26-04-2024 11:53 PM بتوقيت القدس المحتلة

عين الطفل أحمد النهام: تماماً مثل عيون السمك خارج الماء لا يمكنها أن ترى بوضوح

عين الطفل أحمد النهام: تماماً مثل عيون السمك خارج الماء لا يمكنها أن ترى بوضوح

الحقيقة العلمية تقول السمكة ترى في المياه بوضوح بينما يرى الإنسان في الهواء بوضوح. والحقيقة الإنسانية تقول كان رجل الأمن المرتزق يرى عين الطفل أحمد ناصر وهو يتأمل عيون السمك

 نشر موقع "مرآة البحرين":
 

الطفل المصاب أحمد النهامالحقيقة العلمية تقول السمكة ترى في المياه بوضوح بينما يرى الإنسان في الهواء بوضوح. والحقيقة  الإنسانية تقول كان رجل الأمن المرتزق يرى عين الطفل أحمد ناصر وهو يتأمل عيون السمك في ثلاجة  أبيه، لكنه لم يكن يظن أن عينه ستكون تماماً مثل عيون السمك خارج الماء، لن يمكن لعين أحمد أن ترى للأبد.

أحمد النهام، طفل سكنه حلم البراءة أن يكبر يوما ليصبح شرطيا يخدم البلد الذي يحبه، كان لباس الشرطة يوقظ في مكامن طفولته تلك الأمنيات التي يستطيع أن يحققها الكبار، ولشدة حبه أن يكون شرطيا ولعدم فهمه واقع الشرطة في البحرين كان يقف مبهورا يحيّ من يلبس زي الشرطة وكأنه يقول لهم سأكون لكم زميل مهنة حين أكبر، تشاء الظروف التي مرت بالبحرين أن تحول حلم الطفل ذى الأربع سنوات والأربعة أشهر، إلى كابوس يطارده في أحلامه فيستيقظ فزعا صارخا "الشرطة تطلق علي الرصاص" كلما أفاق.

كان يُعلّم في الروضة، أن الشرطة في خدمة الشعب، وأن الشرطي هو ذلك الخلوق الذي يهب لمساعدة كل فرد من أفراد الشعب، ويحقق للأهالي الأمان ويوفر لهم السلامة ويسهر على هدف أقسم عليه. الآن  تغيرت الصورة وحل مكانها الفزع. وكأن الشرطي وظف ليسلب من الأهالي أمنهم وأمانهم.


عند قارعة الحاجة..

في أسرة معوزة، لكن مستورة، ولد أحمد ناصر النهام في قرية الدير. لم يحصل والده على عمل يستره ويكفي حاجته، لكنه لم يمد يده للمحسنين، أخذ يشتري السمك الذي اشتهر بصيده أهالي الدير، المنطقة المطلة على البحر.

ومع بدء القبضة الأمنية، بات ناصر يكتفي ببيع السمك قريباً من بيته، في الطرق الداخلية للقرية، ظنا منه أن ذلك سيسهل عليه الفرار من قوات النظام، حين تتوغل داخل القرية قمعاً للاحتجاجات بكل ما أوتيت من وحشية.

لم يكن ناصر النهام (أبو أحمد)، يعلم أن القوات المتوغلة تلك الليلة إلى الداخل ستقصده وابنه ذا الأربعة أعوام، لم ينوِ الشباب   الخروج في مسيرة احتجاجية كالعادة، لم يعلنوا عن ذلك، ولم تكن هناك حركة مريبة تجعله يفر بسمكه وابنه إلى بيته القريب من مكان جلوسه، فهو يبعد عنه بضع خطوات فقط.

جاهل لا يمووووت..

مكان الاصابةكعادتهم، يحملون زناداتهم ويهجمون في قطيع. لم يستوعب الأب وهو يشاهدهم يقتربون منه، ويوجه أحدهم فوهة الرصاص الانشطاري في وجهه وابنه، أن الطلقة تسير نحوهما مباشرة. فقد الأب حسن التصرف وكأنه اُخذ غيلة، صرخ: جاهل لا يمووووت.. جاهل لا يموووت. استفاق على ضجيجهم وهو ينتشل ابنه الملقى بجانبه، كانت الدماء تغرق ثلاجة السمك وجدار البيت الذي يستندان إليه، كما أغرقت ثيابه وجسده أيضاً، أخذ يركض خلفهم مذهولاً: خلوا ابني أين تذهبون به؟ بقى يلاحقهم وهو يرى صغيره محمولاً أمامه مثل جثة طرية. الأب يترنح وراء رجال بأجساد ضخمة ترتدي ثياب الأمن. يحمل أحدهم ابنه الذي لا يعرف مصيره.   كانت أطراف أحمد الصغيرة تتدلى من جهة اليمين، ورأسه ذو الشعر الأسود الغزير يتدلى من جهة اليسار، ويغطي باقي الجسد ظهر ضخم يسير مسرعاً ليخفي الجريمة. عرف بعدها أنهم أخذوه إلى مستشفى السلمانية.

في المستشفى كان الخبر الكارثة: ابنك قد يفقد إحدى عينيه! الشوزن اخترقها وأتلفها. الأب الذي عانى سنوات من إعاقة ابنته البكر، يعرف جيداً ماذا تعني العاهة أو الإعاقة المستديمة. ابنته أصيبت بالتشنج منذ كان عمرها 40 يوماً، وكان قرار الأطباء وقتها عملية في المخ، تسببت بفقدها الحركة في يديها ورجلها اليسرى. اليوم هو يدرك ماذا يعني أن يكون ابنه الوحيد معاق، فها هي ابنته الشابة في عمر 19 ربيعا ولكنها لا تستطيع تحريك يدها ولا تتمكن من المشي طبيعية كباقي أقرانها. هل يراكم الزمن عليه إعاقة أخرى؟

 على نفقة الدولة

ناصر المصاب في جسده بطلقات (الشوزن) لم يعالج ولم تنتزع منه، ولم تهتم به الجهة التي أصابته. أما أحمد، فتم أخذه عن الأعين إلى الخارج على نفقة الدولة (المصطلح الذي يستخدمه النظام لمعايرة مواطنيه بحقوقهم التي توفرها لهم الدولة). سافر ناصر مع ولده إلى المملكة العربية السعودية عسى أن يستطيع الأطباء هناك إنقاذ عينه المصابة، لكن "فات الوقت"، فالشظايا المتناثرة في عينه البريئة قد وصلت إلى بؤبؤها، بل كانت قاب قوسين أو أدنى من المخ، لكن الله ستر.

في مستشفى الملك خالد بالرياض كان جواب الدكتور واضحاً، لا أمل بشفاء العين، قاموا بتنظيفها من واحدة من الشظايا في عملية دقيقة، وستُجرى له عملية أخرى الأسبوع القادم لاستخراج ما تبقى من شظايا، يحتاج إلى شبكة ثانية، وهذا الأمر مرهون بالعملية القادمة وحالته على إثرها. لا تأكيدات في هذا الأمر ولا أمل.

 طبيب (غير) مرافق

كان برفقة عائلة الطفل أحمد المكونة من الأب والأم وأخته، الدكتور عادل الشيخ الذي بُعث ليكون عونا للأسرة في المستشفى، ويكون الطبيب المشرف على حالته الصحية، ولكن كما باقي أجهزة الدولة التي تعمل بعيداً عن حسها الإنساني والقانوني، كان هذا الطبيب يفضل التسوق والتسكع على متابعة حالة الطفل الصحية، فهو لا يذهب للاطمئنان على الطفل ولم يره الأهل هناك منذ أن أدخل الطفل جناحه الخاص في المستشفى، ولم يكن يعلم حتى أنه ستجري له العملية، إذ هاتفه الأهل ليعلموه بما سيجري، لكنه لم يكن مكترثا ولم يمر للاطمئنان على حال الطفل.

الأب هو المسؤول

يرفع شارة النصرالنظام الذي تورط بإصابة الطفل أحمد، أراد تدارك الأمر سريعاً، خوفاً من فضيحة إعلامية مدوية جديدة بشأن انتهاكات الطفولة،   خاصة وأن فضيحة اعتقال ومحاكمة الطفل علي حسن (11 سنة) لم تبرد في الإعلام العالمي بعد، كان هذا وحده سبب المبادرة بالعلاج لا شيء آخر.

 في مستشفى السلمانية، وبينما الطفل أحمد لا يزال غارقاً في دمائه على سريره الأبيض، جاء ضابط يستطلع حالته، كانت الأم بجانب صغيرها، جلس يؤنبها ويسترسل في تقريعها قائلا: " أبوه من دفعه إلى هذا المصير نحن لا نتحمل ما حصل له، لماذا يخرج برفقة الطفل هو المخطأ ونحن لا نلام نحن نؤدي عملنا ومن يلام ويلزم معاقبته هو الأب"، تقريع الضابط كان أشبه بتحذير عالي النبرة على الأم المكسورة حتى يضعها موضع المساءلة في حال أن ارتفع صوتها للوم النظام ومحاسبته على ما فعله بابنها.

لم تصدر الداخلية بياناً توضح ما حدث للطفل أحمد أو تدينه، كأنها تحاول محو آثار جريمتها عبر طيها ونسيانها، بينما يؤكد أهل أحمد أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي وسوف يقومون برفع دعوة قضائية ضد من تسبب في فقد عين ابنهم، وتشويه وجهه البريء والجميل، وإصابته بعاهة ستفقده الاستمتاع بأجمل سنوات طفولته، وربما مستقبله.

 موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه