كيف حوَّلت بريطانيا علم الجينوم لسلاح سري في الحرب على طفرات كورونا؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

كيف حوَّلت بريطانيا علم الجينوم لسلاح سري في الحرب على طفرات كورونا؟

Corona Genome Science Britain

نادراً ما تطرق الثورات الطبية العالمية الأبواب قبل وصولها إلى أي مكان، لكن هذا ما سيحدث تحديداً في البلدة البريطانية ميدستون خلال الأسبوع الجاري. ففي 8 مقاطعات بوسط إنجلترا، تصل إلى أعتاب منازل 80 ألف شخص معدات مسحة طبية ضمن “عملية النسر”، وهو برنامج فحص للطفرات التي دخلت على فيروس كورونا المستجد، بحسب صحيفة The Times البريطانية.
الجينومات.. تقدم كبير في المعركة ضد طفرات كورونا
وتهدف هذه العملية إلى تحديد الأشخاص المصابين بطفرة الفيروس التي ظهرت لأول مرة في جنوب إفريقيا، وعزلهم. وبهذا توصل رسالة إلى العالم أنَّ تأمين اللقاح المضاد لكوفيد-19، “ليس الشيء الوحيد الذي نجحت فيه بريطانيا”، بحسب وصف الصحيفة.
واعتقد كثيرون في البداية أنَّ هذا البرنامج لا طائل من ورائه، لكنه اكتسب أهمية في الأشهر الماضية؛ فبريطانيا، كما وصفتها صحيفة The Wall Street Journal هذا الأسبوع “رائدة عالمياً في تحديد تسلسل جينوم الفيروس التاجي”.
وفي النهاية ستصل بعض المسحات من ميدستون إلى أحد أشهر مختبرات الجينات في العالم: معهد The Sanger. وقبل 20 عاماً استخدم هذا المختبر تلك التقنية للتعرف على تسلسل الجينوم البشري الأول كاملاً. واستغرق ذلك سنوات من العمل، وكلف مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية.
وهذا الأسبوع سيعمل معهد The Sanger على وضع تسلسل أكثر من 10000 جينوم، لكن ليس من البشر، بل لفيروسات كورونا. وتشكل مجموعات اختبار ميدستون هذه جزءاً مما يعتقد العديد من العلماء أنه تقدمٌ كبير، وأداة تخدم الصحة العامة، تُضاف إلى المضادات الحيوية واللقاحات والصرف الصحي.
كيف يتتبع “علم الوراثة” تطور الفيروس ويكافحه؟
وقد أحدث الوباء العديد من الثورات؛ مثل: العمل عن بعد، وتكنولوجيا اللقاحات، ومؤتمرات الفيديو. ووضع التسلسل الجينومي يعتبر واحدة من هذه الثورات؛ فلأول مرة تستخدم بريطانيا علم الوراثة على نطاق واسع لتتبع تطور الفيروس ومكافحته.
وتبدأ هذه الثورة بعملية تسليم. ثم يُطلَب من الأشخاص إجراء مسحة لمؤخرة الحلق باستخدام مجموعة فحص. وحين تصل العينات إلى معمل الاختبار، ستكون ضمن الآلاف التي تدخل إلى خط إنتاج اختبارات “تفاعل البوليميراز المتسلسل”- وهي الاختبارات التي تحدد معظم الإصابات المُسجَّلة لدينا- لكنها ستكون مختلفة أيضاً. إذ سيوضع عليها شعار “عملية النسر”، وإذا كانت إيجابية لن تكون هذه نهاية رحلتها، على عكس العينات الأخرى؛ فنحن بحاجة لمعرفة نوع سلالة الفيروس التي تحملها.
والطفرة التي تحدث في الفيروس طفيفة، وهي تغييرات قليلة في عدد قليل من الذرات، لكنها تأتي مع عواقب اقتصادية واجتماعية وصحية خطيرة. وكانت المرة الأولى التي اكتُشِفت فيها طفرة E484K على نطاق واسع في جنوب إفريقيا. وبالنظر إلى التغييرات التي أحدثتها الطفرة في التركيب الفيروسي، تخوف العلماء من أن تساعده في الإفلات من الجهاز المناعي. وهو ما تأكد بالنظر إلى نتائج تجارب اللقاح.
وهذا ما تبحث عنه عينات فحص الطفرة. وبينما انخرطت ديدو هاردينغ، رئيسة هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، في إنشاء البنية التحتية لفحوصات الفيروس في بريطانيا، فاتنا إلى حد كبير أن علماء بريطانيا طوروا بنية ثانية خلفها.
في مارس/آذار الماضي، مع بداية انتشار الوباء، اجتمع مجموعة من علماء الوراثة لمعرفة ما يمكن أن يساهموا به. وكانت خطتهم هي فعل شيء لم يسبقهم إليه أحد؛ وهو: إنتاج تسلسل الجينوم الكامل للفيروس في أكبر عدد ممكن من الإصابات. وافترضوا أنه بفحص الطفرات، سيتمكنون من الوصول لمعلومات تساعد في وقف الوباء.
يقول شارون بيكوك، عالِم الوراثة في جامعة كامبريدج الذي يدير Covid-19 UK Genetics Consortium (مجمع الهندسة الوراثية لكوفيد-19 البريطاني): “كان الناس يقولون يا لها من مضيعة للوقت والمال!”.
لكن تبيَّن أنَّ منتقديهم خاطئون. فمن دون عمل المجمع، كان سيصعُب على بريطانيا رصد “متغير كينت”- تحور في فيروس كورونا المستجد عُثِر عليه لأول مرة في جنوب شرق إنجلترا- بهذه السرعة، ولن يكون لديها أمل في مراقبة ظهور الطفرة الجنوب إفريقية.
ماذا سيحدث الآن؟
تقول صحيفة “ذي تايمز”، إذا جاءت إحدى عينات ميدستون إيجابية، ستوضع جانباً وتُجهز للنقل يومياً. فكل يوم وطوال فترة الوباء، لا ينتهي عمر ما بين 5 إلى 10% من جميع العينات في معامل الاختبار. بل تذهب مئات الآلاف منها إلى مختبر ثانٍ، في جهود تتفوق كثيراً على أية محاولات مشابهة في الدول الأخرى.
وتقول كاثرين لودن، مديرة العمليات في مجمع الهندسة الوراثية لكوفيد-19 البريطاني: “كان لا بد من إعداد كل شيء من الصفر. وتطلب هذا فرقاً ضخمة. فلدينا أشخاص يعملون على مدار الساعة وتطوعوا لقضاء هذا العام الأخير في سبيل هذا”.
وبعد يوم من وصول عينة “عملية النسر”، ستنضم إلى عينات كل تسلسل جينوم آخر هنا. وعقب إخفاء هوية صاحب العينة، وإدخالها إلى قاعدة بيانات عالمية، نصف المُدخلات فيها تقريباً من المملكة المتحدة وحدها، تكون جاهزة للاستخدام من المجتمع العلمي.
ومع ذلك إذا كانت تحتوي على الطفرات المرتبطة بالمتغير الجنوب إفريقي، فستُرسَل نسخة غير مجهولة الهوية إلى فرق الصحة العامة في ميدستون، مع إعطائهم المعلومات لتتبع انتشاره، آملاً في إيقافه.
ويقول آلان ماكنالي، أستاذ علم الجينوم الميكروبي في جامعة برمنغهام، الذي يتوقع وصول عيناته الأولى من عملية النسر قريباً: “نكافح منذ 10 سنوات لاستخدام هذه الأداة في محاربة الأمراض المعدية”. وتوقع قبل الوباء أنها ستكون وسيلة لمحاربة مقاومة مضادات الميكروبات. وتحقق هذا التوقع؛ بسبب “كوفيد-19”. وأوضح ماكنالي: “أحد الموروثات الدائمة التي سيتركها كوفيد-19 في مجال الصحة العامة في هذا البلد هو إدراك القوة الهائلة المُكتَسبة من مراقبة تسلسل الجينوم للأمراض المعدية على أرض الواقع”. لمحاربة الفيروس لدينا اللقاح. ولمحاربة اللقاح طوَّر الفيروس طفرات. وفي لعبة القط والفأر هذه، لمحاربة الطفرات لدينا علم الجينوم.

المصدر: عربي بوست