26-04-2024 04:20 PM بتوقيت القدس المحتلة

مبعوثو الولايات المتحّدة: هل يضيّعون لبنان زيارةً تلو الأخرى؟

مبعوثو الولايات المتحّدة: هل يضيّعون لبنان زيارةً تلو الأخرى؟

كانت واشنطن قد سلّمت بحضور إيران المتزايد ونفوذها، وذلك أمام العراق وأفغانستان وسوريا وقريباً في معظم دول الخليج الفارسي. ويبدو أن لبنان سيكون التالي

كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله

بيروت

قد نحتاج عالماً من علماء الدلالة بالإضافة إلى سعة معرفة "نعوم تشومسكي" ليوضحا لبعضنا أموراً كمعاني الخطابين المتشابهين والمتكررين في لبنان أوائل هذا الشهر على لسان زائرين يصغى إليهما جيّداً في هذا البلد، فضلاً عن مضامين هذين الخطابين والفوارق السياسية البسيطة بينهما. فخلال الزيارتين المتداخلتين لكلّ من كبار المسؤولين الأميركيين والإيرانيين إلى لبنان، كانت إحداها تحذيرية تهديدية، أما الأخرى فامتدحت "الإنجازات" اللبنانية. وعلى نحو لا يحتمل الإنكار، فإن كشف هذه "الإنجازات" ليس بالمهمّة البسيطة.

فيلتمان ونائلة معوضوبالتزامن جمعت مقدّمات الصفحات الأولى من الصحف اليومية اللبنانية والشرق أوسطية يوم الجمعة الماضي أخبار الزائرين اللّذين بيّنا سياسات بلديهما تجاه لبنان.
أحد الزائرين كان "جيفري فلتمان"، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ذو العهد الطويل في ذلك المنصب. وهو لا زال يقوم بمهامّ السفير الأميركي في لبنان وجميع دول المشرق لعدد من النوايا والأهداف. وتجدر الإشارة إلى أن السيد "فلتمان" معروف جدّاً في لبنان، والكثيرون هنا يعتبرونه زائراً مواظباً. كما وإلى حدّ ما، يشبه شخصية "جو بتفسبلك" في السلسلة الفكاهية "ليل آبنر" الذي يجسّد أسوأ جالب للنحس في العالم إذ دائماً ما يسافر والسحابة السوداء تظلّل رأسه. وقد تلا "فلتمان" التعويذة نفسها التي يكرّرها منذ سبع سنوات، وكان ذلك خلال لقاء له ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، فحذّر الحكومة اللبنانية والمواطنين اللبنانيين للإنشقاق عن حزب الله وسوريا وإيران.
والحقّ يقال إن مساعد وزيرة الخارجية، وكما عهدناه سابقاً، قد جدّد إلتزام الولايات المتحدة "باستقرار لبنان وسيادته واستقلاله". وكرّر كلماته تلك أمام رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وزعيم الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، فضلاً عن سياسيّي 14 آذار. ولعلّ جميع هؤلاء يسمعون هذه الكلمات وهم نيام ذلك أن جميع المسؤولين الأميركيين الذين يزورون لبنان لا ينفكّون يردّدون كلمات "فلتمان" الطنانة.

ساعات قليلة مرّت قبل أن يصل إلى لبنان زائر آخر هو النائب الأول للرئيس الإيراني محمّد رضا رحيمي ساعياً إلى إيجاد أرضيّة للإتفاقات الموقّعة بين البلدين، وبعضها يعود إلى العام 1996. وقد وعد بالتزام إيران "بحرّيّة لبنان واستقلاله وسيادته".
وقد استخدم الرجلان ما نسبته 67% من الكلمات الأساسية المشتركة، إلّا أن معاني كلامهما تختلف تماماً. ولهذا السبب قد يلجأ بعضنا، وبالتحديد أنا شخصيّاً، للإستعانة بأحد الطلاب الجادّين حول هذا الموضوع.
وقد أخبر "فلتمان" محاوريه أنّه أتى إلى لبنان للتعبير عن "قلق بلاده البالغ" إزاء عدد من القضايا لعلّ أهمّها حزب الله وعلاقاته بإيران وسوريا. كما وأعطى توجيهاته بشأن الإنتخابات النيابية العام القادم، التي سيقاطعها فريقه المتمثّل بالمعارضة أو قوى 14 آذار. وبحسب محلّلين في لبنان، فإن الفريق إذا قاطع الإنتخابات سيكون سلوكه بناءً على توجيهات من "فلتمان".
وفي سياق متّصل، أوردت جريدة السفير اللبنانية اليومية أن الهدف الوحيد لزيارة "فلتمان" كان التهجّم بعنف على إيران وسوريا وحزب الله.
وهذا ما فعله.
وكان "فلتمان" قد حذّر مراراً بقوله: "إذا سعت بعض الجهات اللبنانية إلى تطويق العقوبات المفروضة على إيران فإن الحكومة اللبنانية ستواجه مشاكل حقيقيّة ومعقّدة جدّاً مع المجتمع الدولي". فالمجتمع الدولي بات يعدّ ضمن حلفاء الولايات المتّحدة بوتيرة متزايدة.

وخلال لقائه في منزل النائب المتزلّف المؤيّد للسعوديّة والخنوع بكلّ ما للكلمة من معنى بطرس حرب، الذي ظهرت صورته على الصفحة الأولى وهو ينحني بشدّة لزائره "فلتمان"، هدّد الأخير بأنّ "الولايات المتّحدة حريصة كلّ الحرص على عدم السماح باستغلال السرّية المصرفيّة في لبنان لتجنّب العقوبات على إيران وحزب الله وسوريا. فهذا يدخل في صميم الإستراتيجية الأميركية".
وتواصلت تهديدات "فلتمان" الذي يسعى للضغط على رجال الأعمال في كلّ من سوريا ولبنان: "إن عدم الإلتزام بالعقوبات الأميركية والدولية ستكون له تداعيات خطرة على القطاع المصرفي اللبناني". وبالعودة إلى العقوبات الأحاديّة الجانب المفروضة مؤخّراً على البنك المركزي الإيراني، حذّر "فلتمان" اللبنانيين تكراراً من الإستخفاف بالقدرات الأميركية على مراقبة الودائع والتحويلات وتتبّعها. أما اللبنانيون بمجملهم فعلى علم بأن  مسؤولي الخزينة الأميركية قد تدفقوا على بلدهم خلال العامين الماضيين للتهويل على القطاع المصرفي اللبناني ودعم العقوبات الفاشلة المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
وفي حين كان "فلتمان" شديد الإنشغال، كذلك كان النائب الأول للرئيس الإيراني الذي وقّع ثلاث مذكّرات تفاهم كان قد تمّ التوافق عليها خلال اللقاءات السابقة.
وخلال لقاءاته شدّد رحيمي على "دعم بلاده الكامل للبنان على المستويات السياسية والإقتصادية والإنمائية".
وبحسب مصادر حضرت لقاء اللجنة العليا اللبنانية الإيرانية المشتركة، فإن رحيمي قد ناقش الدعم الإيراني للبنان على صعيد النفط والكهرباء والإقتصاد والتجارة والزراعة، بالإضافة إلى الإهتمام الإيراني ببناء السدود.

وللتصديق على كلامه، قدّم رحيمي هبة إيرانية إلى لبنان بقيمة 40 مليون دولار لبناء سدّ في منطقة البترون. كما وأعلن أن البرنامج التنفيذي للإتفاقية قد تمّ توقيعه في كلّ من طهران وبيروت، وأن المهندسين الإيرانيين سيصلون قريباً إلى بيروت لبدء المشروع الذي لطالما ناقشته الحكومة الأميركية منذ أواخر السبعينيات ولكنها كانت دائماً تشترط لمساعدة لبنان وجود "علاقات أفضل" مع إسرائيل.
وفي الموضوع الإسرائيلي الذي يهمّ "فلتمان" بشكل كبير، أشار مراسل إحدى الصحف الأميركية اليومية الكبرى الذي كان يغطّي زيارة المبعوثين المذكورين إلى أن مصادر السفارة صرّحت بأن "فلتمان" كان سيّء المزاج خلال جزء من زيارته وذلك لأسباب عدّة. فالسبب الأول هو أنّه لم يتمّ إبلاغه بتزامن زيارته مع زيارة النائب الأول للرئيس الإيراني. أما الثاني فهو لأنه لم يعلم باحتفال 12 أيار/ مايو الذي نظّمه حزب الله، وخطاب السيد حسن نصر الله الذي كان من المؤكّد أنّه سيحظى بضجّة إعلامية. وكان الحدث الكبير قد هدف إلى الإعتراف بنجاح مؤسسة وعد وهي وحدة البناء والإعمار في حزب الله، التي أنهت وعقب أربع سنوات من العمل المتواصل في إعادة إعمار 275 مبنىً سكنيّاً شاهق الإرتفاع، وإيواء أكثر من عشرة آلاف مواطن جنوبي بيروت. أما الدمار فكان بفعل الأسلحة الأميركية التي كانت بأيدي القوات الصهيونية التي دمّرت أحياء الضاحية وبالأخص حارة حريك، وأمطرتها بالقذائف خلال حرب الثلاثة وثلاثين يوماً في عدوان تمّوز/ يوليو 2006 على لبنان. وقد شكا "فلتمان" من أن بعض المواطنين الأميركيين كانوا يعتقدون ببعض المباني المنجزة مؤخّراً التي فاقت كلفة إعادة إعمارها 450 مليون دولار، بالرغم من أن حزب الله وشركة الإعمار التابعة له "جهاد البناء" كانا على لائحة الإرهاب الأميركية في مبادرة "فلتمان". ويحكى أنه طالب بإجراء تحقيق.

وبحسب المصدر نفسه، كان مساعد وزيرة الخارجية يتذمّر من التقارير المحبطة حول أنّ مشروعاً آخر من مشاريعه، وهو إنقاذ إتفاقية "كامب ديفيد"، كان يشهد اضطرابات. وتحديداً، تمّ إبلاغه بأن المتسابق الأمامي حاليّاً للانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها في 23 و 24 أيار/ مايو، وهو عبد المنعم عبد الفتوح، قد صنّف إسرائيل بأنها "دولة عنصرية" وكرّر أمام الوفود الهاتفة أن معاهدة السلام مع إسرائيل الموقّعة عام 1979 كانت "تهديداً للأمن الوطني" وكان يجب التخلّص منها. كما وأضاف أن إسرائيل والداعمين لها كانوا "أعداء الشعب المصري".
وليزداد سوء مزاجه وتعقيد الأمور، علم "فلتمان" أن مرشّحاً قويّاً آخر للرئاسة المصرية، وهو أحمد شفيق، يحمّس جمهوره في حملته بقوله إنه كرئيس سابق لسلاح الجو المصري كان قد أسقط طائرتين إسرائيليتين خلال حرب الاستنزاف التي أعلنتها مصر بين عامي 1969 و 1970. وفي بيان صدر عن حملته الإنتخابية، ورد أن "للجنرال أحمد شفيق سجلّ وسيرة عسكريّة مشرّفة".

ومتباهياً بكونه قريباً من الواقعية السياسية، يرى "فلتمان" أن العرب والمسلمين سيرفضون إسرائيل بوتيرة متصاعدة عبر حركة التأسيس التضخّمي التي يقودها أصحاب النوايا الحسنة وبينهم أبناء بلده أيضاً. وقيل إنه أخبر أحد محاوريه مؤخراً بأنه يرى دوره في "محاولة الحدّ من التسونامي القادم المتمثّل بالرفض العالمي لإسرائيل ونزع شرعيتها الأمر الذي لن يحدث ببساطة".
وفي غضون ذلك، تضمّن برنامج نائب الرئيس الإيراني محمّد رضا رحيمي لقاءً مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فضلاً عن زيارة مع عدد من العائلات اللبنانية إلى "حدائق إيران" الشهيرة في قرية مارون الراس الجنوبية الواقعة على الحدود مع فلسطين المحتلّة. فمن على هذه التلّة التي تعدّ نقطة مراقبة، وفي يوم صاف، يمكن المرء أن يرى عكّا وغيرها من المناطق المطهّرة عرقيّاً.

تلقّت بيروت كلمات مماثلة من كلّ من واشنطن وطهران عبر مبعوثين مخضرمين. إلا أن المقاربات والتصرّفات المختلفة بشكل أساسي لطالما كانت كذلك على مرّ العقود الماضية.
وكانت واشنطن قد سلّمت بحضور إيران المتزايد ونفوذها، وذلك أمام العراق وأفغانستان وسوريا وقريباً في معظم دول الخليج الفارسي.
ويبدو أن لبنان سيكون التالي.
فهل ستكون فلسطين أكثر بعداً؟

يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الإلكتروني
fplamb@gmail.com