يقول : (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ).
وكل الانبياء ركزوا على هذا الجانب وهو اصلاح نفوس الناس، لكن كيف نصلح النفوس ؟
لا شك ان العبادات كالصلاة والصيام وقراءة القرآن والادعية وزيارة المشاهد المقدسة وغيرها من العبادات والواجبات والمستحبات لها تأثير على النفس وتساهم في تهذيبها وتزكيتها، لكن احيانا الاعمال الجهادية وتقديم التضحيات يكون لها تأثير اكبر في اصلاح النفوس وتهذيبها اكثر الفكر والتوعية ، البعض قد يقول لابد من التثقيف والتوعية فقط، لكن هذا لا يكفي قد تكون التضحيات والاعمال الجهادية اكثر تأثيراً في نفوس الناس من الاعمال الفكرية والثقافية المجردة.
اكثر الناس يحبون الدنيا ومتمسكون بها ، يحبون الراحة ، يخافون على حياتهم وعوائلهم، واموالهم ومصالحهم وارزاقهم، فلو اننا خطبنا ووعظنا وتكلمنا الف مرة حول قيمة العطاء والتضحية بالانفس والاموال، وثواب وفضل واجر ذلك، قد لا نؤثر كما تؤثر تضحيات المجاهدين ودماء الشهداء في اصلاح النفوس وفي اصلاح المجتمع.
نقطة دم من جسد شهيد قد تؤثر في اصلاح النفوس والمجتمع اكثر بكثير مما تؤثر الخطابات والشعارات والكلمات.
في لبنان كان مجتمعنا يعيش الخوف والاحباط واليأس عندما احتلت اسرائيل جزءا كبيرا من بلدنا، وكان الذين انخرطوا انذاك في المقاومة قلة نتيجة سيطرة الخوف من اسرائيل والاحباط واليأس الذي كان يعيشه الناس ، كان البعض يقول ساخرا انتم تريدون مواجهة اسرائيل؟ فاسرائيل هي (الجيش الذي لا يقهر)؟!! (والعين لا تقاوم المخرز)! كنا نتحدث عن قيمة الجهاد ومقاومة الاحتلال وثواب واجر تقديم التضحيات في الدفاع عن الوطن والارض والاهل والعرض، ولكن بعد قيام مقاومة فعلية وجادة ومخلصة قدمت الاف الشهداء في سبيل التحرير وحماية البلد اختلف الوضع واستطاعت هذه المقاومة ان تزيل الخوف والجبن والاحباط من النفوس وان ان تستقطب الشباب الى صفوف المقاومة وان تقدم تجربة رائدة في العمل الجهادي المقاوم .
مشكلة المجتمع هي الامراض النفسية الخوف التخاذل الخيانة الكسل وحب الذات والانشداد الى الدنيا طغيان المصالح الخلود الى الراحة والخوف على العروش، هذه الاشياء هي التي تجعل الناس يتخاذلون كما تتخاذل الكثير من الانظمة العربية اليوم عن نصرة غزة، هذه الاشياء هي التي تجعل هؤلاء يخضعون للاحتلال والاستكبار ولا يتحملون مسؤولياتهم ولا يقومون بواجباتهم في مواجهة العدوان ونصرة المظلومين.
هذه التضحيات وهذه المقاومة اكدت ان تأثيرها في اصلاح النفوس كان كبيرا ، وشاهدنا ذلك خلال كل المراحل ، وكيف ان المقاومة والتضحيات ودماء الشهداء نزعت عن الناس عامل الخوف والجبن والاحباط .
اليوم المقاومة بتضحياتها وشهداءها تعلم الناس كيف يتخلون عن الخوف والكسل والتراخي والانانية وحب الذات والتعلق بالدنيا ومصالحها وشهواتها.
اليوم بعد مرور اكثر من 200 يوما على المواجهات مع العدو الصهيوني ورغم القصف والمخاطر والتهديدات نجد ثبات أهلنا وقوة حضورهم في الميدان وفي تشييع الشهداء حتى في القرى الامامية، وهذا ان دل على شيء فانه يدل على ان اهلنا طردوا عامل الخوف من نفوسهم وهم على اتم الاستعداد لمواجهة هذا العدو بكل قوة وشجاعة، وهذا ما يساهم في ردع العدو وافشال عدوانه على لبنان .
اليوم التمادي في العدوان على لبنان ليس بلا ثمن، فمقابل كل عدوان هناك رد مباشر وحاسم، والمقاومة زادت من استهدافاتها وردودها كما ونوعا ومدى لردع العدو، ووصلت مسيراتها (الانقضاضية) وصواريخها الى محيط مدينة حيفا، وأصابت أهدافا عسكرية ومقر قيادة لواء غولاني وغيره، وهذه رسائل ميدانية يفهمها العدو، وهي تؤكد أن المقاومة مستعدة لمواجهة أي محاولة لتوسيع الجبهة، لناحية العمق والأهداف وحتى نوعية الأسلحة المستخدمة.
والجبهات المساندة لغزة مستمرة في عملياتها من لبنان الى اليمن، وكل المحاولات الامريكية والاسرائيلية لايقاف هذه العمليات فشلت، وهذه الجبهات مصممة على عدم ترك غزة وحيدة، وكل الضغوط والتهديدات القديمة والجديدة لن تغير شيئا في قرارها بالاستمرار في مساندة غزة .

المصدر: بريد الموقع