24-04-2024 08:24 PM بتوقيت القدس المحتلة

«سد النهضة» الإثيوبي: لماذا تشعر مصر بالخطر؟

«سد النهضة» الإثيوبي: لماذا تشعر مصر بالخطر؟

هي عبارة تلخص الشعور العام لدى عموم المصريين منذ أن شرعت أديس أبابا في تحويل مجرى النيل الأزرق، أحد الرافدين الأساسيين لنهر النيل العظيم، لاستكمال العمل في مشروع «سد النهضة» أو «سد الألفية»


«هبة النيل» في خطر!

    
وسام متى

هي عبارة تلخص الشعور العام لدى عموم المصريين منذ أن شرعت أديس أبابا في تحويل مجرى النيل الأزرق، أحد الرافدين الأساسيين لنهر النيل العظيم، لاستكمال العمل في مشروع «سد النهضة» أو «سد الألفية».

ويُخفي الجدل الدائر حالياً داخل مصر من جهة، وعلى خط القاهرة ـ أديس أبابا من جهة ثانية، صراعاً بين «نهضتين»، الأولى مجرّد عنوان لمشروع وهمي أوصل به «الإخوان المسلمون» مرشحهم محمد مرسي إلى قصر الاتحادية الرئاسي إثر «ثورة 25 يناير»، فيما الثانية خطة طموحة تسعى من خلالها إثيوبيا لأن تصبح واحدة من الدول الإفريقية الأكثر تأثيراً في القارة السمراء مستفيدة من عوامل عدّة، قد يكون أبرزها تراجع النفوذ المصري في عصر «الإسلام السياسي».

وفيما يثبت الرئيس «الإخواني» محمّد مرسي، وبشكل يومي، فشلاً ذريعاً في تحقيق «نهضته»، فإن إثيوبيا تتعامل مع «نهضتها» باعتبارها «أمراً واقعاً»، وهو ما كرّره أكثر من مسؤول في حكومتها خلال الأيام القليلة الماضية، وما أقرّ به أكثر من مسؤول مصري منذ أن خيّمت أزمة السد على ما عداها من أزمات داخلية وخارجية.

وتعكس تصريحات المسؤولين وكتابات الصحافيين في إثيوبيا أن مشروع «سد النهضة» قد بات يحتلّ بالنسبة لهذه الدولة الإثيوبية المكانة ذاتها التي كان يحتلها مشروع «السد العالي» في مصر أيام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.

«هذا السد هو ثمرة الانتصار على نظام الحكم السابق»، قالها رئيس «مجلس التنسيق العام لإنشاءات سد النضهة» نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين، في إشارة إلى إسقاط نظام منغستو هايلي مريام في 28 أيار العام 1991، وتلاه في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الكهربائية ميهريت دبيبي الذي أكد أن مشاريع الطاقة مثل «سد النهضة» تعد أمراً حيوياً في تنمية البلاد، ومن ثم وزير الدولة للشؤون الخارجية برهان جبر كريستوس الذي قال «نحن لسنا أغبياء وندرك أن 84 في المئة من إيرادات النهر تأتي من إثيوبيا، ولكننا لا ندَّعي أن نهر النيل ملك لإثيوبيا وحدها».
أما الكتاب الصحافيون فراحوا أبعد من ذلك، إذ هاجم الكاتب دانيال بريهان ما وصفه بـ«غطرسة المصريين»، وذلك في مقال نشرته صحيفة «ذا فورشن»، ورأى فيه الكاتب أن «النيل هدية الطبيعة لثلاثمئة مليون شخص إلا أن المصريين يرون أن النيل يخصّهم وحدهم»، ليخلص إلى القول إن «السد سيبقى قائماً ولا مفر من إنشائه... وبذلك ربّما يدرك المصريون أن إثيوبيا هي أبو النيل الحقيقي»، في حين كتب استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة «جيما» الإثيوبية ميركب نيجاش في «إثيوبيا نيوز» إن «عدم قدرة الإثيوبيين على الاستفادة من نهر النيل كان أكثر قهراً من الغزو الاستعماري الأوروبي»، مضيفاً «النيل الآن أصبح هو المؤسس لأمتنا ومستقبلنا ونهضتنا، وسد النهضة أمر كبير لأنه يمثل نهضة إثيوبيا كلها».

على الجانب الآخر، اتسم الموقف الرسمي المصري من «سد النهضة» بتخبّط شديد ـ في انعكاس لحالة التخبط العامة التي تتسم بها مقاربة الحكم «الإخواني» للملفات الداخلية والخارجية كافة ـ حتى بلغ الأمر ببعض المسؤولين في الدولة أن دافعوا عن السد!

المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية علاء عامر جزم بأن الإجراءات التي قامت بها إثيوبيا لتحويل مجرى النيل لن تؤثر على حصة مصر، ومثله فعل مساعد الرئيس للشؤون الخارجية عصام الحداد الذي نقل تطمينات إثيوبية بعدم الإضرار بالمصالح المائية لمصر، ووزير المياه محمد بهاء الدين الذي أشار إلى ان «تحويل الأنهار عند مواقع إنشاء السدود إجراء هندسي بحت يهدف إلى إعداد الموقع لبدء عملية الإنشاء».

وانتظر المصريون ثلاثة أيام حتى تخرج عليهم حكومة هشام قنديل ـ الذي شغل منصب وزير الري خلال المرحلة الانتقالية التي تلت «ثورة 25 يناير» ـ ببيان تضمن «موقفاً مبدئياً» يرفض تنفيذ «أي مشروع يؤثر بالسلب على التدفقات المائية الحالية الآتية إلى مصر».

تطمينات وهواجس
وفيما سارعت أديس أبابا إلى طمأنة القاهرة بأن سد النهضة «سيعزز التعاون والتكامل الاقتصاديين ولن يلحق أي أضرار بدول المصبّ» (وزير المياه المايهو تجنو)، وبأنه «سيساهم في تقليص مخاطر الفيضانات وفترات الجفاف» (الشرطة الوطنية للكهرباء)، وبأن ثمة إمكانية لصياغة «إطار مشترك للمنفعة المتبادلة من نهر النيل بين مصر وإثيوبيا» (وزير الدولة للشؤون الخارجية)، إلا ان الطريقة التي تعاملت بها إثيوبيا مع مشروع السد عزز الشكوك تجاه هذه التطمينات.

ومعروف أن المسار السياسي الذي سلكه «سد النهضة» قد ارتبط بأجواء متوترة بين القاهرة وأديس أبابا، بلغت ذروتها حين أبرمت إثيوبيا وخمس من دول المنبع (اوغندا، كينيا، تنزانيا، رواندا، بوروندي) في منتصف العام 2010 معاهدة جديدة لاقتسام موارد النيل متجاهلة احتجاجات مصر والسودان، واستغلالها الارتباك المستمرّ في مصر منذ «ثورة 25 يناير» لتأمين موافقة باقي دول المنبع على هذه المعاهدة، ومن ثم إطلاق مشروع السد في نيسان العام 2011، اي في خضم انشغال مصر بالمرحلة الانتقالية التي تلت خلع حسني مبارك. يُضاف إلى ذلك نهج غياب الشفافية الذي انتهجته اثيوبيا في ملف «سد النهضة»،

بين التهويل والتهوين
وبانتظار أن تكشف الحكومة المصرية عن تقرير اللجنة الفنية الثلاثية لتقييم آثار «سد النهضة»، حفلت وسائل الإعلام المصرية خلال الأسبوع الماضي بتعليقات خبراء المياه والجيولوجيا بشأن هذا السدّ. وقد بدت هذه التعليقات متفاوتة في تقديراتها للمخاطر المترتبة على مصر جراء السد الإثيوبي، وإن كان معظمها يجمع على أن ضرراً واقعاً لا محال.
ويقدّر عدد من الخبراء أن يتسبب «سد النهضة»، الذي سيحجز 74 مليار مكعب من المياه، في خسارة مصر والسودان حوالي 25 مليار متر مكعب من المياه سنوياً في فترة التخزين المقدّرة بثلاث سنوات.

ويهوّن بعض الخبراء من شأن هذا الرقم، قائلين إنه بعد ملء الخزان خلف «سد النهضة» فإن حصة مصر من مياه النيل ستتأثر بنسبة تكاد لا تذكر، وهم يستندون في ذلك إلى أن الأراضي الإثيوبية غير مسطحة، وشديدة الوعورة، وبالتالي فإنها لا تصلح إلا بالزراعة عن طريق الأمطار، فيما يرى آخرون أن ذلك لن يمنع حدوث عجز دائم للمياه يصل إلى 5 مليارات متر مكعب لأن السد سيروي نحو مليون فدان من الأراضي الزراعية يضاف إلى ذلك نسبة التبخّر التي تبلغ قرابة نصف مليار متر مكعب.

ويذهب المحذّرون أبعد من ذلك، إذ يشيرون إلى أن اثيوبيا ستنتهي من بناء السد تزامناً مع بدء مرحلة «الشح المطري» التي تستمر سبع سنوات، وهي ظاهرة تتكرر كل عشرين عاماً، وتعرف بـ«الدورة العشرينية للفيضان السنوي»، ويشيرون إلى أن الأمر يتعدّى التقديرات ببوار 4 إلى 5 ملايين فدان جراء «سد النهضة»، ليصل إلى «7 سنوات عجاف» كتلك التي عرفتها مصر أيام النبي يوسف!

ويبدي خبراء مخاوف من احتمال أن يؤثر «سد النهضة» على منسوب السد العالي (من 167.6 متراً في الوقت الحالي إلى 162.5 متراً أو 158.8 متراً وفقاً للمتغيرات البيئية)، ما يعني انخفاضاً في انتاج الطاقة الكهربائية المولّدة في السد العالي بحوالي 28 ـ 35 في المئة، لكن آخرين يرون أن احتجاز السد الإثيوبي للطمي سيخفف الضغط عن السد المصري ويطيل عمره 100 عام.

ويطرح الخبراء حلولاً عدة لمواجهة شح المياه المتوقع، وأبرزها إقناع الحكومة الإثيوبية بإطالة فترة ملء البحيرة التي ستتكون وراء «سد النهضة» أو إنشاء سد بسعة تخزينية كبيرة في أعالي النيل الأزرق ويتبعه إنشاء عدد من السدود التي تعتمد على السريان السطحي، وهو حل سينتج كمية الكهرباء ذاتها، ولكن بتأثيرات ضئيلة على دولتي المصب (مصر والسودان).
ولكن يبقى الخوف من الخطط المائية المستقبلية لأديس أبابا التي تسعى لبناء عدد من السدود بهدف احتجاز 200 مليار متر مكعب من المياه.

وثمة مخاوف أخرى يطرحها خبراء الجيولوجيا، وهي أن الطبيعة الجيولوجية لإثيوبيا لا تناسب إقامة سد يسمح بتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه، وذلك لأسباب عدّة أبرزها أن مياه النيل الأزرق معروفة بسرعة اندفاعها، فيما الأراضي الاثيوبية شديدة الانحدار والأرض وهي مكونة من صخور البازلت الضعيفة، ويمر بها أكبر تصدع أرضي (الأخدود الإفريقي العظيم)، وهو ما يجعل معامل الأمان في «سد النهضة» 1.5، مقارنة بـ8 لـ«السد العالي».

يذكر أنه في العام 2010 تم إنشاء سد «جيبي ـ 2» على نهر أومو في إثيوبيا، وقد انهار بعد عشرة أيام من افتتاحه.
ويثير سيناريو انهيار «سد النهضة» مخاوف من إغراق السودان وبعض الأراضي المصرية، فيما يرجح ألا تتأثر به إثيوبيا كثيراً باعتبار أنه مقام على حدودها الشمالية. وفي إطار هذا السيناريو، تشير تقديرات إلى أنه في حال انهيار «سد النهضة» وكانت بحيرة ناصر ممتلئة فإن «السد العالي» سينهار تماماً، أما إذا كانت البحيرة غير ممتلئة فإن المياه ستغمر «السد العالي» وتنساب فوقه بمعدّل مليار متر مكعب يومياً.

خيارات ديبلوماسية.. وربما عسكرية!
وفيما يبدو أن مصر قد اختارت أن تسلك درب التفاوض لحل هذه الأزمة، وهو ما تعكسه تصريحات المسؤولين السياسيين، فإنّ الوضع المتأزم على المستوى الداخلي، وتراجع النفوذ على المستوى الخارجي قد يضع المصريين في ميدان معركة ديبلوماسية غير متكافئة أمام دولة إفريقية تسعى لأن تأخذ دوراً ريادياً في شرق القارة السمراء، وهذا ما يدفع البعض إلى توقع سيناريوهات خطيرة وغريبة تطرحه مراكز أبحاث غربية (توجيه ضربة عسكرية لإثيوبيا، تشجيع جماعات تمرّد داخل هذه الدولة.. الخ). وبين هذا الخيار أو ذاك، يراهن كثر على مخارج أخرى، أبرزها تنشيط الديبلوماسية المصرية في ظل الوضعية السليمة لمصر على مستوى القانون الدولي، والبحث عمّا يجمع المصريين والإثيوبيين ولا يفرّقهم، ولعلّ الكنيستين الارثوذكسية في مصر وإثيوبيا قد تكونان مفتاحاً لهذا الخيار النموذجي الأخير، خصوصاً انهما في وضع يقترب كثيراً من الوحدة بالنظر إلى اعتبارات تاريخية عميقة.

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه