29-03-2024 07:21 AM بتوقيت القدس المحتلة

لا استراتيجية سعودية هجومية لمواجهة «داعش»

لا استراتيجية سعودية هجومية لمواجهة «داعش»

يقول المصدر الغربي إن السعوديين في غرف العمليات يقومون حاليا «بتصريف الأعمال» في تركيا والأردن، مع الاستمرار بمنافسة القطريين في إدارة الجماعات «الجهادية»، واحتواء «النصرة» التي تدعمها الدوحة.

استنفار ملكي سعودي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، في المشرق وعبر البحار وفي أوروبا.

ولم يسبق للملك السعودي عبد الله أن ذهب إلى ما ذهب إليه في تصريح له قبل ايام، من استعجال أوروبا وأميركا، إنشاء التحالف العالمي «لضرب المتطرفين بالقوة وبالعقل وبسرعة، لأنهم سيصلون إلى أوروبا في غضون شهر، وأميركا في غضون شهرين».

وتعكس المواعيد التي يضربها النفير الملكي السعودي حجم الاضطراب الذي يدب في المؤسسة السعودية الحاكمة، إزاء تمدد «دولة» أبي بكر البغدادي من سوريا والعراق والأردن، نحو جزيرة العرب.

بيد أن السعودية التي تدعو الآخرين إلى بناء استراتيجية هجومية عاجلة ضد «داعش»، لا تحشد في مواجهة «دولة الخلافة» أكثر من الخطاب حتى الآن، إذ لا تملك الرياض استراتيجية ضد «الدولة الإسلامية»، على الرغم من ارتفاع نبرة الخطاب السياسي والفقهي، سواء في ما يقوله عبد الله بن عبد العزيز، أو في ما أفتى به فقيه المملكة عبد العزيز آل الشيخ بتكفير «داعش» و«جبهة النصرة».

ويبدو الخطاب الملكي رسالة استغاثة لحماية الرياض نفسها، أكثر من كونه تحذيرا من خطر محدق بباريس ولندن وواشنطن، رغم قناعة متزايدة لدى مسؤوليها بأن هجوم «داعش» عليها، لم يعد سوى مسألة وقت، كما قال رئيس المخابرات الأميركية السابق مايكل هايدن، وكما بات راسخا لدى رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون.

ويستبق التحذير السعودي جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، واجتماعات مجلس الأمن الدولي برئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وانطلاق التفاهمات الإقليمية، حول مشروع واشنطن بناء تحالف ضد الإرهاب.

ويشي النداء برغبة بحجز دور أساسي في هذا التفاهم أولا، خصوصا إذا ما دعيت إليه إيران، لطي صفحة اتهام السعودية بالمسؤولية المباشرة عن توفير بيئة حاضنة لـ«الجهاديين» عبر تمويلها لحربهم في سوريا، كما طوت صفحة مسؤوليتها الأمنية والدعوية في الماضي، عن عمليات تنظيم «القاعدة»، لا سيما «غزوة» نيويورك. ويبدو لافتا التوجه نحو الأوروبيين والأميركيين وحدهم، من دون تركيا أو الشركاء الخليجيين.

ويقول مسؤول سعودي، يعمل على الملف السوري في إنطاكيا التركية، انه لم تتبلور أي استراتيجية سعودية واضحة، لمواجهة تمدد البغدادي، من سوريا إلى العراق فالأردن، فالسعودية نفسها. وينقل عن المسؤول السعودي الالتباس في الموقف التركي من «داعش»، وان مسؤولين أتراكا على مستوى محلي يقدمون تسهيلات له للعمل في سوريا. ويقول انه لا توجد لدينا استراتيجية يمكنها أن توقف «الدولة الإسلامية» في الوقت الحاضر، وان المعركة بيننا وبين «داعش»، ستجري في النهاية فوق أرضنا.

وتحت الرمال السعودية الحارقة، تنتظر سكاكين «داعش» النائمة. وخلال آب، ضاعف الأمن السعودي حملات الاعتقال، في قلب المؤسسة الدينية، حيث يوجد أئمة الغزوات، لنقض تحالف السيف والكتاب. فقبل أسبوع، وبالتزامن مع النفير الملكي، اعتقلت أجهزة الأمن في محافظة تمير شبكة من ثمانية أئمة مساجد ومدراء مدارس تحفيظ القرآن، بتهمة تجنيد 34 «جهاديا» للقتال في سوريا. وكانت حملة مشابهة قد أدت إلى اعتقال العشرات مطلع الشهر، عرف منهم 17 شخصا ممن وردت أسماؤهم في الجهاز الداخلي لـ«داعش»، مثل عليوي الشمري، وعمر إبراهيم الفارس، وعبد الرحمن المديفر. ويضم «الدولة الإسلامية» في صفوفه أكثر من 300 سعودي في البريدة وحدها. وتعد القصيم السعودية احد أهم مراكز التجنيد والتجمع للتنظيم.

وتبدو المخاوف السعودية في محلها من احتمال وصول القرار السياسي بمواجهة «داعش» متأخرا. ويتضافر ذلك مع ارتداد سياسة «المناصحة» على أصحابها، بل استفادة «الدولة الإسلامية» والتيارات «الجهادية» الأخرى لإعادة بناء شبكاتها التي تصدعت بعد «غزوة نيويورك» في العام 2001، والتي جاء أكثر انتحارييها من المملكة الحليفة.

وتكاد التقديرات بوجود 2500 مقاتل سعودي في سوريا، بحسب أكثر الدراسات الغربية تحفظا، تتطابق مع 2336 تائباً تخرجوا من برنامج «المناصحة» في نيسان الماضي. وهو رقم متواضع، بالمقارنة مع أرقام من دخلوا هذا البرنامج، منذ بدء العمل به قبل 10 اعوام تقريبا، وشموله الآلاف ممن وجدوا أنفسهم مجددا، يبايعون البغدادي، ويمزقون جوازات سفرهم السعودية أمام الكاميرات.

ويبتعد هذا الرقم كثيرا عن تقديرات التيار السلفي الأردني، احد اكبر التيارات «الجهادية» انخراطا في الحرب السورية، والذي تحدث، نهاية العام الماضي عن سقوط تسعة آلاف «مهاجر جهادي» على الجبهات السورية.

ويدفع السعوديون اليوم ثمن السياسة الانتحارية التي قادت المشرفين على الملف السوري، في تركيا والأردن، ولبنان في مطلع الحرب، إلى العمل على إرسالهم إلى المحرقة «الجهادية» السورية تحقيقا لثلاثة أهداف متوازية: التخلص منهم اولا، والسيطرة ثانيا عبرهم على الجماعات «الجهادية» المختلفة التي احتضنتهم من «النصرة» فـ«أحرار الشام» فـ«داعش»، وشن حرب «جهادية» على الجيش السوري.

ويبدو الارتباك السعودي في سوريا أكثر وضوحا منه من أي مكان آخر، حيث لا وجود لأي استراتيجية ضد «داعش» في المختبر الأساسي للتحول السعودي المحتمل. إذ يقول مصدر غربي، يواكب عمل غرف العمليات في الشمال السوري، إن السعوديين لا يملكون رؤية واضحة لمستقبل العمليات ضد الجيش السوري، على ضوء صعود «الدولة الإسلامية» على تخوم العراق في دير الزور، والجزيرة الفراتية، وفي الرقة، وتحت شرفة تركيا في ريف حلب الشمالي.

ويبدو النداء الملكي السعودي مبررا، مع مراوحة العملية الانتقالية محلها في إعادة بناء الأجهزة السعودية المشرفة على الملف السوري، وفشل وزير الداخلية محمد بن نايف برسم سياسة هجومية بديلة. ويقول المصدر الغربي إن السعوديين لم يجدوا بديلا قويا يحل محل بندر بن سلطان، رئيس المخابرات ومستشار الملك عبد الله الأمني، في إدارة هذا الملف.

وكان بندر بن سلطان قد خط رؤية الحرب القصوى على الجيش السوري. لكن الخطط التي عمل عليها، من تخصيص خمسة مليارات دولار لبناء «جيش» يجري تدريبه في الأردن والسعودية وباكستان، قد أخفقت، كما أخفقت محاولات بناء قوة عسكرية في الأردن لاختراق دمشق، عبر الجبهة الجنوبية. وتمزقت الأركان البديلة التي حاول تجميعها، ولم يبق من «الائتلاف الوطني السوري»، الذي قام بتجميع أجزائه من علمانيين و«جهاديين» وزعماء عشائر، ما يذكّر أحدا في المراسم السعودية بوجوده، وإرسال ممثل عنهم لاستقبال وفد، ضم قبل شهرين ميشال كيلو وبدر جاموس وفاروق طيفور، انتظر ساعات في مطار الرياض، قبل وصول حافلة تقله إلى فندق في العاصمة السعودية. وتراجعت غرفة عمليات عمان، ودورها في استراتيجية السعودية السورية، بعد إقالة نائب وزير الدفاع سلمان بن سلطان عن قيادتها.

ويقول المصدر الغربي إن السعوديين في غرف العمليات يقومون حاليا «بتصريف الأعمال» في تركيا والأردن، مع الاستمرار بمنافسة القطريين في إدارة الجماعات «الجهادية»، واحتواء «النصرة» التي تدعمها الدوحة.

ويحاول السعوديون بقوتهم المالية استمالة الفصائل التي فقدت مواردها الاقتصادية والبشرية، إما بسبب تمدد «داعش» واستيلائه على النفط، لا سيما في الشرق، وإما بسبب تقدم الجيش السوري في حلب واستعادته المنطقة الصناعية في الشمال الشرقي. ويبدو أن اختراقا قد تحقق قبل ايام، مع انضمام «أحرار الشام»، الفصيل الأكبر في مواجهة «داعش»، إلى «المجلس العسكري الثوري الموحد»، الذي تديره الرياض عبر قائد «جيش الإسلام» زهران علوش.

http://www.assafir.com/Article/1/369689

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه