الخميس   
   09 10 2025   
   16 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 02:13

الأقساط المدرسية تحلّق مجدداً… والأهالي بين العجز والضياع

انطلق العام الدراسي الجديد في لبنان على وقع تخبط الأهالي وضياعهم، في ظل الارتفاع الكبير في أقساط المدارس الخاصة، الذي وصفه كثيرون بأنه “متفلّت”، إذ تراوحت الزيادات المسبقة على الأقساط للعام الدراسي 2025 – 2026 بين 40 و120 في المئة، أي ما يعادل 500 إلى 1,500 دولار أميركي عن كل تلميذ، تبعاً لكل مدرسة.

وفي هذا السياق، قدّم مسؤول التعبئة التربوية في بيروت أسامة نصر الدين لموقع المنار نموذجاً من مدارس الضاحية الجنوبية، مشيراً إلى أنّ الارتفاع الحاصل في الأقساط غير منطقي وغير واقعي، إذ عادت قيمتها إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية، زمن كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة لبنانية، بل تجاوزت في بعض الحالات أقساط بعض الجامعات.

وأوضح نصر الدين أنّ رواتب المعلمين والموظفين، التي تشكّل أكثر من 80% من الموازنة المدرسية، ما زالت بعيدة جداً عن مستوياتها السابقة للأزمة، ولم تقترب منها إلا في بعض المدارس، ولا سيما تلك التابعة للمؤسسات التربوية الكبرى.

ورأى نصر الدين أنّ أسباب هذا الارتفاع غالباً تجارية وربحية، لافتاً إلى أنّ المدارس التابعة للمؤسسات التي أعادت رواتب معلميها وموظفيها إلى ما كانت عليه قبل الأزمة لم ترفع أقساطها أو رفعتها بنسب معقولة ومنطقية، ما يثبت – بحسب قوله – أنّ العديد من المدارس تعتمد زيادات بدوافع مالية بحتة.

وأشار نصر الدين إلى أنّ بعض المؤسسات التعليمية تحاول تعويض خسائرها التي تكبّدتها خلال الأزمة الاقتصادية، مضيفاً أنّ بعض المدارس استغلت تقديمات تعاونية موظفي الدولة والقوى الأمنية التي يستفيد منها أبناء العاملين في القطاع العام، وهم يشكلون نسبة وازنة في تلك المدارس.

وحول تداعيات هذه الأزمة، لفت نصر الدين إلى أنّ العديد من التلاميذ من أبناء الطبقة المتوسطة اضطروا إلى الانتقال نحو مدارس منخفضة الأقساط، ولو على حساب جودة التعليم، إذ إنّ عدداً كبيراً من هذه المدارس يضم تلاميذ من غير اللبنانيين بمستويات تعليمية متدنية، نتيجة اختلاف المناهج الدراسية ولغة التدريس بين لبنان وبلدانهم.

كما أشار إلى أنّ هناك انتقالاً متزايداً للتلاميذ نحو المدارس الرسمية، رغم أنّ هذه الأخيرة تعاني من ضعف القدرة على الاستيعاب، ليس بسبب البنية التحتية، بل بسبب سياسة وزارة التربية التي تمنع التشعيب في الصفوف، ما يزيد من حجم الأزمة التربوية التي ترافق انطلاقة العام الدراسي الجديد.

وفي هذا الإطار، أظهرت نتائج استطلاع رأي جديد نُشر في جريدة الأخبار أن 46% من التلامذة انتقلوا هذا العام من التعليم الخاص إلى التعليم الرسمي. ومع أن دخل الأسرة ارتفع بوتيرة أسرع من الأقساط المدرسية بين عامي 2022 و2025، بقيت الفجوة بين الدخل والتكاليف شاسعة.

في المقابل، سجّل 3% فقط من المُستطلَعين (1089 ولي أمر من المحافظات الثماني) أنهم نقلوا أبناءهم إلى مدارس خاصة في العام الحالي، بسبب «تراجع جودة التعليم في المدارس الرسمية».

بالتالي، ان القدرة على تحمّل التكاليف وليست جودة التعليم هي ما يحكم انتقال التلامذة بين التعليم الرسمي والتعليم الخاص، وأن المخاوف من ضعف جودة التعليم الرسمي لم تكن كافية لوقف موجة الانتقال القسري إلى الرسمي.

حمادة: فوضى في تحديد الأقساط وتعديلات مرتقبة على القانون 515

هذا، وأشار عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب إيهاب حمادة، في مقابلة مع موقع المنار، إلى وجود مشروع قانون أو تعديل مقترح على القانون رقم 515، وهو القانون الذي تُحدَّد بموجبه الأقساط المدرسية، ويُنظّم كامل العملية المرتبطة بها وبالتفاصيل المتصلة بالتعليم الخاص، بما في ذلك القرطاسية والكتب والنقل وحقوق المعلّمين، فضلاً عن بعض الأمور المتعلقة بصندوق التعويضات.

وأوضح حمادة أنّ هذا التعديل أُحيل إلى لجنة فرعية منبثقة عن لجنة التربية النيابية برئاسة النائبة الدكتورة حليمة قعقور، وقد جرى العمل على دراسته على مدى أشهر عدة من خلال جلسات متتالية. وأشار إلى أنّ المشروع بات شبه منجز، وهو اليوم على طاولة لجنة التربية في إطار المناقشات الأخيرة تمهيداً لإقراره، بحضور ممثلين رسميين عن التعليم الخاص، سواء عبر النقابات أو ممثلي المدارس الخاصة، بما فيها المدارس الكاثوليكية وغيرها.

وأضاف حمادة: “ما نشهده اليوم على مستوى تحديد الأقساط هو حالة من الفوضى والانفلات. ونعتقد أنّ القانون ما زال يمنح وزير التربية صلاحية تحديد الأقساط، وهذا ما يتيحه نص القانون، غير أنّنا وصلنا، للأسف، إلى مرحلة لم تعد فيها الأمور منتظمة وفق القوانين، وأصبحت هناك مساحة واسعة تتحرك ضمنها المدارس من دون أي ضوابط”.

وأكد النائب حمادة أنّ التعليم الخاص يُشكّل ركناً أساسياً موازياً للتعليم الرسمي، قائلاً: “لسنا في موقع استهداف التعليم الخاص، لكنّ حالة الفوضى والحرية المطلقة في تحديد الأقساط تستوجب، على الأقل، أن تتدخل وزيرة التربية لوضع سقوف واضحة، كما فعل وزراء التربية المتعاقبون في السابق”. وشدّد على وجود تجاوزات للقوانين، ولا سيما في ما يتعلق بطريقة إعداد الموازنات التي تُبنى عليها الأقساط، إذ بات الهامش الممنوح للمدارس يتخطى بكثير ما يسمح به القانون.

وأشار حمادة إلى أنّ الحاجة باتت ملحّة لإدخال تعديلات على القانون 515، خصوصاً في ما يتصل بملفات أخرى مثل أسعار الكتب المدرسية التي لم تعد تخضع لأي ضوابط قانونية، وباتت تُسعَّر في سوق مفتوح يخضع للعرض والطلب وأحياناً للاحتكار. وينطبق الأمر ذاته – بحسب قوله – على كلفة النقل والقرطاسية وحتى الزيّ المدرسي.

وختم بالتأكيد على أنّ الزيادات التي فرضتها المدارس في العام الدراسي الماضي كانت كافية لتأمين رواتب الأساتذة بالدولار بما يوازي ما كانت عليه قبل الأزمة، لكنها لم تفعل ذلك، وفرضت هذا العام زيادات إضافية. وأضاف أنّ بعض المدارس تقرّ بأنّ الالتزام بالقانون لا يرتّب أعباء تتجاوز 30 دولاراً للتلميذ الواحد، في حين أنّ الأقساط الحالية تجاوزت قيمتها بالدولار ما كانت عليه في عام 2019.

الطويل: زيادات الأقساط عشوائية وغير قانونية وتعديل القانون 515 ضرورة ملحّة

بدورها أكدت رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لما الطويل، أنّ أغلبية المدارس، ولا سيما تلك المنضوية في إطار اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، لجأت إلى فرض زيادات عشوائية على الأقساط تراوحت بين 500 و1,800 دولار أميركي بحسب المدرسة، ووصفت هذه الزيادات بأنها غير قانونية.

على صعيد آخر أوضحت الطويل، في تصريح صحفي، أنّ هذه الزيادات فُرضت في نهاية العام الدراسي المنصرم، في حين أنّ الأصول القانونية تُلزم تحديد الأقساط عبر الهيئة المالية ولجنة الأهالي في بداية الفصل الأول، وذلك بعد حصر أعداد التلاميذ المسجلين فعلياً.

وأضافت أنّ إدارات المدارس الخاصة تبرر هذه الزيادات بتأثيرات ناجمة عن تطبيق القانونين 12/25 و5/25 اللذين أصبحا نافذين، استناداً إلى دراسة علمية أعدّتها مصلحة التعليم الخاص بالتعاون مع الاتحاد. وأشارت إلى أنّه حتى في حال زيادة التكاليف على التلميذ بهدف تمكين المعلّمين من الحصول على رواتب تعادل 100% مما كانت عليه قبل الأزمة، ودفع مساهمة صندوق التعويضات بنسبة 6%، فإنّ أثر الزيادة الواقعي لا يتجاوز 36 إلى 150 دولاراً للتلميذ الواحد. وعليه، تعتبر الطويل أنّ الزيادات الحالية عشوائية وغير مبررة ما لم تسبقها دراسة موازنة شفافة وواضحة.

كما أعربت الطويل عن أملها في أن يشهد العام الدراسي المقبل تشكيل مؤسسة قضائية تربوية وإقرار موازنة إلكترونية شفافة تضع حداً لهذه الفوضى، معتبرة أنّ الأقساط المفروضة حالياً غير قانونية إلى حين تبريرها وفق الأصول المرعية.

ودعت لجان الأهل والأهالي أنفسهم إلى الترشح والمشاركة في الانتخابات التي يُفترض أن تُجرى هذا العام في نحو 90% من مدارس لبنان، مشددة على أنّ المشاركة واجب أساسي للحفاظ على حقوق التلاميذ.

وفي السياق نفسه، طالبت الطويل لجنة التربية النيابية بعرض تعديل القانون 515 على الهيئة العامة لمجلس النواب بعد إنجاز دراسته، ودعت النواب إلى دعمه لما يمثله من خطوة ضرورية لتفعيل دور لجان الأهل، وترسيخ أسس الرقابة والتدقيق المالي والشفافية والمحاسبة في المؤسسات التربوية الخاصة.

وختمت الطويل بالتأكيد على أنّ إقرار هذا التعديل من شأنه أن يحقق العدالة لجميع مكونات العائلة التربوية، ويؤسس لمرحلة جديدة من الإصلاح التربوي الشامل تضمن حقوق الأهالي والمعلمين والمدارس على حدّ سواء.

ويبقى السؤال المطروح اليوم: هل ستُقرّ التعديلات المقترحة على القانون 515 لتشكّل إطاراً ضابطاً حقيقياً يعيد التوازن إلى العلاقة بين المدارس الخاصة ولجان الأهالي، بما يضمن إنصاف المؤسسات التربوية من جهة، وصون حقوق أولياء الأمور والتلاميذ من جهة أخرى؟

المصدر: موقع المنار