الخميس   
   19 06 2025   
   23 ذو الحجة 1446   
   بيروت 21:56

الاحتلال في دائرة النار: تصاعد الهجمات الإيرانية يهز العمق الصهيوني ويكشف هشاشة الجبهة الداخلية

تسعى سلطات الاحتلال من خلال سلسلة من الإجراءات إلى تهدئة الأوضاع وبث الطمأنينة في نفوس المستوطنين، ومن أبرز هذه الإجراءات ملاحقة الصحفيين في مدينة تل أبيب التي تعرّضت مواقع عدة فيها للقصف، أبرزها منطقة “حولون” جنوب المدينة، وهي منطقة صناعية، إضافة إلى “رمات جان” حيث تقع بورصة تل أبيب التي تُعد رمزًا للاستقرار الاقتصادي.

ويُعد استهداف البورصة ضربة قاسية تهزّ ثقة المستثمرين، سواء الصهاينة أو غيرهم، بالاقتصاد الصهيوني. وفي هذا السياق، تشنّ شرطة الاحتلال حملة مشددة على وسائل الإعلام الأجنبية لمنعها من التصوير في مواقع الاستهداف، في محاولة لحجب الصور عن الجمهور. وتزايدت هذه الحملة تحديدًا بعد تداول صور تُظهر إصابة منزل الوزير السابق وعضو حزب “الليكود” الحالي، داني نافيه، الذي تضرر منزله بشدة واندلعت الحرائق في محيطه.

وبحسب التقارير، تم استهداف سبعة مواقع حتى الآن، منها خمسة أو ستة في تل أبيب، إضافة إلى موقع بالقرب من مستشفى “سوروكا” في بئر السبع. إلا أن الصور المتداولة اقتصرت على موقعين أو ثلاثة في تل أبيب ومواقع في بئر السبع، في حين تم منع التصوير في بقية المواقع.

ويُتداول حديث عن إقرار الكنيست قانونًا يفرض عقوبات بالسجن تتراوح بين 20 و30 شهرًا على كل من يصوّر مواقع سقوط الصواريخ أو منظومات الاعتراض أو مواقع القصف، بدعوى الإضرار بالأمن القومي. والهدف من هذا الإجراء واضح: منع الصورة من الوصول إلى المستوطنين، في محاولة يائسة من الحكومة لاحتواء الذعر الداخلي، أكثر من كونها محاولة لمنع تسرب الصور إلى الخارج.

الجبهة الداخلية تعيش حالة من الخوف والهلع، وقد أظهرت مشاهد الهروب الجماعي إلى الملاجئ والمناطق المحصّنة حجم الفوضى، إذ لم يجد بعض المستوطنين مأوى، فلجأوا إلى الاحتماء تحت السيارات أو داخل المحال التجارية ومحطات الحافلات. وفي موجات سابقة من القصف، كان البعض يتجه إلى أنفاق المترو.

حتى هذه اللحظة، سُجّلت خمسون إصابة، وتم إجلاء نحو خمسة آلاف مستوطن منذ يوم الجمعة إلى الفنادق، ما يُثقل كاهل الاحتلال بأعباء اقتصادية إضافية. كما أُبلغ عن ست إصابات خطرة، إلى جانب إخلاء مستشفى “سوروكا” نتيجة تسرّب مواد خطرة من مختبر بيولوجي تابع للاستخبارات الصهيونية يقع قرب المستشفى.

وفي سياق متصل، عبّرت سلطات الاحتلال عن غضبها من تقرير نشرته صحيفة بريطانية أشار إلى أن المستشفى يستقبل جرحى جيش الاحتلال من قطاع غزة، وهو ما تحاول سلطات العدو طمسه، بالترويج للجانب المدني فقط في نشاط المستشفى، وتجاهل البُعد العسكري.

وقد تم فعليًا إخلاء المستشفى، فيما يُتوقع أن تستثمر سلطات الاحتلال هذا الحدث إعلاميًا. وفي تصريح لافت، قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، خلال زيارته للموقع: “تذكّروا ناغازاكي وهيروشيما”، في إشارة تُفهَم على أنها تهديد نووي غير مباشر، يُضاف إلى سجل الكيان الذي لطالما نفى امتلاكه للسلاح النووي ضمن سياسة “الغموض النووي”.

وكان وزير الحرب يوآف غالانت قد أعلن بالأمس عن نية لتخفيف الإجراءات والسماح بعودة تدريجية للحياة الطبيعية، إلا أن هذا القرار أُلغي اليوم، ولا تزال الجبهة الداخلية تُحذّر من التجمعات، وتمنع تجمّع أكثر من 30 شخصًا في مكان واحد، مطالبة المستوطنين بالبقاء بالقرب من المناطق المحصّنة.

وفي خطوة إضافية، شرع الاحتلال منذ مساء أمس بتوزيع غرف محصّنة في المناطق التي لا تحتوي على ملاجئ، بما في ذلك مستوطنات في الضفة الغربية.

في الوقت ذاته، بدأت المؤسسات الاقتصادية في الكيان اليوم برصد التكلفة الباهظة والتعويضات اللازمة نتيجة الخسائر في الممتلكات والأعمال. كما توقفت جباية الضرائب بسبب شلل الحياة العامة، وامتنع عدد من أصحاب المصانع عن الدفع. وتضررت مئات السيارات، كما تضررت البنى التحتية بفعل الصواريخ، ما يُفقد الاحتلال مزاعمه بأنه يمثل “واحة أمن واستقرار” في المنطقة، وهي صورة تهاوت تحت ضربات الصواريخ الإيرانية.

من جهة أخرى، تُطرح تساؤلات جدية بشأن فعالية منظومات الدفاع الجوي الصهيونية التي طالما تباهى بها الاحتلال، والتي تشمل صواريخ اعتراضية متطورة. فالصواريخ الإيرانية تخترق كل هذه الطبقات الدفاعية، من داخل إيران وحتى عمق الأراضي المحتلة، وتصيب أهدافها بدقة.

وفي كل يوم، تظهر مفاجآت جديدة، والخسائر لم تعد مقتصرة على الجوانب النفسية أو الاجتماعية، بل امتدت إلى البُعد الاقتصادي. فبعد انتهاء الحرب، سيجد الكيان صعوبة في تسويق منظوماته العسكرية، خصوصًا صواريخه الاعتراضية، التي كانت الهند قد بدأت مفاوضات لشرائها بعد نزاعها الأخير مع باكستان. لكن الوضع اليوم سيجعل الكثيرين يعيدون النظر في هذه الصفقات.

الواضح أن الكيان يواجه أزمة عميقة، ومسألة الأمن باتت هاجسًا يطارد المستوطنين. وقد بدأت أعداد متزايدة منهم بمغادرة الأراضي المحتلة عبر البحر، رغم ما يحمله ذلك من مخاطر تتعلق بالملاحة أو بقوارب الهروب المتواضعة التي يستخدمونها في رحلتهم نحو قبرص، ومنها إلى دول أخرى.

المفارقة أن هؤلاء المستوطنين يعتبرون هذه المخاطر أهون من البقاء تحت خطر صواريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهم يدركون، كما تقول أصوات داخل الكيان، أنهم يواجهون الآن جبهة واحدة هي إيران، فكيف سيكون الحال إذا اتسعت المواجهة لتشمل أطرافًا أخرى؟!

حتى الآن، تركّزت الضربات على “غوش دان” أو منطقة تل أبيب الكبرى، وامتدت إلى جنوب وشمال فلسطين، وغرب القدس المحتلة، في حين بقيت بعض المناطق خارج المعادلة، ما يشير إلى أن إيران ما زالت تحتفظ بأوراق قوة لم تُستخدم بعد، وتنتظر اللحظة المناسبة ضمن خطة متدرجة تستند إلى بنك أهداف متسلسل ومبني على تطورات الميدان.

في المقابل، أطلق مسؤولون صهاينة، مثل ميري ريغيف، إيتمار بن غفير، بنيامين نتنياهو، ويوآف كاتس، تصريحات متشنجة وتهديدات بالثأر والرد، في محاولة لطمأنة الرأي العام الداخلي. غير أن المستوطن لا يكتفي بالتصريحات، بل ينتظر عودة حياته إلى طبيعتها، وتلاشي التهديدات، وشعوره مجددًا بالأمان، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل التصعيد الحالي.

المصدر: موقع المنار