15 06 2025   
   19 ذو الحجة 1446   
   بيروت 03:01

إيران تفرض معادلة الردع: ضربات دقيقة تهزّ العمق الصهيوني وتُربك تل أبيب

تواصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ردّها العسكري على العدوان الصهيوني، عبر عمليات نوعية تستهدف مراكز عسكرية وأمنية حساسة داخل الكيان. الردّ الإيراني لم يأتِ كردّ فعل محدود، بل ضمن سياق تصعيدي محسوب، يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في قواعد الاشتباك ومعادلات الردع.

ومع اتساع رقعة الضربات، وانتقالها من الطائرات المسيّرة إلى صواريخ باليستية دقيقة، تؤكد طهران أن رسائلها لا تُقرأ فقط في عدد المقذوفات، بل في نوعية الأهداف، وتوقيت العمليات، ومستوى الجهوزية الذي يظهره حلفاؤها في مختلف ساحات المواجهة.

الجمهورية الإسلامية تؤكد في بياناتها الرسمية أن الردّ ما زال في بداياته، وأن أي مغامرة جديدة من جانب الاحتلال ستُقابل بردّ أعنف، في إطار سياسة، وترسيخ مبدأ الردع المتبادل في قلب العمق الصهيوني.

تُعدّ منطقة ريشون لتسيون، التي تضم بلدة عيون قارة الفلسطينية الأصل، من أكثر المناطق تضررًا في العدوان الأخير على الداخل المحتل. وقد صرّح رئيس بلدية المدينة قائلًا: “لم أشهد في حياتي مشاهد بهذه القسوة”، في إشارة إلى حجم الدمار الكبير الذي لحق بالمنطقة.

وقد تمّت تسوية مربّعات سكنية كاملة بالأرض، وسُجّل سقوط قتلى، حيث أُفيد عن مقتل شخصين في ريشون لتسيون وحدها، إضافة إلى عدد من المفقودين الذين لا يزال البحث جارٍ عنهم تحت الأنقاض، وسط محاولات متواصلة للتواصل معهم.

ونقل عن أحد جنود الاحتلال المنحدرين من المدينة، والذي سبق أن خدم في قطاع غزة، قوله: “رأيت مثل هذه المشاهد في غزة، لكن لم أتخيّل يومًا أن أراها في منزلي”. وتُعرف المنطقة بأنها هادئة نسبيًا، ويقطنها عدد كبير من كبار التجار والمستثمرين، ما يمنحها مكانة اقتصادية خاصة في الكيان الإسرائيلي. وتقع جنوب “تل أبيب”، ضمن ما يُعرف بـ”غوش دان”.

وتعرّضت مواقع عدة داخل ريشون لتسيون، إلى جانب مناطق أخرى في “تل أبيب الكبرى”، للقصف. وقد تداول المستوطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد التُقطت بهواتفهم المحمولة، تُظهر إصابات مباشرة في منطقة الكرياه، التي تضم مقرّات وزارة الحرب التابعة للكيان الصهيوني.

ورغم كثافة المشاهد المصوّرة، تُمنع التغطية الإعلامية في بعض المناطق، سواء من قبل المستوطنين أو الصحفيين، بذريعة أنها مناطق أمنية أو عسكرية. كما صدرت تحذيرات من قيادات عسكرية وأحزاب سياسية بعدم نشر الصور أو توثيق الأضرار، خشية أن تُستغل في حال تجدّد القصف من قبل إيران.

في السياق نفسه، سُجّلت حركة نزوح كبيرة من المناطق المستهدفة، ولا سيما داخل “تل أبيب”، وسط تحذيرات من احتمال توسّع القصف ليطال ميناء حيفا، لما له من أهمية اقتصادية وعسكرية بالغة.

وعلى الرغم من حالة الإجماع السياسي والدعم الشعبي التي رافقت العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدأت بعض الأصوات داخل الكيان تُعرب عن القلق من استحالة حسم الحرب. وقد صرّح الصحفي بن كسبيت قائلًا: “لا حسم لهذه الحرب دون تدخل أميركي مباشر”، مشيرًا إلى أنّ واشنطن ما تزال تؤدي دور “المتفرّج”.

وأضاف أن الحسم لصالح الكيان الصهيوني يتطلّب تدخلًا جويًا عبر القاذفات المتطورة التابعة للولايات المتحدة. وفي هذا السياق، تحدثت مصادر إسرائيلية عن محاولات لاعتراض الصواريخ الإيرانية بواسطة منظومات إقليمية، أو عبر قواعد عسكرية أميركية وغربية في المنطقة، إلا أن هذه المزاعم لا تزال ضمن الرواية الصهيونية الرسمية.

في المقابل، وثّق فلسطينيون في الضفة الغربية مشاهد حية للصواريخ الإيرانية وهي تخترق سماء فلسطين المحتلة باتجاه أهدافها. كما عُثر في رام الله، نابلس، الخليل، وسلفيت على بقايا صواريخ اعتراضية لم تتمكّن من التصدي للمقذوفات الإيرانية، بحسب ما أفاد به جهاز الدفاع المدني الفلسطيني.

نفّذت طائرات “آرش” المسيّرة الانتحارية التابعة للجيش الإيراني ضربات دقيقة، استهدفت أهدافًا عسكرية محددة في عمق الأراضي المحتلة، وأدّت إلى تدميرها بالكامل، وذلك في إطار عملية ردٍّ مباشر على العدوان الإسرائيلي.

وأكدت مصادر إيرانية أن العملية، التي نُفذت باستخدام طائرات “آرش”، أسفرت عن إصابات مباشرة في العمق، وجاءت كجزء من الرد الإيراني على الاعتداءات الأخيرة التي شنّها الكيان الصهيوني.

وتُعد طائرة “آرش” من أبرز المسيّرات الإيرانية، إذ يبلغ مداها 2000 كيلومتر، وقد طُورت على يد خبراء الجيش الإيراني. تتميز بجسم أسطواني، وذيل عمودي، وجناحين مثبتين في الخلف، وتعمل بمحرك مكبسي. كما تُطلق باستخدام وحدة “جيتو” (JATO)، ما يجعلها غير محتاجة لمدرج، وقادرة على الإقلاع من منصات متنقلة، مانحة إياها مرونة عالية في التنفيذ التكتيكي ضمن بيئات جغرافية وميدانية متنوعة.

من جهتها، أفادت وسائل إعلام تابعة للكيان الصهيوني صباح اليوم بوقوع جولة جديدة من الهجمات الصاروخية الإيرانية استهدفت مدينة تل أبيب ومناطق متعددة شمالًا ووسطًا وجنوبًا داخل فلسطين المحتلة.

وأقرّت وسائل إعلام إسرائيلية بسقوط صواريخ إيرانية في منطقة تل أبيب، كما أكدت إصابة “ريشون لتسيون” جنوب المدينة بعدة صواريخ.

وذكرت المصادر العبرية أن الجولة الخامسة من الهجمات الصاروخية الإيرانية طالت مختلف مناطق “إسرائيل”، مشيرةً إلى أن ما لا يقل عن ثلاثة صواريخ أصابت شمال الأراضي المحتلة خلال هذه الموجة.

بدوره، اعترف جيش الاحتلال رسميًا بالهجمات، موضحًا أنه تم إطلاق عشرات الصواريخ من إيران خلال الساعات الماضية، وقد تم اعتراض عدد منها.

كما تحدّثت وسائل إعلام صهيونية عن جولة سادسة من الهجمات الإيرانية استهدفت مناطق واسعة في الداخل المحتل.

ورغم التعتيم الإعلامي المفروض على حصيلة القتلى والجرحى، أفادت وسائل إعلام صهيونية بإصابة 21 شخصًا بجروح في وسط الأراضي المحتلة، بينهم ثلاثة في حالة حرجة، كما أشارت بعض المصادر إلى مقتل إسرائيليَين اثنين في هذه الضربات.

وأضافت المصادر الإسرائيلية أن إيران أطلقت خلال 15 دقيقة ثلاث دفعات صاروخية متتالية باتجاه “إسرائيل”، ووصفت الخسائر في “ريشون لتسيون” بأنها “واسعة النطاق”.

وأوضح في تصريح تلفزيوني أن العملية استهدفت قاعدة نفاطيم الجوية ومركز أودا الجوي الذي يضم قيادة العمليات والحرب الإلكترونية، إضافة إلى قاعدة تل نوف القريبة من تل أبيب.

كما شملت الضربات وزارة الدفاع ومراكز صناعية وعسكرية في تل أبيب، موضحًا أن العملية نُفذت على مراحل، واستهدفت أكثر من 150 موقعًا محددًا.

وأضاف وحيدي: «كانت هذه العملية ضربة قاسية للكيان الصهيوني، وهي قابلة للتكرار. لقد وجهنا اليوم صفعة قوية لإسرائيل كي تدرك أنها ارتكبت خطأً استراتيجيًا فادحًا».

وأشار إلى أن الكيان الصهيوني كان يعتقد أنه دمّر مراكز بنية تحتية عسكرية داخل إيران دون أن تواجهه بردّ، لكنه الآن يكتشف أن حساباته كانت خاطئة.

أفادت وسائل إعلام تابعة للكيان الصهيوني بأن عددًا من المواقع الاستراتيجية في مدن أسدود، تل أبيب، حيفا، وبئر السبع، تعرّضت لضربات مباشرة خلال الجولة الجديدة من الهجمات الصاروخية الإيرانية، وذلك ضمن عملية “الوعد الصادق 3”.

وأقرّت شبكة “حدشوت بزمان” العبرية بأن الصواريخ الإيرانية أصابت أهدافًا ذات طابع استراتيجي في هذه المدن، ما أسفر عن أضرار جسيمة.

من جهته، اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن عشرات الصواريخ أُطلقت من إيران، وأن عددًا كبيرًا منها نجح في اختراق منظومة الدفاع الجوي، حيث تم اعتراض بعضها فقط، بينما أصابت البقية أهدافها بدقة.

وتعرّض وسط مدينة تل أبيب لأضرار كبيرة، إذ أصيب برج شاهق مكوّن من عدة طوابق إصابة مباشرة، ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية حجم الأضرار هناك بأنها “واسعة”.

وفي الموجة الأخيرة من الرد الإيراني، أصاب ما لا يقل عن أربعة صواريخ مركز مدينة تل أبيب، في حين لجأ نحو ثمانية ملايين شخص في الأراضي المحتلة إلى الملاجئ فور بدء الهجمات الجديدة.

من جهته، أكد مسؤول إيراني في تصريح لشبكة CNN أن الهجمات ضد الكيان الصهيوني ستتواصل بوتيرة متصاعدة، مشددًا على أن من حق طهران المشروع الرد على العدوان الإسرائيلي فجر 13 يونيو.

وأضاف أن إيران ستستهدف القواعد العسكرية لأي دولة تُقدّم دعمًا مباشرًا لـ”إسرائيل”، مشيرًا إلى أن القوات الأمريكية المنتشرة في الخليج والعراق والأردن ليست وحدها، بل إن لفرنسا وألمانيا قوات متمركزة في الأردن أيضًا، فيما شاركت قوات بريطانية انطلقت من قبرص في عمليتَي “الوعد الصادق 1 و2” إلى جانب الكيان الصهيوني.

وختم المسؤول الإيراني بالتأكيد على أن هذه ليست إلا بداية الرد الإيراني، وأن وتيرة الهجمات ستتسارع خلال المرحلة المقبلة.

أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، استشهاد العميد غلام رضا محرابي، نائب رئيس الاستخبارات، والعميد مهدي رباني، نائب رئيس العمليات في الهيئة، إثر العدوان الصهيوني على إيران.

وذكرت وكالة “مهر” للأنباء أن العميدين انضمّا إلى صفوف الشهداء بعد استهدافهما خلال الهجمات التي شنّها الكيان الصهيوني على الأراضي الإيرانية.

وكان العميد غلام رضا محرابي يشغل منصب نائب رئيس الاستخبارات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، بينما كان العميد مهدي رباني يتولى منصب نائب رئيس العمليات في الهيئة ذاتها.

المصدر: وكالة تسنيم