25-04-2024 02:22 PM بتوقيت القدس المحتلة

الشيخ دعموش: ما حدث في غزة أثبت قدرة المقاومة على صنع الانتصارات

الشيخ دعموش: ما حدث في غزة أثبت قدرة المقاومة على صنع الانتصارات

كما كانت معصومة بهذا المعنى.. كانت أيضاً عالمة محدثة راوية. فقد حدثت عن آبائها وحدث عنها العلماء وأهل الحديث ونقل عنها الرواة والمحدثون روايات ثابتة وصحيحة في مجالات مختلفة.

الشيخ دعموش: ما حدث في غزة أثبت قدرة المقاومة على صنع الانتصارات.شدد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة:على ان ما يجري في المنطقة ليس حرباً مذهبية أو طائفية, بل صراع مع مجموعات وعصابات من التكفيريين القتلة الذين لا يقبلون من عداهم ويرفضون التعايش مع الآخر..

وقال: أمام المشهد الجديد الذي بدأ يرتسم في العالم ضد داعش والجماعات التكفيرية الإرهابية.. وأمام إقرار الجميع في لبنان بخطر الجماعات التكفيرية على لبنان بعد الذي جرى ويجري في عرسال .. نحن أمام فرصة للتوحد ولتجاوز الانقسامات وللتعاون من أجل مواجهة هذا الخطر التكفيري الذي يتهدد الجميع .

وأشاد بانتصار المقاومة في غزة معتبراً:ان ما حصل انتصار حقيقي للمقاومة , وهو يشبه إلى حد كبير انتصار حزب الله في حرب تموز. ويكفي أن نقارن بين صورة ما جري في غزة وبين صورة ما يجري في داخل الكيان الإسرائيلي, فالصورة في غزة احتفالية حيث خرجت الجماهير الى الشوارع مبتهجة بإنتصارالمقاومة, بينما الصورة العامة في داخل الكيان الإسرائيلي هي صورة الفشل والإحباط والعجز والهزيمة. وختم بالقول : الفشل الإسرائيلي في غزة أبعد أي حرب جديدة عن لبنان وحتى إشعار آخر.. 

نص الخطبة :
في هذه الأيام نلتقي بذكرى ولادة السيدة الجليلة السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) وشقيقة الإمام علي الرضا (ع) التي ولدت في اليوم الأول من شهر ذي القعدة سنة 3 هجرية وتوفيت في العاشر من ربيع الثاني سنة 201 هجرية ومقامها في قم المقدسة حيث يقصده الناس من كافة أنحاء العالم لزيارتها. 

لقد كانت السيدة فاطمة المعصومة أفضل النساء في عقلها ودينها وأخلاقها وعصمتها وحجابها,ولم يكن في ولد الإمام الكاظم (ع) باستثناء الإمام الرضا (ع) مثل هذه السيدة الجليلة , فهي تربت في بيت الإمامة والولاية , ونشأت في أجواء الإيمان والطهارة برعاية واحتضان أخيها الإمام الرضا (ع) لأن أباها الإمام الكاظم (ع) قضى الكثير من عمره أسيراً بيد السلطة الحاكمة يتنقل من سجن إلى سجن, لذلك تكفل أخوها الإمام الرضا (ع) برعايتها ورعاية أخوتها.

هذه السيدة الجليلة هي من ذلك البيت الطاهر المطهر ومن حفيدات الزهراء (ع) وبناتها الطيبات العفيفات العالمات العابدات القانتات اللاتي اختصهن الله بملكة العقل والإيمان والثبات والعزيمة والفداء والتضحية , وأودع فيهن العفة والطهارة ,ومنحهن القوة والحق والغلبة والكمال، وجنبهن عوامل الذل والضعف والهوان والخذلان والخوف والاستسلام.
وقد عرفت هذه السيدة بألقاب كثيرة منها: المعصومة والمحدثة والعابدة وكريمة أهل البيت (ع)، لكن اشتهرت بلقب المعصومة حتى باتت تعرف بهذا اللقب . وقد ورد أن أخاها الإمام الرضا (ع) هو من لقبها بهذا اللقب كما ورد أن جدها الصادق(ع) هو الذي لقبها بكريمة أهل البيت.

ولعل سبب وصفها بهذا اللقب (بالمعصومة) هو طهارتها وشدة تقواها وعصمتها عن الذنوب والمحرمات,لأن العصمة على قسمين: عصمة واجبة كالتي ثبتت للأئمة المعصومين (ع) , وعصمة جائرة تثبت لكبار الأولياء الذين يتورعون عن الذنوب ويجاهدون أنفسهم الأمارة ويتقيدون بالأوامر والأحكام الإلهية ويتمتعون بصفات إيمانية وعبادية وأخلاقية تجعلهم في مقامات عالية.

وكما كانت معصومة بهذا المعنى.. كانت أيضاً عالمة محدثة راوية.  فقد حدثت عن آبائها وحدث عنها العلماء وأهل الحديث ونقل عنها الرواة والمحدثون روايات ثابتة وصحيحة في مجالات مختلفة.

روى الحافظ شمس الدين الشافعي بسنده عن بكر بن أحنف قال: حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا (ع) قالت: حدثتني فاطمة (يعني المعصومة) وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر (ع) قلن: حدثتنا فاطمة بنت جعفر قالت: حدثتني فاطمة بنت محمد (الباقر) قالت: حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين قالت: حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين (ع) ,عن أم كلثوم بنت علي (ع) ,عن فاطمة بنت رسول الله قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة، وعليها باب مكلل بالدر والياقوت، وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: لا إله إلا  الله محمد رسول الله علي ولي الله , وإذا مكتوب على الستر بخ بخ من مثل شيعة علي..

نعم من مثل شيعة علي (ع) إذا كانوا يقتدون بمثل فاطمة المعصومة العابدة التي كانت في غاية الورع والتقوى والارتباط بالله,وبمثل أبيها الكاظم (ع) الذي كان يبيت الليل قائماً ساجداً ويقضي النهار صائماً متصدقاً , الحليم المتسامح الذي سمّي كاظماً لأنه كان يكظم غيظه وغضبه ويضبط أعصابه وانفعاله  ويواجه المسيء بحلمه وعفوه وتسامحه وتجاوزه , وبدل أن يبادل من يسيء إليه بالإساءة كان يجازي المسيء بإحسانه إليه ويقابل المعتدي بعفوه عنه.. 

من مثل شيعة علي (ع) إذا كانوا يجسدون تعاليم علي والأئمة(ع) ويتحلون بأخلاقهم ويقتدون بسيرتهم وسلوكهم. والمعروف أيضاً أن السيدة فاطمة المعصومة لم تتزوج وتوفيت وهي عزباء وهذا كان حال بقية أخواتها.

وقد ذكر المؤرخ المشهور باليعقوبي : أن الإمام موسى الكاظم(ع) أوصى ألا تتزوج بناته فلم تتزوج منهن إلا واحدة هي أم سلمة ,وهذا القول غريب لم يذكره من المؤرخين سوى يعقوبي من المؤرخين وهو غير صحيح، لأنه لا ينسجم مع ما جاء به من الإسلام من الحث الشديد على الزواج ورفض العزوبة,فكيف يمنع الإمام الكاظم (ع) بناته من الزواج الذي أكد عليه الإسلام ؟! لذلك لا يمكن أن يكون السبب في عدم زواج المعصومة هو هذه الوصية المزعومة..

ولعل السبب في عدم زواجها أن المرحلة التي عاشت فيها كانت مرحلة قاسية وصعبة وضاغطة لجهة القهر والظلم والاضطهاد والقمع التي كانت تمارسه السلطة الجائرة ونتيجة الضغوط والممارسات التعسفية والظالمة التي كانت السلطة العباسية تتبعها تجاه الأئمة (ع) وشيعتهم فما كان أحد يجرأ على أن يتقدم من الإمام بطلب كريمته.. بل إن شيعة الإمام في بعض المراحل ما كانوا ليقتربوا من دارالامام حتى لسؤاله عن حكم شرعي فضلاً عمن يريد مصاهرته.

هذا المستوى من القمع والاضطهاد الذي مارسته السلطات الأموية والعباسية بحق أهل البيت (ع) وأتباعهم مارسته حركات وتيارات تكفيرية بحق شيعتهم فيما بعد.

والهجمات التي يشنها التكفيريون اليوم فيستبيحون من خلالها مدناً وبلدات في العراق وسوريا وغيرهما فيهجرون ويقتلون وينهبون ويسفكون دماء الأبرياء كان قد فعل مثلها الوهابيون (في القرن الثامن عشر للميلاد وما بعده) في كربلاء والنجف وغيرهما حيث دخلوا إلى هاتين المدينتين واستباحوهما وسفكوا دماء أهلهما ودنسوا مقامات الأئمة(ع) فيهما..

ففي سنة 1803 أي قبل حوالى مائتي سنة غزا عبد العزيز بن سعود العراق واستباح كربلاء فقتل أكثر أهلها ونهب البلد حتى يقال ما غنم ابن سعود في مدة ملكه أكثر من غنائم كربلاء من الجواهر والذهب والنقد ثم رجع متبجحاً بما فعله من سفك الدماء في هذه المدينة.

ولم يقتصر تكفير الوهابية على الشيعة بل كفروا حتى السنة الذين لم يعتنقوا مذهب الوهابية.. واستباحوا مدناً سنية وسفكوا دماء أهلها السنة.

ففي زمن الخلافة العثمانية بعث أمراء آل سعود وعلماء الوهابية إلى ولاة وسكان بلاد الشام والعراق وتركيا وشمال افريقيا وهددوهم: إما القبول طائعين بالمذهب الوهابي على قاعدة اسلم تسلم أو السيف والقتل.

وحتى مدن الحجاز لم تسلم من هجمات الوهابيين التكفيريين وكانت أولى هجماتهم على مدينة الطائف سنة 1804م.
ويصف السيد أحمد بن زيني دحلان في كتاب (خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام ص 297 ط القاهرة 1305هـ) ما قام به الوهابيون في هذه المدينة بالقول: ولما دخلوا الطائف قتلوا الناس قتلاً عاماً واستوعبوا الكبير والصغير والمأمور والأمير والشريف والوضيع, وصاروا يذبحون على صدر الأم الطفل الرضيع, وصاروا يصعدون البيوت يخرجون من توارى فيها فيقتلوهم، فوجدوا جماعة يتدارسون القرآن فقتلوهم عن آخرهم حتى أبادوا من في البيوت جميعاً, ثم خرجوا إلى الحوانيت والمساجد وقتلوا من فيها ويقتلون الرجل في المسجد وهو راكع أو ساجد حتى أفنوا هؤلاء المخلوقات..

وهذا غيض من فيض جرائمهم.
هذه العقلية وهذا النهج هو الذي يتحكم اليوم بداعش وغيرها التي تماهت مع الوهابية في القتل والجريمة واستباحة البلاد الآمنة, هؤلاء ليسوا ضد الشيعة والأقليات وحدهم هؤلاء ضد السنة والشيعة والعلويين والإيزيديين والمسيحيين وكل من يخالفهم ويخالف عقيدتهم ومذهبهم..

ولذلك ما يجري في المنطقة ليس حرباً مذهبية أو طائفية, ليس فتنة سنية شيعية ولا صراعا اسلاميا مسيحيا , ما يجري هو صراع مع مجموعات وعصابات من التكفيريين القتلة الذين لا يقبلون من عداهم ويرفضون التعايش مع الآخر.. ويتعطشون لسفك الدماء ويتبججون بما يفعلونه من ذبح وقتل وسفك دماء كما كان يتبجح أسلافهم بذلك..

اليوم أمام المشهد الجديد الذي بدأ يرتسم في العالم ضد داعش والجماعات التكفيرية الإرهابية.. وأمام إقرار الجميع في لبنان بخطر الجماعات التكفيرية على لبنان بعد الذي جرى ويجري في عرسال .. نحن أمام فرصة للتوحد ولتجاوز الانقسامات وللتعاون من أجل مواحهة هذا الخطر التكفيري الذي يتهدد الجميع ويتهدد لبنان بكل مكوناته.

وفي ظل كل هذا الجو القاتم الذي تصنعه الجماعات التكفيرية في المنطقة تخرج المقاومة في فلسطين منتصرة .
فإسرائيل التي شنت حرباً وحشية على غزة على مدى خمسين يوماً بهدف سحق فصائل المقاومة, ونزع سلاحها ,وضرب منظومة الصواريخ, والقضاء على بنية انتاج وتصنيع السلاح.. لم تتمكن لا من سحق فصائل المقاومة ,ولا من نزع السلاح ، ولم يتم ضرب منظومة الصواريخ التي بقيت فعالة وفاعلة حتى آخر لحظة من الحرب,ولم يتمكن العدو من القضاء على بنية تصنيع السلاح , ولم يتم تصفية أحد من كوادر المقاومة باستثناء ثلاثة من القادة الميدانيين.
بهذا المعنى المقاومة انتصرت والإسرائيلي فشل فشلاً ذريعاً , واسمعوا ماذا يقول الصهاينة عن فشل عدوانهم:
ـ عملية الجرف الصامد فشل استراتيجي لإسرائيل. 

- المقاومة فرضت نمط حياتنا وحددت التوقيت لوقف إطلاق النار.
ـ كبير المعلقين العسكريين يقول: إن زمن الانتصارات ولىّ ولا مزيد بعد اليوم من ترداد مقولة دعوا الجيش ينتصر.
-حزب ميرتس يقول: فصائل المقاومة أكلت ما تبقى من قوة ردع الجيش الإسرائيلي
ـ بعض الوزراء يدعو إلى إجراء تحقيقات واسعة لمعرفة أسباب الفشل الذي منيت به إسرائيل,ويقول : هذا الفشل جاء بعد كل الدعم الدولي الذي حصلت عليه إسرائيل في بداية العملية العسكرية.
ـ ما حصل لم يحقق أي إنجاز لإسرائيل بل أعادها إلى الوراء.
ـ هناك خيبة أمل كبيرة لدى الجمهور الإسرائيلي من نتائج الحرب.

إذن المقاومة انتصرت وهذا الانتصار حقيقي , وهو يشبه إلى حد كبير انتصار حزب الله في حرب تموز. ويكفي أن نقارن بين صورة ما يجري في غزة وبين صورة ما يجري في داخل الكيان الإسرائيلي, فالصورة في غزة احتفالية حيث خرجت الجماهير الى الشوارع مبتهجة بإنتصارالمقاومة, بينما الصورة العامة في داخل الكيان الإسرائيلي هي صورة الفشل والإحباط والعجز والهزيمة. 

ولذلك كما أنه كان لانتصار حزب الله في تموز تداعيات على الكيان وفي المنطقة فمن المتوقع أن يكون لانتصار المقاومة في غزة التداعيات نفسها.

ما حدث في غزة أثبت قدرة المقاومة على صنع الانتصارات.
ما جرى في غزة أعاد الاعتبار لقضية الصراع مع العدو الصهيوني، في الوقت الذي يجري أخذ المنطقة من قبل المحور الآخر إلى قضايا أخرى بعيدة عن هذه القضية ..
وإذا كانت هذه نتائج وتداعيات ما حدث في غزة فكيف ستكون نتائج وتداعيات أي عدوان يمكن ان يشنه تالاسرائيلي على لبنان.. ؟.

الحرب على غزة وانتصار المقاومة في غزة والعجز والفشل الإسرائيلي في غزة أبعد أي حرب جديدة عن لبنان وحتى إشعار آخر.. لأن الإسرائيلي لن يجرؤ بسهولة على ارتكاب هذه الحماقة في لبنان بعدما ذاق طعم الهزيمة والفشل في غزة..