الجمعة   
   12 12 2025   
   21 جمادى الآخرة 1447   
   بيروت 16:06

السفير الإيراني مكرما أساتذة اللغة الفارسية: لتبقى جهودكم نورا مؤثرا وباقيا


استضافت السفارة الإيرانية لقاء خاصا كرمت في خلاله أساتذة ومعلمي اللغة الفارسية، بدعوة من المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورعاية السفير الايراني مجتبى أماني وحضوره ووزير الثقافة السابق القاضي محمد وسام المرتضى، المستشار الثقافي لايران السيد محمد رضا مرتضوي، المدير العام للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم – مدارس المهدي الدكتور حسين يوسف وحشد من أساتذة ومعلمي اللغة الفارسية.

أماني

وتحدث السفير أماني بالمناسبة، فقال: “يشرفني في هذه الأيام المباركة التي نحتفل فيها بميلاد السيدة فاطمة الزهراء، هذه السيدة الفريدة في عالم الإسلام، أن أستضيفكم في السفارة الإيرانية، أنتم أساتذة اللغة الفارسية الأجلاء الذين تحملون أمانة التراث الثقافي والأدبي الإيراني – الإسلامي”، واوضح ان “ذكرى ميلاد السيدة الزهراء ليست مناسبة تاريخية فحسب، بل هي استحضار لميلاد قدوة كاملة في العلم والبصيرة والروحانية والإنسانية. هي التي قال عنها الرسول الأكرم “فاطمة بضعة مني”، فكانت رمزا للمرأة المسلمة الواعية المجاهدة الطاهرة المؤثرة في المجتمع الإنساني. وتعلمنا حياة الزهراء أن قيمة الإنسان تكمن في العلم والأخلاق والكلمة الحكيمة والتربية الصالحة، وهي رسالة نحتاجها تماما في مسيرة الارتقاء باللغة الفارسية وتعليمها”.

واشار إلى أن “اللغة الفارسية ليست مجرد وسيلة للتواصل، إنها بيت أرواحنا ووعاء أفكارنا وهوية حضارتنا الإيرانية الإسلامية. ومن هذه اللغة انطلقت حكمة الفردوسي، وزهت عرفان المولوي، وتألقت أفكار حافظ، وانتشرت عقلانية وأخلاق سعدي في العالم. إنها لغة تربط بين ماض مجيد ومستقبل مشرق، لغة وحدت شعوبا قرونا طويلة ونقلت العلم والثقافة ونشرت روح اللطف والإنسانية في مساحة واسعة من العالم”، واعتبر أن “صون اللغة الفارسية هو صون الهوية والتاريخ والإرث الثقافي المشترك، وأنتم أيها الأساتذة الكرام حمات هذا الإرث العظيم”.

وتوجه أماني الى المكرمين، قائلا: “انكم لستم معلمي الكلمات فقط، بل مهندسو الفكر وبناة الهوية وملهمو الأجيال المقبلة. إن أثر أستاذ اللغة الفارسية لا ينحصر في قاعة الدرس. فعندما يقرأ الطالب شعر حافظ، أو يفهم حكمة سعدي، أو يكتسب القدرة على التعبير عن أفكاره بلغة سليمة وجميلة، فإن جذوركم تمتد في أعماق روحه. كل جملة تعلمونها، وكل بيت من الشعر تشرحونه، وكل جمال تكشفونه من جماليات اللغة الفارسية، إنما هو امتداد لمسيرة رسل المعرفة عبر التاريخ. واليوم، نحن أحوج ما نكون إلى أساتذة يجمعون بين حب اللغة الفارسية و اعتماد الأساليب الحديثة والرؤى العالمية في تعليمها للأجيال الجديدة”.

وختم قائلا: “في هذا اليوم المبارك الذي يحمل اسم السيدة فاطمة الزهراء، نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للسير في طريق العلم والأخلاق والتربية والخدمة الثقافية. أشكر حضوركم الكريم وأرجو أن تبقى جهودكم في خدمة اللغة الفارسية نورا مؤثرا وباقيا كما هو نور السيدة الزهراء”.

المرتضى

بدوره، رأى القاضي المرتضى أن “الأمانة تفرض علينا إذ نمتطي هذا المنبر أن نوجه إليكم في المستهل تحية إجلال وتقدير على جميع ما قدمتموه من جهود وبذلتموه من تضحيات، سعيا الى تمتين جسور اللقاء والتعاون والتوادد بين شعبينا ودولتينا ودفاعا عن قضايا الحق والحرية والإنسان على نحو يرضي الله والضمير”.

وقال: “أما أنتم أيها المعلمون المكرمون، فإنكم بما زرعتموه في طلبتكم بذرتم بذرة الوصل بين التراثين الفارسي والعربي، وهي بذرة إذا ما أنبتت اكتشف حاملوها مقدار الترابط العضوي بين ثقافتين متجاورتين نمتا في حضن الإسلام بتجلياته المعرفية كافة، وأخذت هذه من تلك وتلك من هذه عادات ومعتقدات إيمانية ومفردات ومعاني ورسم حروف وأساليب بيان، وخصوصا أبعادا عرفانية وصوفية حتى امتزج التاريخان في سياقات متقاربة إن لم نقل واحدة. وهذه حقيقة يعرفها جميع دارسي الحضارات أن الحضارة العربية الإسلامية اشتراك في صناعتها أقوام من غير العرب وشعوب غير مسلمة، ذلك أن اتساع رقعة هذه الحضارة من الأندلس حتى حدود الصين، ما كان لإنتماء واحد أن يملأه، ولهذا تعددت إنجازاته وعظمت بتعدد مصادرها المعرفية وعظمتها. أما الكلام السياسي الذي يدور عندنا عن استتباع وانقياد وتنفيذ مشاريع، وما إلى ذلك من مفردات وتعابير زائفة، فإنه كلام ينطق من هوى وينطق عن هوى وينهار إنهيار الرمل أمام معطيات التاريخ التي تمليها قواعد العمران البشري”.

أضاف: “لقد أبطل معلمونا المكرمون قول المتنبي في مغاني شعب بوان عن أن “الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان”، وقال: “ابطلوا مساعي كل من يريد زرع الغربة بين الحضارتين، ولقد قلت سابقا لا غريب بين الثقافتين الفارسية والعربية سوى شيطان هذا العصر المزروعة قرونه الاحتلالية والتدميرية في أرضنا المقدسة، وهذه الكلمات اليوم تتجلى معنا أكثر من أي وقت مضى ونحن نكرم من يسهمون في إزالة الحواجز بين ثقافتينا ويعيدون للغة مكانتها كجسر حضاري بين الماضي العريق والحاضر الواعد ويتيحون للمتلقي أن يقرأ بالفارسية إبداعات أسماء خالدة كالفردوسي الذي نسج ملحمته الشاهنامة وخلد التاريخ والفكر الفارسي وحافظ الذي جعل من الغزل والمعاني العميقة نافذة على الروح الإنسانية، والرومي الذي عبد الطريق للحكمة والحب الإلهي، وجعل من كلماته جسورا بين الشرق والغرب”.

واعتبر ان “هؤلاء العظماء لم يكونوا إلا مرآة للروح الثقافية التي نحتفي بها اليوم، وهي روحكم أيها المعلمون الكرام، التي تنقلونها لأجيال المستقبل. وللجهات الإيرانية القيمة على مثل هذه الفعاليات، ولكم شخصيا يا سعادة السيد مرتضوي، نؤكد أن التعاون الثقافي الذي بين الشعبين والدولتين لن يتوقف لأنه حاجة حضارية لنا أجمعين، ونحن نعول على جهودكم وإخلاصكم من أجل تفعيل هذا التعاون والارتقاء به على المستويات كافة”.

مرتضوي

من جهته، اعتبر المستشار مرتضوي، أن “أساتذة اللغة الفارسية يحملون ميراثا حافظ على ثقافة هذه الأرض وروحها وأخلاقها وهويتها عبر القرون. فاللغة الفارسية ليست مجموعة كلمات فحسب، بل هي بيت الروح ومرآة العقل الإيراني، وجسر يصل الماضي بالحاضر والمستقبل. من رودكي والفردوسي إلى سعدي وحافظ، ومن مولوي وبيدل إلى كبار معاصرينا، انتقلت هذه الذخيرة الثمينة في صدور العلماء، وأنتم أيها الأساتذة حراس هذا النور اليوم. نور لو انطفأ يوما لانطفأت معه جذور الهوية”.

وقال: “ما أجمل أن نقترن في هذا اليوم بين تكريم الأستاذ وبين ذكر السيدة فاطمة الزهراء، تلك القدوة الكاملة في العلم والتربية والأخلاق والبيان. إن خطبتها المباركة المعروفة بخطبة فدك، تعد من أروع نماذج البلاغة والحجة في تاريخ الإسلام، شاهدا على أن الكلمة إذا امتزجت بالعلم والإيمان والطهر، غيرت مسار الأمة. وعندما نتحدث عن مقام الأستاذ، نتذكر كيف عظمت السيدة الزهراء شأن العلم و أهل العلم. لقد كانت معلمة بعيونها، مربية بسلوكها، وهادية بكلامها. فالأستاذ الحقيقي هو من يشعل مصباحا، لا لدرس اليوم فحسب، بل لغد الوطن كله. والزهراء كانت مصباحا لم ينطفئ منذ القرون”.

وتوجه الى المكرمين قائلا: “أساتذتنا الأجلاء، إنكم على خطى تلك السيدة العظيمة تحملون رسالة التنوير. رسالة تبدأ بالكلمة وتمتد إلى القلوب والعقول. فاللغة الفارسية تحيا بكم، وتسمو بجهودكم، وتبقى ما دمتم تدرسون وتكتبون وتخلصون لها. ولذلك أقول بصدق إن تكريمكم هو تكريم للغة الفارسية، وتكريم اللغة الفارسية هو تكريم لهويتنا”.

كما تخلل اللقاء تكريم لعدد من عوائل شهداء من أساتذة اللغة الفارسية.

المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام