السبت   
   11 10 2025   
   18 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 00:23

ماذا يحصل في المغرب ؟!

يشهد المغرب منذ أيام موجة إحتجاجات شبابية غير مسبوقة  ،تقودها حركة “جيل Z 212 “التي خرجت من رحم الفضاءات الرقمية إلى الميادين، مطالبة بإصلاحات اجتماعية واقتصادية، وتصحيح مسار السياسات الحكومية .

من هو “جيل زد”؟

على أنقاض الجيل السابق المعروف بـ”جيل واي”، وفق الترقيم الأبجدي للأجيال، قامت حركة “جيل Z 212 ” ،وفي إشارة إلى رقم 212 مفتاح المكالمات المغربي .

وتُعدّ حركة “جيل زد” مجموعة شبابية منظمة تنشط بشكل أساسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد استخدمت منصتها الخاصة على تطبيق “ديسكورد” لتنظيم حشد شعبي واسع يضغط على الدولة المغربية من أجل تصحيح المسار السياسي .

وفي أحد بياناتهم الرسمية، دعا الشباب إلى “مقاطعة منتجات شركات عزيز أخنوش، رمز الاحتكار وزواج المال بالسلطة”، مضيفين أنه “كفى من التلميع الخارجي على حساب كرامة المواطن… قاطع وشارك صوتك”.

ولم تعد “ديسكورد”، الذي كانت تستخدم في الأصل للتواصل بين اللاعبين، مجرد منصة ترفيهية، بل أصبحت أداة تنظيمية محورية مكّنت شباب “جيل زد” من تنسيق احتجاجات واسعة النطاق بسرعة وفعالية .

وتؤكد الحركة، التي تضم أكثر من 185 ألف عضو على منصتها، على الطابع السلمي لتظاهراتها، رافضة أي شكل من أشكال العنف أو التسلّح، ومقدمة نفسها كحركة شبابية مستقلة وغير حزبية، تسعى إلى تحريك نقاش سياسي وطني يعكس مطالب الأجيال الجديدة .

الأسباب الكامنة خلف تظاهرات “جيل زد” في المغرب

بينما تستعد الحكومة المغربية لإطلاق مشاريع ضخمة تمهيدًا لاستضافة كأس العالم 2030، انفجرت احتجاجات شبابية تقودها حركة “جيل زد”.

ويؤكد المحتجون على ضرورة منح الأولوية لتحسين القطاع الصحي العمومي والتعليم، بالوتيرة نفسها التي تعتمدها الحكومة في مشاريع الرياضة والبنية التحتية، منتقدين بناء الملاعب على حساب الخدمات الأساسية للمواطنين .

وتأتي هذه الاحتجاجات بعد إعلان وزارة الصحة عن تسجيل ثماني حالات وفاة أثناء الولادة القيصرية في مدينة أغادير جنوب البلاد، نتيجة الضعف الهيكلي للمستشفيات ونقص التجهيزات الطبية .

وتظهر إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط معدلات بطالة مرتفعة بين الشباب، حيث بلغت 35.8% للفئة العمرية بين 15 و24 عامًا، و21.9% للفئة بين 25 و34 عامًا، مما يزيد من حدّة الإحباط لدى الأجيال الشابة ويعزز دوافع الاحتجاج .

ورفع المحتجون شعارات عدة، من بينها: “الصحة أولًا” و”لا نريد كأس العالم”، في رسالة واضحة تعكس جوهر الأزمة ومحركها الأساسي، المتمثل في المطالبة بإعادة ترتيب الأولويات الوطنية نحو الخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطنين اليومية .

الوعي الفلسطيني في خلفية المشهد المغربي

على الرغم من أن الاحتجاجات الأخيرة في سبتمبر–أكتوبر 2025 لم تُعلن رسميًا أنها “من أجل فلسطين”، إلا أن الوعي الفلسطيني حاضر بقوة في خلفية الأحداث، إذ يُنظر إلى استمرار التطبيع كمؤشر على تجاهل الدولة لإرادة الشعب في القضايا القومية.

منذ إعلان استئناف العلاقات المغربية–الكيان الإسرائيلي في ديسمبر 2020، سادت حالة من الصدمة الشعبية وُصفت بالخيانة، خاصة أن القرار جاء دون استفتاء أو توافق وطني. وقد تعزز الحضور الإسرائيلي في المغرب على مستويات أمنية وعسكرية واقتصادية، من خلال اتفاقيات تعاون واستخبارات ومشاريع مشتركة، ما أثار مخاوف من تزايد النفوذ الأجنبي على السيادة الوطنية.

كما أثارت مسألة قضائية تتعلق بمطالبة أطراف إسرائيلية أو يهودية بـ”استرجاع أملاك” تعود لفترة ما قبل الاستقلال حالة استياء شعبيًا، خصوصًا بعد صدور أحكام قضائية لصالح تلك الأطراف، والتي أدّت أحيانًا إلى طرد عائلات مغربية من منازلها بالقوة العمومية. واعتبر المواطنون ذلك اعتداءً مزدوجًا على الكرامة الاجتماعية والسيادة الوطنية.

هذه الوقائع، التي انتشرت عبر الإعلام البديل ومنصات التواصل الاجتماعي، عمّقت الشعور بأن التطبيع لم يعد مقتصرًا على العلاقات الخارجية، بل بات يمسّ حياة المواطن اليومية وحقوقه الأساسية.

وشهد المغرب في 7 أكتوبر 2023 واحدة من أكبر المظاهرات الشعبية في المنطقة العربية دعمًا لفلسطين، رُفعت خلالها شعارات مناهضة للتطبيع وصمت الدولة، فيما لعبت صور غزة دورًا محفّزًا وعاطفيًا قويًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وهكذا تلتقي الاحتجاجات المعيشية مع رفض التطبيع في جذرٍ واحد هو فقدان الثقة في أولويات السلطة. كما أن الشعارات المرفوعة مثل “الكرامة الوطنية” و”الوقوف مع غزة” تعبّر عن تداخل بين المطالب الاجتماعية والقيم الأخلاقية. فالوعي الفلسطيني، وإن لم يكن السبب المباشر للاحتجاجات، يشكّل عامل وحدة بين تيارات مختلفة — إسلامية ويسارية وقومية ومستقلة — مما وسّع قاعدة الغضب الشعبي.

رغم تأكيد حركة “جيل زد” على سلمية التظاهرات ورفضها العنف، شهدت بعض المدن صدامات محدودة بين قوات الأمن والمتظاهرين، أسفرت عن حملة اعتقالات واسعة .

موقف الحكومة المغربية من الإحتجاجات

في الثاني من أكتوبر 2025، أصدرت الحكومة بيانًا أعلنت فيه تفهّمها للمطالب الاجتماعية واستعدادها للحوار مع الشباب داخل المؤسسات والفضاءات العمومية، بهدف إيجاد حلول واقعية وقابلة للتطبيق لقضايا الوطن والمواطن. وجاء في البيان: “تؤكد الحكومة وعيها بالتراكمات والإشكالات التي تعرفها المنظومة الصحية منذ عقود، كما تؤكد أن طموح الإصلاح الذي تعبر عنه هذه الحركات الشبابية يلتقي مع أولويات العمل الحكومي”.

وفي إطار الإجراءات الأولية، أعلن وزير الصحة المغربي عن توفير 500 طبيب حديث التخرج للعمل في 24 مستشفى لتعزيز الطواقم الطبية وتوفير فرص عمل جديدة للشباب، بما يلامس أبرز المطالب التي رفعها المحتجون .

من جانبها، دعت منظمة العفو الدولية السلطات المغربية إلى الإفراج عن جميع المحتجزين، مؤكدةً على أحقية المطالب وضرورة حلّ النزاعات بطرق سلمية .

مخاوف من إنتقال الحراك لدول مجاورة

في الوقت ذاته، يثير تصاعد الاحتجاجات في المغرب مخاوف من انتقالها إلى دول مجاورة مثل الجزائر وتونس، خاصة أن المطالب الشبابية مرتبطة بمسائل معيشية وأخلاقية واسعة الانتشار، تتقاطع مع حساسية الشباب في المنطقة تجاه العدالة الاجتماعية والشفافية في إدارة الموارد العامة.

فقد ذكرت صحيفة “لوبوان” الفرنسية أن الاحتجاجات التي تقودها حركة “جيل زد 212” في المغرب قد تمتد إلى الجزائر وتونس، نظرًا لتشابه الأوضاع والتحديات التي تواجه الشباب في البلدان الثلاثة.

وتشير الإحصاءات إلى أن معدل البطالة بين الفئة العمرية 15–24 سنة بلغ نحو 38% في المغرب، و29.7% في الجزائر، و36.8% في تونس، مقارنة بالمعدل العام للبطالة الذي يبلغ 12.8% في المغرب، و11.4% في الجزائر، و15.3% في تونس، ما يعكس فجوة كبيرة بين الشباب وبقية السكان في فرص العمل والاندماج الاقتصادي.

وترى الصحيفة أن الشباب في هذه البلدان يشتركون في المطالب نفسها والمظالم ذاتها، سواء كانت حركة “جيل زد 212” في المغرب، أو “جيل زد 213” في الجزائر، أو قريبًا “جيل زد 216” في تونس، حاملةً رسالة واحدة: “لم تُستخلص بعد دروس الربيع العربي.”

المصدر: المنار