28-03-2024 05:35 PM بتوقيت القدس المحتلة

"السفير" تنشر تقريراً أوروبياً حول مواجهة "الجهاديين" (2)

حصلت "السفير" على تقرير أوروبي داخلي، أعدّه المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف بالتشاور مع جهاز الخارجية الأوروبية. التقرير يقع في 14 صفحة

 


إنشاء "هيئة أركان" للحرب الإعلامية.. والترويج للدور الإغاثي


وسيم ابراهيم

حصلت "السفير" على تقرير أوروبي داخلي، أعدّه المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف بالتشاور مع جهاز الخارجية الأوروبية. التقرير يقع في 14 صفحة. تم حظر نشره، وسلّم في حزيران الماضي لوزراء الداخلية الأوروبيين. هنا الحلقة الثانية حول أهم ما ورد فيه.

يخلص مسؤولو مكافحة الإرهاب إلى أن "المقاتلين الأجانب" يشكلون "تهديداً رئيسياً لدول الاتحاد الأوروبي"، خصوصاً أن سوريا "تستمر في جذب عدد متزايد منهم، بما في ذلك من أوروبا". من هنا يدعون في تقريرهم الدول الأوروبية كي تحضر نفسها لتهديد على المدى الطويل، مؤكدين أن "الظاهرة من المرجّح أن تتصلب في السنوات المقبلة" وأنها تحتاج "استجابة شاملة لتكون فعالة".

الأولويات التي حددت للتحرك هي: تحديد "الجهاديين"، ملاحقة أسفارهم، استجابة العدالة الجنائية والتعاون مع دول الطرف الثالث. لا يبدو معدّو التقرير راضين وهم يراجعون عمل أشهر في تلك المجالات. يقولون ذلك بوضوح: "تم إنجاز تقدم في المجالات الأربعة، لكن الاستجابة ليست كما ينبغي مقارنة مع جسامة التهديد".

لتطوير الاستراتيجية الأوروبية لمواجهة تهديد "الجهاديين"، قام المنسق الأوروبي لمكافحة الارهاب بتقديم مقترحين جديدين، تمّت دراستهما وتصميمهما بالعمل مع فريق وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون.

المقترح الأول يدعو إلى إنشاء "الفريق الاستشاري للاتصالات الاستراتيجية حول سوريا". من الشروح، يمكن القول إن الفريق سيكون أشبه بهيئة أركان لحرب إعلامية ضد الدعاية "الجهادية". نطاق تحركه سيكون استهداف الأحياء والمجتمعات الأهلية (المسلمة وإن لم يقل ذلك حرفياً) في أوروبا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفضاء الالكتروني.

يبين التقرير أن هذا المقترح تم تصميمه "لتقليل تدفق المقاتلين الأجانب باستخدام حملات مستهدفة تتصدى لمجموعة الدوافع التي تشجع الشباب على السفر إلى سوريا".
زيادة في الحرص، ينبه خبراء مكافحة الإرهاب إلى أن هذه الدوافع "تتفاوت على امتداد الاتحاد الأوروبي، لذلك يجب أن تكون الرسائل (المضادة) حساسة للسياق المحلي". المسألة السابقة دقيقة جداً، فغرض الحملات هو التأثير في الأفكار والسلوكيات.
التمويل موجود، الرؤوس متحمّسة ومليئة بالأفكار، لكن هناك شيء أساسي مفقود. إنجاز العمل المذكور يتطلب "خبرات محددة ونادرة وغير متوفرة حالياً على المستوى الأوروبي"، كما يلفت التقرير. الحل الذي يقترحونه هو الاستعانة بتجربة دولة متمرسة في التعامل مع مجتمعاتها المسلمة والتأثير بها. يقول معدّو التقرير إنه لتلافي النقص وتشكيل "الفريق الاستشاري" حول سوريا "سيكون مفيداً البناء على الخبرات المعتبرة لدى الأجهزة البريطانية".

بعد تشكيل فريق الحرب الإعلامية على "الجهاديين"، سيمكنه العمل مع الدول الراغبة من أجل "تطوير حلول عملية لحملات إعلامية يمكنها تقليل النداءات للمواطنين الأوروبيين للسفر إلى سوريا، على المستويين المحلي والوطني". خدماته ستكون متاحة أيضاً للدول المعنية من خارج الاتحاد الأوروبي.
أحد مهام الفريق، كما يوضحها الخبراء، سيكون "ترويج الدور الكبير" للأوروبيين في "المجال الإغاثي ولإيجاد حل سياسي". يؤكدون أهمية ذلك، نظراً إلى أن "أحد داوفع التدفق (للجهاديين) التصور أن المجتمع الدولي غير مبالٍ بالصراع في سوريا".

سيكون على الفريق أيضاً الاستفادة من السياق السوري لظاهرة "الجهاديين". يلفت الخبراء إلى ضرورة تمكينه من العمل على "تقوية المواد الموجودة للرسائل المضادة، لإظهار حقيقة الأفعال المتطرفة في سوريا والرفض الشعبي لها من المجتمعات السورية".
هذه الحرب الدعائية ستؤدي إلى زيادة الإضاءة على الحرب السورية، ولذلك يقدم الخبراء حلولاً لاحتواء حميّة مواطنيهم المتحمّسين سلفاً أو لاحقاً. الاقتراح الثاني الذي يقدمونه هو إنشاء "بوابة إلكترونية للاتحاد الأوروبي". سيتم عبرها حشد فرص المساعدة في العمل الإغاثي في سوريا، من خلال المجموعات التطوعية والمنظمات الخيرية. وظيفة "البوابة" كما يورد التقرير "توجيه طاقة الشباب إلى نشاطات ذات معنى لدعم السكان المدنيين السوريين".

يؤكد التقرير أن البوابة لن تكون فقط "واجهة" لعرض فرص العمل الإغاثي، فهذه الفرص "موجودة لكن الناس تجد صعوبة في العثور على الطريقة الأفضل للمساعدة". انطلاقاً من ذلك "ستقوم البوابة بتسهيل التنسيق والترويج لهذه الفرص". لكن نجاح الفكرة يحتاج عملاً لاحقاً، أبرز مراحله إطلاق "حملة شاملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لضمان نشرها على نطاق واسع، ولترويج إنجازات المتطوعين بما يعطي الآخرين قدوة يمكن التمثلّ بها". في الوقت نفسه، يوصي الخبراء بأن يدعم الأوروبيون "مبادرات خيرية وتطوعية محددة وتسعى لتوفير فرص شرعية لمساعدة سوريا".

يفترض ألا يمضي وقت طويل قبل رؤية ترجمة عملية لما سبق. مكتب مكافحة الإرهاب وفريق الخارجية الأوروبية عرضا المقترحين، وطالبا الدول الأوروبية بعدم تضييع الوقت، داعين إلى "إقرار المقترحين وإلى تطبيقهما بأسرع ما يمكن".
هاتان المبادرتان تسكملان عملاً جارياً، خصوصاً في مجال الحرب الدعائية. أقامت المفوضية الأوروبية اجتماعات عدة مع كبرى شركات الإنترنت ("غوغل"، "تويتر"، "فايسبوك")، تركزت حول مكافحة نشر المواد التي تدعو إلى التطرف والعنف.
في البداية برزت بعض العوائق، أبرزها السؤال: أين تنتهي حرية التعبير، حيث الهامش أوسع في الولايات المتحدة، وأين يبدأ التهديد للأمن الجماعي. يبدو أن هذه الإشكالات سويت، والأوروبيين يبدون راضين عن التعاون مع الشركات الأميركية.
هناك ما يريح الأوروبيين أكثر بعد مستجدات في تعامل واشنطن مع ظاهرة "الجهاديين".
اجتمع معدو التقرير مراراً مع خبراء ومسؤولين أمنيين أميركيين. ينقلون أن واشنطن صارت تعتبر "الجهاديين" الأوروبيين، وليس "جهادييها" فحسب، مصدر تهديد مباشر لأمنها. لذلك زادت الأجهزة الأميركية نشاطها ومستوى تبادل المعلومات مع نظرائها الأوروبيين في كشف "الجهاديين" وتتبعهم.

هذا خبر جيد لهم، والتقرير يلفت إلى أهمية الإفادة من "تبادل المعلومات" مع واشنطن في ضوء مستجدات تقييمها، مع أن هناك "تبادلاً دائماً بين مختلف الوزارات والوكالات الأميركية ونظيرتها الأوروبية" حول القضية.

ما أورده التقرير ظهر لاحقاً في مواقف المسؤولين الأميركيين. هناك برنامج مشترك لتسهيلات الفيزا، يسمح لمواطني حوالي 40 دولة بالسفر إلى الولايات المتحدة لمدة 90 يوم من دون فيزا، بغرض السياحة أو العمل. الكثير من الدول الأوروبية مشمولة بالتسهيلات، ومن بينها الدول الأكثر تعرّضاً لظاهرة "الجهاديين". هذا يضيف أضعافاً إلى التهديد الذي يمثله "جهاديو" أميركا.

الحديث عن أعداد مجازفة، لكن الرائج الآن أن عدد "الجهاديين" الأوروبيين يقارب الثلاثة آلاف.
اللافت أن هذا التهديد كان موجوداً منذ البداية، مع ذلك لم تجر إثارته سوى الآن. تزامن بروزه مع تشديد الإجراءات الأمنية في مطارات أميركية وأوروبية بشكل منسق. هنا يقفز الاستنتاج بأن الأجهزة الأميركية تلقت تحذيراً من خطر ملموس. في الوقت نفسه، بدأت الانتقادات الأميركية الداخلية تحذر من الاستهانة بموضوع "الجهاديين"، بمن فيهم الأوروبيون، ومَن ترك تنظيم "داعش" يتمدّد وينعم بإنجازاته.

لكن موضوع مراقبة المسافرين لا يزال إشكالية معلقة في أوروبا. تبادل بيانات السفر على مستوى الاتحاد يحتاج قراراً مشتركاً، وهذا القرار أوقفه البرلمان الأوروبي دفاعاً عن الخصوصية بعد فضائح التجسس. تقرير خبراء مكافحة الإرهاب يشدد على أهمية إنجاز هذا القانون، وإلى حين ذلك اعتماد بدائل "للتأكد من أن كل المعطيات المتوفرة يمكن التحقق منها بشكل منهجي ضد قوائم المراقبة الموجودة" للأشخاص المشتبه فيهم.
ينتقد التقرير تراخي الدول الأوروبية. يؤكد أن 15 دولة في الاتحاد حصلت على تمويل أوروبي لإنشاء "وحدات (لجمع وتحليل) معلومات المسافرين"، لكن مع ذلك "الترابط بين هذه الوحدات لم نره حتى الآن".

خبراء مكافحة الإرهاب يشدّدون على إغلاق ثغرات أمنية، كالتي أدّت إلى الفشل الأمني الفرنسي، من دون ذكره مباشرة.

أفلت "الجهادي" مهدي نموش من الأجهزة الفرنسية، ليقتل أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسل بعد عودته من سوريا. كان الاعتداء الأول، ومعه تحول تهديد "الجهاديين" إلى واقع معيش. كان يمكن للأجهزة الفرنسية أن تصدر إشعار توقيف عبر "الانتربول" (الشرطة الدولية)، بعدما أعلمتها نظيرتها الألمانية بأنه على أراضيها. لكنها لم تفعل ثم ضيّعت أثره.

استقاء من دروس تلك الحادثة، يطالب معدو التقرير باستخدام "أفضل للاشعارات الدولية عبر نظام الانتربول"، لافتين إلى أن ذلك "يمكنه تحسين قدرة الدول على تحديد الأفراد المشتبه في انخراطهم في نشاطات إرهابية". يشدد الخبراء على أنه لا داعي للتلكؤ في هذا الموضوع، وأن مصادر الحذر هناك حلّ لها: "إشعارات (برقيات) الانتربول تصل إلى جميع أعضائه، لذلك فإذا أرادت دولة عضو إصدار إشعار عبر مكتبها الوطني فيمكنها، بناء على طلب توزيع البرقيات إما إلى كل دول الانتربول أو إلى مجموعة محددة" لأسباب تتعلق غالباً بشكوك أو حساسيات.
يؤكد معدو التقرير أنه "من المهم جداً الاستخدام الكامل لقاعدة بيانات الانتربول"، خصوصاً أنها تشمل مساهمات 190 دولة. يقترحون أن يتمّ توفير دخول مباشر لتلك البيانات عبر نظام "شنغن 2" للمراقبة الحدودية. أهمية النظام الأخير أنه يسجل كل حالة تدقيق أو توقيف أو اشتباه تقوم بها أجهزة الشرطة في كل دول "شنغن" (27 دولة)، ويلاحظ الخبراء أن استخدامه ارتفع بشكل كبير في الفترة الماضية.

قضية الملاحقات القضائية تم التعرض لها أيضاً. يطالب التقرير بزيادة تعاون الدول الأوروبية "في مجال التحقيقات الجنائية المرتبطة بالمقاتلين الأجانب"، مقترحاً إنشاء "فريق تحقيق مشترك" على المستوى الأوروبي.
العقبات القانونية، المتعلقة بحقوق المواطنة وغيرها من الحريات، تحدّ من عمل ملاحقات وتتبع "الجهاديين" المشتبه فيهم. لكن مع ذلك تتخذ الدول الأوروبية اجراءات صارمة بحق المنخرطين. وصلت إلى سحب الجنسية في بريطانيا، وهولندا تسير على الطريق نفسه لأصحاب الجنسية المزدوجة.

فرنسا أعلنت أخيراً أنها ستسحب جوازات السفر من المشتبه فيهم. مصدر في وزارة الداخلية البلجيكية قال إن هذا الإجراء "مشكوك في فعاليته"، ولم يلق إجماعاً داخل الحكومة، لافتاً إلى أن "تركيا هي البوابة الرئيسية للجهاديين، والأوروبيين يسافرون إلى هناك بهوياتهم ومن دون جواز سفر".
العمل مع دول الجوار السوري، القضايا العالقة مع تركيا، ما يطلبه لبنان بالنسبة إلى مكافحة الإرهاب ومتعلقات أخرى، سترد في موضوع ينشر لاحقاً.


http://www.assafir.com/Article/1/361285

 
"السفير" تنشر تقريراً أوروبياً حول مواجهة "الجهاديين" (1)

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه