24-04-2024 09:59 AM بتوقيت القدس المحتلة

التوظف لدى "النصرة"... صحافة التلميع!

التوظف لدى

بالأمس شاهدتُ ندوة أعدتها قناة محلية لبنانية للإعلان عن "سكوب" صحافي عظيم! يتمثل في تطوع صحافية مغمورة قبِلت أن تساق مغمضة العينين

علي عبادي

بالأمس شاهدتُ ندوة أعدتها قناة محلية لبنانية للإعلان عن "سكوب" صحافي عظيم! يتمثل في تطوع صحافية مغمورة قبِلت أن تساق مغمضة العينين - هكذا قالت - من قبل "جبهة النصرة" المرتبطة بالقاعدة الى مكانٍ ما طـُلب اليها فيه ان تجري مقابلة مصورة مع اثنين من أسرى حزب الله لدى هذه الجبهة.

تباهت الصحافية بهذا "السكوب" الذي قدَّمته "جبهة النصرة" اليها هدية، فبرَّرت انخراطها في هذا المشروع بأنه يندرج في اطار "الموضوعية" وطمأنة أهل الأسيرين الى وضعهما. وتداركاً للانتقادات وإدراكاً لفداحة هذا الخَطـْب الاعلامي، حاول مقدِّم الحلقة ان يتصرف بذكاء متَّخذاً لنفسه موقعاً يبتعد عن تسويق "المقابلة" الاجبارية، وكأنها جهدُ الصحافية من دون القناة، من غير ان ينسى التدخل للدفاع عنهما حيث يلزم!

والواقع ان القناة المذكورة تقع للمرة الثانية في فخ الترويج والدعاية لـ "النصرة"، بعد مرةٍ أولى حصلت في اطراف عرسال خلال استعراض "الجبهة" المذكورة مقاتليها في عملية تبادل العسكريين اللبنانيين ببعض المساجين المحسوبين على الارهابيين مؤخرا. وهذه السقطة الاعلامية ليست بريئة. مجرد القبول بالتواصل مع جبهةٍ تلطخت يداها بدماء اللبنانيين مدنيين وعسكريين يطرح إشكالية أخلاقية كبيرة على "الصحافية" المذكورة، والإصرار على عرض شريط مصور يعود قطعاً بالنفع على "النصرة" يطرح تساؤلاً عميقاً عما اذا كانت المحطة "لا تملك" ان ترفض "منتوج النصرة" بعد معرفة مضمونه. لديَّ هنا تساؤل: هل تقبل اية محطة اميركية او فرنسية - أو اي من المحطات التي تتماهى معها المحطة اللبنانية ثقافيا وسياسيا- عرضاً من القاعدة او طالبان لمقابلة أسير اميركي او فرنسي او غربي ثم عرضه على شاشتها بمضمون يمثل ضغطاً على مشاعر أهله والسلطة السياسية في ذلك البلد للقبول بشروط الجهة الآسرة؟ أعتقدُ ان الجواب واضح.

الخصومة مع حزب الله يجب ان لا تكون مبرراً لأية محطة لبنانية كي تنخرط في دعاية مجانية لجهةٍ ذبحت عسكريين لبنانيين أسرى ومارست أسوأ انواع الابتزاز والترهيب والضغط على أهاليهم لشهور طويلة. و"النصرة" تعود لنفس اللعبة. فبعد شريطها الأول للأسرى الثلاثة من حزب الله في ريف حلب، استدرجت "صحافية" لبنانية غير موهوبة (ذهبت هذه بملء إرادتها، وهي تتبنى ببساطة مقولات "النصرة" بدون تحفظ، وتعبّر بصراحة عبر صفحتها على موقع فيسبوك عن مواقف مؤيدة للجماعات المسلحة في سوريا وتزور أماكن سيطرتهم بمرافقتهم) لكي تقوم بالمهمة عينها، علماً ان الشريط يعود في الواقع بالنفع على "النصرة" أولاً وعلى "الصحافية" والمحطة التلفزيونية أخيراً بما يعزز القناعة بأن تلميع صورة الجهات الارهابية لم يعد أمراً محرَّماً لدى جهات لبنانية معينة. بل ان صاحبة "السكوب" العظيم قررت بـ"ملائكية" ظاهرة (تـُظهر الكثير من قلة الخبرة والاحتراف) ان تلعب دور محامي الشيطان فاندفعت ليس فقط للدفاع عن تطوعها في الذهاب الى هذه المهمة الخطيرة، بل ايضاً الى الاندماج في الحدث والدفاع عن "قضية النصرة"، وهذا أمر ينمّ عن تجاوب وتناغم وتكامل، لا أقل.

و"الصحافية" التي لا نعرف من مآثرها الكثير، كتبت في العاشر من الشهر الماضي على صفحتها على فيسبوك: "أنا اعرف جبهة النصرة وانا من اكبر المدافعين عنهم على حساب أمني الشخصي وحياتي. صحيح هم يقاتلون النظام واعوانه لرفع الظلم. صحيح هم أبناء الشعب السوري. صحيح هم يضبطون الأمن ويشاركون في المحاكم الشرعية مع قضاة من احرار الشام وهيئات إسلامية اخرى،......".

إذن، نحن أمام عمل غير صحافي، هو دعائي بامتياز، إفتقرت حاملتـُه (ولا أقول مُنتجته لأنها لم تـُظهر قليلاً من الإبداع الصحفي الضروري) الى موهبة النقد وإدراك ما تريد الجهة الآسرة ان تقوله على لسانها، على الأقل لتبقى على مسافة من هذا العمل الرديء الذي يشبه ما تقوم به اجهزة استخبارات إعتادوا على نقدها.

في الصحافة قد يجوز السعي وراء أعمال صحافية خطرة، لكن التسويق المجاني لجهة تستهدف أمن البلد بعمليات انتحارية وتخريبية، و"التوظـّف" لخدمة مصلحتها، يصبح عملاً ممجوجاً يفتقر الى أي أساس مهني او قانوني، في بلد يشهد على الاستخفاف بالقانون الذي يدعوننا اليه.

هل يلامُ المرء بعد ذلك اذا قال ان بعض من يفتقدون الدور او تعميهم الكراهية السياسية يسمحون لأنفسهم بأن يكونوا مجرد أدوات ملحقة توظـَّف لضرب حزب الله بكل الوسائل؟! مجرد تساؤل بريء!