بات سلاح العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية تستخدمها الدول الأقوى ضد خصومها، على أمل أن يساعد ذلك على تغيير مواقف الدول المُعاقَبة من قضايا أو سياسات معينة.
تتبنى العقوبات بعدًا لا أخلاقيا، إذ تُفرض أساسًا على الدول التي تُهدِّد المصالح العليا العالمية التي تضعها الدول المُهيمنة على النظام الاقتصادي العالمي وهيكل النظام الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية.
لا تكتفي العقوبات الاقتصادية باستهداف الدول والأنظمة الحاكمة، بل تطال أيضًا الأفراد وأعضاء المجتمع المدني ورجال السياسة والاقتصاد والمجتمع بصورة شخصية، وهي بذلك ممارسة طويلة الأمد تختلف أسبابها باختلاف الظروف.
في هذا السياق، يذكر المؤرخ والاقتصادي الأمريكي نيكولاس مولدر في كتابه الصادر هذا العام «السلاح الاقتصادي» أن ما يميز العقوبات الاقتصادية الحديثة، من وجهة نظره، أنها تُطبّق في زمن السِّلم وليس أثناء الحرب.
تتصدر الصحف والمجلات في الآونة الأخيرة موضوعات ذات عناوين عريضة حول العقوبات الاقتصادية وخاصة ضد روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي1991، وإيران منذ انتصار الثورة الإسلامية 1979 وصولا لما يعرف بآلية الزناد “سناب باك”.
آلية الزناد (Snapback)
مهّد الاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) عام 2015 لانفراج دولي وإقليمي، تعهّدت بموجبه الولايات المتحدة برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران مقابل التزام الأخيرة بخفض تخصيب اليورانيوم.
لكن الضمانات الأمريكية لم تختلف بين الماضي والحاضر، إذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق، ما أعاد الجدل حول الملف النووي الإيراني، بعدما تخلّت واشنطن عن الاتفاق وبدأت بإعادة فرض عقوبات واسعة في إطار سياسة «الضغط الأقصى»، وقد قوّض هذا الانسحاب مصداقية خطة العمل وأضعف قدرة الأطراف الأوروبية على الحفاظ على بنودها.
في هذا الإطار، تُعد آلية الزناد (Snapback) من أكثر بنود الاتفاق إثارةً للجدل، إذ تنص على إمكانية إعادة فرض العقوبات الأممية تلقائيًّا على إيران في حال خرقها التزاماتها النووية، دون الحاجة إلى تصويت جديد في مجلس الأمن.
وتستند آلية الزناد إلى قرار مجلس الأمن رقم 2231 (عام 2015) الذي يُخوِّل أي طرف مشارك في الاتفاق إخطار المجلس وإعادة فرض العقوبات الأممية خلال 30 يومًا، ما لم يُتَّخذ قرار معاكس.
وفي هذا الشأن يقول المحلل السياسي الإيراني مهدي عزيزي في مقابلة مع موقع المنار :”تأتي آلية الزناد في إطار حالة نفسية يعيشها الغرب والعدو الصهيوني على إثر كشف وزارة الأمن الإيرانية لوثائق سرية تبين علاقة الكيان ببعض الدول العربية، ومعطيات عن المنشآت الاستراتيجية الخاصة بالكيان”.
وأكد عزيزي أنه مع انتهاء القرار 2231 تصبح العقوبات غير قانونية، ولكن الولايات المتحدة دائما تنقض الاتفاقات وتفرغ الضمانات من محتواها..
وفي التفاصيل، يتحدث الباحث السياسي غالب سرحان في مقابلة مع قناة المنار حول التفاف إيران على العقوبات الإقتصادية “آلية الزناد”
ولم تكن آلية الزناد السياسة الوحيدة في مسار العقوبات، فقد سبقتها سلسلة قرارات من مجلس الأمن الدولي تحت مظلة ما يُعرف بالشرعية الدولية، أبرزها:

العقوبات لم تستثن روسيا
مع تصاعد وتيرة الحرب في أوكرانيا والتهديد بفرض مزيدٍ من العقوبات الدولية على روسيا، استكملت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية حلقات مسلسل العقوبات الذي بدأ منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
ويعد ملف روسيا من الأولويات في سياسة العقوبات الغربية، إذ كان واضحًا الجهد الذي بذلته واشنطن مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لمعاقبة موسكو في مراحل متعددة.
قانون “ماغنيتسكي”
في 14 كانون الأول/ديسمبر 2012 دخل ما يُعرف بـ قانون ماغنيتسكي حيّز التنفيذ في الولايات المتحدة، وهو قانون يفرض عقوبات على الروس المتهمين –بحسب واشنطن– بانتهاك حقوق الإنسان، ويمنعهم من دخول الأراضي الأمريكية ويجمّد أصولهم المالية.
يخدم هذا القانون الدعاية الأمريكية التي ترفع بشكل منافق شعار احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، بهدف تأليب الرأي العام العالمي وكسب شرعية دولية لسياساتها العقابية.
العقوبات على مشروع “نورد ستريم 2”
يهدف مشروع نورد ستريم 2 إلى إنشاء فرعين من خطوط أنابيب الغاز بطاقة إجمالية تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويًا، لنقل الغاز من السواحل الروسية عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، مرورًا بالمياه الاقتصادية لفنلندا والسويد والدنمارك.
في 20 كانون الأول/ديسمبر 2019 وقّع الرئيس دونالد ترامب ميزانية الدفاع التي نصّت على فرض عقوبات على نورد ستريم 2 والسيل التركي. ونتيجة لذلك طالبت واشنطن الشركات المنفذة بالتوقف عن العمل فورًا، ما دفع شركة Allseas إلى تعليق أنشطتها وسحب سفنها.
كذلك وتعرض خط الأنابيب نورد ستريم 2 للعديد من الانفجارات كان أولها في 26 سبتمبر 2022، وتوالت الانفجارات ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوصفها بأنها “عمل غير مسبوق من أعمال الإرهاب الدولي”.
وتعارض الولايات المتحدة هذا المشروع لأنها تسعى إلى تصدير غازها الطبيعي المسال إلى أوروبا وتروّج له كبديل للغاز الروسي.
كل ذلك يعبرعنه المحلل السياسي أحمد الحاج علي في مقابلة مع موقع المنار ..
بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
مع اعتراف روسيا بـ جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين (DPR وLPR)،في 21 شباط\فبراير 2021 ومع بدء العملية العسكرية الخاصة (SVO) في أوكرانيا، زادت الولايات المتحدة بشكل حاد من ضغوطها الاقتصادية على الاتحاد الروسي.
وفي 21 شباط/فبراير 2022 فرضت واشنطن عقوبات على الجمهوريتين الشعبيتين، ثم تبعتها في 22 شباط بفرض قيود على الديون السيادية الروسية وعلى مصرف VEB وبنك برومسفياز (Promsvyazbank)، وفي 24 شباط تم توسيع العقوبات لتشمل عددًا من البنوك الكبرى وممثلي النخبة السياسية والتجارية الروسية.
لاحقًا، فرضت واشنطن عقوبات على الرئيس فلاديمير بوتين وأعضاء مجلس الأمن الروسي، وقيّدت تصدير المنتجات الأمريكية عالية التقنية لصناعات الدفاع والفضاء وبناء السفن، كما حظرت التعامل مع البنك المركزي الروسي.
وبصورة عامة، تُعد الولايات المتحدة المستفيد الأكبر من العقوبات المفروضة على روسيا، فبينما يتنازع الأوروبيون مع موسكو، يتجهون لشراء الغاز الصخري الأمريكي، مما يعزز موقع الدولار ليس فقط أمام الروبل، بل أيضًا أمام اليورو.
المصدر: موقع المنار
