22-05-2024 10:56 AM بتوقيت القدس المحتلة

السلفية الجهادية في سطور

السلفية الجهادية في سطور

ارتبطت إسنادات الحكم بما أنزل الله في الفكر الجهادي المعاصر بالمقولات القطبية الإخوانية ومبدأ الحاكمية التي نقح بها قطب أنواع التوحيد لدى ابن تيمية.

برزت السلفية الجهادية بناء على مزج بين الفكر الوهابي والمنظومة الأصولية القطبية في «الإخوان المسلمين»، وظهر هذا في بعض الأمثلة كالسلفية السرورية نسبة لمحمد سرور بن نايف زين العابدين. ففي الحقبة الناصرية والساداتية فرّ الكثير من المصريين والسوريين إلى المملكة العربية السعودية، عندئذ برز اتجاه يسعى للتوفيق بين عقيدة محمد بن عبدالوهاب السلفية وبين الأفكار القطبية الحاكمية، وركز في تلك النقطة على عقيدة الولاء والبراء واستبدالها بالحاكمية التي لم تختف بل بقيت كفكرة، ويُعنى هنا بالولاء الولاء للمسلمين ككل والبراء البراء من المشركين كافة.

محمد مختار قنديل / جريدة السفير

السلفية الجهادية في سطورتلك الحركة تبلورت فعلياً في شكلين. أحدهما تيار فكري تبنى السلفية الجهادية نظرياً وآخر ظهر كتيار حركي متمثل في تيارات السلفية الجهادية بدءاً بجماعة «الجهاد» في مصر وصولاً لأكثرها بلوغاً في الحرب الأفغانية، ومروراً بتنظيم «القاعدة» ونشأة تنظيم «الدولة».

ويخلط البعض في الكثير من الأحيان بين السلفية والأصولية. لكنْ ثمة عامل زمني أساسي، يضع خطاً فاصلاً بينهما. فالأولى تهتم بالحاضر وتسعى لتخليصه من الشوائب استناداً إلى منهج السلف الصالح وأفعالهم. أما الثانية فتنطلق إلى المستقبل من ركاب الحاضر، حيث تتبنى فكرة مفادها أن المجتمع الإسلامي القديم قد زال، وشغل مكانه التحديث والتخريب والكفر، وعليه لابد من التصدي لذلك لإقامة المجتمع الإسلامي والشريعة الإلهية.

الأساس الفكري للجماعات الجهادية يتلخص في «الحكم بما أنزل الله». تلك الحجة التي ينطلق منها الجهادي ويضع تصوّراته عما يلقبه بالشريعة. والتي تترادف بشكل كامل مع مفهوم الفقة لديه. وارتبطت إسنادات الحكم بما أنزل الله في الفكر الجهادي المعاصر بالمقولات القطبية الإخوانية ومبدأ الحاكمية التي نقح بها قطب أنواع التوحيد لدى ابن تيمية. فإضافة إلى توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات و «توحيد الألوهية»، ظهر توحيد التشريع ومنه استقت الجماعات الجهادية فكرها بداية من الأب الروحي للجماعات الجهادية عبدالله عزام.

وتنطلق فكرة «الحكم بما أنزل الله» بداية من الإقرار بتكفير الحكام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية، وعليه يصبح الموالون وغير المكفرين لهم كفاراً في نظر تلك الجماعات. ومن هنا تتعالى الصيحات التي تفيد بغياب الإسلام وتفشي الردة. ومن ثم لابد وأن يكون الجهاد محور تلك المرحلة. وعليه تأتي المرحلة الثانية غير المحسوبة لكن الواجبة. وهي الخروج على هؤلاء الحكام من قبل المجاهدين وقتالهم. ومن ثم تأتي المرحلة الثالثة التي تفيد بعدم جواز إمامة هؤلاء الحاكم وتجاهل شرعيته وختاماً تأتي المرحلة الرابعة التي تطبق فيها الحدود الإسلامية ويُقام فيها شرع الله وينصّب الخليفة على المسلمين. ومن تلك التدريجات جاءت فكرة تقسيم المجتمعات بين دار إسلام ودار كفر.

عندما نتحدث عن المصادر الفقهية والفتاوى الجهادية عقب مبدأ الحاكمية، فإننا بالضرورة والتفرد نعود إلى «الدعوة النجدية» مع بعض الاجتهادات. و «الدعوة النجدية» أو دعوة منطقة نجد تتمثل في إرث أئمة تلك الدعوة، بدءاً من إين تيمية وصولاً لمحمد بن إبراهيم، الذين كفروا كل من سن القوانين الوضعية، بل ذهبوا إلى وجوبية ترك البلاد التي يشرع فيها بالقوانين الوضعية لأنها خرجت من معسكر دار الإسلام إلى معسكر دار الكفر.

وثمة مرحلتان مرتبطتان تشرح الجذور الإيدولوجية للجماعات الجهادية، نتناول منها المرحلة الأولى هنا، متمثلة بعبد الله عزام والجهاد الأفغاني.

وعبدالله عزام اسم عالق في الإرث الجهادي. فهو منظر الجهاد الأممي أو ما يُطلق عليه الجهاد المهاجر، أول مراحل ظهور التنظيمات الجهادية في الثمانينيات من القرن الماضي، إثر دعوته العرب والمسلمين للحشد في أفغانستان لتحريرها من السوفيات، ومن ثم اعتبارها نقطة لانطلاق تحرير المسلمين والتحرك نحو القدس وتغيير الأنظمة العربية التي لا تحكم بشريعة الله ولا تطبق حكمه. والجدير بالذكر أن دعوة عزام لمواجهة السوفيات في أفغانستان كانت متوافقة مع سياسات أميركا والسعودية وباكستان آنذاك، الرافضة للتمدد السوفياتي في أفغانستان. ولعل هذا ما سقى فكرة إنشاء أميركا لتنظيم «القاعدة». فقد لبى أسامة بن لادن دعوة عزام وأيّد دعم الحركة الوهابية للجهاد في أفغانستان.

وكذلك أتت بعض العناصر المرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» فكرياً، خصوصاً مع تعالي الصيحات التي تفيد بعدم وضوح منهج «الإخوان» في سعيهم لتطبيق شرع الله، وكذلك لبّى النداء بعض الأفراد المنتمين لجماعات جهادية قديمة كـ «الجهاد» و «الجماعة الإسلامية» المصريتين وجماعة أبو يعلي بالجزائر. وعليه كان المجاهدون في أفغانستان عبارة عن خليط من جماعات مختلفة، وإن كان هدفها واحداً، الإ أن السياق الثقافي والفكري لإنشائها مختلف ومن ثم كان لابد من وضع «عقد» لإدارة العملية الجهادية في أفغانستان.