29-03-2024 08:38 AM بتوقيت القدس المحتلة

لبنان غافل عن فقدان 360 كلم2 من بحره

لبنان غافل عن فقدان 360 كلم2 من بحره

لم يأت طلب وزير الطاقة، جبران باسيل، خروج السفير الإسرائيلي في قبرص من الجلسة التي كان يعقدها مع الرئيس القبرصي، ديميتريس كريستوفياس، في مؤتمر حول شؤون الطاقة، نظمته جامعة نيقوسيا في قبرص

هيام القصيفي - الأخبار

وزير الطاقة جبران باسيللم يأت طلب وزير الطاقة، جبران باسيل، خروج السفير الإسرائيلي في قبرص من الجلسة التي كان يعقدها مع الرئيس القبرصي، ديميتريس كريستوفياس، في مؤتمر حول شؤون الطاقة، نظمته جامعة نيقوسيا في قبرص، اعتراضاً على وجود السفير الإسرائيلي فحسب. فالاعتراض الأساسي، بحسب أوساط سياسية معنية، كان موجهاً الى قبرص وإسرائيل بسبب الخطأ الذي اقترفته قبرص في توقيعها اتفاقاً مع إسرئيل ومحاولة قضم الأخيرة 860 كلم مربعاً من المنطقة البحرية اللبنانية، وتأكيد حق لبنان كاملاً في استعادة المساحة المسلوبة.

يضع هذا الحادث أمام لبنان مجدداً مسألة إثبات حقه في حدوده البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل بعد اتفاقها مع قبرص، وفي استعادة كامل المنطقة الاقتصادية الخالصة، بعدما بدأ اللغط يتزايد في بيروت حول ربح لبنان 500 كلم بالمفاوضات الجارية من أصل 860 كلم، وبقاء 360 كلم في أيدي الإسرائيليين. فيما هو اليوم يخسر بموجب الاتفاق القبرصي الإسرائيلي، والتدخلات الأميركية لاختيار المعيار الجغرافي لتحديد الحدود، مع كل ما يترتب على ذلك من خسائر نفطية وغازية. كل ذلك يترافق مع سؤال أساسي لماذا يحاول البعض تمييع الموضوع وإثارة الغبار حول عدم جدوى المطالبة بالـ 360 كلم؟

تعيد الأوساط المعنية بداية رسم قصة الحدود البحرية، بعد اتفاق الحدود الاقتصادية الخالصة بين لبنان وقبرص الذي وقّع بين البلدين عام 2007 وحددت بموجبه الحدود البحرية اللبنانية، وهو أخذ في الاعتبار المعايير الموجودة في قانون البحار وانضمام لبنان الى المواثيق الدولية ومصالح لبنان السيادية المادية كثروة نفطية وغازية. وهذا ما حصل بعد مسار طويل وتخبط بين وزارة النقل والأشغال والجيش وتشكيل لجان عدة. لكن لبنان تخاذل عن تطبيق الاتفاق بضغط من تركيا والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة حينها، رغم مراجعات وزارة الطاقة وإرسالها عدة كتب الى الحكومة اللبنانية ومطالبة وزير الطاقة بإقرار الاتفاق لأنه يثبت الحدود ويسمح للبنان بأن يستفيد من أعمال التنقيب وحصته في تقاسم الإنتاج مع قبرص، من دون أن يفعل أي شيء.

بعد تردد الحكومة اللبنانية ومماطلتها، اضطرت قبرص بعد ثلاثة أعوام (في كانون الأول عام 2010) الى اللجوء الى إسرائيل لتوقيع اتفاق معها. وقد أخطأت قبرص بحسب الرؤية اللبنانية، لأنها لم تحترم اتفاقها مع لبنان (الذي أقرّ لبنانياً في وقت لاحق بالقانون رقم 163 الصادر يوم 28/5/2011) لأن عليها بموجب الاتفاق، استشارة لبنان إذا أرادت توقيع اتفاق مع طرف ثالث، فيما وقّعت الاتفاق من دون معرفة لبنان وموافقته. وكان وزير الطاقة قد أبلغ الحكومة اللبنانية أن إسرائيل تحضر لاتفاق مع قبرص. وحذّر أيضاً الحكومة القبرصية التي أهملت الطلب اللبناني، لأن من صالحها التنقيب بسرعة بعدما اختارت الجانب الإسرائيلي واتفقت معه، ولا سيما بعدما تعززت الشراكة بينهما بزيارات متبادلة، كان أبرزها زيارة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ومن ثم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للجزيرة.

والاتفاق القبرصي الإسرائيلي سمح لإسرائيل بالدخول الى لبنان، رغم أن إسرائيل كانت في كل عملياتها تعتمد الحدود نفسها التي كان يعتمدها لبنان. ونظرياً، لم يكن هناك مشكلة حدودية بحرية بين الجانبين. لكن إسرائيل حين سنحت لها الفرصة، دخلت لبنان نتيجة الخلل اللبناني في بت الاتفاق بسرعة.

حقول النفط في مياه المنطقة الاقتصادية اللبنانيةوبحسب المعلومات، فإن إسرائيل التقطت ثغرة في الاتفاق بين لبنان وقبرص الذي يقول إن النقطة الثلاثية لا تبتّ إلا بمفاوضات ثلاثية. والنقطة هذه هي النقطة 23. وبما أنه لا اتصال بين لبنان وإسرائيل، تبقى النقطة معلّقة للتفاوض ونتراجع الى النقطة «1». وقد فسرت إسرائيل هذا الرجوع بخسارة لبنان 860 كلم.

هذا ما استوجب أن يحدد لبنان حدوده بموجب القانون. وأرسل الى الأمم المتحدة ليبلغها ذلك وأيضاً التزامه بالاتفاقات الدولية، وثبت لكل اللبنانيين من مجلس نيابي وحكومة وجيش ووزارة أشغال عبر لجنة تضم جميع الأفرقاء «أن هذه هي حدودنا ولن نتنازل عنها».
في هذا الوقت، كانت وزارة الطاقة والمياه تعدّ كل التحضيرات من أجل التنقيب، وحضرت القانون والمراسيم والمسح البحري وتحليل المعلومات وهيئة النفط، وكانت تسير بخطوات سريعة فأنشأت غرفة معلومات وبدأت الإعداد لمؤتمرات دولية في لبنان، منها ما يعقد الثلاثاء المقبل بمشاركة أكثر من 300 شخصية غربية رسمية واقتصادية ومتخصصة تُعنى بشؤون النفط.

لاحقاً، بدأ المنسق الأميركي الخاص لشؤون المنطقة فريدريك هوف بعقد لقاءات في بيروت، وتلاحقت الزيارات اللبنانية لقبرص ومنها الى لبنان، وارتفع الكلام عن حل مشكلة الحدود البحرية. وكان موقف وزارة الطاقة «أننا لن نتنازل عن أي إنش، ولا سيما أننا اعتمدنا شركة بريطانية ومجموعة سويسرية وخبراء عالميين لترسيم الحدود حسب الأصول والمعايير الدولية».

في أيار الماضي، دعا رئيس الجمهورية الى عقد اجتماع في قصر بعبدا، في حضور رئيس الحكومة ووزراء الأشغال والطاقة والدفاع والعدل للبحث في موضوع الحدود، وممثلين عن الجيش، حيث ظهر للمرة الأولى كلام من بعض المتحدثين عن إمكان إعادة النظر بالخط البحري والحدود، أو إقامة خط أزرق أو خط فصل جديد. واعترض وزير الطاقة سائلاً: «كيف يمكن أن نعيش أعواماً على وقع الحدود التي اعتمدناها، ثم نأتي لنغيّر الحدود، وعلى أي أساس ومعيار سنعيد النظر، ومن نحن لنقرر طالما أن هناك قانوناً في مجلس النواب ولا يتعدل برغبة أحد من الأطراف، بل يحتاج الى مجلس الوزراء».

بدورها، عقدت اللجنة الفنية التي شكلت برئاسة وزير الخارجية عنان منصور وضمت كل الأفرقاء المعنيين، عدة اجتماعات. وكان موقف وزارة الطاقة أننا نريد مبررات علمية لإعادة النظر، لأن الموضوع يتعلق بأمرين: الحدود والمترتبات النفطية والغازية. وأبدت الوزارة اعتراضها على إعادة البحث في الموضوع.

بدورها، دعت لجنة الأشغال والطاقة الى اجتماع لمناقشة هذا الملف، واعترض النواب ورئيس اللجنة محمد قباني على الكلام الذي قيل بضرورة تعديل الحدود. وقد تكون هذه من المرات القليلة التي يتفق فيها قباني مع باسيل على أمر مشترك وحيوي. وأكد قباني في الجلسة الأخيرة التي عقدت في 12 حزيران الجاري «الموقف النيابي المتمسك بكامل المنطقة الاقتصادية الخالصة في بحرنا التي أقرت بموجب القانون الرقم 163، الذي يؤكد أن حدود لبنان البحرية تضم النقطة الرقم 23، ولذلك لا يستطيع أحد أن يتفاوض على هذه الحدود، بمعنى أن يقبل بتغييرها».

جاءت حادثة قبرص حيث رفض باسيل مشاركة السفير الإسرائيلي، وقد كان بإمكانه غض الطرف عنها. ذلك أن لبنان يشارك مع إسرائيل في بعض الأماكن المماثلة. لكنه رفض المشاركة في مكان واحد مع القبارصة والإسرائيليين، في وقت تعتدي فيه إسرائيل على المياه اللبنانية بـ 860 كلم مربعاً. وأيّ «قبول بهذا الحضور يعني القبول بالمساس بحدود لبنان والاعتداء على حقوقه المائية. وأي قبول بمشاركة الجانبين القبرصي والإسرائيلي أيضاً يعني القبول بالاتفاق النفطي الذي وقّعه الطرفان، وعلى ما يجري من بحث في إعادة ترسيم الحدود وتغييرها».

من هنا، جاء توجيه كلام باسيل للرئيس القبرصي، خلال الجلسة المشتركة بينهما بالقول له: «سيدي الرئيس، نحن متمسكون بكل إنش من حدودنا، وقبرص ارتكبت خطأً كبيراً من دون علمنا وموافقتنا. ونحن لا نريد لعلاقتنا التاريخية والمميزة ومصالحنا المشتركة أن تتهدد بسبب هذه الغلطة. نحن نتمنى أن تصحح من أجل التعاون في مجالي النفط والغاز». وأوصى المجتمعون بضرورة رفع التفاوض الى حده الأقصى للحصول على ما يريده لبنان.

جبران باسيلوهذا يعني أن وزير الطاقة ربط التعاون المستقبلي مع الجزيرة بتصحيح هذا الخطأ. ووفق ذلك، فإن الكلام مع قبرص للتعاون معها، (أي تقاسم الإنتاج بمعنى أن لبنان يستفيد مالياً من أي بئر مشتركة تحفرها قبرص من جهتها من دون أي جهد، والأمر نفسه بالنسبة إليها) لا يمكن أن يتم من دون أن تصحح الخطأ، والأهم أن يكون لبنان متمسكاً بعدم التنازل عن الـ 360 كلم.

وأول من أمس، عقد في القصر الحكومي اجتماع ترأسه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي للجنة المكلفة درس موضوع الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، برئاسة وزير الأشغال، غازي العريضي، هذه المرة، وليس وزير الخارجية. ورفعت اللجنة تقريرها ومفاده أن الحدود صحيحة ولا يجب المساس بها. وفي الوقت نفسه، اعتبرت أن الحدود ليست نهائية ويمكن تعديلها. وبحسب الأوساط المعنية، فإنه قد يكون من الطبيعي أن تكون الحدود غير نهائية، ولكن ما هو المبرر والموجب اليوم لأن نفوّت الفرصة لاستعادة المنطقة كلها، ونقول إننا ربحنا 500 كلم، بدل أن نقول إننا نخسر 360 كلم، هذا مع العلم بأن الحدود التي توافق عليها اللبنانيون كان يمكن أن تكون أبعد مدى وأكبر من الحالية؟

وهذا يطرح سؤالاً ثانياً: فإما أن تكون حدود لبنان البحرية نهائية وصحيحة ورسمت بحسب الأصول، ولا يجب أن نتخلى عنها وخصوصاً أن كل كيلومتر بحري يحوي ثروة كاملة، وإما أنه كان هناك تلاعب لمدة عامين وأكثر. ومن الناحية النفطية، لماذا خلق منطقة عازلة داخل لبنان وليس خلف الحدود؟ وما هي المبررات؟ هل لتأمين الاستقرار للاستثمارات النفطية؟ مع العلم بأن لبنان يعيش حتى الآن في أجواء مستقرة بالنسبة الى القطاع النفطي، وقد اشترت نحو 30 شركة معلومات منه وأدخلت ملايين الدولارات، إضافة الى المؤتمر النفطي المزمع عقده رغم الوضع الأمني. وهذا يعني أن لبنان لا يعيش في أجواء نزاع ملتهب، بل خلاف يحلّ عبر الأمم المتحدة بالوسائل القانونية. في حين يركض البعض للتهليل بأن لبنان يربح 500 كلم، فيما هو يخسر 360 كلم. ومن الأسئلة أيضاً: لماذا يقارع لبنان من أجل سنتيمتر واحد براً، ويتخلى عن 360 كلم بحراً ويقدمها هدية، وهل هناك دواع استراتيجية وسياسية ووطنية؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يجب أن يتشارك الجميع فيها ويتحملون المسؤولية؟ ولماذا الإسراع الى التعديل وتحميل البعض المسؤولية للجيش بأنه يتنازل عن مساحات وحدود بحرية هي حق للبنان؟

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه