23-04-2024 04:46 PM بتوقيت القدس المحتلة

السلفية الجهادية في سطور (3)

السلفية الجهادية في سطور (3)

«داعش»، فينطلق من خطوة متقدمة في فكر القاعدة لإقامة الدولة الإسلامية، حيث بدأ بالصدام مباشرة مع العدو القريب قبل التفرغ من مواجهة العدو البعيد، بعكس ما كان تنظيم «القاعدة» يعتقد.

تعرضنا في المقالة الثانية إلى المرحلة الثانية من المراحل التي تشرح الجذور الإيديولوجية للجماعات الجهادية، كذلك تناولنا أثر كل من سيد قطب وإبن تيمية في تشكيل عقل الجماعات الجهادية، واليوم نكمل ما بدأناه، ونعطي نبذة سريعة عن نشأة كل من تنظيم «القاعدة» وتنظيم «الدولة»، ثم نتطرق إلى التعرض للعقل السياسي للجماعات الجهادية ونختم تلك الحلقة بأبرز الاختلافات في ما بين «القاعدة» و «داعش».

محمد مختار قنديل/ جريدة السفير

السلفية الجهادية في سطور (3)«القاعدة»: عقب بلورة دعوة عبدالله عزام للجهاد الأممي وتحرير أفغانستان من السوفيات، حدث ـ كما أشارت العديد من الدراسات - انقسام بين المجاهدين في أفغانستان، فتشكل تياران، أحدهما ينتمي لعبدالله عزام والثاني أكثر تشدداً ينتمي لأيمن الظواهري الذي كان يرى أن الجهاد والطريق المسلح هما الوسيلة للتغيير ومحاربة الكفر وإقامة شرع الله.

تبنى زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن رأي التيار الثاني. من هنا برزت فكرة «القاعدة»، وعليه بدأ التنظيم في العودة إلى هويته العربية، وأعلن في بداية التسعينيات نشأته في السعودية بقيادة «يوسف العييري، أبرز رموز «القاعدة» في السعودية، وكانت مهمته آنذاك استهداف التجمعات الأميركية. وكان الهدف الأساسي لتنظيم «القاعدة»، حتى وفاة بن لادن، محاربة «رأس الكفر» و «الشيطان الأعظم»، أي الولايات المتحدة الأميركية.

«داعش»: تنظيم قديم بمسمى جديد، يعود أصله لفكر «القاعدة» التقليدي منذ العام 2004، وتحديدا بظهور تنظيم أبو مصعب الزرقاوي الذي ظل من دون اسم إلى أن أشار عليه أبو أنس الشامي بان يضع للتنظيم إسما حتى لا يحدث استغلال لعمليات التنظيم. ومن هنا أصبح يسمى بتنظيم «التوحيد والجهاد». حدثت الشراكة ما بين «التوحيد» و«الجهاد» من ناحية و«القاعدة» من ناحية أخرى. وأصبح «التوحيد» يدعى « نظيم القاعدة في بلاد الرافدين».

وفي العام 2006، خرج زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» في شريط مسجل أعلن فيه تشكيل «مجلس شورى المجاهدين» الذي كان يضم 8 حركات أبرزها الحركة سالفة الذكر بزعامة أبو رشيد البغدادي. كما أعلن فيه «تأسيس إمارة إسلامية في العراق». بعدها بأيام، قتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي، وتمت مبايعة أبو حمزة المهاجر زعيما للتنظيم بدلا منه. وبعد ذلك بشهر تقريبا، وتحديدا في 15- 10- 2006، تم تأسيس تنظيم مسلح يشمل كل هذه التيارات تحت إسم «الدولة الإسلامية في العراق»، وظل كما هو حتى 19 من نيسان 2010، حيث تم الاشتباك ما بين قوات الاحتلال الأميركي وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، ترتب عليه مقتل كلٍ من أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر وتمت مبايعة أبو بكر البغدادي.

أبزر الاختلافات بين «داعش» و «القاعدة»:

1ـ المرجعية الدينية والفقهية:

بصفة عامة، لا تخرج المرجعية الدينية للتنظيمات الجهادية عن نظرية الجهاد العالمي، التي ترى في الجهاد وسيلة لإقامة شرع الله وتحقيق حلم الخلافة الإسلامية، ويعود الأصل فيها لفكر عبدالله عزام وإرث سيد قطب. ولكن يختلف الطرفان في نقطة أساسية، وهي طرق إقامة الخلافة، حيث أن هناك ثلاث طرائق متعارف عليها في إقامة الخلافة، هي: «الاستخلاف - الشورى- التغلب»، برغم وجود خلاف حول الأخيرة، علماً أنها أقرت في بعض كتابات الجماعات الجهادية.

تخرج الطريقة الأولى «الاستخلاف» من حسابات الجماعات الجهادية، ويتبقى كلٌ من «الشورى» و «التغلب». يتبنى تنظيم «القاعدة» الشورى ويرفض الثالثة، وتنحصر الكتابات الداعشية في تبنيه الطريقة الثالثة، أي «التغلب»، وهنا بدأ الخلاف بين «القاعدة» وفروعه ومبايعيه من ناحية، و «داعش» من ناحية أخرى، حيث رأى تنظيم «القاعدة» عدم شرعية الإمارة لاتفاق أهل العلم على فسق الإمام المتغلب، ووجوبية دفعه في المناطق التي لا ولاية ولا نفوذ له فيها.

2ـ العدو والتخطيط لإقامة «الدولة الإسلامية»:

الفرق بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعشتشرح أدبيات تنظيم «القاعدة» خطوات إقامة الدولة الإسلامية التي تبدأ بضرب العدو البعيد ـ الولايات المتحدة الأميركية - في عقر داره وجره إلى الصدام في المنطقة، وتجنب الاصطدام مع العدو القريب - الدول العربية والإسلامية - إلا في حالات رفع الضرر، وصولا إلى إعلان الخلافة الإسلامية، أما «داعش»، فينطلق من خطوة متقدمة في فكر القاعدة لإقامة الدولة الإسلامية، حيث بدأ بالصدام مباشرة مع العدو القريب قبل التفرغ من مواجهة العدو البعيد، بعكس ما كان تنظيم «القاعدة» يعتقد.

ولما كان لنظرية الجهاد العالمي سمة أساسية مفادها «استغلال الفرص»، فعليه قد ترى أن «داعش» يعود بفائدة على تنظيم «القاعدة» بطريقة غير مباشرة، حيث دفع القوى المحاربة لتنظيم «القاعدة» للقول بأنه أصبح جزءاً من الماضي، وانشغلت عنه بمحاربة «داعش»، الأمر الذي يتيح الفرصة لـ «القاعدة» لاستعادة قوتها وتخطيطها لعمليات تواجه بها العدو البعيد، في الوقت الذي يعمل «داعش» على استنزاف العدو القريب وإبعاد العدو القريب عن أعين «القاعدة».

وثمة نقطة جوهرية تطرحها فكرة العدو القريب والبعيد في فكر «القاعدة»، حيث رأى التنظيم منذ بدايته وفي رسائل منظريه وقياداته، أن المواجهة مع العدو القريب في تلك المرحلة تفقد تعاطف عوام المسلمين مع المجاهدين، ما يؤثر سلبا على مد التنظيم بالمجاهدين وترحيب الشعوب العربية بفكرة إقامة الدولة الإسلامية، ومن ثم وجد التفرغ لمواجهة العدو البعيد وجره للمنطقة، وإثبات تواطؤ الأنظمة العربية مع الولايات المتحدة فرصة لكسب تعاطف المسلمين، أما «داعش»، فلم يدرك تلك النقطة.