الخميس   
   06 11 2025   
   15 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 22:26

خاص | إعلام التحريض والفتن.. مخالفات قانونية بالجملة والمستهدف هو الوطن

في ظل الأوضاع الحسّاسة والدقيقة التي يمرّ بها لبنان، وفي ظلّ العدوان الإسرائيلي المتواصل عليه، نرى العديد من وسائل الإعلام اللبنانية، ومن بينها صحيفة “نداء الوطن” وقناة MTV وغيرها من منصّات التواصل الاجتماعي، تبثّ موادّ تهدف إلى التحريض وبثّ الفتن بين اللبنانيين وإثارة الحساسيات، من دون أيّ اعتبار لما قد يؤدّي إليه ذلك من إضرار بالمصلحة العامة والاستقرار في البلد.

والمتابع لما تبثّه هذه المنصّات الإعلامية يرى مدى الكيدية المتّبعة والإصرار على رمي التهم باتجاه كلّ من لا يؤيّدها أو يوافق على مزاعمها، خصوصًا في التهجّم على المقاومة وبيئتها، حتى وصل بها الأمر إلى التحريض على المؤسسات الرسمية الدستورية والأمنية. فقد هاجمت بعض موادّ هذه الوسائل الإعلامية علنًا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والجيش اللبناني والقوى الأمنية، لأنهم يرفضون الانجرار وراء التحريض وأخذ البلد إلى الاقتتال أو التأزيم.

وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى كتابة مقالات للمطالبة برحيل الرئيس عون من منصبه وترك الرئاسة الاولى شاغرة، احدها بعنوان: «جوزيف عون: ارحل» ما يشكل مساسا بالثقة اللبنانية الكبيرة بالعهد في السنة الاولى له. كما استغل هذا “الاعلام المحرض” إضاءة صخرة الروشة بصورة سيّد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله للتحريض على الجيش اللبناني في نشرات الأخبار ومقدّماتها أو في المقالات المختلفة، مخاطبين الخارج بأنّ هذا الجيش غير قادر على تنفيذ ما يريدون، واعتبار الجيش ووزارة الدفاع الوطني في لبنان ينقلبان على الدستور والشرعية، فقط لأنّ المؤسسة لعسكرية رفضت المسّ بالاستقرار الداخلي.

كما أنّ الجهات الإعلامية نفسها تهجّمت في مراحل سابقة على رئيس الحكومة الأسبق سعد الدين الحريري، وفي أحد المقالات تناولته بالقول: «هكذا وبحكم القدر تحوّل سعد الحريري من زعيم شعبيّ تخطّت شعبيّته المحلية شعبيّة والده رفيق، إلى ممنوعٍ من ممارسة العمل السياسي ومغضوبٍ عليه من قبل من جعلوه رئيسًا للحكومة اللبنانية والزعيم السنيّ الأوحد في لبنان…».

وتجاوز أداء هذا الإعلام التحريضي الحدود، ليتطاول على المقامات الدينية، فطالما هاجموا “المفتي الجعفري الممتاز” الشيخ أحمد قبلان والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ففي إحدى المقالات بعنوان: «المفتن ومجلس الثنائي الشيعي الأعلى»، تناول المقال المفتي قبلان بطريقة غير لائقة، وجاء فيه: «أشدّ من القتل خطبة هذا المسمّى المفتي الجعفري الممتاز ومواقفه ونوازعه…».

كما تضمّن الاداء الاعلامي الهابط لنفس الجهات، سيلًا من التحريض على مؤسسات تربوية واستشفائية وخيرية وشخصيات وطنية وقومية وعروبية.

ووصل الأمر بهؤلاء إلى التهجّم على المؤسسات الإعلامية، ومن بينها قناة المنار. فهذه صحيفة “نداء الوطن” تحرّض على القناة بالقول: «ليس ما فعلته المنار بالصحافة، بل هو عمل استخباراتيّ إسرائيليّ يشيطن المتهم تمهيدًا لأمر أكبر…»، ما يضع هذا التهجّم في سياق مخطّط أكبر قد يكون له ما يليه من ممارسات.

وما سبق ذكره لا ينفكّ عمّا حصل خلال العدوان الصهيوني على لبنان في عام 2024، حيث جرى التحريض على فئة من اللبنانيين، وخرجت أصوات عديدة للشماتة وبثّ الكراهية والحقد، ودعوة العدوّ إلى قتل مكوّن لبناني وشريك في الوطن، فقط بدافع البغض الذي لا مبرّر له أمام عائلاتٍ ضحّت وقدّمت على مدى عشرات الأعوام لحماية لبنان من العدوانية الإسرائيلية.

وهذا الأداء غير الأخلاقي والمخالف للقوانين من قبل هذا الإعلام التابع والمعروف الهوية والتمويل لا يزال متواصلًا حتى اليوم، من دون أيّ رادع قضائي أو قانوني أو وطني لهؤلاء.

وهنا تُطرح الكثير من التساؤلات حول الجهة المخوّلة بالتحرّك لضبط انفلات هؤلاء من القانون والأخلاق والوطنية: من هي الجهة القضائية التي ستتحرّك لوضع حدّ لكلّ هذا الكمّ من الفتن والتحريض بين اللبنانيين؟ وما هي القوانين التي يجري انتهاكها؟ ألا يدرك هؤلاء أنّ التحريض وبثّ الفتن لا يخدم الوطن بل يجعل لبنان هو المستهدف لمصلحة العدو؟ ولماذا هذا الإصرار الكبير على الاستمرار في أداءٍ أقلّ ما يُقال فيه إنّه غير مهني؟

لا شكّ أنّ الكثير ممّا ينشره الإعلام المحرّض على المقاومة، ويستهدف كلّ من لا يقف بوجهها سواء من الجهات الرسمية أو الشعبية، يخالف نصوصًا واضحة في الدستور اللبناني وقانون العقوبات اللبناني، الذي حدّد عقوبات صريحة لكلّ جريمة تُرتكب.

ففي الفقرة (أ) من مقدّمة الدستور اللبناني، جاء: «لبنان وطن سيد حرّ مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه…»، بينما تنصّ الفقرة (ي) على أنّه «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».

فأيّ تحريض على فئة من اللبنانيين ووصفهم بأنهم «ليسوا لبنانيين» أو أنهم «من الفرس» أو أنهم «يخدمون دولة خارجية»، وغيرها من الأكاذيب الواضحة التي تصبّ في خانة “البروباغندا” الإعلامية، يخالف مقدّمة الدستور وصيغة العيش المشترك، ويجعل المستهدفين وكأنهم «مواطنون من درجة ثانية أو غير لبنانيين».

كما أنّ ما ينشره بعض الإعلام المحرّض يخالف العديد من مواد قانون العقوبات اللبناني، منها:

-المادة 317: «كلّ عمل أو كتابة أو خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة…».

-المادة 384: «من حقر رئيس الدولة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين…».

-المادة 383: «التحقير بالكلام أو الحركات أو التهديد الذي يوجَّه إلى موظف أثناء قيامه بالوظيفة أو في معرض قيامه بها يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين…».

-المادة 386: «الذمّ بإحدى الوسائل المعينة في المادة 209 يعاقب عليه بالحبس من شهرين إلى سنتين إذا وقع على رئيس الدولة، وبالحبس سنة على الأكثر إذا وجِّه إلى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة…».

-المادة 308: «يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على الاعتداء الذي يستهدف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو حملهم على التسلّح بعضهم ضد البعض الآخر…».

ولكن كيف يتحرّك القضاء أمام كلّ هذه التجاوزات القانونية من قبل المؤسسات الإعلامية المحرّضة؟

بداية لا بد من توضيح ان: الدعوى العامة أو دعوى الحق العام هي تلك التي ترمي إلى ملاحقة مرتكبي الجرائم الجزائية وتطبيق العقوبات والتدابير بحقّهم.
أما تحريك الدعوى العامة فيكون إمّا من قبل النيابة العامة من تلقاء نفسها، أو بإخبار من شخص ما، أو بأيّ وسيلة أخرى مشروعة. كما يمكن تحريك الدعوى العامة بالادّعاء الشخصي عبر تقديم شكوى مباشرة إلى النيابة العامة.

كما أنّ ممارسات الإعلام المحرّض تخالف قانون تنظيم البثّ التلفزيوني والإذاعي، وتستوجب عقوبات بحقّه تصل إلى حدّ إيقاف البثّ لمدد مختلفة، وبحسب المادة (35) من القانون نفسه، تُطبّق على الجرائم المرتكبة بواسطة المؤسسات التلفزيونية والإذاعية العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العام وقانون المطبوعات، وفي هذا القانون وسائر القوانين المرعية الإجراء، على أن تُشدّد هذه العقوبات وفقًا للمادة (257) من قانون العقوبات.

ولعلّ هذا الإعلام المُحرِّض يتذرّع بأنّ ما يقوم به هو عملٌ إعلامي، وبالتالي يجب أن تُحال أيّ مخالفةٍ للقانون إلى محكمة المطبوعات، وبذلك يتهرّب أيّ مرتكبٍ من الملاحقة أمام القضاء الجزائي، علمًا أنّ كثيرًا من الممارسات الإعلامية التحريضية تخالف نصوص قانون المطبوعات في لبنان. وهنا تكمن أهمّية تدخّل الجهات الإعلامية الرسمية الرقابية في فرض وتطبيق قانون الإعلام، وإلزام المؤسسات الإعلامية على اختلافها بالتزام “ميثاق شرف إعلامي” يجعل المبادئ والقيم ورسالة الإعلام أهمّ من أيّ أمرٍ آخر.

حول كلّ ذلك، قال عميد القضاء في الحزب “السوري القومي الاجتماعي” المحامي ريتشارد رياشي إنّ “وسائل الإعلام المكتوبة، كما وسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية، يتوجّب عليها قانوناً تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي، وذلك في الأحوال العادية والطبيعية. فإنّ دورها في حالات الحرب يجب أن يكون مضاعفاً بهدف تعزيز وتمتين هذه الوحدة، والعمل على بثّ روحية المواجهة لتحقيق النصر”.

وأضاف رياشي في حديث لموقع قناة المنار: “إلا أنّه وللأسف، فإنّ بعض وسائل الإعلام تقوم بشكلٍ مدروسٍ وممنهجٍ ومتعمد بالتحريض بشكلٍ متواصل ضدّ المقاومة ودورها، وبأنها مقاومة غير لبنانية وتهدف إلى تحقيق مصالح الآخرين، وتبثّ أخباراً كاذبة وتحريضية على كلّ المستويات، ولا سيّما كلّ ما يتعلّق بتموضع المقاومة وسلاحها”. وتابع: “فتسارع إلى بثّ الأخبار الكاذبة التي يروّج لها العدوّ عن وضع المقاومة وسلاحها، فضلاً عن التحريض المتعمّد من خلال اختلاق أخبارٍ كاذبة وغير حقيقية بهدف إضعاف التماسك الداخلي، والتأثير على معنويات المقاومة، والنيل من الشعور القومي، وتجييش النعرات الطائفية والعنصرية والمذهبية، وتحريض العدوّ الإسرائيلي على الاستمرار بعدوانه ودسّ الدسائس له”.

ولفت رياشي إلى أنّ “وسائل الإعلام هذه تقوم بما تقوم من خلال مقالاتٍ صحافيةٍ مدسوسة، ومقابلاتٍ مع أشخاصٍ محدّدين يتماهون مع العدوان الحاصل وأهدافه، من خلال الضخّ والترويج والتحريف المستمرّ بأنّ المقاومة جسمٌ غريبٌ عن اللبنانيين ولا يمثّلهم. كما تقوم بعض هذه الوسائل بنشر أخبارٍ مفبركة عن وجود أسلحةٍ وذخائر بين المنازل والمناطق السكنية المسكونة من طائفةٍ معيّنة، بهدف تشجيع العدوّ الإسرائيلي على الاستمرار في اعتداءاته عليها وقتل المدنيين الآمنين (وهذه كلّها جرائم جزائية معاقَبٌ عليها قانوناً)”.

وعن العقوبات التي تُفرض على وسائل الإعلام المرتكبة للجرائم والمخالفات، قال المحامي رياشي إنّها “تتوزّع بين إداريةٍ وجزائية”، وأشار إلى أنّ “المادة 274 عقوبات تنصّ أيضاً على أنّ: كلّ لبناني دسّ الدسائس لدى دولةٍ أجنبية ليدفعها إلى مباشرة العدوان على لبنان أو يوفّر لها الوسائل إلى ذلك، عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة”.

ولفت رياشي إلى أنّه “وفقاً للمادة 35 من قانون الإعلام المرئي والمسموع، وللمواد 3 و24 و25 و39 و48 من المرسوم الاشتراعي رقم 104، يمكن وقف بثّ المؤسسة الإعلامية وإجراء رقابةٍ مسبقة على أدائها، وقد تُنزَل عقوبات تصل إلى حدّ سحب الترخيص أو الحبس لمدةٍ قد تصل أحياناً إلى ثلاث سنوات”.

ورأى رياشي أنّ “ملاحقة الوسائل الإعلامية وضبط مخالفاتها مسؤولية وزارة الإعلام بالدرجة الأولى، وثانياً من واجب النيابات العامة، عندما يكون ثمة تعرّضٌ للسلم الأهلي وتحريضٌ، التحرك فوراً ضدّ المطبوعة ومصادرتها وإحالتها إلى محكمة المطبوعات لإنزال العقوبات التي تصل إلى سحب الترخيص بحسب طبيعة الجرم الحاصل”، وشدّد على “ضرورة وضع حدٍّ للتمادي الحاصل والتحريض المتعمّد للعدوّ للاعتداء على لبنان من خلال الأخبار المفبركة والكاذبة”.

من جهته، قال المحامي عيسى نحاس إنّ “ما يقوم به بعض الإعلام يُصنَّف كجرائم مستمرّة تُنتهك فيها الحقوق يوميًا، ويصل الأمر إلى الحديث عن جريمة القتل أو محاولة القتل”، وتابع: “قد يُقدَّم للعدوّ معلومات حول اسم شخصية أو مسؤول أو مكان تواجده، سواء أكانت المعلومة صحيحة أم غير صحيحة، إلّا أنّها قد تساعد العدوّ في تنفيذ القتل أو استهداف شخصية ما أو مجموعة من الناس”. وأضاف: “ثمّ يصل الأمر إلى جريمة التجسّس لصالح العدوّ، إضافةً إلى جرائم الذمّ والإساءة والإضرار بمصالح الدولة، وارتكاب جرائم تمسّ الأمن الداخلي والخارجي”.

ورأى نحّاس في حديثٍ لموقع قناة المنار أنّ “هذه الجرائم المرتكبة توجب تحرّكًا من قبل الجهات المعنيّة، سواء في القضاء أو في وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للإعلام، لدفع بعض الوسائل الإعلاميّة إلى الالتزام بالتقاليد المهنيّة بين الإعلاميين”.

وشدّد نحّاس على أنّه “من الضروري وضع قانونٍ يفصل بين حرية الإعلام وبين خدمة العدوّ، خاصةً أنّنا في وضعٍ حسّاس، ولا يمكننا تجاهل خطورة التصريحات، فقد يظنّ الإنسان أنّه يعبّر عن رأيه بحرية، لكنه في الواقع يخدم العدوّ”. وتابع: “إننا نعي أنّ لدينا عدوًّا يقتل الناس دون تفرقة، ويرتكب جرائم بشعة ومجازر ضد الإنسانية، لذلك فإنّ الأمر يحتاج إلى إعادة صياغة تشريعية. فلا وجود للبنان بلا حرية إعلام، وهذا أمر بالغ الأهمية، لكن لا نريد وجود أيّ خرق أو تهاون أو نقاط ضعف يستفيد منها العدوّ”.

يبقى أنّ المهمّ من كلّ الأداء السياسي والإعلامي والقانوني هو تحقيق المصلحة العامة للوطن والمواطن، والابتعاد عن الكيدية والنكد لتحقيق مكاسب آنية ضيّقة هنا وهناك، والانتباه إلى ضرورة ترك الخطاب الفتنوي التحريضي واستبداله بخطاب عقلاني ووطني، لأنّ الأوطان لا تُبنى إلا بالتضامن والتكاتف، لا بالتنابز والصراعات.

المصدر: موقع المنار