19-04-2024 02:00 PM بتوقيت القدس المحتلة

هل نستحق ذلك يا حمزة؟

هل نستحق ذلك يا حمزة؟

لو كنت أدرك حين التقيتك في تظاهرة «هيئة التنسيق» الأخيرة أن لقاءنا سيكون الأخير، لما كنت اكتفيت بتلك الابتسامة العابرة عن بعد.. لكنت رميت قليلاً من التوتر الذي يسبق البثّ المباشر واقتربت منك أكثر



هيفاء زعيتر

لو كنت أدرك حين التقيتك في تظاهرة «هيئة التنسيق» الأخيرة أن لقاءنا سيكون الأخير، لما كنت اكتفيت بتلك الابتسامة العابرة عن بعد.. لكنت رميت قليلاً من التوتر الذي يسبق البثّ المباشر واقتربت منك أكثر. لكن ثمّة ما يدفعنا للاعتقاد أن تلك الوجوه باقية إلى الأبد، ويمكن أن نعود لنحادثها متى شئنا، كما هو الشعور تجاه عائلة أو حبيب أو قرية. لكنت اقتربت منك أكثر، كما في العديد من التغطيات التي تشاركناها معاً، لأسمع منك تلك الكلمة المعتادة و«المحببة»: «الله لا يقيمك..». كنت تقول ذلك مع ابتسامة عريضة تحفزني بها للعودة إلى الصحافة المكتوبة ومتابعة «شؤون المنطقة والعالم» والابتعاد عن «زواريب» السياسة المحليّة. وكنت أفرح بهذا الكلام بينما أحاول «تبرير» خياراتي.

منذ سمعت الخبر، أو بالأحرى قرأته، وأنا لا أتوقف عن البكاء.. ربما توقفت قليلاً خوفاً من تهمة «المزايدة»، وهي جلّ ما أخشاه.. فكيف أتخيّل أنني أكبر المفجوعين ولك عائلة أنت أكبر أبنائها، وأم ترى فيك حلماً وعمراً وحياة.. أقصد ذلك بكل معناه وبقليل من «المناطقية». كيف لا وأنت «ابن منطقتي» التي أدرك تماماً كيف يفرح أهلها بـ«نموذج» يخالف تلك اللوثة التي لحقت بأبنائها مذ تُركت مرمية خارج رحم الدولة وحبل الخلاص لمّا يُقطع بعد؟ كيف أتخيل أنني أكبر المفجوعين ولك أصدقاء عايشوك بكل تفاصيلك؟ يعرفون لونك المفضل و«أكلتك» الأحبّ وحكايات حبك الأول وأشعارك الأولى (وإن كنت أذكر بعضها منذ أيام الدراسة في كلية الإعلام)، أصدقاء كانوا ينتظرون عودتك من سوريا وآخرون جالسوك في ليلتك الأخيرة. كيف يحترق قلبي هكذا وأنا أعرف وجع الزملاء في قناة «المنار» الذين خسروك مراسلاً طموحاً وصديق مهنة حقيقياً وحامل قضية ضحوا بالكثير من أجلها؟

يقولون إن رحيل شخص يولّد فراغاً لا يمكن أن يملأ.. قد يجلس أحد بموازاته أو على الجانب الأيسر منه. قد يختفي أحيانا تحت وطأة الانشغالات اليومية لكنه لن يُملأ يوماً.. فكيف بفراغ حجمه أنت؟

يقولون إنك أردت ذلك.. واستعجلته. سمعت ذلك منك أيضاً عندما التقينا في تشييع العريف محمد دندش الذي استشهد بينما كان يحاول منع الانتحاري من الاقتراب أمام مبنى المستشارية الإيرانية، وكان صديق طفولتك في مدرسة «القلبين الأقدسين» في جديدة الفاكهة. وبعدما اتسعت الرقعة السوداء لتلتهم النقيب الياس الخوري، الذي كان يحاول إيقاف الانتحاري على حاجز العاصي، وهو صديقك الأعز من مقاعد الدراسة نفسها. قلت لي، في الهرمل حينها، «شفتي كيف عم بيروحوا أحلى الشباب واحد ورا التاني».. بكينا معا الخسارة، لكنك قلت لي «نيالن». سامحني فأنا لم ولن أستطيع أن أقولها لك. لا أعرف أن «أزفّ» أو «أبارك». جلّ ما أعرفه هو الوجع. الكثير من الوجع.. والبكاء.

سامحني يا حمزة، فأنا لا أتقن لغة الكلام على «الأبطال».. وأنت تستحقها بصدق. سأتركها لأهل وأصدقاء وزملاء كثر. أعرف أن أحدثك عن تلك التفاصيل الصغيرة المنسية. عن ضحكة جميلة ولمعة في العينين. عن صديق خلوق وخدوم و«حلو». عن زميل يختلف في الرأي مع كثيرين، وأنا منهم في جزء معين، لكنه يبقى على اعتداله وطيبته.

سامحني يا حمزة، فأنا لا أملك في هذه اللحظات سوى ذاك السؤال الذي يحرق جوفي: «هل يستحق هذا كله حياتك.. وحياتنا؟».

ووراء هذا السؤال ألف علامة استفهام، مفتوحة على ألف فراغ وفراغ، وفي أسفلها نقطة معلقة في الهواء. لا هي تلتصق فترتاح ولا هي تسقط فتنتهي.. وترتاح أيضاً. هي قدرنا المعلق أبداً. لطالما أحببت الأسئلة وكرهت الأجوبة، ولكنني أمام هذه الحرب أقف عاجزة. هل يستحق كل ذلك فعلاً؟ سامحني لأنك تملك الجواب اليقين بأنه يستحق، وكذلك الكثير من الزملاء. سامحني لأنني أربكك بكلام مماثل وأنت ذاهب لـ«ترتاح». سامحني لأنني أشعر بأننا لسنا بخير.. وكل كلام عن أننا سنعود إلى طبيعتنا لن يقنعني.

أقول سامحني وأنا أشعر بأنك ستفعل. أشعر بذلك وأنا أنظر إلى تلك الصورة التي تفتح فيها ثغرك على كل شيء جميل.


http://shabab.assafir.com/Article.aspx?ArticleID=7874

 

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه