19-04-2024 09:32 PM بتوقيت القدس المحتلة

استراتيجية أوباما في العراق وسوريا.. انعدام اليقين بعد التردد

استراتيجية أوباما في العراق وسوريا.. انعدام اليقين بعد التردد

اختيار الرئيس الأميركي باراك اوباما تاريخ الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر للإعلان عن استراتيجيته للتصدي لتنظيم "داعش" يمثل إعادة وصل لما انقطع مع عهد الرئيس جورج بوش الإبن.


علي عبادي

اختيار الرئيس الأميركي باراك اوباما تاريخ الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر للإعلان عن استراتيجيته للتصدي لتنظيم "داعش" يمثل إعادة وصل لما انقطع مع عهد الرئيس جورج بوش الإبن. إنه تحول عن "استراتيجية" العزوف عن الدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط والتي اتخذها منذ أن أخرج قوات بلاده من العراق نهاية العام 2011 بدعوى الخشية من عواقب سلبية وإدراك وجود "حدود لأي عمل عسكري أميركي". لماذا الآن يقف اوباما هذا الموقف؟ وما مدى  عزمه على الذهاب الى النهاية في هذا التحرك المعقد المتعدد الجوانب في بيئة متحركة؟

على صلة بالتوقيت، هناك نقطة تتعلق باقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث يحتاج الرئيس الى إزالة ما علق في الأذهان من أفكار بشأن أداء إدارته المتعثر، (بحسب استطلاعأجرته جامعة كوينیبیاك ونشر في تموز/يوليو الماضي، فان الرئيس اوباما يحتل مع سلفه جورج بوش أسفل القائمة شعبية ًمن بين 12 رئيساً تعاقبوا على رئاسة البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، وان مؤشرات التأييد له متدنية في مجالات السياسة الخارجية ومكافحة الارهاب والاقتصاد وبرنامج التأمين الصحي، الى درجة ان 33 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع يرون اوباما أسوأ رئيس خلال هذه الحقبة يليه بوش). وتحتاج الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي الى تزخيم يقوده الرئيس شخصياً لتعزيز حظوظ مرشحي الحزب في الانتخابات. وتمثل العودة "القوية" لصورة الإدارة أمراً ضرورياً من وجهة النظر هذه، مع الاشارة الى ان اوباما قرر شن الحملة في الشرق الأوسط باسم الحفاظ على الأمن الوطني الأميركي، بعد ذبح "داعش" الصحفيَيْن الأميركيَيْن جيمس فولي وستيفن سوتلوف وحديث أوباما عن تهديد تتعرض له القنصلية الأميركية في أربيل وعناصر القوات الخاصة الأميركية المنتشرة فيها وكذلك السفارة في بغداد.

ولا بد من القول إن أوباما حصل في النتيجة على قدر كبير من المساندة الداخلية لحملة عسكرية ضد تنظيم "داعش" (أظهر إستطلاع لرويترز/ إبسوس أن 64 في المئة من الأميركيين يؤيدون قرار اوباما مقابل معارضة 21 في المئة)، قد تماثلُ الى حد ما تلك التي حصل عليها جورج بوش بعد هجمات 11 ايلول/ سبتمبر 2001. واذا كان تنظيم القاعدة وفـّر الذريعة لإدارة بوش لغزو أفغانستان ومن ثم العراق في صورة طرحت "نظرية المؤامرة"، فإنه ليس من الواضح لماذا قدّم تنظيم داعش خدمة جُلّى لأوباما "المتردد"، حين عمد الى إعدام الصحفيَيْن الأميركيَيْن بطريقة استعراضية أيقظت مشاعر الغضب والإستفزاز لدى شريحة واسعة الأميركيين لا تحبذ في الأساس الارتباط بحرب عسكرية جديدة في الشرق الأوسط.

تناقضات

سبق ان اعترف أوباما قبل أسابيع قليلة بأنه ليست لديه استراتيجية في العراق وسوريا، انعكاساً لتردد طويل يستند الى نهج يقوم على تجنب المخاطرة، فكيف ظهرت لديه استراتيجية فجأة؟
ونذكّر بأنه في شهر يونيو/حزيران الفائت، طلب اوباما من الكونغرس 500 مليون دولار لتدريب وتسليح المعارضة السورية المسلحة، ثم استبعد أن تحقق هذه المعارضة نجاحاً في مسعاها لإسقاط النظام، معتبراً أنها لا تتسم بالفاعلية!
وعلى ضوء ما انتهى اليه مشروع الحرب على سوريا في ايلول/ سبتمبر 2013 من انعطافة حادة مفاجئة ادت الى وقف المباشرة بها، فإنه لمن المشروع التساؤل عما اذا كانت لديه الإرادة الكافية للمضي في محاربة "داعش" لتحقيق الأهداف الكبيرة المعلنة. وتبدو الاستراتيجية الاميركية المعلنة مفككة العناصر وغير مضمونة النتائج. فهي تقوم على: تكثيف الغارات الجوية في العراق، دعم القوات العراقية والكردية تدريبا وتجهيزا، ضرب معاقل تنظيم داعش داخل سوريا، وتدريب وتسليح المعارضة السورية "المعتدلة" للحلول محل داعش في حال هزيمتها. لكن الأهم يبقى مستقبل الوضع السياسي: هل تفتح الحرب على داعش الأفق لحل سياسي في سوريا والعراق يضيّق مجال العمل أمام هذا التنظيم، ام انها ستزيد الامور تعقيدا؟ أوباما توقف عند هذه النقطة مراراً في الماضي، ويبدو انه لم يحصّل يقيناً بعد في هذا المجال.

شكوك

وهناك شكوك تتمحور حول النقاط التالية:

-    توصيف الادارة الاميركية للحملة التي تعدّ لها، فهي "معركة واسعة النطاق لمكافحة الارهاب"، كما يقول وزير الخارجية الاميركي جون كيري، وهي "حرب بكل ما للكلمة من معنى"، كما يقول البيت الابيض. من نصدّق يا ترى؟  
-    أهداف الحملة: لا يتفق المسؤولون الأميركيون على أهداف واقعية للحملة، فدحر داعش الى الوراء شيء، والقضاء عليها شيء آخر (تجربة الحرب على القاعدة وطالبان في افغانستان ليست مبشّرة على نحو مُرضٍ)، بل ان صحيفة واشنطن تايمز تقول إن البنتاغون يريد القضاء على أيديولوجية تنظيم "الدولة" وليس مجرد تدميره بحد ذاته، وهذا يحتاج الى مجهود طويل المدى وتعاون فعال من الحكومات الاقليمية والأجهزة الدينية المعنية وتجفيف المنابع المالية، وكل ذلك مشكوك في استدامته لأسباب عدة.

-    مدة الحملة: هناك كلام صريح لمسؤولين أميركيين بأنها ستستغرق على الأرجح اكثر مما تبقى من عمر ادارة اوباما، اي ما يزيد على عامين. مما يعني ان اوباما قد لا يبقى ليرى نتائجها، كما ان اي ادارة جديدة قد تكون لها حسابات مختلفة.

-    الأطراف المشاركة فيها: تعتمد الحملة على حلفاء الولايات المتحدة من عرب وأتراك وأوروبيين، وتستبعد أطرافاً معنية وفاعلة، تحديداً الحكومة السورية وايران. ومن المسلَّم به ان بعض الحكومات الاقليمية متورطة في شكل او آخر في تسهيل تمويل المتطرفين ومرورهم عبر اراضيها، وهي تلعب لعبة الباب الدوّار الذي يقفل من جانب ويفتح من جانب آخر، الأمر الذي يثير علامات استفهام حول مدى تعاونها على المدى المتوسط او البعيد بمجرد تخفيف الضغوط عنها. كما ان استبعاد دمشق وطهران سيؤجل فحسب مواجهة استحقاقات ميدانية ستبرز عاجلاً او آجلاً. ويسلّم مسؤولون أميركيون بأن دحر داعش يستلزم ضربها في سوريا حيث تحظى بملاذ خلفيّ واسع وموارد كبيرة مالياً وبشرياً، وهذا التوسع قد يتطور الى مواجهة مع الجيش السوري وحلفائه، والموقف الأميركي من هذا الإحتمال مبهم حتى الآن، ومن شأن تطور كهذا ان يعقّد المشهد الاقليمي، في ظل استمرار مناوشات اميركا مع ايران والاشتباك الاميركي- الروسي الساخن حول اوكرانيا.

-    توزيع الأدوار وطبيعة المخاطر: من هي المعارضة السورية "المعتدلة" التي يتوجب دعمها أميركياً وسيكون على عاتقها الحلول محل "داعش" في حال هزيمتها عسكرياً؟ هل سيكون لـ"جبهة النصرة" واركان "الجبهة الاسلامية" دور في استراتيجية مكافحة الارهاب والتطرف، والجميع يعرف ان هذه الاطراف لا تؤمن بالديمقراطية والانتخابات وتتصارع على النفوذ وتتبع لجهات اقليمية متنافسة او لأجندات تتخطى القـُطر السوري؟ كيف يمكن إحلال تسوية سياسية في سوريا - وفق تصورات اوباما- من دون تنسيق او تفاهم مع الحكومة السورية التي يرفضها هؤلاء من منطلق ايديولوجي او طائفي، او من دون التعامل مع الرئيس بشار الاسد الذي يرى الرئيسُ الاميركي انه لا مجال للتعامل معه؟ هل سيحيي الخيار العسكري آمال حلفاء اميركا في إسقاط النظام في سوريا ويعيد الأزمة الى المربع الأول، وكيف يمكن تلافي عودة ظهور التنافس الضارّ بين السعودية من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى حول "الكعكة" السورية؟

أما في العراق فهناك حسابات أخرى: المقاربة الاميركية تقوم على تهميش دور الحكومة العراقية،  وهي تعتمد تقوية الأكراد بوصفهم "العنصر الأكثر انسجاماً وتماسكاً"، ولهذا رأينا ان جُلّ المساعدات العسكرية الاميركية والاوروبية تحطّ في كردستان وليس في بغداد، الأمر الذي يضعف حضور الحكومة العراقية ومكانتها في التعامل مع كردستان مستقبلاً، ولا يمكن ان يكون هذا التعامل غير مقصود. كما ان الخبراء الأميركيين الذين وفدوا ويفدون الى العراق ينسجون علاقات مباشرة مع "العشائر السنية" في غرب العراق من دون التنسيق مع الحكومة التي تمثل كل المكونات العراقية، وهذا سلوك يشي بعودة مشروع إحياء قوات "الصحوات" المحلية، خاصة مع تعيين الجنرال جون آلن منسقاً لجهود التحالف الدولي في مواجهة تنظيم "داعش"، وهو الذي لعب دوراً في تشكيل "الصحوات" في العراق التي قاتلت تنظيم القاعدة. كيف يمكن إعادة اللُحمة الى العراق بعد دحر "داعش" ووفق أية رؤية، بينما تغذي التدخلات الغربية الآن مطامح الاطراف في وجه الحكومة المركزية التي يُحسب أنها في وضع ضعيف وعليها تقديم تنازلات، إلا اذا افترضنا ان الفدرلة هي الدواء الناجع للعراق، كما يدفع الى ذلك جوزيف بايدن نائب الرئيس الاميركي؟

غموض

يختصر وزير الخارجية الاميركي جون كيري الغموض الكامن في هذه الاستراتيجية المرتجلة بالقول: "من السابق لأوانه كثيراً ومن غير الملائم صراحة في هذه المرحلة ان نبدأ في توضيح ما ستقوم به كل دولة على حدة"! الأمر الذي دفع دبلوماسياً فرنسياً رفيعاً للقول، وفق ما نقلت وكالة رويترز: "يتعين ان يتسم هذا التحالف بالكفاءة وان يكون محدد الهدف، ...الاميركيون لم يوضحوا لنا نواياهم حتى هذه اللحظة". 

لكن الرئيس الاميركي، مضافاً الى العوامل الداخلية، يجد نفسه - بالرغم من ذلك كله- مدفوعاً الى القيام بعمل عسكري فاعل في العراق وسوريا لحسابات تتصل بالدور القيادي الاميركي الذي تعرض لنكسات متتالية هزت ثقة الحلفاء العرب والاسرائيليين به، وأيضاً لحماية المصالح الأميركية. وقد كانت مناشدة الملك السعودي مؤخراً للمسؤولين الاميركيين والاوروبيين للتحرك قبل وصول المتطرفين الى اميركا وأوروبا محط اهتمام اوباما الذي اتصل لاحقاً بالملك عبدالله لإطلاعه على "الاستراتيجية" التي أقرها للوقوف في وجه "داعش".

ومن الواضح ان تهديد هذا التنظيم لمنابع النفط في شبه الجزيرة العربية، اضافة الى العراق وسوريا، يمثل قفزة له في المجهول تعيد الى الأذهان تجربة صدام حسين في الكويت عام 1990. مرة أخرى يعود التساؤل هنا: أي خدمة غير مباشرة تقدمها "داعش" للادارة الاميركية للعودة عسكرياً الى العراق والمنطقة، نتيجة إحساس طاغ لدى التنظيم بالقوة غير العاقلة؟ 

وللكلام صلة بإذن الله 

للتواصل مع الكاتب: aliabadi2468@yahoo.com