كلمة الإمام الخامنئيّ في لقاء مع العلماء والمتخصّصين والخبراء والمسؤولين في الصناعة النوويّة – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

كلمة الإمام الخامنئيّ في لقاء مع العلماء والمتخصّصين والخبراء والمسؤولين في الصناعة النوويّة

بسم الله الرحمن الرحيم[1]

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

أهلاً وسهلاً بكم. أنا ممتنّ حقّاً للعلماء والمسؤولين والناشطين في هذه الصناعة، الذين أعدّوا لنا اليوم هذا اللقاء الجيد والمعرض[2] الرائع. لقد كان معرضاً جيداً للغاية ومُسرّاً ومشجّعاً ومُبشّراً. أعددت بعض المواضيع لأحدّثكم عنها.

الموضوع الأوّل يتعلق بأهمية الصناعة النوويّة. بالطبع، أنتم تعلمون وعلى دراية بأهمية هذه الصناعة، [لكنّ] كثيرين من الناس ليسوا على معرفة بها ولا يعرفون قدر الصناعة النوويّة والأبعاد المختلفة والواسعة لهذه الصناعة وتأثيراتها في حياة الناس وتقدّم البلاد. دونت هذا هنا أيضاً وسأذكره في الملاحظات، والآن أيضاً قلت للإخوة الأعزاء بضع مرات في هذا المعرض إنه تقصيركم لأنكم لا تأتون وتتحدثون مع الناس وتخبرونهم بما تفعلون وبالحركة العظيمة التي جعلتها هذه المجموعة وُجهةً لجهودها وتمضي بها قُدماً. أنتم تعلمون، [لكن] الناس لا يعرفون. لذلك، سأتحدث بإيجاز.

ما يمكن قوله إجمالاً هو أن لهذه الصناعة أهمية لناحية تقدم البلاد وقدراتها في المجالات التقنية والاقتصادية والصحية وغيرها، التي تمنح البلاد المكانة وتجعل الحياة أفضل للناس، وكذلك من حيث الوزن السياسي العالمي والدولي للبلاد. فعندما يكون تُحرزون تقدّماً في قطاعات مختلفة من هذه الصناعة وتُنجزون الأعمال وتحلون العُقد، ستعلم بهذا مراكز الاستخبارات العالمية وكثير من السياسيين في العالم، وربما كثير من العلماء ومَن هم من أهل المطالعة، وهو يُشكل سُمعة للبلاد. إذن، إن تقدّم هذه الصناعة له أهمية من الناحية الدولية وكذلك الوزن والمكانة والسمعة الوطنية. هذان جانبان. الجانب الثالث هو روح الثقة بالنفس الوطنية. حسناً، ترون أن مختلف الأجهزة الدعائية للأعداء تعمل بكل وُسعها لإظهار البلاد بلا مستقبل، ولتثبيط الشباب، وهذا مشهود في الفضاء المجازي والتلفزيونات والتصريحات السياسية. إن عملكم هو تماماً النقطة المقابلة لحركة العدو، أي يبث روح الأمل وروح الثقة بالنفس في الشعب، فيُدرك الناس والشباب والنخب أيّ مجالات رئيسية ومهمة يمكنهم كشفها وامتلاكها والخوض فيها.
حسناً، ذكرت هذه الجوانب الثلاثة من حيث أهمية الصناعة النوويّة. بالنظر إلى هذه الجوانب، على الجميع أن يقتنعوا بأن الصناعة النوويّة من المكونات الأساسية والمهمة لمكانة البلاد وقوتها وقدرتها. إذا كنتم تريدون إيران قويةً، فعلى كل مَن يحب إيران والجمهورية الإسلامية والشعب ويهدف إلى قوة هذه البلاد أن يولي أهميةً لهذا المجال من السعي والأنشطة العلمية والبحثية والصناعية والعمل الذي يجري إنجازه هنا، ويجعل له مكانة عنده. أقول: هذا هو السبب أيضاً في تركيز الأعداء على الطاقة النوويّة. إنه السبب في أنكم ترون أنه منذ عشرين عاماً نحن نواجه التحدّي. التحدّي على المستوى النوويّ [قائم] منذ 20 عاماً. لماذا أوجد الأعداء هذا التحدي؟ لماذا يعلّقون إلى هذا الحدّ؟ وهل نحن حصراً الذين نعمل في المجال النوويّ في العالم؟ طبعاً، هم يقولون إنّهم يخشون السلاح النوويّ؛ إنّهم يكذبون. هم يعلمون أنّنا لا نسعى وراء تصنيع السلاح النوويّ. هذا ما صرّح به مجمع الاستخبارات [الأمريكي] مرّات عدّة حتى الآن: إيران لا تسعى خلف الأسلحة النوويّة. قبل أشهر أيضاً أقرّوا مرّتين وقالوا إنّه لا مؤشّر على حركة إيران باتّجاه تصنيع سلاح نوويّ[3]. إنّهم يقولون الصدق أيضاً. نحن طبعاً [لا نفعل هذا] خوفاً منهم ومن أجلهم، بل عقيدتنا هي أنّ السلاح النوويّ يُستخدم من أجل ارتكاب المجازر الجماعيّة، ونحن نعارض ارتكاب المجازر الجماعيّة، فهذا مخالف للدين والإسلام، سواء أكان ذريّاً أم كيميائيّاً أم سائر الأنواع والأشكال الأخرى الممكنة. كانت التوصية خلال الحروب في زمن النبي (ع) وأمير المؤمنين (ع) ومرحلة صدر الإسلام أنِ احرصوا على ألّا يُقطع الماء على الناس. في ذلك الحين، كان التحرك الرائج ضدّ عامّة الناس هو قطع الماء، إذ لم يكن هناك [سلاحٌ] كيميائي ومن هذا القبيل. نحن لا نريد التوجّه نحو السلاح النوويّ وفق مبدئنا الإسلامي، وإلّا لو لم يكن هذا، ولو قرّرنا التوجه نحوه، ما استطاعوا صدّه. فمثلما عجزوا حتى الآن عن منعنا عن تحقيق أنواع التقدّم النوويّة سيعجزون عن منعنا [في ذلك]. لو أردنا تصنيع السلاح النوويّ، لفعلنا. وهم يعرفون هذا. إذاً، ذريعة السلاح النوويّ كذبة. ليست هذه القضيّة، بل هناك قضيّة أخرى هي المطروحة. إنهم يعلمون أنّ التحرّك في الصناعة النوويّة هو في الواقع في حكم المفتاح لتحقيق أنواع التقدّم العلميّ في قطاعات البلاد شتى، ولا يريدون حدوث هذا. لا يريدون أن يكون لدينا تقدّم ملحوظ ومحفّز في مختلف القضايا. كل تقدّم يُحرزه الشعب الإيرانيّ يعني أن فكر الشعب ونهجه وسيادته تؤثر في الشعوب الأخرى. إنهم يخشون من هذا. هدفهم منع تقدّم بلادنا في واحد من أهم المجالات العلمية، وهو هذا المجال النوويّ.

طبعاً إن التحدي المستمر منذ عشرين عاماً مع أعدائنا حول القضية النوويّة أدى إلى اتضاح حقائق. لقد أوضح هذا التحدي المستمر منذ عشرين عاماً بضع حقائق. الحقيقة الأولى أنه أظهرَ القدرات والمواهب الاستثنائية لدى شبابنا. هذه الأشياء التي شوهدت اليوم – بالطبع ما هو على أرض أكثر من ذلك – نُفِّذت جميعها تحت الحظر والتهديدات. تعرّض علماؤنا للتهديد دائماً واغتيلوا. اغتيل بعضهم وتعرض آخرون للتهديد بالاغتيال، لكن في الوقت نفسه تحققت أنواع التقدم هذه. لذلك نحن استثنائيون في الموارد البشرية. نحن في الموارد البشرية أعلى جداً من كثير من البلدان في العالم، ومن المتوسط العالمي، بل إننا متقدمون عليه. ظهر هذا في قطاعات أخرى أيضاً. لقد ظهر هذا في القضية الذرية تماماً والصناعة النوويّة. هذه الحقيقة الأُولى.
الحقيقة الأخرى التي شوهدت هي المنطق اللاإنساني والمجحف والمتجبّر لدى خصومنا. إنهم يتجبّرون، أي لديهم توقعات من بلدنا تتجاوز اتفاقات الضمانات الرائجة في العالم، وهم يقولون تجبّراً: لا تفعلوا كذا وكذا، ولا تتجاوزوا ولا تتخطوا سطح الأرض في [بناء] منشآتكم. لماذا؟ إذا لم يكن في قلوبكم مرض، وليس لديكم غرض، ولا تريدون أن تهددوا، فلماذا تخشون أن يكون لدينا منشآت في بعض النقاط المحصّنة؟ لقد انكشف منطقهم اللاإنساني والمجحف. كانت هذه أيضاً حقيقة ظهرت خلال هذا التحدي.

الحقيقة الأخرى هي أن الأطراف الذين نتعامل معهم والمعارضين لنا غير جديرين بالثقة في وعودهم. حتّى الآن وطوال هذه الأعوام الطويلة – بطبيعة الحال أنتم ذوي السوابق الأطول في هذا [الملف] النوويّ ملتفتون إلى أيّ الأمور أشير – قُدّمت وعود كثيرة في مختلف القطاعات، سواء أكانت الحكومات التي كانت الطرف المقابل لنا في المفاوضات، أم الوكالة [الذريّة] نفسها. لقد قدّموا وعوداً ولم يعملوا بها مرّات عدة. وعودٌ غير قابلة للتحقّق! [هناك] انعدام للثقة. إذاً، من مكتسباتنا المهمّة خلال هذا التحدّي على مدى عشرين عاماً أنّنا أدركنا أنه لا يمكن الوثوق بوعود هؤلاء وكلامهم. هذه مكتسبات مهمّة ولتنظروا إليها بعين الأهميّة. لقد تلقّينا الضربات في مواضع كثيرة بسبب هذه الثقة في غير محلّها. إنّه في غاية الأهمية أن يدرك أيّ شعب، ومسؤولو أيّ بلد، ويعرفوا أين ينبغي لهم أن يثقوا وأين يجب ألّا يثقوا. أدركنا هذا الأمر، وعرفنا طوال هذه الأعوام العشرين مَن الذين يمكن الوثوق بهم ومن لا يمكن. حسناً، كان هذا ما يتعلق بأهمية القضية النوويّة. لقد قلت: أنتم تعرفون هذه الأشياء ربما أكثر منا، [لكن] أود أن يعرف الناس.

الموضوع الثاني الذي أطرحه هو إشارة إلى تقدم هذه الصناعة في البلاد. بالطبع، أنا لست تقنياً وليس لدي معلومات كافية في هذه المجالات لأقولها، فهذه مهمتكم أن تقولوا ما هي أنواع التقدم. أود أن أشرح بعض العموميات. أود أن أقول عبارة كمقدمة: لقد دخلت في أدبياتنا السياسية كلمتا «مستضعف» و«استضعاف»، فنقول: الشعب الفلاني شعب مستضعف، أو: كنا شعباً مستضعفاً قبل الثورة الإسلامية. كلمة «مستضعف» هذه مليئة بالمعنى والمضمون. ما معنى «مستضعف»؟ أي الشخص الذي أُبقيَ ضعيفاً. «مستضعف» تختلف عن «ضعيف». الضعيف تعني الضعيف، و«مستضعف» تعني ذلك الذي أبقوه ضعيفاً. إبقاء الشخص ضعيفاً هو معنى «مستضعف»، وله حالتان. تارة تأتي قوة [عظمى] وتركب على ظهر شعب ما وتهيمن عليه وتبقيه ضعيفاً، مثل القوى الاستعمارية التي كانت تُبقي البلدان المستعمَرة ضعيفةً. لقد أبقى البريطانيون دُوَل شبه القارة الهندية ضعيفة لسنوات طويلة. إذا رجعتم إلى هذا الكتاب، «لمحات من تاريخ العالم»، الذي كتبه نهرو[4] – رئيس وزراء الهند السابق الذي كان رجلاً مثقفاً وعالماً – [تجدون أنه] يشرح فيه ما كانت عليه الهند قبل دخول البريطانيين، وما حدث بعد دخولهم، وكم تراجعت، وكم صارت خالية الوفاض! هذا هو الاستعمار. لذلك من حالات الاستضعاف أن تأتي قوة وتجعل شعباً يتراجع، وهو أمر سيئ وخطِر. الأخطر من هذا الحالة الثانية من الاستضعاف، عندما يعتقد شعبٌ أنه ضعيف، ويُصدّق أنه فاشل، ويعتقد أنه لا يستطيع. هذا خطِر جداً.

لم يرَ معظمكم أو يُدرك المرحلة التي سبقت الثورة. عشنا في تلك المرحلة سنوات عدة، وكنا على دراية بقضاياها. اليوم أيضاً يُمكنكم التعرف إليها. إذا ما طالعتم ودقّقتم، يمكنكم فهم ما حدث في ذاك اليوم. سأقول لكم صراحةً: كان لدينا نوعان من الضعف في ما قبل الثورة. أولاً، أبقونا ضعيفين، أي قبل الثورة أيضاً كان هناك [أمثال] الشاب رضائي نجاد[5] وشهرياري[6] وفخري زاده[7] الذين ترعرعوا في مرحلة الثورة، لكنهم لم يصلوا إلى هذه المرتبة. لم يسمحوا لهم بذلك. كانوا يستحقرون الشعب الإيرانيّ ويعرقلون تقدّمه.

في تلك السنوات، وذات مرة وفي اجتماع ما، حدث مصادفة تواصلٌ مع أحد أولئك الذين كانوا من المسؤولين في ذاك النظام، لأنه لم يكن لدينا أي صلة بهم. لقد كنّا في اجتماع وهو هناك أيضاً مصادفة. بدأت انتقاد بعض الأشياء – كنّا شباباً ولدينا جلد التحدّث والنقاش وأمور من هذا القبيل – فكان جوابه: يا سيّد! ما هذا الكلام الذي تقوله؟ نحن نجلس هنا والأوروبيون وآخرون يعملون عندنا مثل الخدم، إذ يجلبون المواد ويصنّعونها ونحن نستخدمها. هل ترون المنطق؟ كان المنطق أنهم يصنعون ونحن نستهلك [ولذلك] هم خدامنا! كان الأوروبيون يأخذون نفطنا ويستولون على سوقنا ويتدخلون في سياستنا إلى أعلى درجة، وهذا الأحمق الذي يتحدث إلينا رأى هذا فخراً للشعب! هذا ما يعنيه «الإبقاء عليهم متأخرين». هذه حالة.

الثانية أنهم جعلوا الناس والشباب يؤمنون أننا غير قادرين. أثناء تأميم صناعة النفط في زمان [محمد] مصدّق، نوقش في «مجلس الشورى الوطني» آنذاك أنه ينبغي تأميم صناعة النفط، وأن نأخذها من البريطانيين، فجاء رئيس وزراء نظام الشاه – الحاج علي رزمارا، وكان فريقاً في الجيش – إلى البرلمان وأعتقد أنه قال ذلك في البرلمان. ما يحضر في ذهني أنّه جاء وقال: ما هذه الأشياء التي تقولونها عن تأميم صناعة النفط وإدارة مصفاة آبادان؟ وهل نستطيع؟ لا يمكن لإيرانيّ أن يصنع لولهنگ[8]! أنتم لا تعرفون ما هو لولهنگ، إذ إنكم لم تروه. إنّه إبريقٌ مصنوع من الطين. لقد رأيتم الإبريق. كانوا يصنعون الإبريق من القصدير والنحاس وما شابه، وكان هناك أيضاً أباريق مصنوعة من الطين والصلصال في الأماكن البعيدة، أي أدنى وأقل شيء يمكن أن يفعله الإنسان. فكان يقول: لا يستطيع الإيرانيّ أن يصنع إبريقاً طينياً، [أو] أقصى ما يمكنه فعله هو صناعة إبريق طيني! هكذا كانوا يُلقنون. هذا ما يعنيه «الاستضعاف». كانوا يريدونك أن تصدّق أنّك إيرانيّ غير قادر، فلماذا تصرّ عبثاً ولمَ تجهد نفسك؟ لذلك، وخلال النظام البهلوي، وعندما غدت العلاقات أفضل نسبياً مع الاتحاد السوفييتي في السنوات الأخيرة، وبينما اشتروا القمح من أمريكا، صنّع السوفييت الصوامع، أي لم يتمكنوا من بناء الصوامع ناهيكم بالسدود والطرق السريعة وما شابه، فالوضع كان على هذا النحو.

إنّ منطق ذوي النزعة الغربية في ذلك اليوم كان أنّ الإيرانيّ لا يستطيع وغير قادر ولا يملك الكفاءة ليُصنّع. قارنوا الآن تلك النظرة بالواقع اليوم، وبهذا العمل الذي أنجزه شبابنا في مجال الطاقة النوويّة نفسه، هذا الذي أنتم خبراء فيه ومطّلعون عليه. هناك مجالات أخرى أيضاً. لقد تحقق التقدّم على هذا النحو في سائر المجالات أيضاً. ففي مختلف القطاعات، الدفاعيّة والنانو وكثير من الاختصاصات العلميّة المهمّة الأخرى، تحقّقت أنواع التقدّم على هذا النحو. قارنوا هذه الروحيّة والأمل والشغف تجاه العمل والمقدرة المُحدَّثة اليوم مع الوضع الذي كان سائداً في ذاك اليوم. كان ذوو النزعة الغربية في ذاك اليوم يستحقرون الشعب، فيما بات الشعب اليوم هو الذي يستحقر ذوي النزعة الغربية. إنّ شعبنا يستحقر اليوم أصحاب ذاك الفكر وتلك الأوهام. بماذا يستحقرهم؟ بهذه الصناعات والمنتجات التي عرضتموها لنا اليوم. هذا استحقارٌ لذوي النزعة الغربيّة. إنّه إظهارٌ لخطئهم الكبير حين كانوا يريدون جعل الشعب الإيرانيّ يصدّق أنّه لا يملك القدرة. منذ عشرين عاماً والغرب يعمل على قدراتنا النوويّة، وإمكاناتنا وتقدّمنا النوويّ اليوم، أي مخزوننا النوويّ، أكثر من مئة ضعف مما كان عليه قبل عشرين عاماً. إنّه اليوم مئة ضعف 1382 (2003م) حين بدأ تحدّينا النوويّ مع الغرب ومع وجود أنواع الحظر المتتالية وأمثالها، ومَن هم أهل الاختصاص ومطّلعون يحكمون بهذا. هذا هو واقع بلدنا. طبعاً هم فعلوا ما في وسعهم كي يوقفوا هذه الحركة، وارتكبوا الجرائم أيضاً واغتالوا. لقد سلبونا بجرائمهم هؤلاء العلماء الأعزّاء. توهّموا أنّ الأعمال ستتوقّف مع سلبهم إيّانا شهرياري وعلي محمّدي[9] والآخرين. لم يتوقّف العمل، بل تقدّم بحمد الله، فشبابنا وعلماؤنا أثبتوا أنّ هذه الصناعة صارت محليّة وهي ملكٌ للشعب نفسه. هذا لا يُمكن أن يُسلب من هذا الشعب، وهو ما يقرّون به الآن أيضاً.

لأذكر نقطة على الهامش هنا أيضاً. هي هامشيّة لكنّها مهمّة. لاحظوا! مرّت قرابة خمسمئة سنة على الحادثة التي وقعت في الغرب وعُرفت باسم «عصر النّهضة»، أي تغيير مسار حياة الغربيّين. في «عصر النّهضة»، كان الخطّ الأساسي هو المواجهة بين العلم والدين، أي كانوا يودّون القول إنكم لو أردتم التقدّم على المستوى العلمي، فلتضعوا جانباً الدين والروحانيّة وأمثال هذه الأمور. هذه كانت أهمّ، أو واحدة من أهمّ الخطوط الرئيسيّة لحركة الغربيّين في «عصر النّهضة»، وقد مرّ ما يقارب خمسمئة عام على هذه الحادثة. اليوم، وفي الجمهوريّة الإسلاميّة التي هي بلد الروحانيّة؛ «جمهورية إسلاميّة»، يُنجز أهمّ الأعمال العلميّة ضمن إطار التنافس مع الذين يعملون على مدى سنين طويلة في هذه الاختصاصات العلميّة. من الذين يدفعون هذه الأعمال إلى الأمام؟ الشباب المؤمنون: فخري زاده وشهرياري اللذان كانا يصلّيان صلاة الليل. هؤلاء يدفعون الأعمال إلى الأمام، أي امتزج العلم والروحانيّة بهذه الطريقة. هذه نقطة مهمّة لا بدّ من الالتفات إليها.

الموضوع الثالث الذي أودّ عرضه – لقد انتهى الوقت أيضاً – هو توصيات عدّة. التوصية الأولى دوّنتها هنا، لكن مع الشرح الذي قدّموه في هذا المعرض، لاحظت أن هناك التفاتاً إلى هذا الأمر – لحُسن الحظّ – [وهو أنّه] تنبغي الاستفادة من إمكانيّة العلم النوويّ في مجالات مختلفة من حياة الناس. إنّ سريان الموضوع النوويّ مفيد للصناعة والزراعة والبيئة وتحلية المياه والصحة وعلاج الأمراض وكلّ شيء في المجتمع. لحُسن الحظ، تعمل «منظّمة الطاقة الذريّة» على هذا الأمر ولم يقتصر الأمر على الطاقة، وهي تتابع هذه الأعمال الأساسيّة والمهمّ [أيضاً]، وأنا أؤكّد وأصرّ على أن تولوا الاهتمام لهذه الأمور وتتابعوها، إذ إنها مفيدة للصناعة والزراعة والبيئة وتحلية المياه والصحة وعلاج الأمراض وكلّ شيء في المجتمع.

توصيتي التالية أن تُحدّثوا الناس عن هذا الموضوع، أي هذه الإمكانيّة ذات الحجم الكبير. ما الذي يعرفه الناس عن الطاقة النوويّة؟ يعرفون عنها قضيّة الطاقة فقط. يعرفون أنّكم تسعون إلى الحصول على مركز لإنتاج الكهرباء أو إنتاج الطاقة على سبيل المثال. ليست القضيّة على هذا النحو. القضيّة أنّه يُمكن لهذه الصناعة أن يكون لها حضور مؤثّر ومفيد في أقسام حياة الناس كافّة. أخبروا الناس بهذا كي يعرفوا قيمة هذه الصناعة، ويعرفوا حقّاً عند قولهم «حقّنا المسلّم به» أنّه كذلك. طبعاً، لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون دورها، ولمختلف الأجهزة أيضاً، لكنّكم العنصر الفعّال. تفاهموا مع النّاس بالأساليب شتى.

توصيتي الأخرى أنّه ينبغي التسويق التجاري للمنتجات والخدمات النوويّة الإيرانيّة، وطبعاً في هذه التقارير التي زوّدوني بها [جاء] أنّ بعضها جرى تسويقه تجاريّاً، فلا بدّ من تنمية هذا الأمر. إن لأنواع تقدمنا هذه أسواقاً جيدة في العالم يمكن الاستفادة منها فعليّاً لاقتصاد البلاد ومدخولها. فليجرِ التعاون مع الدول المؤيدة التي ليس لها خلاف معنا في هذه القضية. طبعاً في بعض هذه التقارير ورد أنّ بعض أنواع التعاون قائمة: إمّا أنّهم طلبوا وإما بادرنا بأنفسنا. لا بدّ من متابعة هذا أيضاً، وأن يجري التعاون والاستفادة ما أمكن من الإمكانات المتوافرة في العالم وأنواع التقدّم العلمي.

الموضوع التالي هو عشرون ألف ميغاواط التي أعلنّاها قبل أعوام عدّة[10]. خذوا هذا الأمر على محمل الجدّ. افترضوا مثلاً أنّنا نستفيد الآن من قرابة 1000 ميغاواط من الكهرباء النوويّة وهناك تخطيط لمزيد أيضاً، لكنّ الهدف هو عشرون ألف ميغاواط من أصل قرابة ثمانين ألفاً أو تسعين ألفاً على سبيل المثال التي تحتاجها البلاد في المستقبل المتوسّط أو المدى المتوسّط، فيجب أن تكون حتماً عشرون ألفاً منها نوويّة، فلهذا فائدة ماليّة وحيويّة وبيئيّة. تابعوا هذا الأمر جدّياً وبأسلوب مخطّط. لقد دوّنت هنا، وقلت للإخوة في الطابق العلوي[11]، عن العمل على محطات توليد الطاقة الصغيرة وذات القدرة المنخفضة. حسناً، جرى العمل الآن على تقنيّة محطات الطاقة بقدرة إنتاج تفوق ألف ميغاواط، وقد اكتُسبت بعض التجارب، لكن يمكن [توظيف] هذه التجارب بما يرتبط بمحطّات الطاقة ذات القدرة المنخفضة [أيضاً]، وقد تناهى إلى سمعي أنّ هذا رائجٌ في العالم اليوم، إذ يعملون أكثر على محطّات الطاقة ذات القدرة المنخفضة: مئتي ميغاواط، أو مئة، وحتّى أقلّ من مئة. إنّني – قبل ثلاث أعوام أو أربعة – طلبت من إحدى هذه الدول التي تملك هذه التقنيّة وقلت: لديكم محطّة توليد طاقة بقدرة ثلاثين ميغاواط، فزوّدونا بها، فقال: لا نملكها، فقلت له: بلى، لديّ تقريرٌ يُفيد بامتلاككم إياها. كان وزيره جالساً هناك، فسأله، فأجابه بشيء معيّن، وأدركنا أنّه يؤيّد امتلاكهم إياها لكنّهم لا يزوّدوننا بها، أي يصعب عليهم ذلك. نحن بحاجة إلى محطّات توليد الطاقة الصغيرة وذات القدرة المنخفضة من أجل مختلف القطاعات، فلتتابعوا الأمر.

قضيّة الموارد البشريّة أيضاً هي توصيتي التالية. القوى البشريّة مهمّة جدّاً. إنّ الطلاب الجامعيّين الذين يعملون في هذا الاختصاص الآن قليلون جدّاً. لا أرغب في ذكر عددٍ الآن، لكن يجب أن يكون لدينا عشرة أضعاف ما لدينا الآن من الطلاب الجامعيّين الآن على الأقل. هناك أسبابٌ واضحة لكونهم قلّة. حسناً، هناك صعوبة ومشكلات والأمر له مشقّاته الخاصّة، فلا بدّ أن تُعوّض هذه المشقّات. فلتتمّ الاستفادة إلى أقصى الحدود من العلماء والمتخصّصين الموجودين، ولتُؤخذ حمايتهم على محمل الجدّ. على أيّ حال، إنّ تكريم الموارد البشريّة والحفاظ عليها في هذه الصناعة مهمٌّ جدّاً. طبعاً، إنّ أداء المنظّمة في استقطاب القوى البشريّة وإدارة هذه الموارد مهمٌّ أيضاً، كما أنّ كيفيّة إدارة الموارد البشريّة من حيث مختلف التقييمات ومن مختلف الجوانب مهمّة أيضاً. على أيّ حال، العدوّ يبذل الجهود في هذه المجالات، وقد رأيتم ولمس الإخوة ضربة العدوّ. هم يتغلغلون في بعض الأماكن ويخرّبون، وقد فعلوا ذلك ورأيناه جميعاً[12]. يجب أن تعتنوا بجدّية. القوى البشريّة ذات قيمة عالية. حافظوا عليها، وابذلوا أقصى حدود الاهتمام والقدرة والدقّة في تقييمها.

توصية أخرى أيضاً [بشأن] بعض تحدّيات المنظّمة، وفي ما يرتبط على سبيل المثال مع الوكالة. إنّ توصيتي الأكيدة هي أن تحافظوا على العلاقة مع الوكالة، أي احفظوا التعاون والتعامل مع الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة. طبعاً ضمن إطار مقررات [اتفاقات] الضمانات. أي لا تنصاعوا لما هو أكثر من هذا، ولتفعلوا ما ينبغي لكم عمله وفق مقررات [اتفاقات] الضمانات. هذه توصيتي الدائمة لمختلف المسؤولين الذين تعاقبوا على القدوم إلى هذه الصناعة وغادروها طوال هذه الأعوام العشرين ونيّف. لكن ينبغي لكم أن تتعاونوا مع الوكالة الذريّة، وعليكم التعاون معها.

ينبغي ألا نتخطى قانون «مجلس الشورى الإسلامي». هذه توصيتي التالية. لقد سنّ المجلس قانوناً وهذا القانون يصبّ في مصلحتنا ومصلحة البلاد والصناعة النوويّة. بعض الأشخاص يتخيّلون أنّ هذا القانون يُسبّب المشكلات للبلاد. إنهم يخطؤون. هذا القانون جيّد، وهو قانونٌ أساساً، والقانون لا بدّ من تطبيقه طبعاً، ولا نقاش في هذا. يجب ألّا يُتخطّى القانون. فليجرِ العمل وفق هذا القانون سواء بالنسبة إلى الحدود التي يتوقّع الآخرون أن تُتاح لهم، أو المعلومات التي تعرضونها.

أحياناً تُطلق ادّعاءات مخالفة للواقع ومطالبات ظالمة، فلا تنصاعوا لها. يجب ألّا تستجيب منظّمة [الطاقة الذرية] للمطالبات الظالمة. تمسّكوا بمواقفكم. فلتفعلوا ما عليكم عمله، ولا تنصاعوا، وارفضوا ما يطالبونكم به ظلماً. أحياناً يطلقون بعض الادعاءات وهي خلافٌ للواقع. لا تقبلوا هذه الادّعاءات وأنكم فعلتم العمل الفلاني في الوقت الفلاني. لا، لا تنصاعوا لادّعاءاتهم المغايرة للواقع. حسناً، جرى تقديم بعض الالتزامات خاصّة في آذار/مارس الماضي[13]، وبناء على التقرير الذي اطّلعت عليه – هذا التقرير جديدٌ في واقع الأمر – لم يعمل الطرف المقابل بهذه الالتزامات لكننا عملنا بها. الطرف المقابل لهذه الالتزامات هو الوكالة، وقد سمعتُ أنّها لم تعمل بها. على أيّ حال، كونوا ملتفتين.

التوصية الأخرى المهمّة: يجب ألّا يُمس بالبنى التحتيّة للصناعة النوويّة. طوال هذه الأعوام أَنجز المديرون والمسؤولون والناشطون في هذه الصناعة أعمالاً مهمّة وأسّسوا بنى تحتيّة مهمّة. قد ترغبون في عقد اتفاقات ضمن بعض المجالات. لا ضير في ذلك. اعقدوا الاتفاق. لكن يجب ألا تُمسّ البنى التحتيّة، وألّا يجري تخريبها؛ إنّها نتاج جهود الآخرين[14].

حسناً، لقد كبّرتم أيضاً. أسأل الله أن يوفّقكم جميعاً. طبعاً كنا قد استعددنا للتجوّل في هذا المعرض 45 دقيقة – هكذا كان البرنامج الذي سلّموني إياه – [ولكن] تضاعفت المدّة، أي جُلنا في ذاك المعرض ساعة ونصفاً، وكنّا في خدمتكم الآن أيضاً. موفّقون ومسدّدون، إن شاء الله. أسأل الله أن يوفّقكم.

اللهم، بحقّ محمّد وآل محمّد، اشمل شبابنا الأعزّاء ومديرينا الجيّدين والناشطين القيّمين على هذه الصناعة بلطفك وعطفك وحفظك، واجعلهم جميعاً ناصعي الوجوه وشامخي الرؤوس في الدنيا والآخرة. اللهم، اجعل نيّاتنا في ما نقول ونفعل نيات إلهيّة وتقبّلها منّا.

والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم تقريراً رئيس «منظمة الطاقة الذرية» الإيرانية، السيد إسلامي.
[2] قبل بداية هذا اللقاء، زار قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، معرض إنجازات الصناعة النووية في البلاد المُقام في حسينية الإمام الخميني (قده).
[3] في شباط/فبراير 2023م، صرّح رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في مقابلة مع شبكة CBS: «على حد علمنا، لا نعتقد أن قادة إيران اتخذوا قراراً باستئناف برنامج الأسلحة النووية الذي توقف نهاية 2003». كذلك، ورد في تقرير نشرته الخارجية الأمريكية في أيار/مايو من العام الجاري أن إيران لم تتخذ أي خطوات لصنع أسلحة نووية.
[4] جواهر لال نهرو.
[5] الشهيد داريوش رضائي نجاد، وقد اغتيل على يد عملاء العدو، بتاريخ 23/07/2011م.
[6] الشهيد مجيد شهرياري من العلماء النوويين، وقد اغتيل على يد عملاء العدو، بتاريخ 29/11/2010م.
[7] الشهيد محسن فخري زاده (رئيس «مؤسسة الأبحاث الدفاعية والتطوير») الذي اغتيل على يد عملاء العدو، بتاريخ 27/11/2020م.
[8] إبريقاً طينياً.
[9] الشهيد مسعود علي محمّدي من العلماء النوويّين، واغتيل بتاريخ 12/01/2010م على يد عملاء العدوّ.
[10] منها كلمته في لقاء مع الطلاب الجامعيّين في جامعات محافظة يزد، بتاريخ 03/01/2008م.
[11] خلال زيارة إلى معرض إنجازات الصناعة النوويّة في البلاد.
[12] منها حادثة تخريب المنشآت النوويّة وتفجيرها في نطنز بتاريخ نيسان/أبريل 2021م.
[13] وقّعت «منظّمة الطاقة الذريّة» الإيرانيّة و«الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة» بتاريخ 04/03/2023م معاهدة تتضمّن سماح إيران للوكالة تطوّعاً بمزيد من المراقبة.
[14] تكبير الحضور.

المصدر: موقع الامام الخامنئي

رأيكم يهمنا

شاركوا معنا في إستبيان دورة برامج شهر رمضان المبارك