26-04-2024 06:29 PM بتوقيت القدس المحتلة

نص كلمة السيد نصرالله عبر قناة المنار بمناسبة ذكرى الشهداء القادة

نص كلمة السيد نصرالله عبر قناة المنار بمناسبة ذكرى الشهداء القادة

النص الكامل لكلمة سماحة السيد حسن نصر الله عبر قناة المنار بمناسبة ذكرى الشهداء القادة مساء الأحد 16-2-2014، كاملاً:


النص الكامل لكلمة سماحة السيد حسن نصر الله عبر قناة المنار بمناسبة ذكرى الشهداء القادة مساء الأحد 16-2-2014، كاملاً:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبيّنا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته

إنني في البداية أتوجه بالتحية إلى أرواح القادة الشهداء، إلى أساتذتنا وقادتنا وحملة الراية الأوائل وأصحاب الإنجازات والانتصارات، إلى سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموساوي، إلى شيخ شهدائها الشيخ راغب حرب، إلى القائد الشهيد الحاج عماد مغنية... وكذلك إلى جميع الشهداء، شهداء الجيش والقوى الأمنية، شهداء الشعب، شهداء المقاومة بكل فصائلها، الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعرب الذين روت دماؤهم أرض لبنان، فكانت لنا كل هذه الانتصارات.

أتوجه بالتحية إلى عوائل الشهداء القادة، إلى عوائل جميع الشهداء، وإلى الشهداء وعوائلهم الذين يتقدمون أيضا وما زالوا في كل ساحة وفي كل موقع وفي كل جبهة وعند كل واجب جهادي يدافعون فيه عن بلدهم وشعبهم وأمنهم وكرامتهم وسيادة وطنهم ومقدساتهم وقضايا أمتهم.

أتوجه بالتحية إلى شهداء التفجيرات الأخيرة التي ضربت في أكثر من منطقة لبنانية، إلى الشهداء الأطفال والنساء والشيوخ والرجال والكبار والصغار وإلى عائلاتهم الشريفة، وأواسيهم وأعزيهم وأدعوهم إلى الصبر والتحمّل، إلى الجرحى أتوجه بالدعاء لهم بالشفاء العاجل، وإلى كل الصابرين المحتسبين الصامدين الثابتين المقاومين، دفاعاً عن كرامتهم وعن عزتهم ومستقبلهم، أصحاب البصيرة والرؤية الصحيحة والوعي الواسع والاستعداد العالي للتضحية والفداء كما كانوا طوال التاريخ وكما كانوا طوال عقود.

 

أيها الإخوة والأخوات: سأحتاج إلى مزيد من الوقت للحديث، لأنه لدينا العديد من الموضوعات في هذه المناسبة، خصوصاً أنه مرّ مدة ولم أتحدث. حديثي سيتناول ثلاثة عناوين أساسية:

  • أولاً: العنوان الإسرائيلي، وما له صلة بالمقاومة والشهداء القادة والتحديات الحالية، ولن أتحدث عن التاريخ بقدر ما سأطل على الحاضر.
  • والمقطع الثاني له علاقة بالمواجهة القائمة حالياً في لبنان وسورية والمنطقة والخطر القائم وبالتالي ما يتصل به أيضا من تحديات أمنية وسياسية وما شاكل.
  • وفي المقطع الثالث سأتحدث قليلاً عن الحكومة الجديدة وإذا بقي وقت إن شاء الله يكون هناك كلمة أخيرة.


في ذكرى الشهداء القادة أبدأ أولاً من بديهية باتت منسية  للأسف عند كثير من الناس هي إسرائيل. عندما نتحدث عن الشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد وشهداء المقاومة يجب أن نتحدث عن المشروع الذي قاتلوه وواجهوه، عن العدو، وبالتالي عن إسرائيل، عن خطرها وأطماعها وتهديداتها، خطرها على جميع الدول في المنطقة وعلى جميع شعوب المنطقة العربية والإسلامية.

وأيضا نتحدث عن استفادتها القصوى من الفرص القائمة حالياً والمستجدة لها في وضع المنطقة وبمساعدة ودعم كاملين من الإدارة الأمريكية.

طبعا أنا سأقتصر بالكلام عن المخاطر على فلسطين وعلى لبنان لأن الوقت لا يتسع لأتحدث عن  مخاطر المشروع الصهيوني على كل المنطقة، وتحدثنا به كثيراً ولكن فيما يتعلق بفلسطين وفيما يتعلق بلبنان نحن بحاجة إلى بعض التذكير.

هل يجب التذكير بالخطر الإسرائيلي على فلسطين كأرض، كوجود، كتاريخ، ككيان، كمستقبل، على المقدسات الإسلامية والمسيحية، على الشعب الفلسطيني داخل فلسطين، على الشعب الفلسطيني اللاجئ في الشتات. هذه بديهيات يتحدث الناس عنها لعشرات السنين، لكنها اليوم غائبة.

اليوم ينشغل أهل كل بلد ببلدهم، بل أن بعض هذه البلدان تخوض الآن مواجهات دامية ومعارك عسكرية حادة. للأسف الشديد وصلنا إلى مرحلة لا أحد يريد أن يتكلم عن فلسطين ولا أحد يريد أن يتكلم عن العدو، عن إسرائيل.

أنا أتوقع من بعض الناس أن يقولوا: "يا سيد أنت وين والعالم وين؟ وشو قاعد تحكينا؟" هذا تعبير عن الحال الذي وصلنا إليه وهذا بالتحديد ما أرادت أمريكا وإسرائيل أن تصل إليه شعوب المنطقة وحكوماتها ودولها بعد كل الانتصارات والانجازات التي حققها محور المقاومة من فلسطين إلى لبنان إلى سورية إلى إيران.

المطلوب أن نرجع أن ننسى، المطلوب أن تخرج فلسطين والصراع مع العدو الإسرائيلي ليس من دائرة الأولويات، الأميركان وإسرائيل الآن لا يريدون أن تكون فلسطين والصراع مع العدو بالاولويات ولو محلها تحت، وأن تخرج من دائرة الاهتمام أصل الاهتمام، بل أن تخرج من العقل ومن القلب ومن العاطفة، أن نصل إلى مرحلة أنك عندما تقول فلسطين –  الليلة أريد أن أحكي كثيراً من  الأمور بصراحة – سيقول لك الناس  "حلّ عنا انت وفلسطين تبعك"، هذا ما يريدون أن تصل إليه شعوب العالم العربي والإسلامي: لبنان، سوريا، ومصر والعراق والأردن وكل الدول. مطلوب أن نصل إلى موقع، حتى على مستوى القلب والعاطفة، تصبح فيه فلسطين في كرة ارضية أخرى، في قارة أرضية أخرى، في عالم آخر، وحتى في العاطفة والمشاعر، هذا (بين هلالين) تترتب عليه أيضاً مسؤولية فلسطينية. يمكن اذا بقي وقت احكي عنها في سياق الكلام.

يجب الاعتراف أنهم نجحوا في هذا الأمر إلى درجة كبيرة، ولكن لم يفت الأوان بعد للتدارك، ما زال هناك وقت متاح وفرصة عمل متاحة واتخاذ خيارات ما زال متاحاً لتدارك هذا الأمر، ما الذي يفسر لنا ولكم جميعاً هذا الاهتمام الأميركي الاستثنائي والضغط الخاص من وزير الخارجية الاميركية جون كيري أنه الآن، خلال أشهر قليلة يريد تحقيق تسوية نهائية للموضوع  الفلسطيني. لماذا الآن؟ هذا سؤال مطروح أم لا؟

أن يخرج بعض المسؤولين الاسرائيليين ليهاجموا جون كيري فهذه سخافات معتادون عليها ليتبين أنه وسيط نزيه وأنه يُهاجم من كل الأطراف. الآن الإدارة الأميركية تسعى مع الإدارة الصهيونية إلى تصفية القضية الفلسطينية. الآن وقتها لماذا الآن وقتها؟ ببساطة لأنه لا يوجد عالم عربي نهائياً. قبل الآن كان هناك بعض عالم عربي، هناك أحد يستطيع أن يقول عندنا مبادرة السلام العربية وعندنا شروط، عندنا ضوابط وقيود. الآن ليس هناك عالم عربي، ليس هناك عالم اسلامي، لأن كل دولة "مشغولة في حالها، ما حدا فاضي" لفلسطين أبدا، و"لا حدا فاضي" أن يضغط على أميركا لمصلحة الفلسطينيين ولا يضغط على الاسرائيليين.

بالعكس الآن الواقع  في العالم العربي يضغط على الفلسطينيين أنفسهم، لأن كل واحد صار يريد أن يحل مشكلته في بلده على حساب القضية الفلسطينية ويريد أن يقدم تنازلات في القضية الفلسطينية للأميركيين لمصلحة الحفاظ على نظام الحكم أو سدة الحكم أو الوصول إلى الحكم في هذا البلد أو ذلك. للأسف الشديد، حتى الشعوب هي في عالم آخر، للأسف الشديد الفلسطينيين أنفسهم وضعهم صعب، انقساماتهم، ظروفهم، حكومة رام الله، حكومة غزة، يتعرض الفلسطينيون لشتى أنواع الضغوط الدولية والعربية والميدانية من قتل وسجن وحصار. هذا الواقع، هذه التحديات، إسرائيل تعتبرها فرصة، هذه حقيقة. إسرائيل تتحدث مع الأميركيين أن هذه  فرصة لتصفية القضية الفلسطينية، يريدون استغلال هذه الفرصة وفرض الشروط على الفلسطينيين للوصول إلى التسوية التي تناسب المصالح الأميركية والإسرائيلية، "ما عم اقرا عزا لأنه يمكن التدارك".  

يجب التذكير في الإطار الوطني اللبناني أن إسرائيل عدو، للذين نسوا في لبنان، وأن إسرائيل خطر على لبنان، على كل شيء في لبنان، على أرضه وشعبه ومياهه ونفطه وأمنه وسيادته، وهذا الفهم يجب أن ننتبه له جميعاً. نعم، في الماضي، وما زال (الأمر الآن) كانت  المشكلة دائماً في لبنان هي تشخيص هذا الخطر، تسخيف هذا العدو، فهم هذا المشروع .

في العقود الماضية كان الإمام السيد موسى الصدر، أعاده الله ورفيقيه، وقيادات دينية وسياسية ووطنية من كل الطوائف، منذ الخمسينيات وما بعد إلى اليوم، كان لهم صوت مرتفع في التنبيه والتحذير والدعوة إلى الاستعداد والتجهّز للمقاومة والممانعة ومواجهة الأخطار والتهديدات الاسرائيلية. هذه المهمة، بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 كان للشيخ راغب حرب، كان للسيد عباس، كان لكل  إخوانهم في مختلف الحركات والفصائل أيضاً أصوات مرتفعة ودعوات صارخة لإيقاظ الناس وتحمّل المسؤولية والدعوة للمقاومة والقول للناس جميعاً ـ ولبنان كان في حرب أهلية، في فتنة، في صراع داخلي ـ أن هذا هو العدو الذي يجب أن تتوجه اليه العقول والقلوب والسواعد والبنادق.  

للأسف الشديد، انا لا أتحدث في التاريخ فقط، لاننا نعيش نفس الوضع لكن بعنوان آخر. للأسف الشديد، في ذلك الوقت اعتبر كثير من الناس أن مشكلة إسرائيل في اجتياح 82  ليست مع لبنان ولا مع اللبنانيين. إسرائيل ليست لها مشكلة معنا، إسرائيل في 82 - هناك ناس كانوا يعتقدوا ذلك-  إسرائيل في 82 مشكلتها هي مع الفلسطينيين، مع منظمة التحرير الفلسطينية، مع المقاومة الفلسطينية، وهي اجتاحت لبنان من أجل إخراج الفلسطينيين من لبنان، وإلا فالاسرائيليون ليس لهم أطماع في لبنان ولا يريدون أن يحتلوا ويبنوا مستعمرات، وليسوا طامعين في مياهنا، ولايريدون الدخول في قرارنا السياسي وسيادتنا ودولتنا. أبداً، الجماعة نظر إليهم البعض كمنقذ، أليس كذلك؟ وأنه لا  مشكلة، نحن الاسرائيلي بالنسبة لنا كلبنانيين لا يشكل خطراً ولا يشكل تهديداً.

هذا الكلام يجب أن يُقال لان أجيال الشباب الحالية اليوم في لبنان والعالم العربي لم يعايشوا تلك الفترة.

حسناً، ماذا حصل لاحقاً؟ خرجت منظمة التحرير، خرجت فصائل المقاومة الفلسطينية من لبنان  وارتكبت أبشع  المجازر بحق بعض المخيمات الفلسطينية كصبرا وشاتيلا، ولكن بقيت اسرائيل في لبنان. بقي الجيش الاسرائيلي يحتل الأرض، وأراد أن يفرض هيمنة وخيارات  سياسية واتفاقات سياسية على لبنان، يقتل، يعتقل، بنى معتقلات وزج بها الآلاف من الشباب اللبناني والفلسطيني من أبناء المخيمات، وكان يتحضر ـ لو استقر له الأمر ـ لبناء مستعمرات في جنوب لبنان. هذا ما قالوه فيما بعد.  

حسناً، لولا انطلاق المقاومة ـ بكل فصائلها وتلويناتها ـ والصراع الدامي الذي دخله اللبنانيون المقاومون مع قوات الاحتلال، كلنا يعرف، لَمَا خرجت اسرائيل من بيروت ومن الجبل ومن صيدا وصور والنبطية وبنت جبيل وخرجت إلى الشريط الحدودي، وفي تلك المرحلة لم تكن المقاومة تشكل تهديداً استرتيجياً ولا تهديداً وجودياً على كيان العدو أبداً، لماذا كانوا بحاجة للبقاء في الشريط الحدودي؟ طمعاً بالبقاء وبالاحتلال وبتكريس أمر واقع لولا استمرار المقاومة بعد عام 1985.

إذا  لولا المقاومة لبقيت إسرائيل في لبنان ولتأكد الواهمون أنها عدو وأن لديها أطماع وأحلام وأنها تريد الهيمنة والسيطرة ولا تريد بهذا البلد وبشعبه ـ ولا بأي طائفة من طوئفه ولا منطقة من مناطقه ـ خيراً على الاطلاق.

ودائماً اللبنانيون يجب أن يستحضروا التجارب، المسيحيون، الموارنة، الدروز، الشيعة، السنة، الكل كل واحد له تجربة مع الإسرائيلي في الجبل وبيروت وشرق صيدا، وصيدا، والشريط الحدودي وآخرها جيش انطوان لحد. هذه التجارب يجب أن تبقى حاضرة. الآن الاسرائيلي ما زال هو العدو وما زال هو الخطر وما زال هو المشروع وما زال هو التهديد الذي يجب الانتباه إليه.

حسناً، إسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية أيضاً ـ في الدائرة اللبنانية ـ حاولت أن تستفيد من الفرص لتشنّ حرباً نفسية قاسية على المقاومة وعلى بيئة المقاومة، ولذلك سمعنا خلال الأسابيع القليلة الماضية تهديداً ووعيداً، وأننا نقصف وندمّر ونمسح ونمحي. طبعاً هناك الكثيرون في لبنان لم يستمعوا إلى هذه التهديدات لأنها خارج دائرة اهتمامهم، لكن الإسرائيلي اعتبر أن هذه فرصة له، الانقسام الحاد في لبنان، القتال والمعارك في سوريا، وهذه فرصة لأن يهجم على المقاومة في لبنان، يستفرد بالمقاومة في لبنان، ويضغط عليها نفسياً، وقد يتم استغلال بعض الفرص ببعض الأعمال العدوانية من هنا أو من هناك. هذا يلجأ إليه الاسرائلي ولكن لا شك ان الاسرائيلي لا زالت عينه على أرضنا، على مياهنا، على نفطنا، وما زال  ينظر ـ كما حصل في المؤتمرات الاخيرة في الكيان التي خطب فيها رئيس حكومة العدو ورؤساء أركان ورؤساء مخابرات سابقين ـ ما زالوا ينظرون إلى حزب الله على أنه الخطر الأكبر في المنطقة، طبعاً ليس بمعزل عن سوريا وإيران، ولكن بالمباشر، ما زالوا يعتبرون المقاومة هي التي تشكل الخطر على مصالحهم وعلى أطماعهم وعلى طموحاتهم وعلى مشاريعهم.  

بالتأكيد، اليوم، في ذكرى الشهداء القادة أود أن أقول للعدو والصديق أن العدو يعرف أنه لا يخيفنا وأنه لا يستطيع المس بإرادتنا ولا بوعينا ولا بعزمنا بعد كل هذه التجارب الطويلة بيننا وبينه والانجازات الكبيرة وما ألحقته المقاومة بهذا العدو من هزائم، وهو يعرف أيضاً أن المقاومة تحافظ على جهوزية عالية في كل وقت وحتى في هذا الوقت بالرغم من كل ما يجري في لبنان وسوريا، وأن العدو يعلم أن كل  ما يخشاه من قوة المقاومة وإمكانياتها هو قائم وجاهز ويتطور أيضاً، وأن المقاومة ـ وإن كان يسقط لها شهداء في سوريا تعتز بهم إلا أنها ـ تزداد خبرة ومعرفة وقدرة وكفاءة على مواجهات أكبر واستحقاقات أهم من كل ما واجهته من تجارب سابقاً في مواجهة العدو.

مع لبنان، من يجب أن يقلق هو العدو الاسرائيلي وحكومة العدو الاسرائيلي. شعب الكيان العدو هو الذي يجب عليه أن يقلق، وكما كان يحسب دائماً لهذه  المقاومة ولرجالها، لمقدراتها، لإمكاناتها، لبيئتها، لشعبها مليون حساب، اليوم أيضاً يجب أن يبقى في هذه الحالة وأن لا يتوهم أو يرتكب أي حسابات خاطئة من خلال قراءته للأوضاع اللبنانية والإقليمية.

اليوم مجدداً أنا أدعو اللبنانيين جميعا  للتنبه إلى ما تمثّله  إسرائيل من تهديد ومخاطر على كل شيء في  لبنان وأن يتحملوا مسؤوليتهم الوطنية على كل صعيد.

نحن في السابق، أنا في احتفال النصر الالهي في 22ايلول عام ألفين وستة من جملة ما قلت في ذلك الخطاب، نحن  نتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح لدينا فيه دولة قوية قادرة أن تدافع عن لبنان، أن تحمي لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي حتى نرتاح نحن ونذهب إلى بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وحقولنا.

اليوم في ذكرى الشهداء القادة، الذي تكلمنا عنه في العام ألفين وستة نعيده اليوم أيضاً، نحن ندعو ونتمنى أن ياتي اليوم الذي يصبح فيه الجيش اللبناني، هذه المؤسسة الوطنية هو القوة الوحيدة القادرة على حماية لبنان، والقوة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية الدفاع عن لبنان، ونذهب نحن فيه إلى بيوتنا ومدارسنا وحوزاتنا وجامعاتنا وحقولنا، وهذا هو التحدي الحقيقي. نحن مع كل ما يقوي هذا الجيش عدةً وعتاداً وعديداً وامكاناتٍ وسلاحاً نوعياً وسلاحاً متطوراً قادراً على حماية لبنان في مواجهة التحديات الاسرائيلية.

على كل حال التجارب والأيام هي التي ستثبت أنه هل هناك في العالم، في مكان ما من العالم، إرادة بأن يقدم إلى الجيش اللبناني سلاح من هذا النوع أو لا، لو حصلت هذه الإرادة وحصل هذا الدعم سنكون شاكرين لكل من يعطي للبنان عنصراً من عناصر القوة. نحن همّنا وغمّنا، في ذكرى الشهداء القادة وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، كان  أن يُدافع عن لبنان، عن شعبه، عن كرامته، عن سيادته، عن عزته، عن مقدراته وخيراته، لا أن يُترك لمصيره. في الماضي تُرك لبنان لمصيره واليوم ما زال متروكاً لمصيره. نحن نأمل أن  تتحقق إرادة وطنية جامعة لأن يكون لدينا دولة حقيقة تفكر بكل شبر من الأراضي اللبنانية، بكل لبناني، بكل منطقة لبنانية وبمصير كل لبنان وتبني جيشاً قوياً ومقدرات وطنية كبيرة لمواجهة هذه الأخطار.


أنتقل إلى المقطع الثاني، أو العنوان الثاني.
لكن بالربط بين العنوانين، هناك أمر آخر في العنوان الأول يجب أن أشير إليه ويساعد على فهم المواجهة في المرحلة الحالية.

أيضاً للتذكير، أتمنى على أجيالنا الجديدة أن تسأل أيضاً عن هذا الموضوع. منذ العام 1982 وحتى 2000 وفي 2006 كان دائما في لبنان أناس يحمّلون المقاومة مسؤولية كل ما كان يقوم به العدو من إعتداءات. أي أن الإسرائيلي يقصف الضيع (القرى)، قبل الانسحاب إلى الشريط الحدودي، عندما تحصل عمليات على الجيش الإسرائيلي - قوات الإحتلال، يأتي الإسرائيلي فيعتقل شباباً على الحواجز، يحاصر ضيعاً، يداهم ضيعاً، يهدم بيوتاً، يعتقل الناس، يقتل الناس. بعد ذلك عندما انسحب إلى الشريط الحدودي،  كان يقصف الضيع - من دون تمييز -  على المدن ويسقط شهداء وجرحى، دائما كان هناك أناس في لبنان يقولون إن الذي يتحمل المسؤولية هو المقاومة، لماذا تقومون بتنفيذ عمليات على الإسرائيلي؟ لماذا تهاجمون مواقع الإسرائيلي؟ لماذا تنفذون عمليات استشهادية في بيروت ضد الاسرائيلي أو في الجبل أو في صيدا أو في صور أو في الأماكن الأخرى؟ اتركوا الاسرائيلي فلا يفعل شيئاً. حتى بعض الناس، إلى 2000 لم يستخدم يوماً كلمة شهيد عن شهداء المقاومة - لا أريد أن أفتح الماضي لكن أريد أن آخذ عبرة - ولم يكن يتحدث عن مقاومة وعدو، وإنما كان يتحدث عن حلقة عنف، دائرة عنف، قتال، ويسلخ عنه صفة الوطنية وصفة المقاومة وصفة القضية الشريفة.

حسناً، يومها لو أصغينا إلى هذا المنطق، حتى وصل إلى أن أصبح له تنظير سياسي وبات هناك حديث عن سياسة سحب الذرائع، فكيف نحمي لبنان بسياسة سحب الذرائع؟ نسحب الذرائع ويبقى لبنان تحت الإحتلال، هذه كانت النتيجة.  لو أصغينا إلى هذا المنطق لكانت إسرائيل ما زالت في بيروت والجبل، وكانت ستكمل على الشمال، على طرابلس وعلى بعلبك الهرمل، ولكانت تقيم مستعمرات ولكانت هي التي تعين الحكومة وهي التي تدير البلد وتفرض خياراتها السياسية وتنهب مياهنا التي نحن اللبنانيين "ما عم نعرف" كيف نستفيد منها، لكن هم كانوا سحبوها على فلسطين المحتلة، وبعد ذلك إذا تبين أنه يوجد نفط لن نتقاتل على وزارة النفط، كان كل شيء عند الإسرائيلي.

لو أصغينا إلى هذا المنطق الذي كان يعتبر أن ما يقوم به العدو الإسرائيلي من اعتداءات على اللبنانيين وقراهم وبلداتهم وبيوتهم ورجالهم ونسائهم هو مجرد رد فعل طبيعي، منطقي، مبرر للعدو الإسرائيلي لأنه أنتم المقاومة تقومون بعمليات ضده. ألم يكن هذا موجوداً في لبنان، وعمل له أدبيات، وعمل له إعلام، وعمل له تنظير سياسي وثقافي وفكري؟ ولكن هذه المقاومة  وأهل هذه المقاومة وكثير من اللبنانيين وجزء كبير من الشعب اللبناني، لم ينضغطوا بهذا المنطق ولم يصغوا إليه وواصلوا الطريق، واصلوا العمل، وبالتضحيات وبالشهداء وبالجراح وبالأسر وبالسجون وبالتحمل وبالتهجير ومرة واثنتين وثلاث وأربع وخمس إلى أن صنعوا هذا التحرير الذي نحتفل به في كل عام وينعم به كل اللبنانيين، من دفع الثمن ومن لم يدفع الثمن.

حسناً، هذه لنتركها بالذهن حتى نعود ونتكلم عن الخطر الثاني لأن هذا أيضاً موجود في المواجهة.

يأتي الخطر الثاني والتهديد الثاني الذي أيضاً طالما تحدثنا عنه خلال الفترة الماضية، الذي يهدد كل دول المنطقة، مثلما إسرائيل خطر تهدد كل دول وحكومات وشعوب المنطقة، اليوم هذا الخطر يهدد كل دول وشعوب المنطقة  وهو خطر الإرهاب التكفيري.

في صراحة، التكفير بحد ذاته وحده لا يشكل خطراً كبيراً، الآن شخص قال لي أنت كافر، "يصطفل"، أنا لا أطلب منه شهادة أن يقول لي إذا أنا كافر أو مؤمن، يكفّر الذي يريده، هذا شأنه، يعني إذا كان الأمر في الدائرة الفكرية القانونية، "يصطفل"، في النهاية بالدنيا ما طالبين شهادة منه، لا أحد طالب شهادة من أحد، لا نحن ولا غيرنا، وفي الآخرة مفتاح الجنة ليس بيده حتى يدخل الذي يريد ويخرج الذي يريد، مفتاح الجنة معروف أين.

المشكلة ليست فقط في التكفير، المشكلة أنهم عندما يكفّرون لا يقبلون هذا الآخر الذي يختلف عقائدياً أو فكرياً أو مذهبياً أو سياسياً معهم،  وإنما يذهبون مباشرة إلى الإستباحة - ليس هناك حل آخر - إستباحة الدماء والأعراض والأموال، إلى الإقصاء، إلى الإلغاء، إلى الشطب، إلى الحذف، وهذا الأمر بات معروفاً، لا يحتاج مني إلى وقت وإلى إستدلال، لا يحتاج، بات معروفاً في كل المنطقة.

طبعاً هذا الإرهاب التكفيري اليوم هو موجود في كل منطقة، يتشكل من مجموعات مسلحة موجودة في أغلب دول المنطقة، بل يمكن في كل دول المنطقة، هذه التيارات أو الجماعات تنتهج منهجاً تكفيرياً، إقصائياً، إلغائياً، تستبيح فيه كل من عداها، حتى - هنا الموضوع ليس موضوع سنة وغير سنة أو مسلمين و مسيحيين  مسيحيين مفهوم، حتى في الدائرة الاسلامية، شيعة، علويين، دروز، إسماعيلية، زيدية، كل من غير السنة محسوم ، عندما نأتي إلى السنة ـ كل من عاداهم من السنة هو أيضاً في دائرة التكفير. وأسهل شيء لديهم أن يقول له "أنت كافر مرتد".

حسناً، ألم تحكم قبل اسابيع داعش على جبهة النصرة؟ وهما فكر واحد، منهج واحد، كانوا تنظيماً واحد، أمير واحد، بيعة واحدة،  نفس واحد، أخلاق واحدة، واحد تماماً في كل شيء، بالزي وبالشكل وبالمنطق وباللغة وبالأدبيات وبالعقل وبالقلب، وعندما اختلفوا بموضوع سياسي، ممكن أن يختلفوا على بئر النفط في سوريا، يمكن على إقتسام الغنائم، حكم عليهم بالكفر والارتداد - بسهولة جداً-  وما يستتبع ذلك من أحكام. هذا الأمر اليوم أصبح واضحاً في كل منطقة،  لو اختلفوا مع الآخر الذي هو منهم على موضوع تنظيمي أو موضوع سياسي أو موضوع مالي، يسارعون إلى الحكم بالكفر وبالإرتداد ويرتّبون الأثر على ذلك.

ما يجري منذ مدة في سوريا من قتال قاسٍ وشديد بين داعش من جهة وبين جبهة النصرة والآخرين من جهة أخرى، هذا مشهد يجب التأمل فيه كثيراً، ليس من جهة الشماتة الذي هو لا يختلف معهم، كلا، جدياً الكل يجب أن يتفرج على هذا المشهد، يأخذ عبرة، نقرأ الحاضر، نتوقع للمستقل.

أنظروا ما الذي حصل إلى الآن - خلال أسابيع قليلة - المرصد السوري المعارض يتحدث عن أكثر من ألفي قتيل خلال أسابيع قليلة بينهما، عدد العمليات الانتحارية بالعشرات خلال أسابيع ضد بعضهم البعض، سيارات مفخخة أرسلوها إلى قرى مليئة بالسكان، فقط لأن هذه "الضيعة" داعش أو هذه "الضيعة" مع النصرة، لكن هناك الكثير من الناس ليست مع داعش ولا مع النصرة ويمكن مع المعارضة في الموقف السياسي. لم يرحموا أحداً، سبي نساء، ذبح الأطفال، تدمير القرى - مع بعضهم، لا أتكلم عن معركتهم مع النظام، دعوا هذا الموضوع جانباً - عمليات إنتحارية ضد بعضهم البعض، قتل المعتقلين والأسرى بدون رحمة، مقابر جماعية، مجازر جماعية، على ماذا اختلفوا؟ أنتم منهج واحد وفكر واحد ومذهب واحد واتجاه واحد وأمير واحد، على ماذا اختلفوا؟ على شأن سياسي أو على شأن تنطيمي له علاقة أنه الأمير فلان أو فلان أو على بئر نفط، أليس على هذه الأشياء اختلفوا وقاموا بذلك. هذا النموذج وهذا المشهد تأملوه جيداً ،هذا يبين لكم العقل الذي يتحكم بقادة وأفراد هذه الجماعات وهذا ليس جديداً وليس مفاجئاً، نحن كنا نتوقع ذلك، ليس لأنه نحن "شايفين" أكثر من غيرنا، كلا، لأن من واكب التجارب السابقة له أن يتوقع هذا.

حسناً، هذه تجربة أفغانستان، الفصائل الجهادية الافغانية قاتلت أحد أقوى الجيشين في العالم، الجيش السوفياتي، وألحقت به الهزيمة في أفغانستان، بعد ذلك خرج السوفيات. مجموعة من الفصائل الجهادية، لأنه في بعض الفصائل الجهادية في أفغانستان كانت تحمل هذا الفكر التكفيري، الإلغائي، الإقصائي، الدموي، الذبح ـ ومخترعين حديث عن النبي "جئتكم بالذبح"، هذا ليس من دين الله وليس من دين رسول الله ولا يمكن أن يكون دين نبي من أنبياء الله عز وجل ـ لأنه يوجد أناس كانوا يحملون هذا الفكر دخلت الفصائل الجهادية الأفغانية في صراع دامٍ فيما بينها. ما دمرته من أحياء ومن مدن ومن قرى وما ألحقته ببعضها من أعداد قتلى وجرحى وما قتلته من قادة جهاديين كبار لم يفعله الجيش السوفياتي. والآن أين أفغانستان؟ من اليوم الذي خرج منها السوفيات إلى اليوم ، أعطوني يوماً في أفغانستان لا يوجد قتل، لا يوجد جراح، لا يوجد تهجير، لا يوجد تدمير، لا يوجد صعوبة عيش، أعطوني يوماُ واحداً فيه سلام، فيه هناءة عيش، بسبب هؤلاء.

حسناً، في الجزائر - هذه أفغانستان ممكن أن تقولوا لي (سكان) جبال و"قاسيين" -  الجماعات المسلحة في الجزائر ماذا صنعت وفعلت في الشعب الجزائري ?