28-04-2024 12:52 PM بتوقيت القدس المحتلة

حكاية ميدانين وحركتين

حكاية ميدانين وحركتين

لقد أمضيت وقتا لا بأس به عشية عيد الميلاد متنقلا بين ميداني القاهرة الرئيسيين، ميدان التحرير وميدان العباسية، عندما كنت أنتظر حصولي على تأشيرة لدخول ليبيا من السفارة الليبية.


كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
القاهرة

لقد أمضيت وقتا لا بأس به عشية عيد الميلاد متنقلا بين ميداني القاهرة الرئيسيين، ميدان التحرير وميدان العباسية، عندما كنت أنتظر حصولي على تأشيرة لدخول ليبيا من السفارة الليبية.

حكاية ميدانين وحركتين

في العام 415 أو ربما في العام 416، وعلى شوارع الإسكندرية في مصر، قبضت مجموعة من الرهبان المسيحيين على "هيباتيا" وهي إحدى المفكرين الكبار في الإسكندرية القديمة، فضربوها وسحبوا جسدها إلى الكنيسة حيث شوهوا جثتها بقطع البلاط الصلبة، ثم حرقوا بقايا تلك الجثة.
ومن الواضح أن إعتداء عناصر من الجيش المصري على تلك السيدة في ميدان التحرير قد ولّد غضبا عارما على المجلس الأعلى للقوات المسلحة شأنه شأن الهجمات المماثلة التي سببت القلق للمتظاهرين في كلا الميدانين. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنه وفي ميدان العباسية ركّز المشاركون أكثر على المتظاهرين المسببين للاستفزاز في ميدان التحرير والذين عبروا عنهم بأنهم "بلطجية". أما متظاهرو ميدان التحرير فقد حملوا الشعور نفسه تجاه المتظاهرين المؤيدين للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المتواجدين في ميدان التحرير.
وفي ميدان العباسية، وبالقرب من مسجد النور، كان الموقف السائد معارضا لما كان يحدث في ميدان التحرير. فكانت توزع الهدايا التذكارية نفسها، والحلوى والقبعات ذات العلم المصري، والسترات والرسم على الوجوه، إلا أن لكلّ ميدان رسالته السياسية المختلفة.
وفي ميدان التحرير، يعطى الزوار محاضرات حول التظاهرات الحالية مع التركيز على "المطالبة باسترداد الشرف" وإدانة الأعمال العسكرية أو العنف ضد المتظاهرين مع الهتف بشعارات متعددة منها "نساء مصر خط أحمر". وبالعودة إلى نساء ضربهنّ عناصر الميليشيات ومن بينهم تلك السيدة في ميدان التحرير، فقد شجع المتظاهرون بعضهم بعضا على الهتاف بشعارات مثل "إرفع رأسك عاليا، وأنت أشرف ممّن اعتدى عليك". وتجدر الإشارة إلى أن إعتداءات ميدان التحرير الأسبوع الماضي خلّفت 17 قتيلا وأكثر من 900 جريح برسم العدالة.
وقد اعتذر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم لسيدات مصر على ذلك الحادث المشين، إلا أنه شن حملة لتصوير المتظاهرين على أنهم مخربين.
وفي المقابل، كانت الشعارات في ميدان العباسية تحاكي كرامة المرأة وقيمة الشهداء، وكان الهدف منها تضمين رسالة غير مهذبة مفادها أن أولئك المصريين المتظاهرين في ميدان التحرير يتلقون الأموال مقابل وجودهم هناك وأن معظمهم غير وطنيين ومتأثرون بعناصر خارجية. وهل شهد بلد في هذه المنطقة إنتفاضة كهذه من دون أن نسمع وبشكل أولي مثل هكذا رسائل؟
وما وجدته ممتعا لدى وصولي إلى مطار القاهرة كانت لوحة الإعلانات الضخمة التي كتب عليها: "شباب أميركا بحاجة إلى أن يكبروا أكثر مثل شباب مصر". وفي نهاية هذه الجملة، كان التوقيع للرئيس الأميركي باراك أوباما. وفي الحقيقة ليس لدي أدنى فكرة عن دقة هذا الإقتباس وإمكانية أن يكون أوباما قد أتى به في الخطاب الذي ألقاه في شهر حزيران/ يونيو من العام 2009 في جامعة القاهرة، إلا أنه يبدو أن ثمة أشخاص هنا يعتقدون أن تلك هي الحقيقة ويسألون عنها.
ولكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام، والمدهش تماما، هو عدد الشباب والكبار من المتظاهرين المصريين المطلعين بشكل واف على الشؤون السياسية الحالية في أميركا فضلا عن التفاصيل المبهمة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، واهتمامهم الشديد بمناقشة هذا الموضوع وسط الاضطراب الذي يعصف بهذا البلد ذو السكان الذين يبلغ عددهم 25 مليونا والذين يزداد الضغط عليهم يوما بعد يوم.
ولربما كان لروح الأعياد أن تسامح المرشحين الجمهوريين الحاليين على محاولتهم بث الإرباك بين جماهيرهم وخلال إلقاء خطاباتهم. ولكن، وبغض النظر عن آراء المصريين الذين تحدثت إليهم في ميداني القاهرة، فإن حملة الرئاسة الأميركية لا تزال مستمرة.
وكان الإجماع الواضح في الآراء التي سمعتها هو الإصرار على أن رسائل المرشحين الأميركيين للرئاسة الذين يجولون في ولايات "آيوا ونيو هامبشر" يجب أن يرفضها الناخبون الأميركيون لمصلحة الولايات المتحدة.

وقد قالت لي أحدى الطالبات: "إنهم ينحدرون إلى مستوى منخفض - وهو بالحقيقة منخفض جدا - بحسب المداولات السياسية الأميركية". وقبل أن أتمكن من تفسير أنني أجد الأمور السياسية في مصر هذه الأيام أكثر أهمية مما هي عليه في الولايات المتحدة، قامت شابة فجأة وقالت: "ولكن ميشيل باكمان التي تنافس رون بول تكره المسلمين بحسب ما قالته في أحد خطابات ولاية "آيوا"، وهي مؤهلة للفوز بالرئاسة لإلمامها بالشؤون الخارجية وكونها عضو في لجنة بيت الاستخبارات، تقول باكمان: "أحصل على التعليمات الاستخباراتية نفسها التي يحصل عليها الرئيس أوباما".
وسألت الشابة: "هل هذا صحيح؟". وقبل أن أنبس ببنت شفة، أكملت تلك الطالبة حديثها: "ليس الأمر فقط أن ما قالته غير دقيق، بل إنها صرحت لاحقا بأنها عندما تصبح رئيسة أميركية ستغلق السفارة الأميركية في طهران، ويبدو جليا أنها لا تعلم أن الرئيس كارتر قد سبقها إلى هذه الخطوة منذ ثلاثين عاما. كيف يكون مرشحّون كهؤلاء جاهلين إلى هذا الحد ويبقون ساعين لترؤسنا؟".
وبعد ذلك سأل آخرون عن السبب الذي يجعل "ميت رومني" يؤكد لجمهوره في أميركا وفي تل أبيب ربما أن أول رحلة له كرئيس للولايات المتحدة ستكون إلى إسرائيل.
وقد استلمت لاحقا محاضرة سريعة وموجزة حول "أن لا تكون متفوقا في التذلل لإسرائيل مقابل تجاهل المصالح الأميركية"، ويقول أستاذ التاريخ السابق "نيوت غنغريتش" للعالم أن الفلسطينيين هم شعب مخترع، في حين لا يرى "ريك بيري" فرقا بين ما تريده إسرائيل وبين الأفضل لمصلحة أميركا. كيف يمكن أن يأتي هؤلاء بهذه المقولات ويستمرون في السعي للرئاسة؟".

ووقفت مصعوقا ومنبهرا بمدى اطلاع هؤلاء الطلاب على سير الأمور. وفي الحقيقة، لقد طرحت التقارير الصادرة للتو عن ولايتي "آيوا ونيو هامبشر" في (24 كانون الأول/ ديسمبر 2011) أن هذه المجموعة الرباعية من المرشحين المتمنين الفوز، وبين مرشحين آخرين هذا العام، مؤمنون بأن القضية التي حثوا عليها يمكن أن تصبح سبائك من الذهب الانتخابي الخالص: وهي إيمانهم بخوف الناخبين الأميركيين من الإرهاب الإسلامي.
وفي إطار قلقهم من خسارة أموال اللوبي الإسرائيلي، ومن خلال رغبتهم في مهاجمة إدارة بوش وأوباما حول الحريات المدنية وبعيدا عما قام به القادة الموكلون "آشكروفت، وغونزالس، وهولدر"، فإن جمهوريي الجناح اليميني يجولون في الولايات الكبرى فيذمون العرب والمسلمين والإسلام من دون ذكر حزب الله وإيران وسوريا وحماس.
وفي زعم هؤلاء المرشحين الأربعة أن "الديمقراطيين لا يفهمون الطبيعة الكاملة ونطاق الحرب الإرهابية علينا"، وقد أتى ذلك ضمن خطاب لهم أمام كل من الجمهور الحاضر أمامهم، والجمهور الأهم المحتشد في المقر الرئيسي للجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك) في واشنطن الذي يزود فعليا جميع المرشحين الرئاسيين برزم الأوراق التي تتضمن المواقف من حزب الله وإيران وحماس والإرهاب إلخ... والمشغول في رفع ما يزعم أنها الكميات الأكبر من الأموال الموزعة في تاريخ الولايات المتحدة عبر اللوبي الإسرائيلي للانتخابات الرئاسية، وبحسب ما تفضل المرشحة باكمان وصفه والتأكيد أمام جمهورها: "إن الحرب الإرهابية هذه تنتهي عندما يكفوا عن المجيء إلى هنا لقتلنا! لا يجب أبدا أن نعلق مجددا في مشكلة تدني مستوى الحراسة".

ويصر جميع المرشحون الرئاسيون على أن الدعم الأميركي لإسرائيل، وبرامج التسليح الخاصة غير المنتهية، والتمويل الأبدي ومنح الأضواء الخضراء لجميع الجرائم ضد فلسطين، لا تساوي شيئا مقارنة بحقيقة إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وتدهور سمعة الحكومة الأميركية إلى هذا المستوى للمرة الأولى في تاريخها.
وقد زعم "ميت رومني" الحديث لجميع الطامحين حاليا للوصول إلى البيت الأبيض عندما قال أنه ليس لدى العرب والمسلمين مشاعر قاسية تجاه تسبب إدارة بوش وأوباما بقتل ما يقارب مليون شخص من دون هدف في حربي العراق وأفغانستان، ودعم عدوان إسرائيل الخامس على لبنان، والحث على شن الحرب السادسة. وفي الوقت نفسه، تخالف إدارة أوباما القانون الدولي أسبوعيا من خلال تضمينها تهديدات إيران بهجمة نووية الأمر الذي يتعارض والفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة عبر فكرة أن: "كل الخيارات مطروحة! هستيريا".
لقد سأل الطلاب المصريون: "هل يتوقع هؤلاء المرشحون أنفسهم عدم اهتمام الناخبين الأميركيين لأمر إهدار تريليوني دولار أميركي من الأموال المدفوعة كضرائب، وهي الأموال التي تحتاجها 435 منطقة في بلدك للتعليم والرعاية الطبية وإصلاح البنى التحتية التالفة وغير ذلك من الحاجات الملحة التي لا تعد ولا تحصى؟".
إن لدى المصريين في ميداني التحرير والعباسية إدراك للشؤون السياسية الأميركية أفضل من إدراكنا نحن.
أما الموثوقية الدقيقة لمقولة باراك أوباما تلك المكتوبة على لوحة الإعلانات الضخمة في مطار القاهرة الدولي فليست مؤكدة. إلا أن بصيرة المصريين الذين أخذوا على عاتقهم حماية ميداني التحرير والعباسية وحكمتهم تجعلان منهم الأروع والأحق بالإهتمام مقارنة مع الأميركيين الذين سيتوجهون في غضون الأشهر القادمة للإدلاء بأصواتهم.

يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الإلكتروني
fplamb@gmail.com