الإمام الخامنئي : العمل البنّاء قيمة وعبادة – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الإمام الخامنئي : العمل البنّاء قيمة وعبادة

الإمام الخامنئي : العمل البنّاء قيمة وعبادة
الإمام الخامنئي في أسبوع العامل

كلمة الإمام الخامنئي في حشود العمال بمناسبة أسبوع العامل

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.

مبارك عليكم أيها الأعزاء يوم العامل! إن هذا اللقاء الذي يجمعنا سنوياً مع شريحة من العمّال في هذا المكان، يعدّ بالنسبة لي لقاءً مطلوباً، حيث تدور فيه أحاديثُ يجدر بيانها، والأعلى والأسمى من ذلك كله، تقديم الشكر والودّ للمجتمع العمالي في البلد. واليوم أيضاً أعبّرُ عن خالص ودّي لكم جميعاً ولكافة الطبقة العمالية في البلاد، وأسأل الله سبحانه وتعالى من أعماق قلبي أن يوفّقنا لأداء واجباتنا تجاه الشريحة العمالية، فإن هناك وظائف ثقيلة ملقاة على عواتقنا في هذا المضمار.

أولاً تمرّ علينا أيام شهر رجب، ما بين الولادة الميمونة لأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) ومبعث النبي الأكرم (صلوات الله عليه وآله)، وهو شهر التوسل والدعاء والذكر. وقد تلا قارئنا العزيز هنا هذه الآيات الشريفة: ﴿یا أَیُّهَا الَّذینَ ءامَنُوا اذکُرُوا اللهَ ذِکراً کَثیراً * وَسَبِّحوهُ بُکرَةً وَأَصیلاً * هُوَ الَّذِي یُصَلّي عَلَیکُم وَمَلٰئِکَتُه﴾، أي أنكم أيها المؤمنون إن ذكرتم الله، سوف يصلّي عليكم الباري تقدّست أسماؤه وملائكته كذلك. ولنعلم بأن ذكر الله هو الذي يدلّنا، ويُرشدنا إلى السبيل، ويأخذ بأيدينا، ويمكّننا من حلّ العُقَد؛ ذلك أننا نعاني من عُقَد كثيرة، ولا يتأتى حلّ هذه العُقَد إلا بقدرات الأيدي والطاقات التي نتحلى بها نحن أبناء البشر، وإن الله هو الذي يهب لنا هذه القدرة والطاقة، وذكر الله هو الذي يوفّر لنا إمكانية تعبيد الطرق وتمهيد السبل.

لقد دوّنتُ اليوم بضع نقاط وأبحاث لأطرحها عليكم. بحثٌ حول مفهوم العمل في إطاره العام الواسع، وبحثٌ حول المجتمع العمّالي بمعناه المصطلح عليه.

العمل البنّاء؛ قيمة وعبادة

فيما يتعلق بالبحث الأول وهو مفهوم العمل في إطاره الواسع، فإن كل من يعكف على عملٍ في المجتمع يكون عاملاً بهذا المعنى، بما في ذلك الأعمال الإنتاجية والخدماتية والإدارية والعلمية، حيث يدخل الجميع في عداد العمال. فالمدير في عمله الإداري عاملٌ، وكذلك أستاذ الجامعة، وأستاذ الحوزة، والطالب الجامعي، وطلبة العلوم الدينية، وكل من يمارس هذه الأعمال، بما فيها الأعمال الدينية والتبليغية، يعتبر من العمّال بهذا المعنى.

وإن العمل بهذا المفهوم له من البركات ما لا يوجد في أي شيء آخر. والعمل بهذا المعنى الواسع الذي ذكرناه بنّاء، يؤدي إلى بناء الإنسان من جانب، وبناء المجتمع والآخرين من جانب آخر، ولهذا فهو من القِيَم. والبطالة والتكاسل وتضييع الوقت في غير محله ومن دون فائدة وإهدار الطاقات الشبابية والفكرية والبدنية مذمومة ومضادة للقيم.. هذا هو منطق الإسلام. فإنه أيما أحدٍ يُنجز عملاً في أيّ مكان، إنما يقوم بإنجاز قيمة من القِيَم، ولو كان عمله لوجه الله، يكون عبادة، وينال عليه الأجر والثواب.

حق العمل

والتوصية العامة في إطار هذا المفهوم هي توسيع دائرة العمل، فلنوصِ الجميع بأن يقوم كل فردٍ أينما كان، بإنجاز عملٍ، ورفع مستوى جودته، وأداء حقه. فالطالب الجامعي على سبيل الفرض، إن كان معرضاً عن الدراسة، لم يؤدِّ حق عمله، وكذلك أستاذ الجامعة إن لم يخصص وقتاً للتدريس، ولم يعدّ نفسه لذلك، ولم يطالع، ولم يوفّر فرصة لهذا الأمر، لم يؤدِّ حق عمله، والشخص الذي عُهدت إليه مسؤولية – سواء أكان وزيراً أو مديراً أو نائباً في المجلس – إن لم ينذر نفسه لهذا العمل، لم يؤدِّ حقه. فأن نتولّى مسؤولية إدارة معينة، ولكن لا ننذر أنفسنا ولا نخصص وقتنا ولا نبذل بالغ طاقتنا لأداء هذه المسؤولية التي عُهدَت إلينا، وننشغل بأمورٍ أخرى، لا نكون قد أدّينا حق هذا العمل. ولهذا فقد كانت توصيتي المستمرة لمديري الدولة ورجال الحكومة – سواء في السلطة التنفيذية، أو السلطة القضائية، أو السلطة التشريعية، أو في مراكز أخرى – أن يتابعوا المسؤولية التي تقبّلوها بكل وجودهم. فلا ينبغي لي أن أتقبّل مسؤولية، وأخصّص لها قليلاً من الوقت، ثم ألتهي في ما بقي من الوقت بالمسائل الشخصية والأمور الأخرى، ففي هذه الصورة لا أكون قد أديتُ حق العمل. إذاً فهذه هي توصياتنا العامة بخصوص العمل بهذا المعنى العام، ولقد تحدثنا كثيراً وأسهبنا الكلام في هذه المجالات، ولا نروم التكرار.

وأما بحثنا الأساس والرئيس فهو يحوم حول المجتمع العمالي، وحول العمل بمعناه الخاص؛ أي العمل الإنتاجي والخدماتي والصناعي والزراعي.. هذا هو الموضوع الرئيس الذي نريد اليوم أن نتناوله.

الطبقة العمالية الوفية

بادئ ذي بدء أرى من الواجب عليّ أن أتحدث قليلاً بشأن مناقب المجتمع العمالي في بلادنا، ولقد تحدثنا في هذا المجال حتى الآن مئة مرة، ولو أردفناها بمئة أخرى، لما كنّا قد بالغنا في ذلك. تعتبر شريحتنا العمالية من الشرائح الوفية للبلد وللنظام، وهذا ما أقوله بسبب ارتباطي بقضايا العمال عن كثب على مدى 37 أو 38 عاماً. فقد أظهرت الشريحة العمالية وفاءها للثورة وحضرت في الأحداث الهامة جداً والمفصلية في مستهل الثورة.

ففي بدايات الثورة كانت الطبقة اليسارية والماركسية يومذاك، والتي ارتمت بأجمعها بعد ذلك في أحضان الاستكبار الأمريكي وغيره وأصبحت من عبيدهم ومرتزقتهم، تحاول داخل البلد أن تبدّل حركة الشعب الإيراني العامة إلى تلك الأشكال المغلقة والجامدة التي يصطلحون عليها بـ«الثورات العمالية»، وأن تنتزع زمام المبادرة من يد الناس والدين والإسلام، وتودعه بيد زمرة تحت عنوان حكومة العمال أو ثورة العمال.. هذه أعمالٌ كانت تُمارَس في بداية الثورة. إنني بنفسي ذهبتُ إلى معملٍ في جادة كرج القديمة، واجتمعتُ مع العمّال ورأيتهم، حيث كانت قد تغلغلت في أوساطهم عناصر غير عاملة، لتجعل من ذلك المكان منطلقا لجرّ العمّال في البلد – بدءاً من طهران ووصولاً إلى جميع أنحاء البلاد – إلى مواجهة الإمام الخميني والثورة الإسلامية والشعب.. هذا ما شاهدته عن كثب. حيث كنتُ أذهب إلى ذلك المكان في الليل والنهار، فرأيت العمّال من المؤمنين والمسلمين وأولاد المسلمين كيف تسلّحوا بسلاح الوعي والبصيرة حيال مؤامرات الأعداء، وكيف أبدوا يقظتهم، هذا الأمر كان أثناء الثورة وفي خضمّ الأحداث التي اندلعت في بداياتها، ثم تتلوها قضية الحرب المفروضة، والقضايا السياسية المختلفة، والتيارات السياسية المتعددة في البلد، وفي كل هذه القضايا عبّر العمّال عن وفائهم للنظام، لا باللسان وحسب، بل بأبدانهم وأجسامهم نزلوا إلى الساحة وخاضوا الميدان وتركوا تأثيرهم، وهذه حقيقة مستمرة إلى يومنا هذا.

علماً بأن العمّال يعانون من مشاكل في حياتهم المعيشية – وقد أشار الوزير المحترم إلى جانب منها، وهناك بالطبع جهودٌ تُبذَل، فأسأل الله تعالى أن يوفقّه وجميع المسؤولين لإيصال ما ذكره إلى حيّز التنفيذ إن شاء الله، وأن يتقبل ويبارك فيما تم إنجازه، ويوفّر له إمكانية القيام بما لم يُنجز. فلا بد من العمل – إذاً فالمشاكل موجودة، ولكن في الوقت ذاته نجد أنّ العمال لم يكترثوا بنداء العناصر المعادية للثورة ولم يصغوا إليهم، حيث كانوا يبتغون تأليب أبناء الشعب والشريحة العمالية والطبقة الجامعية ضد النظام، بيد أن العمّال لم يرضخوا لمطالبهم، بل وقفوا ظهيراً وسنداً للنظام ودافعوا عنه.. هذه هي منقبة العمال.

إنني في الدرجة الأولى أسجد لله تعالى شكراً – فهذه هي تجليات يد القدرة الإلهية، والقلوب كلها بيده – وفي الدرجة الثانية أتقدم بالشكر لطبقة العمال من أعماق قلبي، فقد كنتم وما تزالون تتخذون مواقف حسنة تجاه قضايا الثورة والنظام الإسلامي.. هذه هي النقطة الأولى.

إتقان العمل والشعور بالمسؤولية

وأما في خصوص دور العمال والعمل والمكاتب العملية والعمالية في الاقتصاد المقاوم وهي مسألة هامة. إن الاقتصاد المقاوم ليس مجرد كلمة، وقولنا «مبادرة وعمل» يعني ضرورة تنفيذ كل بنود وفقرات سياسات الاقتصاد المقاوم بصورة حقيقية وواقعية، ومعنى ذلك أن يجتمع هؤلاء الإخوة والسادة المسؤولون الراغبون والحمد لله ]في تنفيذ هذا الأمر[، ويخططوا له ويتابعوا البرنامج خطوة بخطوة، فإن قضية العمل لها دورها في تطبيق الاقتصاد المقاوم.

ولكن ما الذي يصنعه العامل كي يساهم في تنفيذ الاقتصاد المقاوم؟ إنّ لكلٍّ دوره، فللعامل دورٌ، ولربّ العمل دورٌ، وللحكومة دورٌ، ولشتى المسؤولين دورٌ كذلك. ودور العامل في الدرجة الأولى هو الشعور بالمسؤولية؛ أي يجب عليه أن يشعر بالمسؤولية تجاه العمل الذي أوكل إليه – بل يجب علينا جميعاً ذلك – وأن يقوم بإنجاز العمل المكلَّف به من منطلق المسؤولية، وأن يرفع من مستوى جودة المنتَج. وعلى جميع أفراد الشريحة العمالية أن يفكروا في ذلك، وأن يعمدوا إلى رفع جودة منتجاتهم، وهذا ما يستنزل البركة للعامل نفسه وللمجتمع كذلك.

كان هناك صانع أحذية في السوق الكبيرة بمدينة مشهد، وقد عُرف بأن الأحذية التي يصنعها، حتى لو تمزّق جلدها وكعبها، لا تتلف خياطتها، وهذا هو الإتقان في العمل. فلنُنجز ما أوكل إلينا من خياطة وغيرها بشكل صحيح وبجودة وإتقان.. هذه هي وظيفة العامل، وهي سهلة على مستوى الكلام، ولكن كيف يتسنى تطبيقها؟ إن ما قاله الله عز وجل على لسان نبيه: «رَحِمَ اللهُ اِمرَأً عَمِلَ عَمَلاً فَأَحکَمَه»[1]، – ولعلي قرأتُ هذا الحديث حتى الآن عشرات المرات – له بعض الالتزامات.

كيف نرفع مستوى الجودة

ما الذي نفعله حتى يكون العامل قادراً على رفع مستوى جودة العمل؟ جانب من هذه الالتزامات على عاتق الحكومة، وجانب منها على عاتق المديرين، وجانب منها على عاتق الناس، وجانب منها أيضاً على عاتق العامل نفسه. فإن من الأعمال التي يجب القيام بها ليكون العامل قادراً على رفع مستوى الجودة في عمله، هو تنمية المهارات، وهي نفس التعليم المهني والتقني الذي أشاروا إليه. وكنت ولسنوات أؤكّد وأشدّد على المعاهد المهنية والتقنية، لكلّ وزير تعليم وتربية أو وزير عمل تقلّد منصب الوزارة، لا بد من أخذ هذا الأمر على محمل الجد، وهو من الأمور الأساسية. إذاً ينبغي تنمية مهارة العامل، لأن العامل البسيط لا يستطيع أن يواصل مسيرته بالاعتماد على تجربته فحسب، علماً بأن التجربة مؤثرة أيضاً، بل يحتاج الأمر إلى تعليم. فالمهارة المهنية تقع على عاتق المسؤولين، ولربّ العمل تأثيره، وللحكومة أيضاً تأثيرها في تمهيد السبيل للتعليم المهني والتقني وأنواع الأمور الأخرى التي يمكن إنجازها لتنمية مهارة العامل.

الأمن الوظيفي حاجة للعامل

والمسألة الأخرى هي الأمن الوظيفي للعامل، فلو شغل ذهن العامل هذا التساؤل وهو أنه: هل سيبقى غداً في هذا المعمل أم لا؟ سوف لا تطاوعه نفسه على العمل. فلا بد من توفير الأمن الوظيفي، وله سُبُله أيضاً، وهو الآخر من واجبات مختلف المسؤولين الحكوميين والمديرين وأرباب العمل وغيرهم، ولا يختص بوزارة العمل، بل له صلته بشتى القطاعات، فلا بد أن يعملوا على تأمين الأمن الوظيفي.

إن من الآفات الكبرى ومن المصائب التي تحلّ بالعمال هي إغلاق المصانع والمعامل. والإغلاق هذا على نمطين: تارة يتم الإغلاق بسبب شح الإمكانيات المتاحة لدى ربّ العمل، من قبيل قلة السيولة النقدية أو فقدان المواد الأولية أو تهالك الماكينات والمعدات، وهذا ما يضع بعض الواجبات على عاتق من يمتلك المواد الأولية والسيولة النقدية، ويمكنه تصنيع الماكينات وتبديلها، فهو مكلّف بمدّ يد المعونة لربّ العمل. كما تقع هذه المسؤولية على كاهل البنوك، وأجهزة الاستيراد والتصدير، والقطاعات الصناعية والتقنية، والشركات المبنية على المعرفة [العلمية المحور]، ومجموعة هذه الأقسام. هذا هو نمطٌ من إغلاق المصانع، وربّ العمل هنا ليس مقصراً في إغلاق المصنع، وإنما هناك عوامل آلت إلى ذلك، وبالإمكان إزالتها، وهو صعب بالطبع ولكنه ممكن. فيجب تقصّي هذه العوامل وإزالتها، وهذه واحدة من الأعمال المهمة والكبيرة لأجهزتنا ومديرينا.

هذا نمط من الإغلاق، والنمط الآخر هو إغلاق المعامل الناجم عن الاستغلال. حيث يتملّك شخصٌ معملاً – إما أنه انتقل إليه مثلاً عن طريق الأجهزة الحكومية أو أنه اشتراه بطريقة أو بأخرى – ثم يرى أن استغلال هذه الأرض ومساحتها أوفر له من تشغيل المعمل الذي يصبّ في ضرره، فيتشبّث بذريعة لإغلاقه. وهذا ما هو موجود في بلدنا، وقد بلغتني التقارير في ذلك. فلا بد من التصدّي لهم بصورة جادة. ولعلي أشرتُ مرة أخرى إلى هذا الأمر في نفس هذه المجموعة، وهو أنه يقترض الشخص قرضاً لاستيراد المواد الأولية أو بناء مصنع مثلاً، ثم يصرفه في عملية البناء في المنطقة الفلانية التي تدرّ عليه أرباحاً مضاعفة. فلا بد من الوقوف في وجه هذه الظواهر، ومتابعتها، وتقع المسؤولية في هذا الجانب على الجهاز القضائي والحكومي والأمني وسائر الأجهزة الأخرى. والقضية لا تكمن في أنّ أحداً يريد الوصول إلى الثروة، وهو يسلك طريقاً لذلك، فإننا لا نعارض ثراء زيد وعمرو، وليجهدوا لتحقيق مبتغاهم، ولكن لماذا يريدون الوصول إلى الثروة عبر سحق الشريحة العمالية والطبقة المحرومة تحت وطأة أقدامهم؟ هذا ما يجب التصدي له.

التفتوا هنا إلى أن الأجهزة مترابطة كالسلسلة، بما فيها البنوك، وقطاع النظام المصرفي في البلد، والجهاز المختص بالاستيراد والتصدير، والحقل المتعلق بالإنتاج والصناعة؛ هذه كلها متصلة مع بعض، وبإمكانها التآزر وتضافر الجهود فيما بينها من جانب، أو خلق العراقيل ووضع العقبات من جانب آخر، وعلى إدارة البلاد العامة أن تحاول جاهدة للحؤول دون الإخلال والعرقلة، فلتتضافر الجهود بأسرها لتسيير الأمور.

العامل ورب العمل؛ أدوار وتكامل

وإن من المسائل التي تؤدي إلى نجاح الحركة العمالية هي ترويج وإشاعة منتجات العامل الإيراني. وهذا ما سأتناوله فيما بعد، فإن لي كلاماً كثيراً حول ترويج المنتجات، وسأستعرض بعض النقاط في ذلك لاحقاً. وإحدى القضايا الضرورية الأخرى في نجاح العامل في إيجاد العمل المناسب[2]، سلامة بيئة العمل. ومن المسائل اللازمة الأخرى، زيادة حصة الأجور في تكاليف الإنتاج، وبالإمكان التخطيط لهذه القضية بالطريقة التي لا تؤول إلى إلحاق أي ضرر بربّ العمل، وذلك عبر الحدّ من التكاليف الزائدة وزيادة أجور العامل، وهذه العملية سوف تؤدي إلى حثّ العامل وتشجيعه. وهناك أساليب صحيحة قد جرّبتها بعض البلدان في العالم. ولحسن الحظ فإن المسؤولين عندنا يريدون الخدمة حقاً. وبمقدرونا من خلال قوة الإيمان والشوق والرغبة المتوافرة معرفة هذه الأساليب، وتطبيقها في هذه المجالات.

والجانب الآخر من الحديث يحوم حول ربّ العمل. منذ أعوامٍ وأنا أكرّر هذه المقولة وهي إن رب العمل والعامل في [موقع] تكامل لا تعارض. فإن أساس الرؤية الماركسيّة والديالكتيكية الماركسية قائمة على التضادّ والتعارض، وأساس الرؤية الإسلاميّة والديالكتيكية الإسلامية مبنية على التلاحم والتلاؤم والتعاطف والتكاتف والتعاضد والتآزر. فإن ربّ العمل والعامل يمثلان عضوين بإمكانهما مساعدة بعضهما البعض، وليسا متعارضَين ومتخاصمَين، وإنما يتعاونان في العمل ولكلٍّ حقوقه. وبالتالي فإن ربّ العمل هو ذلك الشخص الذي كان بمستطاعه أن يودع رأسماله مثلاً في المصرف الفلاني، ويحصل على الربح من دون أي قلق وهاجس، ولربما كانت تدرّ عليه هذه العملية المزيد من الأرباح فيما لو كان يستثمر رصيده في الإنتاج، إلا أنه أعرض عن ذلك، ونزل إلى ساحة العمل، وهذا أمرٌ مطلوبٌ للغاية. وسوف يسوقه الله إلى الجنة فيما لو أنجز عمله هذا لوجه الله.

إنني أعرفُ رجلاً مؤمناً كان يعيش حياة بسيطة رغم تموّله وثرائه، فقال لي: لطالما يعيّرني الآخرون قائلين أفهل جُننتَ يا هذا حتى استثمرت أموالك في الأجهزة الإنتاجية مع ما فيها من خطر ومغامرة على حد تعبيرهم؟ أودع أموالك في المصرف، واحصل على أرباحها، وانتفع بها. فأقول لهم: كلا، لا بد أن أستثمر أموالي في سبيل الإنتاج وتقدّم البلاد. وعلى أي حال فإن هذا أمرٌ بالغ الأهمية والقيمة. وإن من الحقوق في هذا الجانب، هو التعاون الحميم بين العامل وربّ العمل، فليتعاونوا معاً على أساس الودّ والإخاء.

ومن حقوق ربّ العمل الأخرى، هي أن تقوم الحكومة والأجهزة التنفيذية المعنية بتسهيل الأمور له، وذلك – كما ذكرتُ – مثلاً عبر توفير السيولة النقدية له إن لم تكن متوافرة لديه، ومساعدته على تأمين متطلباته إن لم يكن يمتلك المواد الأولية أو كان معمله أو تجهيزاته مستهلكة، وأمثال ذلك. ومن الأمور التي يمكن مساعدة ربّ العمل فيها هي تهيئة الأرضية للتصدير. علماً بأن صاحب البضاعة وهو ربّ العمل، هو الذي يتصدى لعملية التصدير، إلا أن الأجهزة الحكومية بإمكانها أن توفر له الأرضية، وتمد له يد المعونة، وتمهد له السبيل. وبمقدور وزارة الخارجية والوزارات الأخرى أن يؤدّوا دوراً في هذا المضمار. فإن من القضايا التي تستطيع الحكومة أن تساعد فيها ربّ العمل، هي دعمه في قبال الزبائن [العملاء] الأجانب. فأحياناً ما، يقوم المصدّر بتصدير بضاعة إلى دولة أجنبية، فتعمد الأخيرة إلى التحايل عليه وإلحاق الأذى به، وهنا تتجلى مسؤولية الحكومة في أن تدافع عنه، وتقف إلى جانبه، وتدعمه، وتحول دون انتهاك حقوقه في ذلك البلد بسبب سوء استغلال الحكومة أو التاجر. هذه جملة من حقوق رب العمل التي يمكن مساعدته فيها.

وإن من المهام التي يجب إنجازها، هي الإشراف التام على سلامة البضائع المصدَّرة وجودتها. فإن البعض يشوّهون سمعة البلد عبر تصدير البضائع غير السليمة؛ ذلك أن هذه البضاعة حينما تدخل سوق الصادرات الأجنبية، ويتبيّن عدم سلامتها، يؤدي ذلك إلى تشويه سمعة البلاد، وليس هذا وحسب، بل إلى توجيه ضربة للصادرات الإيرانية أيضاً. فلا بد من الإشراف على سلامة البضائع. وهذه مهام ينبغي التصدي لها.

لله دره هذا الانسان الغيور..

ولنتناول الآن الحديث حول الإنتاج المحلي. إنني أُعطي للإنتاج المحلي حقاً كبيراً. فلا بدّ أن يُطرح كأمرٍ مقدَّس، وأن يُنظَر إلى دعمه كوظيفة، وأن يرى الجميع وجوب دعمه وإسناده. وإنّ من السبُل لذلك عدم استيراد البضاعة من الخارج التي لها مثيل في الداخل على الإطلاق، وهذا ما ذكرته مراراً – وسوف أتعرض لقضية التهريب لاحقاً، فهي بدورها قضية هامة – وعدم إدخالها بصورة رسمية. وهناك أساليب لذلك، منها رفع قيمة التعرفة الجمركية أو الحيلولة دون استيراد السلع التي يوجد ما يشابهها في الداخل. علماً بأن هناك ذرائع يتمسكون بها – وأنا على معرفة بها وقد سمعتها وسوف أشير إليها – بيد أن الأساس هو ضرورة ترويج الإنتاج الداخلي.

بلغني أن بعض المتاجر في طهران ولربما في مدن أخرى، ملتزمة بأن لا تبيع سوى المنتجات الداخليّة، وقد نصبت لوحة كبيرة – حيث التقطوا صورة لها وشاهدتُها – مكتوبٌ عليها لا تُباع في هذا المتجر إلا المنتجات الداخلية.. بارك الله فيه! لله درّ هذا الإنسان الغيور، وهذا الإنسان المصلح! هذا المتجر لا يحتوي إلا على النتاجات المحلية. وفي المقابل هناك متاجرُ حينما يدخلها الإنسان، كلما أدار طرفه فيها، لا يرى سوى المنتجات الأجنبية. ومما يؤسف له أن بعض هذه المتاجر وهي كبيرة أيضاً، تعود إلى الأجهزة الحكومية! لماذا يفعلون ذلك؟ لا بد أن يعدّ هذا العمل في عداد الأعمال القبيحة. إنكم تريدون سَوْقَ العامل الداخلي إلى البطالة، وتحسين أوضاع العامل الأجنبي، من أجل التفاخر باقتناء سِلَعٍ ذات علامات تجارية أجنبية. وهناك بعض الأثرياء الحديثي النعمة الذين أخذتهم نشوة أموالهم – وعددهم ليس بالقليل في بلدنا وللأسف – يبحثون عن العلامات التجارية الأجنبية، أو الماركات الأجنبية على حدّ تعبيرهم، وكم تُزعجني كلمة «الماركة». فلا بد أن يُطرَح بيع البضائع الأجنبية واستهلاكها كأمرٍ مضادٍّ للقِيَم، إلا في المواطن التي لا يوجد لها مثيلٌ في الداخل. ولو لم يكن لهذه البضائع بدائل داخلية، فلا ضير في ذلك، لأننا لم نبنِ سوراً يحيط بنا، ولنا تواصلنا وتعاملنا مع العالم، نبيع ونشتري، وأحياناً أن لا يكون الإنتاج المحلي في بعض المواطن مربحًا – وتوجد لدينا بعض الموارد من هذا القبيل – فلا إشكال حينئد بالاستيراد. وأما في المجالات التي لدينا فيها إنتاج محلي، أو نريد أن يكون لنا ذلك، والعامل لدينا عاكفٌ فيها على العمل، وهو يوفّر قيمة مضافة، ونحن نقوم بطرح هذا الإنتاج المحلي جانباً، واستيراد ما يماثله من الخارج بثمن يصل إلى عدة أضعاف أحياناً، لكونه يمتاز بهذه العلامة التجارية الأجنبية، أو بماركة المعمل الفلاني المعروف في الدولة الأوروبية الفلانية، واستهلاكه، فهذا ما يجب أن يُعدّ أمراً مضاداً للقيم.

استيراد بتدبير وإشراف..

ولا بد من الوقوف أمام استيراد البضائع – كما ذكرت – بالشكل المعقول. فإني لا أوافق على الإفراط في هذه القضايا، وإنما أؤيّد التزام الحكمة والتدبير في ذلك. ولا أقول بإغلاق البوابات، بل أطالبكم بالرقابة والإشراف، فاستوردوا ما ينبغي استيراده ولا تستوردوا ما لا ينبغي استيراده. ولا علم لي بقضية استيراد السيارات الأمريكية التي راحت تتردّد حالياً على ألسن البعض. فإن هذه السيارات لا يستخدمها الأمريكيون أنفسهم، وهذا ما شاهدناه في الصحف الأمريكية التي نشرت ذلك، والسبب على حدّ قولهم استهلاكها العالي للوقود وثقلها. وإذا بنا على سبيل المثال نستورد منتجات المصنع الفلاني للسيارات الآيل إلى الإفلاس، وذلك من أمريكا! فلا بد من الوقوف أمام ذلك بصورة جادة. ولكن من الذي يجب عليه الوقوف؟ إنهم المسؤولون والوزراء المحترمون. إنني أعلم بأن هناك من يفرض الضغوط من وراء الكواليس من أجل بعض المصالح والأرباح التي تدرّ عليه، فليقفوا في وجه هذه الضغوط ولا يرضخوا لها. وما يُقال بأنّ استيراد أدوات التجميل في البلاد يصل إلى مليارات الدولارات، لا أعلم هل هو صحيح أم لا؟ فإني لم أتحقق من ذلك، ولا أظن أنكم قد تحققتم كثيراً من هذا الموضوع، ولكن لو كان صحيحاً فهو مرفوض. استيراد أدوات التجميل بمليارات الدولارات؟! وذلك في بلدنا رغم كل ما يذكرون لهذا الأمر من موانع وإشكالات، لأن العائلة الثرية الحديثة النعمة على سبيل المثال ترغب في اقتنائها. وقد سمعتُ بأن بعض هذه الأدوات غير سليمة. فلا بد من الوقوف أمام هذه الظاهرة والاستقامة والحيلولة دون ذلك.

التهريب.. سُمٌّ مهلك للإنتاج المحلي

والقضية الأخرى هي قضية التهريب. وقد تكرر أنه حين أتحدث مع المسؤولين في مختلف الحكومات حول هذه القضية، يقولون بأننا لو فرضنا رسوماً عالية أو منعنا الاستيراد، لدخلت نفس هذه السلعة مهرَّبة. فهل هذا الدليل صائبٌ برأيكم؟ يجب التصدي لظاهرة التهريب بصورة جادة. ونحن حتى هذه اللحظة لم نعمل عملاً جاداً في مكافحة التهريب، فاعملوا على ذلك بجدّ. ولا أقصد بالتهريب ذلك الرجل البلوشي الضعيف الذي يحمل جِرابه على ظهره ليجلب بضاعة من وراء الحدود إلى الداخل، فإن هذه الحالات ليست بالشيء الذي يُذكر، ولا أهمية لها، بل ولا إشكال فيما لو لم يتم التصدي لها، وإنما أتحدث عن حالات التهريب الضخمة المخطط لها، فإن هناك عشرات بل مئات الحاويات التي تجلب شتى صنوف البضائع إلى الداخل! والواجب علينا مواجهتها، فإننا حكومة، نتسم بالقوة والاقتدار، ونحن قادرون على ذلك، فلنجابههم بصورة جادة. ولو تم التصدي لهذه الظاهرة بقوة لعدة مرات، لآلت إلى إغلاق هذا الباب بالمطلق، أو إلى الحدّ منها بشكل كبير على أقل تقدير. فإن ظاهرة التهريب بلاء كبير على البلاد، وهي أسوأ بكثير من الاستيراد الحكومي والجمركي، وذلك أولاً لأن سلامة البضاعة فيها غير معلومة، وثانياً لعدم وصول أرباحٍ منها للحكومة، وثالثاً يرد عليها نفس الإشكال الوارد على عملية الاستيراد وهو كساد سوق الإنتاج المحلي. وهذه ليست بأضرار صغيرة، فلا بد من مواجهة التهريب بصورة جادة. ويجب أن تؤخذ أجهزة مكافحة التهريب على محمل الجدّ، وينبغي أن نولّي على هذا الأمر أقوى رجالنا، وهو أمر ممكن باعتقادي، فإما أن تتم الحيلولة دونها بشكل كامل، أو أن يُمنع جزء كبير منها. فهي بالتالي قضية أساسية جداً.

والنقطة الأخرى التي تتسم بأهمية بالغة، والتي هي الأخرى تحدثت في شأنها كراراً مع عددٍ من الوزراء المعنيين – سواء وزراء الزراعة، أو وزراء الصناعة، أو بعض المسؤولين الحكوميين الآخرين – هي أنه أحياناً ما، يمكن إنتاج سلعة داخل البلد، ولكن بعض الذين يحصلون على أرباحٍ باهظة عن طريق استيراد نفس هذه السلعة، يحولون دون إنتاجها في الداخل، من خلال دفع الرُّشَى، قائلين: أغلِق هذا المعمل، أو أعرِض عن بنائه واستلِم هذه الأموال، وإن لم يُلبِّ سُؤْلهم، يلجأون إلى التهديد وارتكاب الجريمة. ولا أروم حالياً ذكر أسماء السِلع، إذ أعرف بعض السلع التي يمكن إنتاجها داخل البلد، ولكنها تُستورَد لأن هناك من ينتفع من استيرادها ويمنع من إنتاجها في الداخل. فإن أراد إنسانٌ مبدعٌ يمتلك رأسمالاً، أن يُنتج بضاعة لها استهلاكها الكبير في البلد، يقولون له: دعكَ من إنتاج هذه البضاعة، وخذ عشرة أو عشرين أو ثلاثين ملياراً! وهو إما أن يخضع لطلبهم ويُريح نفسه، أو أن يرفض مبتغاهم، فيضغطون عليه، ويخلقون له مختلف أنواع المشاكل، يضعون أمامه موانع قانونية، أو بالتالي يرتكبون في حقه جريمة، ويسدّدون له ضربة، ويجرّونه إلى الندم.. هذه أمورٌ هامة، وقضايا أمنية، وليست بمسائل بسيطة، ولا يمكن التعامل معها بسهولة.. هكذا هو التهريب، فإنه سمٌّ مهلكٌ للإنتاج المحلي.

لا ترجعون الى الشباب؟ لماذا

والمسألة الأخرى هي التقنية المتطورة. فأحياناً ما نتساءل: لماذا تستوردون السلعة والبضاعة الفلانية مع وجود الإنتاج المحلي لها؟ يجيبون بأن تقنية منتوجتنا الداخلية قديمة، واليوم قد تحوّل العالم، وظهرت أعمال جديدة، وتقنيات حديثة، ولا مناص لنا من استيرادها من الخارج. ولديّ جوابٌ على هذا الكلام. علماً بأني لا أعارض الاستيراد، ولا سيما استيراد التقنيّات؛ ذلك أنني كنتُ رئيساً للجمهورية في هذا البلد، ولديّ صلة بالقضايا التنفيذية واطلاع عليها، فلا إشكال في الاستيراد، بل هو ضروري في بعض الأحيان، ولكن شريطة أن يكون بقَدَر وميزان. بيد أنهم أينما أعيتهم الحِيَل، لجأوا إلى القول بأن التقنية في الإنتاج المحلي متخلّفة، ولكننا في داخل البلد نتمتع بكل هذه الأذهان الوقّادة، فإن الذهنية التي تستطيع تصنيع صاروخ يصيب الهدف على مدى ألفي كيلومتر بخطأ يقلّ عن عشرة أمتار، هل تعتبر ذهنية بسيطة؟ ]هنا تعالت هتافات التكبير[ (إنني أردتُ أن أضرب مَثَلاً، غير أن اسم الصاروخ أثار الشباب). أُريد القول بأن العقلية التي تتمكن من تصنيع صاروخٍ كهذا أدى إلى أن يعترف حتّى الأعداء بأهمية إنجازه، ألا تستطيع على سبيل المثال تبديل استهلاك السيارة من 13 ليتراً لكل 100 كليومتر، إلى استهلاك 5 ليترات لكل 100 كيلومتر؟ وهل هي عاجزة عن إنجاز هذا العمل؟ لماذا لا ترجعون إلى الشباب؟ ولا ترجعون إلى هذه الأذهان الوقادة؟ ولا تستعينون بهم؟

ربط الصناعة بالجامعة والنخب

منذ عدة أعوام وأنا دوماً ما أشدّد على مسألة «التعاون بين القطاع الصناعي والجامعات»، وهنا تتجلى نتيجة هذا التعاون. حيث تقوم الصناعة بإعانة الجامعة على عرض وإبداع أساليب حديثة لها، تؤدي إلى أن يربح كلا الطرفين. فاعملوا على ربط الصناعة بالجامعة وبطبقة النخبة، كما قد تم حالياً ولحسن الحظ إنجاز أعمال كبيرة في مجال الشركات المبنية على المعرفة، ونجد أن الشابّ الإيراني قادرٌ على العمل. ففي نفس هذه الحسينية أقاموا معرضاً، قمتُ بزيارته، يعرض منتجات مجموعة من الناشئة، من طلاب المرحلة الثانوية، فسألتهم ماذا تفعلون؟ وأجاب كلٌّ منهم بالعمل الذي قام بإنتاجه، وهم من شباب الثانوية! هذه هي أذهاننا، وهذه هي طاقاتنا الإنسانية، فلِمَ لا نستثمر هذه الطاقات، ونلجأ إلى استيراد السيارات الأجنبية التي تتمتع بتقنية متطورة؟ فلنعمل على إيجاد هذه التقنية المتطورة داخل البلد. لديّ أمثلة كثيرة لا أريد الإفصاح عنها ولا يمكن ذلك، لأن البعض منها سريّ. ولو كنتم على علم أيّما إنجازات كبرى أنجز شبابنا وفي أيّ مواطن، لدُهشتم حقاً. ولدينا الكثير من هذه النماذج، ومعلوماتي في هذا المجال غزيرة جداً، فلنستثمر هذه الطاقات. وقولنا بأن تقنيتنا متخلفة، ليس مبرّراً للاستيراد.

هذا هو حديثنا، وإني متفائلٌ بالعمّال وأرباب العمل والمديرين والمسؤولين الحكوميين، وأنظر إليهم جميعاً نظرة إيجابية، ولا أحمل نظرة سلبية تجاه أي أحد. بيد أن الأمور تتعثّر في بعض المواطن، فابحثوا عن هذا الخلل، وانظروا لـِمَ هذا التعثّر؟ وأين تكمن المشكلة؟ إنكم تضخّون الماء دوماً في هذا المسبح الكبير بأنابيب ضخمة، ولكنه لا يمتلئ بالماء، فابحثوا أين يوجد تشقق؟ وأين هي تلك الثغرة التي تتسرّب المياه منها وتحول دون ملء المسبح؟ وعلى المسؤولين تحرّي هذه المسائل.

أعزائي! بإمكان البلد أن يحث الخطى إلى الأمام. وإن تكراري لمسألة الحضارة الإسلامية، وأن إيران بإمكانها أن تقف في قمة هذه الحضارة، ليس شعاراً وارتجازاً، وإنما يعتمد على واقع البلد. نحن قادرون.. قادرون على أن نتقدم في اقتصادنا، ونتقدم في صناعتنا، ونتقدم في زراعتنا، ونصل إلى الاكتفاء الذاتي في المواطن التي تتطلب ذلك، فعلى المسؤولين أن يبذلوا مساعيهم في هذا المضمار. وكما ذكرت في مستهل الحديث، فإن كل واحد منا مسؤول عن أن يؤدّي حق مسؤوليته، وأن يبذل بالغ جهده.

لا يمكن الوثوق بأمريكا!

علماً بأن أمامنا أعداءً يمارسون العداء ضدّنا. فإننا لا نسير في طريقٍ معبَّد من الإسفلت، بل دوماً ما يضعون العقبات في مسيرنا. ولكن من الذي يضع هذه العقبات؟ إنهم أعداؤنا وعلى رأسهم أمريكا والصهيونية الذين يمارسون عملية الإخلال والتحايل، ويرغبون في أن ينطلي علينا خداعهم، وأحياناً يفتحون من بعيد لسان العتاب والاعتراض بأنكم لـِمَ تنظرون إلينا نظرة تشاؤم؟ لأننا نرى الأمور التي تبعث على التشاؤم وسوء الظن، ولا يمكننا التغاضي عنها. ففي الوقت الراهن هناك إخلال في المعاملات المصرفية لبلدنا، وهذا ما بات يصرّح به المسؤولون برمتهم. فإن التواصل والتعامل المتوقف على التداول المصرفي يسير حالياً بكل بطء ومشقة، لماذا؟ يقولون لأن المصارف العالمية الكبرى غير مستعدة للتداول (المصرفي). ولكن ما هو السبب في ذلك؟ هل في قلوبهم مرض؟ إنّ الغاية من تأسيس المصارف هي التداول (المصرفي). فلِمَ لا يروم البنك الفلاني المعروف والكبير في العالم أن يتعامل مع بلدٍ لديه سوق سعته ثمانون مليون نسمة ويتمتع بكل هذه الثروة؟ هناك مانعٌ يصدّه عن ذلك، فما هو هذا المانع؟ إنه أمريكا. ولقد قلتُ مئة مرة – مع زيادة أو نقصان – بأنه لا يمكن الوثوق بأمريكا، وبدأ الآن يتضح هذا الأمر بالكامل. فإنها تكتب على الأوراق بفتح أبواب تعامل البنوك مع إيران – وهو حبرٌ على ورقٍ لا قيمة له – ولكنها عملياً تُلقي الرعب في نفوس أصحاب البنوك بحيث لا يجرؤون على الاقتراب منها.. «إيران فوبيا». حيث تقول بأن إيران بلدٌ إرهابي، ومن الممكن أن نفرض عليه الحظر بسبب ممارساته الإرهابية، ولكن ماذا يعني ذلك؟ إنها رسالة إلى البنوك بأن ينتبهوا ولا يقتربوا من إيران، لأنها قد تتعرض لفرض العقوبات. إنهم يكتبون على الأوراق للبنوك بأن يتعاملوا مع إيران، ويصدّرون القرارات في ذلك، ولكنهم يعملون ما من شأنه أن لا يجرّئ البنك على خوض هذا الميدان، ولا يجرّئ المستثمر الأجنبي على الاستثمار في هذا البلد.. هذا ما يمارسونه عملياً.

علماً بأن هؤلاء هم أسوأ من جميع الإرهابيين، وهم الذين دعموا الإرهابيين المعروفين، وما زالوا بحسب معلوماتنا يدعمونهم، وإذا بهم يتهمون إيران بالإرهاب! يقول أحد الساسة الأمريكيين بأن سبب عدم قيام المستثمرين باستثمار رؤوس أموالهم في إيران هو الأوضاع الداخلية في هذا البلد! ولكن من أي شيءٍ تعاني أوضاع إيران الداخلية؟ أيّ بلدٍ في المنطقة ينعم بالأمن أكثر من إيران؟ هل أمريكا أكثر أمناً من هذا البلد؟ أمريكا التي يُقتل فيها – وفق إحصائياتهم – يومياً عدة أشخاص بالاغتيال، هل هي أكثر أمناً من هنا؟ أم أن البلدان الأوروبية التي تشهد تلك الاحتجاجات الجماهيرية، وتعاني من تلك المشكلات العمالية، والمعضلات الاقتصادية، تتمتع بمزيد من الأمن على بلدنا هذا؟ إيران بلدٌ آمنّ متّحد، والأوضاع الداخلية في إيران على الرغم من أنوف الأعداء أوضاع جيدة جداً.

حينما يتحدث المسؤول الأمريكي عن بقاء هيكلية العقوبات ونظام الحظر ضد إيران، ماذا يعني ذلك؟ يعني تخويف المستثمر الأجنبي ولا يقترب من هذا البلد. فإنهم يعملون على إشاعة ظاهرة «رهاب إيران»، ويُلقون الرعب في نفوس الناس تجاه هذا البلد بالصراحة لئلا يقترب أحد منه. هذا هو عدوّنا، وهو موجود، ويجب علينا في كل عملٍ نريد إنجازه أن نأخذ وجود هذا العدو بنظر الاعتبار. علماً بأننا حققنا تقدماً على مدى الأعوام الـ37 أو الـ38 رغم وجود هذا العدو. وأقولها لو أنّ هذا العداء استمر لمئة عامٍ أخرى، فإننا سنواصل تقدّمنا باستمرار على مدى هذه الأعوام المئة رغم أنوفهم.

كمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)

إن أمريكا هي العدوّ سواء أظهرنا هذه الحقيقة أم لا، وسواء أشرتُ أنا الحقير في خطاباتي إلى هذه القضية أم لا. وهناك من يعترض قائلاً لماذا تكررون مفردة «العدو»؟ ولنفترض بأنني سأترك الحديث عن العدو، فهل سينتهي عداؤه؟ إنه عدوّ، يعادي أساس هذه الحركة الجماهيرية العامة، ويناهض أساس الثورة، ويناوئ أساس النظام. ففي بعض الأزمنة، كانت أمريكا تتحكّم بهذا البلد كما يحلو لها، واليوم لا يوجد لها فيه حتى سفارة، وذلك لأن النظام الإسلامي قد أقيم في هذا البلد، ولهذا تجدهم يعادون هذا النظام، ويرغبون في سيادة الأوضاع السابقة. حيث يقولون افتحوا النوافذ، فإن ذلك السيد]الرئيس الأمريكي[ في ندائه بمناسبة عيد النيروز قرأ شعراً لأحد الشعراء الإيرانيين يقول فيه: «افتحوا النوافذ»، فقلت أجل، افتحوا النوافذ لندخل منها بعد أن طردتمونا من الباب، براحة وسهولة!

ليلتفت المسؤولون – في الحكومة، وفي مجلس الشورى الإسلامي، وفي السلطة القضائية، وفي المراكز الثورية، وكذلك أبناء الشعب – بأننا مظلومون ولكن أقوياء، كمولانا أمير المؤمنين، حيث كان أكثر الناس مظلومية، وفي الوقت ذاته أقوى الناس أيضاً. فلو أننا عرفنا قَدرنا، وأدركنا قُدراتنا، واستثمرنا هذه القدرات بالطريقة المثلى وبأكثر الأشكال إنسانية وإسلامية، سوف نتغلّب على كل الموانع والعقبات. أجل، طريقنا ليس من إسفلت، ولكننا قادرون على السير في الطرق الصخرية الوعرة أيضاً، والطريق اليوم لحسن الحظ ليس طريقاً وعراً كما كان في بداية الثورة. فليلتفت المسؤولون وأبناء الشعب إلى ضرورة أن نعتمد اليوم على قدراتنا.

بعد بضعة أيام – أي بعد يومين – ستُجرى انتخابات في بعض المدن الإيرانية، والواجب عليكم أن تولوا الانتخابات اهتماماً خاصاً، وأن تشاركوا فيها، وأن لا تتركوها، فإنها تتسم بالأهمية. ولطالما دعوتُ أبناء شعبنا العزيز – سواء في الانتخابات الماضية التي أجريت في شهر شباط، أو قبل ذلك في الانتخابات النيابية والرئاسية – إلى أن يشاركوا في الانتخابات، لأن المشاركة في الانتخابات أمرٌ مصيريٌّ حاسم. والبعض لا يلتفت إلى هذه الحقيقة، فإنكم إن تركتم الحضور عند صناديق الاقتراع، سوف لا تنقلون هذه المشاعر، وهذا الشوق، وهذا الاندفاع، وهذه الهوية إلى الصناديق، وعند ذاك سوف تستعصي الأمور، فعليكم بالمشاركة في الانتخابات. وإن المرحلة الثانية من الانتخابات لا تقلّ أهمية عن المرحلة الأولى، وكما ذكرنا سابقاً بضرورة مشاركة الجميع، تجب المشاركة على الجميع في هذه المرحلة أيضاً. واستعينوا بالله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل سوف يعينكم جميعاً بإذنه ومشيئته.

والسلام علیکم ورحمة الله

[1] – مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها,ص93. (مع تفاوت بسيط).

[2]  ربما قصد الإمام القائد الانتاج المناسب أيضاً كما هو السياق.

 

 

المصدر: خاص