26-04-2024 01:47 PM بتوقيت القدس المحتلة

زئير كلمة الشيخ النمر أقوى من أزيز الرصاص

زئير كلمة الشيخ النمر أقوى من أزيز الرصاص

السلطات السعودية تصورت حينها، أنها ومن خلال إسكات صوت الشيخ النمر، تكون قد نجحت في تغييب الصوت الذي ينظم ايقاع الاحتجاجات الشعبية بالشكل الذي لا يخرجها عن سلميتها، حتى لا تكون لقمة سائغة لقوى الامن

قضية آية الله الشيخ النمر باقر النمر، الذي حكم عليه القضاء السعودي بالإعدام، كانت حاجة أمنية استشعرتها السلطات السعودية، عندما كانت المنطقة تموج على وقع ما سُمي حينها بالربيع العربي، الذي أخذ يقترب من أطراف صحراء جزيرة العرب وبعد أن عبر جزيرة البحرين، رأت هذه السلطات أن تشدد قبضتها الامنية والعسكرية كوسيلة لمواجهة تلك الظاهرة، داخل السعودية وخارجها.

ماجد حاتمي / موقع "العالم"

زئير كلمة الشيخ النمر أقوى من أزيز الرصاصكان متوقعا أن ينتهي هذا الامر إلى ممارسة المزيد من القمع وازهاق المزيد من أرواح الابرياء، وهو ما حصل، ففي الداخل تم قمع كل مظاهر التعبير عن الراي وملاحقة الرموز الوطنية المطالبة بالحرية والعدالة، وفي مقدمة هذا الرموز الشيخ النمر، وفي الخارج احتلت القوات السعودية البحرين، وقمعت التظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير والاصلاح هناك.

الممارسات القمعية للسلطات السعودية داخل السعودية جاءت متأخرة عن تدخلها العسكري في البحرين ومساعدتها للقوات الامنية والعسكرية لأل خليفة على قمع الشعب البحريني، فالتدخل السعودي في البحرين حصل في اواسط أذار مارس من العام 2011 اي بعد شهر واحد من ثورة الشعب البحريني، الامر الذي اثار حفيظة وغضب قطاعات واسعة من أبناء الشعب السعودي وخاصة أهالي المناطق الشرقية في الاحساء والقطيف الذي تظاهروا دعما للشعب البحريني، وكذلك لمطالبة السلطات باطلاق سراح المعتقلين المنسيين التسعة في سجون النظام السعودي الذي مضى على اعتقالهم اكثر من 16 عاما انذاك، وكذلك طالب المتظاهرون بانصاف أهالي المنطقة الشرقية والكف عن ممارسة سياسات تمييزية طائفية تهميشية ضدهم.

السلطات السعودية وانطلاقا من رؤيتها الأمنية المتصلبة الرافضة لأي مطالب شعبية بالحرية حتى في حدودها الدنيا، تعاملت بمنتهى القسوة مع هذه التظاهرات السلمية وخاصة تلك التي خرجت في العوامية في تشرين الأول / أكتوبر 2011، والتي قام فيها الشيخ النمر بدور قيادي ومسؤول، عندما منع من إنزلاق التظاهرات نحو العنف، حيث كان يدعو  الشباب المتحمس إلى التمسك "بزئير الكلمة أمام أزيز الرصاص"، ولكن للاسف كانت السلطات عاقدة العزم على تشديد قبضتها الامنية فاستخدمت السلاح الحي ضد المتظاهرين وسقط العديد من الشهداء والجرحى كما تم اعتقال المئات من المتظاهرين.

جريرتان لا تغتفران ارتكبهما الشيخ النمر واستحق عليهما الإعدام!!،  الأولى هي جرأته على قول الحق دون خوف، ومطالبته المستمرة للسلطات السعودية للكف عن مصادرة الحريات والاستئثار بالثروات والمناصب وممارسة التمييز بين أبناء الشعب الواحد.

أما الثانية فكانت  سلاحه الذي رفعه في وجه النظام، وهو الكلمة والحراك السلمي، فالشيخ النمر يعرف ان اكثر ما يغيظ السلطات السعودية هو سلمية الحراك الشعبي، فهذا النهج يفسد على السلطات كل خططها الامنية لقمع المتظاهرين، لهذه الاسباب، لم تتحمل السلطات السعودية الشيخ النمر فشنت عليه حملة اعلامية ظالمة انتهت باعتقاله بطريقة في غاية القسوة، ففي الثامن من شهر تموز/ يوليو 2012  قامت وحدات من قوات الأمن باطلاق النار عليه وهو في سيارته على الطريق العام، فأصيب على إثرها بأربع رصاصات في فخذه الأيمن، وقامت باعتقاله وهو فاقداً الوعي لتنقله إلى المستشفى العسكري في الظهران وبعد ذلك إلى مستشفى قوى الأمن بالرياض ثم إلى سجن الحائر.

السلطات السعودية تصورت حينها، أنها ومن خلال إسكات صوت الشيخ النمر، تكون قد نجحت في تغييب الصوت الذي ينظم ايقاع الاحتجاجات الشعبية بالشكل الذي لا يخرجها عن سلميتها، حتى لا تكون لقمة سائغة لقوى الامن والشرطة السعودية، ولا تهدأ كي تتنفس السلطات السعودية الصعداء، إلا أن الاحتجاجات الشعبية استمرت، لذلك لم تجد هذه السلطات من طريقة للتخلص من الشيخ النمر الا من خلال محاكمته، وهي المحاكمة التي أكدت، ولسوء حظ السلطات السعودية، مظلومية الشيخ النمر وصوابية نهجه.

التهم التي حُكم بسببها على الشيخ النمر بالقتل تعزيراً، هي: الخروج بالسلاح على ولي الأمر، والدعوة للتظاهر، ودعم الثورة في البحرين، ودعوته إلى إعادة بناء مقبرة البقيع!!، وهي التهم التي استند اليها مدعي عام المحكمة في الجلسة الاولى من المحاكمة في اذار/ مارس العام 2013 للمطالبة بإقامة حد الحرابة (القتل والصلب) على الشيخ النمر.

صحيفة السفير اللبنانية أجرت قبل يوم من صدور الحكم على الشيخ النمر بالإعدام، لقاء مع  الناشط السياسي محمد النمر، وهو شقيق الشيخ النمر، أكد فيه رفض المحكمة استدعاء عناصر الفرقة التي ألقت القبض على الشيخ النمر، والتي ادعت زوراً عليه، بأنه واجههم بالسلاح،  بالرغم من ان أقوالهم تشكل عنصراً اساسياً في الدعوى، لان الخروج بالسلاح على ولي الامر يشكل التهمة الاخطر، وبالتالي فإن عدم الاستجابة لمطلب الاستماع إلى الفرقة القابضة يمثل انتهاكاً خطيراً لحق الشيخ نمر بمحاكمة عادلة.

http://www.alalam.ir/news/1640917كما كشف النمر التناقض الموجود بين الأوراق الرسمية المقدمة في هذه القضية، كالتناقض بين لائحة الاتهام التي جاء فيها أن الشيخ النمر أطلق النار على الشرطة التي كانت تطارده، وبين وثيقة رسمية أخرى تسلّمها فريق الدفاع في بداية المحاكمة، ذكرت أن الشرطة طاردت الشيخ النمر وعندما أوقفته، نزل قائد الدورية ومرافقيه للقبض عليه، وعندما رفض النزول، أطلق عليه النار ما أدى إلى إصابته في القدم، وإثناء إركابه في الدورية جاءت مركبتان، وقفتا أمام الدورية، وحصل تبادل لإطلاق النار بين الطرفين.

أما جريمة التحريض على حمل السلاح، فهو اتهام استند إلى المقاطع التسجيلية المجتزأة، وهو مردود عليه بالتسجيلات ذاتها، وبباقي مواقفه التي كانت تدعو دوماً إلى التهدئة ونبذ العنف بأشكاله كافة. أما في ما يتعلق بتهمة التحريض على التظاهر، فإن كلام الشيخ كان عن إباحته كعمل مشروع للمطالبة بالحقوق، في مقابل حرمته عند علماء الوهابية.

إن الاوضاع التي تمر بها المنطقة ومن ضمنها السعودية، تتطلب ان يطغى صوت العقل على كل الاصوات الاخرى، في التعامل مع القضايا الحساسة والتي يمكن ان تعقد الاوضاع اكثر وتدفع بالامور الى حافة الهاوية، ففي ظل الظروف التي يهدد التكفيريون فيها جميع المسلمين شيعة وسنة وجميع اتباع الدينات الاخرى، ويهددون امن واستقرار شعوب ودول المنطقة، يجب ان تتضاعف مسؤولية قادة دول المنطقة، وخاصة الكبرى منها ومن بينها السعودية، ازاء دولها ومستقبل شعوبها، عبر وقف انحدار المنطقة صوب المجهول، الذي يسوقها التكفيريون والطامعون اليه، والحكمة والمصلحة تتطلبان ان تقف السلطات السعودية مليا امام قضية الشيخ النمر، وتتعامل بنظرة اكثر عمقا مع الاوضاع التي تجري في السعودية و في المنطقة، فمثل هذه الاوضاع لا تتحمل اي مجازفة، كما يصر البعض في هرم السلطة في السعودية على ركوبها، فنتائج هكذا مجازفة لن تكون في صالح النظام السعودي  في اي حال من الاحوال، بل انها ستدفع بالاوضاع في السعودية والمنطقة الى مزيد من التصعيد والتعقيد.