21-05-2024 04:06 AM بتوقيت القدس المحتلة

آية الله الراضي لموقع المنار: التوافق بين السنة والشيعة 95% والخلاف سياسي

آية الله الراضي لموقع المنار: التوافق بين السنة والشيعة 95% والخلاف سياسي

للعلامة الشيخ حسين راضي مواقف معروفة في رفض ما يوهن المذهب أو من شأنه أن يسيء إلى وحدة الأمة التي يتفق أهلها من السنة والشيعة على ما نسبته 95% ويختلفون بنسبة 5%

الشيخ حسين الراضيالمحقق آية الله الشيخ حسين الراضي هو أحد كبار علماء السعودية، ولد في الاحساء في العام 1951، ليلتحق في سن السادسة عشرة بالحوزة العلمية في النجف الأشرف ويتتلمذ على يد كبار مراجعها وعلمائها كآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي الله وآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر،. وينتقل بعدها في الثمانينات إلى قم المقدسة ليستكمل دراسته في البحث الخارج عند كبار علماء الحوزة هناك.

للعلامة الراضي مواقف معروفة في رفض ما يوهن المذهب أو ما من شأنه أن يسيء إلى وحدة الأمة التي يتفق أهلها من السنة والشيعة على ما نسبته 95% ويختلفون بنسبة 5% - بحسب تشخصيه - ويؤكد أن الوحدة لا تعني الاندماج او التنازل بل هي تعاون فيما اتُفق عليه والتماس العذر فيما اختُلف فيه، مشدداً على أن الخلاف إن وجد فهو سياسي في الجوهر ديني في الشكل. يرفض سماحته منطق اللعن أو الاساءة للآخر كونه منبوذ اسلامياً ومرفوض أخلاقياً، ويعلق على حديث الفرقة الناجية بالقول إن الكثير من الاشكاليات قد تطرح حوله.. مواقف تضمنتها مقابلة أجراها موقع قناة المنار مع سماحته قبل فترة أثناء تواجده في لبنان.  

- سماحة الشيخ حسين الراضي، تكررون في أكثر من موقف ومحطة أن موضوع اللعن مخالف للمنهج القرآني، وقد ربطتم ذلك بالموضوع القيمي الذي ركز عليه الاسلام، ولكننا نسمع بالمقابل من يرد بأن اللعن مختلف عن السبّ والشتم بما معنى أنه دعاء الطرد من رحمة الله، ويستدل هؤلاء بورود عبارات اللعن في نص القرآن الكريم.

اللعن جزء من أجزاء السبّ والشتم كما يعرّفه علماء اللغة في لسان العرب، وقد تحدثت بشكل مفصل في الموقع الخاص بي عن هذا الموضوع، وقد ورد اللعن في القرآن الكريم مكرراً، إلا أنه علينا أن نميّز بين ما يرد وبين ما يدعو إليه القرآن الكريم. تحدث القرآن عن الظلم وعن الفسق، وعن أشكال مختلفة من الأمور المحرمة.. فليس كل ما يرد في القرآن هو المطلوب لأنه يأتي أحياناً من باب الذم.

وفي الحديث عن اللعن، فإنه عندما يصدر عن الله تعالى فيكون بمعنى الغضب والانتقام والإبعاد من الرحمة، أما عندما يخرج اللعن من البشر فهو مختلف ، فإن كان من نبي أو ولي فهو بمعنى الدعاء بعدم الرحمة أو العذاب، وإن خرج من العوام فيُعدّ سبّاً أو شتماً، ولذلك فإن اللعن يأتي تعبيراً عن حال غضب أو استياء.

واللعن بمعنى الدعاء على الطرف الآخر للطرد من الرحمة وإنزال العذاب لا يتناسب مع رحمة الله، ونحن نقول إن الرسول (ص) هو الرحمة المهداة من الله ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين))، فهل يتناسب كونه رحمة مع كونه لعانّاً؟ رسول الرحمة كان يتحمل الاساءة والمهانة من الكافرين وكان يقابل ذلك بالدعاء لهم ((اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون))، ونقرأ كيف أنه يوم أحد جُرح وسالت الدماء على وجهه ، لكنه رغم ذلك لم يدع على القوم.

- صدرت فتاوى من مراجع شيعية بارزة حرمت التعرض والاساءة لمقدسات المسلمين، من الصحابة وأمهات المؤمنين على وجه الخصوص، برأيكم ألا يتنافى ذلك مع ما ورد من لعن في نصوص بعض الأحاديث المنسوبة لأهل البيت (ع)؟

في القرآن الكريم نهي صريح عن السب ((وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ))، وقد جاءت هذه الآية في الأصنام التي كان يعبدها المشركون... هذه ثقافة الاسلام والقرآن الكريم إذ إن السبّ والشتم مرفوضان كونهما من مساوئ الأخلاق. المنهج نفسه اعتمده الرسول الأكرم الذي قال "إنما بعثت رحمة للعالمين"، وخاطبه القرآن الكريم: ((وانك لعلى خلق عظيم)). فالرسول لا يتصف بمساوئ الأخلاق، وكذلك الامام علي وأبناؤه.. حتى مع الأعداء.

ويُروى أنه في واقعة صفين التي خاضها الامام علي ضد معاوية سمع الامام أن حجر بن عدي وأصحابه، ممن كانوا يقاتلون في جيش الامام، يلعنون ويسبّون أصحاب معاوية، فأرسل أمير المؤمنين إلى حجر وأصحابه ونهرهم عن ذلك وقال لهم: "أكره لكم أن تكونوا سبّابين.." وفي نص آخر "سبّابين لعّانين ، ولكن لو ذكرتم أفعالهم.." يريد الامام أن يقول فلنركز على الفكرة لا على الشخصنة.. فذكر الأفعال السيئة التي قام بها أولئك أنفع من السبّ والشتم.

نجد أن هذه الرواية تتفق مع القرآن الكريم ومع مكارم الأخلاق التي حثّ عليها الاسلام.. وربما هناك نصوص قد تخالف ما ذهبنا إليه ، ولكننا نضع عليها علامة استفهام!..

هناك فعلاً بعض الأحاديث المنسوبة والتي تحتوي على لعن، لكننا نجد أن فيها تحميلا لمدرسة أهل البيت (ع) ولأخلاقياتهم ومنهجهم العقلاني، ولما ورد عنهم في تعاملهم مع من اختلفوا معهم، وقصة الامام الحسن مع الشامي الذي كان يشتمه وأباه معروفة.

إذا كان يوجد في بعض الكتب والروايات عن اللعن فهناك العشرات من الروايات التي نهت عن التعرض للأخرين، في بعض الروايات ((لا تقولوا لهم خنازير إن كنتم من شيعتنا))، وأيضاً حديث ((كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا)).. فهل نكون زيناً لهم بالسب واللعن؟؟!.. أهل البيت ربّوا شيعتهم على الورع والتقوى والايمان واحترام الآخر ومعاملته بالحسنى، الإمام الصادق يدعو شيعته إلى هذه المكارم العالية حتى يقال ((رحم الله جعفراً لقد أدبّ شيعته)).. وهو القائل: ((تأدبوا بآداب الله)).

- بعيداً عن موضوع اللعن، أدبياتنا زاخرة بالدعوة الى التقريب والوحدة الاسلامية إلا أننا كمسلمين، سنة وشيعة، نتحدث بحديث الفرقة الناجية، ما رأيكم بهذا الحديث؟

هذا الحديث غير دقيق وهناك الكثير من الاشكاليات التي يمكن أن تُثار حوله، بأنه تفترق أمتي إلى 72 فرقة كلهم في النار الا فرقة واحدة. إن أي تقسيم على أي أساس من حيث الواقع لم يكن صحيحاً في حد ذاته، فهل المقصود الفرقة في زمان محدد، لأن كل فرقة نفسها إنقسمت إلى فرق. ولم يكن هناك تحديد لوقت معين ينطبق عليها الحديث.

كما أن الحديث نفسه بات مورداً للنزاع والقتال وكل يدعي أنه الناجي وغيره في النار، بين الشيعة أنفسهم الاخباريون والأصوليون وغيرهم من الفرق، كذلك عند السنة هناك مذاهب وفرق حتى وصلنا لنسمع بلغات التضليل والتكفير.

تحدثتم في وقت سابق أن الاختلاف بين السنة والشيعة موجود، وذكرتم كلاماً لافتاً ان الاختلاف بين الشيعة ككل والسنة ككل هو أقل بكثير من الاختلاف بين الشيعة أنفسهم أو السنة أنفسهم.. الفكرة استوقفتنا فهل يمكن توضيح ما تفضلتم به؟

حسناً، هناك في السنة مذاهب أربعة ، ولو أردنا أن نتحدث بشكل دقيق ومفصل وصل عدد الفرق ضمن الطائفة السنية إلى 137 مذهبا وفرقة او أكثر حتى منتصف القرن الرابع الهجري. وعند الشيعة هناك علماء متعددون وباب الاجتهاد مفتوح وهناك اختلافات كثيرة، ويتضح لنا ذلك في اطلاعنا على أي رسالة عملية، ككتاب العروة الوثقى وكثير من المراجع علقوا عليها، وهذا كتاب واحد من الكتب وعلَّق عليها كثير من المراجع. سنرى عددا هائلا من التعليقات والاختلافات فيما المسائل المتفق عليها جداً قليلة.

الشيخ الطوسي (المتوفي سنة 460 هـ)، وهو يعبّر عنه بأنه شيخ الطائفة ، يقول إن الاختلاف في الروايات عندنا أكثر من الاختلاف فيما بيننا وبين أئمة المذاهب كأبي حنيفة ومالك والشافعي.

وقلما نجد مسألة مطروحة عند الشيعة ولم تُطرح عند السنة. قد تكون عند الشيعة من بين المسائل المشهورة ، إلا أنها شاذة عند السنّة، ولكنها موجودة لمجرد قول أحد العلماء بها ، وهذا يعني أن هناك التقاءً بيننا حتى ولو لم تكن مشهورة عند فرقة دون أخرى. فحتى ولو كانت للفرقة أتباع قلة، الا أنهم لم يخرجوا عن السنة، فهؤلاء لهم حق الاجتهاد ويتعبدون الى الله بهذا الرأي. ومثال يُطرح في هذا المجال: الزواج المؤقت الذي يُعدّ من المسلمات عند الشيعة هو موجود عند عدد هائل وكبير من علماء السنة الذين قالوا بها، كإبن جُريج المكي مثلاً.

لذلك، نجد في المقارنة أن نسبة ما يتوافق عليه الشيعة والسنة تصل إلى 95%، فيما المسائل الخلافية التي لا يوجد اتفاق او تلاقي ابداً عليها لا تتعدى ما نسبته 5%. فهل نأتي ونتقاتل ويكفر بعضنا بعضاً ونترك كل ما نتفق عليه لأجل 5% من الاختلاف؟!!.

وهناك كتاب لطيف يقارن بين الفقه السني والشيعي ومدى الاتصال بينهم واسمه كتاب "فقه الآل بين دعوى الإهمال وتهمة الانتحال".

في حديثنا عن تمزق الشارع الاسلامي وإحداث الشرخ في صفوف أبنائه، هناك مشكلة تكمن في انعدام الثقة بين المسلمين أنفسهم، سواء الاتهام بالباطنية أو بالولاء الخارجي والارتباط بأجندات خارجية، ما هو السبب برأيكم؟

اعتقد أن السياسة هي التي تؤدي هذا الدور، لذلك نعتقد أن تخفيف الأزمة السياسية بين دولتين مختلفتين مذهبياً سيدفع الجميع لتقبّل بعضهم بأننا جميعاً مسلمون. في الخليج مسلمون وفي إيران مسلمون... وأكثرية علماء أهل السنة هم من إيران سواء من بخارى كالبخاري ونيشابور كمسلم. نحن لا نسمع بمسميات المجوس والفرس الا عند الاختلاف السياسي، وكأن هؤلاء لا يلتفتون إلى أن أكثر علماء المذاهب السنية كانوا من الايرانيين وستطالهم عبارة مجوس.. نجد أن ما نعيشه اليوم من تمزق ورمي للآخر هي مجرد مزايدات.

الدكتور علي شريعتي ، في مطلع كتابه "التشيع العلوي والصفوي"، تحدث كيف أثرت الخلافات السياسية في التجييش المذهبي والتحريض بين الصفويين والعثمانيين.. واعتبر أنَّ الصفويين والعثمانيين استعدوا بعضهم بدواعي مذهبية بغية تحقيق التفاف شعبي حول أنظمتهم التي هدرت حقوق الشعب.. هل تعتقد أن كلام شريعتي لا يزال ينطبق على ما نعيشه اليوم؟

هذا ما ذكرته ، العثمانيون كانوا يجيّشون الناس باسم التسنن ، واستفاد الصفويون من ذلك للتجييش بعنوان التشيع ضد العثمانيين. لا لأجل التشيع والتسنن في حد ذاتهما، بل هي مصالح سياسية لا أكثر ولا أقل، والناس ينساقون خلف هذه الدعايات بسبب اندفاعهم العاطفي، وقد خسر الصفويون والعثمانيون على حد سواء بسبب ذلك.

الوحدة الاسلامية ماذا تعني؟ التنازل عن معتقدات فئة لصالح معتقدات فئة أخرى أم ماذا؟

الوحدة هي أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ، وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. ليس المقصود أبداً أن تكون عملية تنازل من أحدنا للأخر، ولا حتى بعنوان أن يصبح الشيعي سنياً أو العكس، وإنما بعنوان التعاون في الأمور المشتركة السياسية والاجتماعية وغيرها ، فكيف اذا كانت المشتركات في الناحية الفقهية قرابة 95%.

ومن الناحية السياسية الجميع متفقون أن عدو المسلمين هو "إسرائيل"، لذلك علينا جميعاً أن نتصدى لهذا العدو لتحرير فلسطين، وقد رأينا نتائج الالتفاف حول القضية الفلسطينية كيف شكّل عامل تقريب بين السنة والشيعة.

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء يرى أن الجهاد ضد "اسرائيل" مع الفلسطينيين كالجهاد مع رسول الله (ص) ، ولم أطلع على كلام أو فتوى عند المسلمين بهذا المستوى. كان متألماً ويقول: عارٌ علينا أن ننتسب إلى العرب إذا كنا لا نتمكن من تحرير فلسطين. وحذّر سماحته في ذلك الوقت في العام 1948 المسلمين وناشدهم بالقول إن فلسطين لا تتحرر إلا بالقوة.

وأكثر من ذلك ، الدولة العثمانية التي حاربت الشيعة ولاحقتهم واضطدهتهم، في الحرب العالمية عندما كانت على وشك الانهيار أفتى علماء الشيعة بوجوب الدفاع عن الدولة العثمانية كونها دولة المسلمين وحارب الشيعة في سبيل ذلك.

لذلك فإن الموقف من القضية الفلسطينية عقيدة راسخة في الوجدان الشيعي، سبق  قيام الجمهورية الاسلامية حتى، لذلك لا يمكن التنازل عنه، حتى لو تنازل الفلسطينيون أنفسهم عن القضية، فإننا لن نفعل أبداً.