خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 3-8-2018 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 3-8-2018

الشيخ دعموش

﴿يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الاْيَـاتِ إِن كنتم تَعْقِلُونَ *هَـأَنتُمْ أُوْلاَءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَـابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمْ الاَْنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ *إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةُ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بَمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ *﴾

هذه الآية تحذر المؤمنين من أن يتخذوا أعداءهم بطانة لهم، أي أولياء وأصدقاء يطلعونهم على باطن أمرهم، ويجعلونهم موضع ثقتهم، فيخبرونهم بأسرارهم ونواياهم وأُمورهم، وهو تحذير عام لا يختص بزمان دون زمان، ولا بمكان دون مكان، ولا بجماعة دون جماعة،  بطائفة دون طائفة.

فلابدّ أن يحذر المسلمون من هذا العمل في جميع الأزمنة والأمكنة، حفاظاً على أمنهم وكيانهم وحياتهم، حتى ولو اظهر الاعداء المودة والحب والحرص على مصلحتكم، وأعلنوا تأييدهم لكم في بعض الاُمور، وتظاهروا بالعمل من أجلكم، لأنهم لا يتورعون عن الكيد والتآمر وأضمار الشر والحاق الاذى والشقاء والعناء بكم (لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم) اي لا يقصرون في جلب الخبال اي الشر والفساد والضرر لكم، ولا يتركون جهداً في إفساد أمركم، ولا يدّخرون وسعاً في الكيد والتآمر عليكم ، هؤلاء لا يريدون للأمة الإسلامية إلاَّ الشقاء والتأخر والهلاك والدمار، ولا يألون جهداً في إثارة المشاكل والأزمات في حياة المسلمين وبلدانهم.

انظروا اليوم الى اميركا واسرائيلوبعض دول الغرب الذين يتظاهرون بأنهم يعملون لحرية شعوب هذه المنطقة ويتحدثون عن الديموقراطية وحقوق الانسان ولكنهم يصدرون لنا الأزمات والمشاكل والفتن والحروب  والجماعات الارهابية المتوحشة ويدمرون بلداننا.. انظروا ماذا فعلوا بافغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها تحت هذه العناوين المخادعة.

هؤلاء لا يحبونكم بل يضمرون الشر والبغضاء لكم، وهو يظهر في فلتات السنتهم وصفحات وجوههم (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ )
هؤلاء الأعداء المعاندين المشحونين بالبغضاء والأحقاد ضد الإسلام والمسلمين ينافقون ويخادعون (وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور).

من علامات العداوة الكامنة في صدورهم ودخائلهم هو (ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها). اي إن حققتم انجازا او انتصارا او نجاحاً فإنهم ينزعجون ويمتعضون وان فشلتم يفرحوا ويبتهجوا بذلك.

اذن هذه الاية تؤكد وبمعزل عن النقاش الدائر حول  نظرية ” المؤامرة ”  ان الاعداء لا يتوانون عن التآمر والكيد ضد الاسلام والمسلمين، ولا عن والعدوان وفرض العقوبات والحصار، وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه، وقد ظهرت شدة البغضاء في كلامهم، وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم، فما العمل إذن أمام مكر هؤلاء الأعداء وكيدهم المتواصل ومؤامراتهم التي لا تنتهي؟ هنا يأتي قوله “وَإن تَصبِروا وَ تَتَّقوا لا يضُرُّكم كيدُهُم شَيئًا”. ليرسم المسار الذي ينبغي للانسان ان يتبعهفي المواجهة وليعطي قاعدة قرآنية من قواعد النصر في الإسلام، والقاعدة هي : أنه بالصبر والإيمان والتقوى ينجو المؤمنون من كيد أعدائهم، ويكتب الله لهم النصر عليهم، والنجاة مما يحاك لهم ويدبرضدهم {وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرٍّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} .

الصبر والتقوى يجعلان هذا العدو المعاند والحاقد، على الرغم من كل قدراته وامكاناته وعلاقاته ، عاجزاً عن ارتكاب أية حماقة في مواجهتكم “لَا يضُرُّكم كيدُهُم شَيئًا” أي لا يستطيعون مهما بلغ كيدهم وحجم تآمرهم النيل منكم والحاق الهزيمة بكم، ولكن بشرط الصبر والتقوى.
الصبر الذي يعني الثبات والبقاء والصمود في الميدان وعدم الخروج من الساحة، البعض يهربون من الساحة ولا يثبتون في ميادين المواجهة بل يخرجون منها، والبعض لا يخرجون بالفعل ولكنهم يعتزلون الساحة تدريجياً، وهذا بخلاف الصبر. الصبر يعني الثبات والبقاء في الميدان وعدم الانسحاب منه وتحمل المشاق والصعاب.

الصبر يعني الاستمرار في تأدية التكاليف والمسؤوليات والتطلُّع والنظر إلى الأهداف والآفاق البعيدة.
الصبر يعني ان لا تكتفي بالانتصارات والانجازات والنجاحات العاجلة والمحدودة وتخرج من الميدان، بل ان تتطلع الى تحقيق الأهداف الاستراتيجية والبعيدة وان تبقى في الميدان تتحمل المسؤولية حتى تحقيق تلك الأهداف.

المواجهة مع الأعداء والوقوف بوجه مشاريعهم واطماعهم ومؤامراتهم وكذلك مواصلة طريق المقاومة وتحقيق اهدافها البعيدة تحتاج إلى مثل هذا الصبر.
يقول الامام القائد اية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله) بما معناه: “ان المسلمين الاوائل في صدر الإسلام وفي تلك العقود الأولى حيث كان الوضع صعباً جداً ـ وخصوصاً في زمن الرسول الأعظم ـ صبروا وثبتوا وقاوموا فكانت النتيجة أنه على الرغم من النواقص والسلبيات التي حصلت خلافاً لتعاليم الإسلام الحقيقيّة، إلا أنَّ ذروة الحضارة الإنسانية كانت في القرنين الثالث والرابع للهجرة من نصيب الأمة المسلمة والبلدان الإسلامية، فإذا صبرنا فستكون الآفاق البعيدة لنا.. هذا عن الصبر.

اما التقوى فهي تعني الحيطة والحذر من حيل العدو ومكره.  واليقظة والاستعداد في مواجهته، ومراقبة الذات عند مواجهة العدو، حتّى لا تنحرف عن الاستقامة ولا تضعف عن الالتزام باحكام الله والتكاليف والمسؤوليات الالهية ، وأيضاً بمعنى الورع وتجنب الثقة بالعدو. لا تثقوا بالعدو، احذروا مكره.، ولا تكتفوا بعدم الثقة به بل افهموا حيله وخططه وافهموا خلفياته واهدافه وغاياته وما يرمي اليه. وكذلك التقوى بمعنى مراعاة التدبير. أي تجنب الأعمال غير المنضبطة والمخالفة للقواعد والمخالفة للعقلانية وتجنب التراخي والتساهل والتهاون”.

هذه هي القاعدة التي يقررها القرآن للنصر على العدو وتفويت اهدافه وتعطيل مفاعيل وآثار كيده ومؤامراته، فإذا تمسك الناس والشباب والمجاهدون والمقاومون بذلك الصبر وهذه التقوى “لا ‌يضُرُّكم كيدُهُم شَيئًا”، فلن يستطيعوا إلحاق الهزيمة بكم او الحاق الضرر بكم، ولا بامكاناتكم وقوتكم وبلدكم ، قد يسببون بعض الخسائر.. والدمار والقتل.. لكن لن يستطيعوا الحاق الهزيمة بكم،  بالصبر والتقوى يقلب الله المعادلات، وهذا ما حصل في مثل هذه الايام في العام 2006 في مواجهة العدوان الاسرائيلي.

لقد تمسك مجاهدونا بالصبر والتقوى، وتحلى اهلنا وشعبنا بالايمان والثبات والصمود في مثل هذه الأيام من عام 2006 في مواجهة أبشع عدوان اسرائيلي جرى على لبنان، فكان الانتصار التاريخي الذي تحقق في 14 آب من ذلك العام نتيجة هذا الصبر وهذا الايمان.

البعض كان يدعونا للاستسلام للعدو حتى لا يمارس المزيد من الدمار والقتل، هؤلاء لا يعلمون كما يقول الامام القائد (دام ظله): ” إنَّ تكلفة الاستسلام أكبر بكثير من تكلفة المقاومة والثبات. نعم، قد تكون للصمود تكلفة، لكنَّ له نتائج كبيرة جداً ذات أهمّيّة بالنسبة للشعوب تفوق مئات المرات تلك التكلفة، بينما الاستسلام مقابل العدو فلن يكون له من أثر سوى الانسحاق والمذلة”.

لقد كشف شعبنا في عدوان تموز وآب عن مستوى رفيع من الصبر والقدرة على التحمل والاستعداد للتضحية، ويجب أن نستذكر دائما ما جرى في مواجهة هذا العدوان  من مشاهد البطولة والصمود والثبات والوفاء والاباء والعنفوان والوعي والقدرة على التحمل والصبر والاستعداد للتضحية بالرغم من التهجير والتدمير والقتل والمجازر، من أجل أن تبقى هذه المشاهد العظيمة التي جسدها شعبنا في مواجهة العدوان راسخة في القلب والعقل والوجدان ومصدرا للاعتزاز والفخر تتناقلها الأجيال وتتعلم منها لمواجهة الاستحقاقات التي قد يفرضها العدو علينا في المستقبل.

اليوم  الذي يمنع الاسرائيلي من تحقيق أطماعه وتنفيذ تهديداته للبنان هو المعادلة التي أرستها المقاومة مع العدو في حرب تموز، وما راكمته المقاومة من قدرات وخبرات بعد حرب تموز والى الآن، وجهوزيتها الدائمة في مواجهة اية حماقة يمكن ان يقدم عليها العدو، وهو الذي يعرف بأن أهلنا الذين وقفوا في مواجهة العدوان في 2006 هم على اتم الاستعداده للدفاع عن لبنان بكل قوة وشجاعة كما فعلوا في كل المراحل السابقة.
اليوم ايضا كل المؤشرات والمجريات الميدانية في سوريا تشير الى التسليم بانتصار سوريا وحلفائها في حربهم  ضد الجماعات الارهابية وداعميهم، وان الحرب تتجه نحو الحسم الكامل لمصلحة النظام وحلفائه.

فاخراج اصحاب الخوذ البيضاء من سوريا  الذين طالما لعبوا دورا استخباريا وامنيا في الحرب السورية هو علامة على فشل المشروع الأمريكي الغربي الخليجي في سوريا وانتصار سوريا، لان هؤلاء كانوا عبارة عن شبكة من العملاء لبريطانيا والغرب في سوريا، يديرون الجماعات الارهابية ويشاركون في التفجير والقتل والقنص، ولم يكونوا -كما يدعون منظمة انسانية- وليست محاولات اعطاء طابع انساني لإخراج هؤلاء الا محاولة فاشلة لتأكيد المؤكد على كونهم شبكة من العملاء، فلو كانوا بالفعل منظمة انسانية فلماذا كل هذا الاهتمام البريطاني والامريكي والاسرائيلي لتنظيم عملية اخراجهم بالطريقة التي خرجوا فيها عبراسرائيل والاردن وبرعاية غربية كاملة؟!

كما ان من علامات ومؤشرات فشل مشروعهم وانتصار سوريا وحلفائها التحرك الروسي لمعالجة ملف النازحين الذي كان يريده الطرف الآخر ورقة ضاغطة في مفاوضات الحل السياسي، وكذلك عودة الاكراد للتفاوض مع النظام، وكذلك الانجازات الكبيرة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في السيطرة على كامل الجنوب السوري وصولا الى حدود الجولان والحدود الاردنية،  وهو انجاز كبير لم يحبط المشروع الامريكي السعودي في سوريا فقط، بل احبط المشروع الاسرائيلي في اقامة حزام امني من خلال الجماعات الارهابية المسلحة على حدود الجولان، كما احبط الرهان الاسرائيلي على استثمار الحرب في سوريا لضم الجولان نهائيا الى الكيان الصهيوني، وهذا ما كان يعمل عليه الاسرائيلي مع الولايات المتحدة الامريكية.

كانوا يراهنون على ان تهزم سوريا وايران والمقاومة، فاذا بهم يهزمون هم ويخرجون هم، المقاومة لم تخرج لا من جنوب سوريا ولا من سوريا، الذي خرج من جنوب سوريا وسيخرج من كل سوريا هي اميركا واسرائيل والسعودية وادواتهم الارهابيون الذين جاؤوا بهم لتدمير سوريا والمنطقة وهذا ما سنشهده خلال في المستقبل القريب انشالله. والحمد لله رب العالمين
 

المصدر: انترنت