26-04-2024 10:48 PM بتوقيت القدس المحتلة

اسعد بشارة :توتّر سوري، تردّد ميقاتي

من توقّف قليلا عند الكلام الذي قاله الرئيس نبيه برّي عن أنّ تأخير تشكيل الحكومة في لبنان هو أشبه بمؤامرة على سوريا، لاحظ أنّ الرجل لم يوجّه كلامه من فراغ، ولم يتوجه به إلى الفراغ

 أسعد بشارة - "الجمهورية" في 28-4-2011

 


من توقّف قليلا عند الكلام الذي قاله الرئيس نبيه برّي عن أنّ تأخير تشكيل الحكومة في لبنان هو أشبه بمؤامرة على سوريا، لاحظ أنّ الرجل لم يوجّه كلامه من فراغ، ولم يتوجه به إلى الفراغ.
ولقد أصبح من الممكن بعد حوالى ثلاثة أشهر على تعثر تشكيل الحكومة، القول إنّ حالة الانتظار الطويلة هي أيضا لم تأتِ من فراغ، إذ بات من الصعوبة الجزم بأنّ هذا التشكيل ينتظر فقط حلّ عقدة وزارة الداخليّة، بل أصبح واقعيّا أكثر توقع ارتباط التأخير بانتظارات ورهانات ترتبط بمسار الأحداث المتسارعة في سوريا.

لم يعد سرّا أيضا أنّ كلام الغرف المغلقة في قوى 8 آذار بات يتردّد مع مدى صدى مرشّح لخرق الجدران، بأنّ ثنائي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف يتبادل الأدوار في تعمّد تأخير ولادة الحكومة، وبأنّ هذا الثنائي يراهن ضمنا على تغيّر موازين القوى انطلاقا من درعا وصولا إلى السراي الحكومي، وأنّ هذا الثنائي أيضا يجد من الإرباك السوري والعجز الحزب اللاهي فرصة ثمينة لتصحيح موازين القوى، وللّعب على عامل استنفاد الوقت حتى الثمالة، انتظارا لتخفيف سقف حزب الله الداعم للعماد عون وللحدّ من معاييره القاسية في فرض التشكيلة الحكومية الجديدة.

سليمان يلعب ورقته النهائيّة

ولم يعد سرّا أيضا أنّ كلام الغرف المغلقة بات يتناول رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي بالعدل والمساواة في توزيع شبهات الرهانات الطارئة، فرئيس الجمهورية بحسب قوى الثامن من آذار يلعب ورقته النهائيّة، وهو يتوهّم القدرة على إعادة قلب الأوضاع لمصلحته إذا ما ضعف النظام السوري، وهو أيضا سيكون أحد أكبر الخاسرين إذا استطاع هذا النظام أن يستردّ أنفاسه، وأن يمسك زمام المبادرة لأنه لن يمحو من الذاكرة لبنانيّا، من وقف معه ومن راهن على سقوطه.
وتبعا لذلك فإنّ الرئيس سليمان لن يقيم بعد اليوم صديقا في سوريا، ويمكن لمَن يستطيع التفسير أن يترجم هذا الواقع إلى وقائع، في عصر تحسم فيه الخيارات الكبرى على مستوى سوريا ولبنان.
أمّا بالنسبة إلى الرئيس ميقاتي فإنّ الكلام الذي لم يقل بعد، يتجاوز مع ما اتهمه به حلفاء سوريا، المتصل بخوفه على تشكيل حكومة تذهب بمصالحه المالية وشركاته، وهو يصل إلى حدّ الاستخفاف بالمناورات الصامتة التي يقوم بها ميقاتي لتعطيل تشكيل الحكومة، وبالزيارات الشكلية التي يقوم بها شقيقه طه إلى دمشق ناقلا رسائل حسن السير والسلوك من دون أن يقدم على ما من شأنه تسهيل ولادة حكومة باتت سوريا اليوم بالإضافة إلى حزب الله أحوج إلى تشكيلها أكثر من أي وقت مضى.
وبالنسبة إلى الرئيس ميقاتي أيضا فإنّ ما تردّده الغرف المغلقة في 8 آذار يصل إلى حدود التشكيك بنيّته في تشكيل الحكومة في ظلّ مراقبته القلقة لما يجري من أحداث متسارعة في سوريا، وخصوصا بما يتعلق باحتمال فرض عقوبات اميركية واوروبية على شخصيات سورية، وهو أمر مقلق لرجل أعمال مهدّد ايضا بالسيناريو نفسه في حال ترأس حكومة لبنانية تخالف القرارات الدولية وتمهد لإطاحة المحكمة، وهذا القلق من وجهة نظر موضوعية، سيؤدّي إلى زيادة منسوب التردد لدى ميقاتي في الإقدام على تشكيل حكومة، خسائرها السياسية بالنسبة إليه لا تقارن بما قد يجنيه من مكاسب.
في كل الأحوال فإنّ القراءة النقدية لقوى 8 آذار تجاه سليمان وميقاتي، لا تغيّر من عناصر المشهد المؤجل لبنانيّا، بانتظار رسوّ الأحداث في سوريا على برّ واضح المعالم، لكن هذا المشهد الذي يعطي الفراغ مدلولا خطيرا، يحتوي على الكثير من العناصر غير المطمئنة التي قد تؤدّي إلى مزالق أمنية، تريدها بعض القوى الحليفة لسوريا رسائل أوّلية وتحذيرية وليست موجهة فقط ضد ما تسمّيه هذه القوى عرقلة مقصودة لتشكيل الحكومة من قبل رئيس الجمهورية والحكومة المكلف، بل في وجه القوى في الداخل التي تعتبر أنّ ربيع دمشق سيكون خطوة متقدمة تمهّد لفكفكة منظومة سياسية لبنانية متكاملة، طالما عطّلت وتعطّل المسار الديمقراطي في لبنان.