الجمعة   
   03 10 2025   
   10 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 17:50

منذ تأسیس الأمم المتحدة، الفیتو الأمیركي سلاح دائم لحمایة الإحتلال الإسرائیلي  

منذ تأسیس الأمم المتحدة، رُسمت صورة زائفة للعدالة الدولیة. فمجلس الأمن الذي وُجد لحمایة السلم والأمن العالمیین، تحوّل إلى ساحة تسُیرّھا المصالح الأمیركیة، فیما صار الفیتو الأمیركي سلاحاً سیاسیاً دائماً لحمایة العدو الإسرائیلي وتثبیت تفوقه .

وفي أحدث الفصول، رفعت ممثلّة الولایات المتحدة مورغان أورتاغوس یدھا لرفض قرارٍ یدعو إلى وقفٍ فوريّ لإطلاق النار في غزة. لم یكن تصویتھا مجرد إجراء دبلوماسي عابر، بل استعراضاً متعمداً، أقرب إلى التحیة النازیة، لتأكید ولائھا لمشروع صھیوني لا یتورع عن القتل والإبادة. الموقف العلني لأورتاغوس لم یترك مجالاً للشك: واشنطن لا ترى في إنقاذ المدنیین أولویة، بل تعتبر حمایة ما تسمیه (حق إسرائیل في الدفاع عن نفسھا) الھدف الأول، ولو على حساب آلاف الشھداء والجرحى. وھكذا، جاء الفیتو السادس منذ بدایة العدوان علي غزة في 7 تشرین الأوّل 2023 بمثابة ضوء أخضر لاستمرار حملة الإبادة، كما وصفتھا تقاریر منظمة العفو الدولیة.

ھذا المشھد یكشف جوھر الدور الأمیركي منذ عقود: فیتو یتكرر بالصیغة نفسھا، لكنه یتبدل في التوقیت والسیاق وفق حاجات العدو. من فلسطین إلى لبنان، ومن القدس إلى غزة، باتت الید الأمیركیة المرفوعة رمزاً دائماً لإسقاط أي قرار ینصف الشعوب المقھورة. وھنا تكتسب العودة إلى سجل الفیتوھات معناھا، فھي لیست مجرد أرقام وتواریخ، بل شواھد دامغة على مشروع متكامل جوھره حمایة ما یسمى “إسرائیل” مھما كان الثمن .

تاریخ طویل من الحمایة الأمیركیة للاحتلال

لم یبدأ الانحیاز الأمیركي مع غزة الیوم، بل ھو مسار ممتد منذ عقود. ففي 10 أیلول 1972، استخدمت الولایات المتحدة للمرة الأولى حق النقض ضد مشروع قرار یدُین الاعتداءات الإسرائیلیة على لبنان وفلسطین. وفي 29 حزیران 1976، عطّلت واشنطن مشروع قرار یعترف بحقوق الشعب الفلسطیني ویدعو لتقریر مصیره، ثم تكررت الفیتوھات في العام نفسه ضد قرارات مرتبطة بالقضیة الفلسطینیة .

وفي الثمانینیات، بلغ التواطؤ ذروته. عام 1982 اجتاحت قوات الاحتلال بیروت وارتكبت مجازر صبرا وشاتیلا، فكان الفیتو الأمیركي الساتر السیاسي لآلة الحرب، یعرقل كل محاولة لإدانة الجرائم أو فرض الانسحاب .

الكاتب الفلسطیني حمزة البشتاوي أوضح في مقابلة مع موقع المنار أنَّ “ھناك تاریخاً طویلاً وسجلا ً أسود من استخدام الفیتو من قبل الإدارة الأمیركیة دعماً للكیان الصھیوني وفي سیاق العداء لفلسطین ولقضیة شعبھا في الحریة وتقریر المصیر. ھذا ینطلق أساساً من الارتباط العضوي بین الولایات المتحدة وكیان الاحتلال، حیث تؤمّن الإدارة الأمیركیة بشكل دائم الحمایة السیاسیة والقانونیة والعسكریة للكیان، ضاربةً عرض الحائط كل الأعراف والقیم والمواثیق”.

الفیتو الأمیركي بین القانون والسیاسة

من منظور القانون الدولي، یشیر الدكتور عدنان السید حسین وھو وزیر سابق ورئیس سابق للجامعة اللبنانیة في مقابلة مع موقع المنار إلى أن “الفیتو الأمیركي ھو جزء من تحالف استراتیجي عمیق بین الولایات المتحدة والكيان الإسرائيلي. ھذا التحالف یعطل قدرة مجلس الأمن على حمایة السلم والأمن العالمیین، ویضعف كل القرارات الدولیة المتعلقة بفلسطین ولبنان”.

وفي السنوات التالیة تكررت المشاھد نفسھا: عام 1987 أسقطت واشنطن قراراً یدین الاستیطان، وفي شباط 2011 صوّت 14 عضواً من أصل 15 لصالح مشروع قرار یعتبر المستوطنات غیر شرعیة، لكن الفیتو الأمیركي أفشله. وفي كانون الأول 2017، رفعت الولایات المتحدة یدھا مجدداً لتعطیل قرار یرفض اعترافھا بالقدس عاصمة لما یسمى “إسرائیل”. ووفق تقاریر متخصّصة، استخدمت الولایات المتحدة حق النقض أكثر من 45 مرة منذ 1972 وحتى نھایة 2023 دفاعاً عن إسرائیل، بینھا أكثر من 33 فیتو مرتبط مباشرة بفلسطین .

ویبینّ الدكتور السید حسین أن “الفیتو الأمیركي لا یقتصر على تعطیل القرارات السیاسیة فقط، بل یمتد لیشمل المشاركة الفعلیة في إدارة الحرب من خلال الدعم العسكري والاستخباراتي المباشر. وھو وسیلة لضمان التفوق الإسرائیلي واستمرار العدوان بلا حدود، ما یحوّل مجلس الأمن إلى أداة حمایة للاحتلال بدلاً من مؤسسة للحفاظ على السلم العالمي”.

ویضیف: “رغم الفیتوھات الأمیركیة، ھناك آلیات بدیلة مثل قرار الاتحاد من أجل السلام الذي اعتمدته الجمعیة العامة في حرب كوریا عام 1905، ویمنحھا الحق في التحرك عند عجز المجلس. وھذا یفتح المجال للضغط الدولي خاصة مع اعتراف أكثر من 150 دولة بالدولة الفلسطینیة”.

لبنان: الفیتو غطاء للدمار

لبنان لم یكن بعیداً عن سیف الفیتو الأمیركي. في صیف 1982، ومع الإجتیاح الإسرائیلي بیروت، منعت واشنطن صدور أي قرار ملزم یوقف العدوان أو یحاسب الاحتلال. وفي عدوان تموز 2006 أسقطت الولایات المتحدة مشاریع قرارات عاجلة لوقف إطلاق النار ،ما منح العدو “الإسرائیلي “غطاءً سیاسیاً لمواصلة تدمیر الضاحیة والجنوب وتشرید مئات آلاف اللبنانیین. لقد كان الفیتو الأمیركي آنذاك شریكاً مباشراً في المجازر، لا مجرّد ورقة دبلوماسیة.

وھنا یشیر الدكتور السید حسین إلى أن “الفیتو الأمیركي یحوّل أي محاولة لمحاسبة الاحتلال إلى عملیة شدیدة الصعوبة، ویفرض واقعاً عملیاً على الأرض یحمي إسرائیل ویضمن استمرار العدوان”.

مشروع أمیركي ـ صھیوني متكامل

إنّ ھذا التاریخ الطویل من الفیتوھات لا یمكن قراءته كأحداث منفصلة، بل كجزء من مشروع أمیركي ـ صھیوني متكامل، ھدفه إبقاء إسرائیل مھیمنة في جسد الأمة. فھو یحمیھا سیاسیاً في مجلس الأمن، وعسكریاً عبر الملیارات من المساعدات والأسلحة، ودبلوماسیاً عبر الضغط على كل من یسعى لمحاسبتھا في المحاكم الدولیة .

وھذا ما یشیر إلیه البشتاوي بقوله: “أن الفیتو الأمیركي یحوّل مجلس الأمن إلى أداة تعطیل للسلم والعدالة، ویمنح الاحتلال ضوء أخضر إضافیاً، ویزرع المزید من فقدان الثقة بالمجتمع الدولي. الشعب الفلسطیني سیبقى صامداً، یرفض أن یكون مصیره بید داعمي الإرھاب والاحتلال، ومواجھة الفیتو الأمیركي والمشروع الصھیوني ھي حق طبیعي وشعبي”.

لا عدالة بلا قوة

أمیركا إذًا ھي الغطاء السیاسي الأبرز للكیان المؤقت، والفیتو الأمیركي ھو الوجه الدائم لانحیازھا. لذلك، لا یمكن الرھان على الولایات المتحدة لضمان الحقوق أو لوقف العدوان .

فالقانون الدولي بلا قوة یبقى حبراً على ورق، والعدالة تخُتزل عند أول فیتو أمیركي.

وقد عبرّ الدكتور عدنان السید حسین عن ذلك بالقول: “شكراً لأطفال غزة، ولنساء غزة، ولشھدائھا، على كشفھم ھذا الزیف الأمیركي تحت عنوان حقوق الإنسان والدیمقراطیة. لا حقوق للإنسان، ولا دیمقراطیة حقیقیة في الغرب عامة، وفي الولایات المتحدة خاصة، بل تسود الإمبریالیة وھیمنة استعماریة، خاصة على الصعید الإقتصادي وسرقة ثروات الشعوب. ھذه السیاسة الأمیركیة تتجسد تحت شعار الھیمنة بالدولار على الاقتصاد العالمي”.

ومن ھنا، تبرز المقاومة باعتبارھا الوسیلة الوحیدة لحمایة الأرض وتحریرھا. كل فیتو أمیركي ھو توقیع بالدم على جرائم الاحتلال، لكنه في الوقت ذاته شاھد على أن إرادة الشعوب ومقاومتھا ھي التي ستكتب النھایة لمشروع الھیمنة الأمیركي في المنطقة.

المصدر: قناة المنار