28-03-2024 06:22 PM بتوقيت القدس المحتلة

بعد عرسال الحريري في بيروت وعون في بعبدا؟!

بعد عرسال الحريري في بيروت وعون في بعبدا؟!

يبدو أن ما بعد محاولة انقلاب «داعش» الفاشلة على النظام في لبنان، لن يكون كما قبلها. ويبدو أن ما قد تغيره معركة عرسال في السياسة، سيكون أكبر بكثير مما غيرته في الأمن والعسكر وموازين القوى



جان عزيز

يبدو أن ما بعد محاولة انقلاب «داعش» الفاشلة على النظام في لبنان، لن يكون كما قبلها. ويبدو أن ما قد تغيره معركة عرسال في السياسة، سيكون أكبر بكثير مما غيرته في الأمن والعسكر وموازين القوى. فإذا كانت خطوط التماس في تلك الجرود الوعرة لم تعرف بنتيجة مواجهاتها الشرسة إلا تبدلات طفيفة، فالتبدلات المقابلة في الخطوط نفسها في بيروت بالذات، مرشحة لأن تشكل في قلب لبنان التعبير الأكثر وضوحاً عن خطورة ما حصل بين 2 آب و7 منه على حدوده.

في العنوان العريض لتوقعات ما بعد عرسال، تظهر معادلة واحدة أساسية: هي معركة عودة سعد الدين الحريري إلى وسط بيروت، وعودة ميشال عون إلى قصر بعبدا! كيف؟ في جردة سريعة للمواقف المتكونة في الأيام القليلة الماضية، المعلن منها والمضمر، المعبر عنها صراحة أو المشار إليها مداورة، يمكن رصد الآتي:

في الداخل اللبناني، الثنائي الشيعي بات أكثر تصلباً وتمسكاً بضرورة وصول عون إلى الرئاسة الأولى، كمدخل وحيد وحتمي لتوازن وطني يحمي الجميع. وهو الموقف الذي سمعه كل من التقى زعيمي الثنائية المذكورة في الفترة الأخيرة. وليد جنبلاط من جهته يتعمق أكثر فأكثر في تموضع ردّ الأخطار الوجودية عن البلد. يقرأها بشكل شامل، من سهل نينوى إلى غزة وما بينهما. ومن هذا المنظار لن يكون مستبعداً على زعيم المختارة التفكير في استحقاق رئاسي لبناني، يشكل فرصة، لا لمجرد ملء منصب شكلي في بيروت، بل أيضاً من أجل توجيه رسالة تاريخية من لبنان إلى كل المنطقة. قد يفكر جنبلاط في أن يكون الرئيس الجديد للجمهورية إعلاناً لبنانياً حول التمسك الميثاقي بالتعدد والتنوع والحريات والديمقراطية والعروبة الحضارية والعودة إلى القضايا القومية الأساسية الكبرى: فلسطين وبناء الدولة الوطنية. كل ذلك قد يجول في ذهن الرجل الذي اعتبر واستخلص. حتى إن مفهوم «الرئيس القوي» بات قريباً من أفكاره. من دون اعتبارات سابقة ولا محرمات جامدة. رئيس قوي يطمئن إليه المسيحيون، ويطمئن اللبنانيين كافة، فيوصل الرسالة إلى كل المحيط والعالم: لبنان نقيض «داعش» وإسرائيل، لبنان يستحق الحياة.

على الجبهة الحريرية لا شيء تغيّر على السطح. لكن ذلك لا يعني أن الأمور سلبية. الحريري لا يزال عند اقتناعه العقلاني بالعلاقة مع عون. صادق هو بالكامل، لكنه لم يتمكن من تجسيد اقتناعه، كما يدأب أحد السفراء الطباخين على التأكيد والتكرار. بعد عرسال، لا يمكن لبعض الأمور إلا أن تتبدل. الاعتدال السنّي صار في معركة وجود مصيرية. معركة حياة أو موت لتيار بكامله، تضاف إلى مثيلتها التي يخوضها الحريري الشاب نفسه منذ تسعة أعوام. فحين يقتل نور الجمل، على أيدي مسلحي «داعش» الذين يعرفونه ويعرفون من هو ويعرفون أن وجوده قبالتهم ليس صدفة ولا مصادفة... حينها تصير معركة الحريري هي نفسها معركة كل لبناني من أي طائفة كان. تصير هي نفسها معركة حزب الله ومعركة ميشال عون. دماء الجمل لم ترسم خطوطاً حمراء جديدة وحسب، ولا خطّت تقاطعات، بل وشمت حقائق وطنية تتخطى كل التمايزات الثانوية.

على أي حال، أوضاع البيئة الحريرية، من البقاع إلى الشمال، مروراً بثلاثي طرابلس وصيدا النائمة على بركان عين الحلوة، وبيروت المستقرة على العيش كل يوم بيومه، كل هذه حاضرة في التفكير الحريري، وكانت حاضرة في صوت الرجل وهو يرد على هاتف ميشال عون المهنّئ بسلامة العودة...

بكركي من جهتها، ورغم كل ورش «زق الصحون» الفاشلة بين بطريركي الكنيسة والسياسة، لا تزال على حالها: المطلوب رئيس قوي. والقوي الأقوى هو من يملك الأكثريتين المسيحية واللبنانية من بين الأقطاب الأربعة. وإذا ما قدر لهذه المعادلة أن تظهر في أي لحظة، وبأي وسيلة كانت، فبكركي جاهزة لتخوض معركة هذا القطب رئاسياً، ولترفع الصوت في وجه أي رافض أو معرقل، في الداخل أو الخارج، بالقول هذا هو المستحق، فأوفوا الاستحقاق رئيسه وحقه.

في الخارج الصورة ليست أقل إيجابيةً. واشنطن لا تنفك تعبّر للرابية عن حبّها وغزلها وكل نياتها الطيبة. الأوروبيون يختصرهم صوتان: لندن صدى لواشنطن، فيما باريس استنفدت آخر محاولاتها قبل أيام. فهي حاولت الالتفاف على بيروت والذهاب إلى طهران في محاولة فرنسية لتكرار شهر عسل ربيع 2005 وإعادة نسج تحالف رباعي ما. اتصل الفرنسيون بالإيرانيين عارضين مبدأ صفقة لبنانية، من ضمنها الرئاسة. تريّث الإيرانيون في إعطاء الجواب، مؤكدين أن الأمر في هذا الشأن يصدر من الضاحية. وهكذا صار. انتقل الظرف المختوم من حارة حريك إلى طهران ومنها إلى باريس. فتحه أهل الإليزيه الجدد، فوجدوا اسماً وحيداً تعرفه باريس جيداً. فهو من ربطت ذات يوم حياته بكرامتها، يوم كان في باريس رؤساء يعرفون معنى الكرامة. ميشال عون اسم وحيد تلقته فرنسا، فسكتت عليه وأعلنت أن الرئاسة مؤجلة!

في الرياض كل الأجواء تشير إلى أن ما قبل «داعش» ليس كما بعدها. كل المواقف والأفكار السابقة والمسبقة باتت موضع إعادة بحث ودرس ومراجعة. روما صامتة لأسباب معروفة. هي تمسكت بنظرية أن الرئيس القوي تنتهي صلاحية ولادته في 25 أيار الماضي. لكن الأكيد أن حدث «داعش» غيّر قراءتها جذرياً، تحت طائلة اتهامها بالتقصير، في أقل تقدير، حيال كل ما يحصل لمسيحيي الشرق، من الموصل ونينوى حتى بيروت...

هكذا تبدو كل المعطيات مهيّأة لحل وطني قريب أو حتى وشيك. لمرة أولى قد لا تهدر دماء الشهداء. إلا إذا سجلت مفاجأة من نوع قتلهم مرتين وأكثر...


http://www.al-akhbar.com/node/213397

 

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه