28-03-2024 08:33 PM بتوقيت القدس المحتلة

«غـرام» خـائـب بيـن نتنياهـو وبـاراك

«غـرام» خـائـب بيـن نتنياهـو وبـاراك

انتهت أمس الأول رسمياً قصة الغرام التي جمعت في العقد الأخير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك.


    
    
حلمي موسى

انتهت أمس الأول رسمياً قصة الغرام التي جمعت في العقد الأخير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك. فقد أبلغ نتنياهو أعضاء من حكومته أن باراك عمل على «تهييج النزاع» بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما. ومن المؤكد أن مثل هذا الإعلان أقرب إلى إشهار خيانة منه إلى توجيه انتقاد. فالعلاقة مع واشنطن كانت ولا تزال قضية حياة أو موت بالنسبة لأي سياسي إسرائيلي. وشكّل إعلان نتنياهو ضد باراك علامة فارقة في الإشارات نحو توجه إسرائيل إلى انتخابات مبكرة في ظل أوضاع سياسية واقتصادية متأزمة وإشكالية.


وبالرغم من أن الغرام بين نتنياهو وباراك يعود في بداياته إلى خدمتهما، مرؤوساً ورئيساً، في وحدة النخبة «سييرت متكال» التابعة لهيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، إلا أنه ترسم في الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو وإيهود باراك وزيراً للدفاع. وسبق للرجلين أن تنافسا أحدهما ضد الآخر مرتين في الانتخابات حيث هزم باراك نتنياهو في المرة الأولى، وحصل العكس في الثانية. غير أن الفارق بين الانتخابات الأولى والثانية تمثلت في أن حزب العمل كان حزب سلطة ومنافسا أول على رئاسة الحكومة، لكنه في الثانية كان مجرد حزب معارضة يقف خلف حزبي السلطة الـ«ليكود» و«كديما».


ولاحظ الجميع أن القاسم المشترك الأكبر بين نتنياهو وباراك في الحكومة الحالية كان المصلحة من ناحية وإيران من ناحية أخرى. وتمثلت المصلحة أساساً في بعدين أحدهما داخلي والآخر أميركي تحديداً. فضم نتنياهو باراك وحزب العمل إلى حكومته كان نوعاً من رسالة داخلية تشير إلى ميل الـ«ليكود» إلى توحيد الجبهة الداخلية لمواجهة الأخطار، والتشديد على الجانب الأمني الذي كان باراك أبرز رموزه. لكنه على الصعيد الأميركي أشار إلى أن وجود باراك وحزب العمل في الحكومة كفيل بكبح الجموح نحو التطرف اليميني في السلوك الإسرائيلي، وإلى رغبة نتنياهو في إنشاء قنوات اتصال موثوقة مع الإدارة الأميركية الديموقراطية.


وجاء التطرف الإسرائيلي في الموقف من إيران والإيحاءات المتكررة باستعداد إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية ليظهر غرام الرجلين على أنه زواج كاثوليكي. فغالبية قادة الـ«ليكود»، وخصوصاً الجنرال موشي يعلون، لم يكونوا راضين عن العلاقة بين الرجلين. فإن منح نتنياهو لباراك وحزب العمل مقاعد وزارية، وخصوصاً وزارة الدفاع، يعتبر أكثر مما يستحقان. وعندما انشق باراك عن حزب العمل بقي على رأس وزارة الدفاع ومعه مجموعة من الوزارات بمعدل وزير أو نائب وزير لكل من بقي في كتلة «الاستقلال» التي أنشأها.


ويبدو أن نتنياهو كان على استعداد لمواصلة دفع ثمن هذا الغرام مع باراك لولا أن المسألة الأميركية غدت أشد عناداً وأكثر إقلاقاً. فسياسة الترهيب التي انتهجها نتنياهو ضد الرئيس الأميركي لدفعه إما لتبني «خطوط إسرائيل الحمراء» بشأن إيران أو المجازفة بخسارة الصوت اليهودي في الانتخابات لم تُجد نفعاً. فقد أصر أوباما على مواصلة خطه في تأييد إسرائيل ومخاصمة نتنياهو وإظهار الأخير على أنه يتدخل في الشؤون الداخلية الأميركية. ومن البديهي أن يكون نجاح أوباما في التمسك بموقفه عرّض علاقة حكومة إسرائيل مع إدارته للخطر، الأمر الذي خلق مزيداً من القلق ليس في الحلبة السياسية فحسب، وإنما أيضا لدى الجمهور الإسرائيلي.
وواجه نتنياهو انتقادات شديدة في الحلبة السياسية والأمنية الإسرائيلية لكنه صمد في مواجهتها بقوة عندما كان باراك، الذي كثيراً ما سمي بـ«السيد أمن»، يقف إلى جانبه. وتصادم باراك فعلاً مع عدد من كبار الجنرالات السابقين والحاليين وأظهر أن حاجة إسرائيل للمبادرة العسكرية ضد إيران وهي أيقونة نتنياهو - مبررة. وحافظ على هذا الموقف إلى أن بدا في الأفق أمران: احتمال المواجهة السياسية مع أميركا، وعدم ضمان نتنياهو لمستقبله السياسي.


وهكذا بدأت نواة نتنياهو الصلبة في مواجهته مع إدارة أوباما في التفتت حينما شرع باراك في إطلاق إشارات حول حاجة إسرائيل لأميركا في أي مواجهة مع إيران. كما بدأ في البحث عن بدائل سياسية لعلاقاته مع نتنياهو فصار أشد وضوحاً في الموقف من ضرورة إحياء العملية التفاوضية مع الفلسطينيين وأكثر تشدداً في عدم توتير العلاقة مع إدارة أوباما. ورأى الكثيرون في ذلك محاولة يائسة من باراك للعودة إلى مواقف يسار الوسط بقصد محاولة اكتساب شرعية لحزبه «الاستقلال» وبمــا يبقــيه طافياً على سطح الحلبة السياسية.
ولذلك، لم يكن غريباً أن يفجر نتنياهو قنبلة اتهام باراك بخيانة العلاقة ومفاقمة النزاع بينه وبين الإدارة الأميركية. كما لم يكن غريباً أن يسرب رجال نتنياهو للقناتين الثانية والعاشرة في التلفزيون الإسرائيلي قصصاً وحكايات عن انتهازية باراك وانتقاله إلى الصف الأميركي فقط عندما لم يستجب نتنياهو لطلبه بضمان بقائه وزيرا للدفاع في الحكومة المقبلة.

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه