19-04-2024 11:46 AM بتوقيت القدس المحتلة

"حجي" قاسم سليماني.. مفاجأة الجبهات الملتهبة

يعتقد الايرانيون أن عيوناً اربع شكلت ركيزة لبلادهم، بعد انتصار الثورة عام 1979: العقيدة، العزيمة، العلم، والعقل، وأن هناك عيناً خامسة تتولى مهمة حماية هذه الركائز الأربع، تتمثل بقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني

يعتقد الايرانيون، بحسب الكاتب والباحث محمد صادق الحسيني، أن عيوناً اربع شكلت ركيزة لبلادهم، بعد انتصار الثورة عام 1979: العقيدة، العزيمة، العلم، والعقل، وأن هناك عيناً خامسة تتولى مهمة حماية هذه الركائز الأربع، تتمثل بقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. هي العين نفسها التي يؤكد كثيرون أنها طاردت الجيش الأميركي اثناء احتلاله العراق، و"الجيش الاسرائيلي اثناء عدوانه على لبنان عام 2006، ومسلحي داعش في جبهات العراق وسورية"، هي العين التي يرى الحسيني أنها "تمنع أجواء الهزيمة لدى المناصرين لمحور المقاومة وترفع معنوياتهم، وفي الوقت عينه ترعب أي عدو"، ولهذا "يجب اظهار هذه العين وهي تقاتل في الميدان".

 الجنرال قاسم سليماني يتابع سير المعارك في ريف حلب الجنوبي

ربما يفسر ذلك الهدف الكامن خلف تسريب خبر وجود "الجنرال" على أكثر من جبهة مؤخراً، إن كان في العراق أو سورية، أثناء سير المعارك فيها وحتى قبل بدئها، عبر نشر صور لسليماني تؤكد تواجده بين المقاتلين في الميدان، مع الابقاء على الهالة الأمنية التي لطالما احاطت بهذه الشخصية المثيرة للجدل. يربط الحسيني بين هذه الفرضية وما سمعه من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في العراق وقائد "كتائب الرسالي" التي شاركت في قتال داعش، عدنان شحماني، عن أنه "كان لوجود الحاج قاسم معنا في جرف الصخر، وخصوصاً بعد أن أشيع خبر وجوده مع بدء المعارك، دور كبير في تهاوي الخطوط الدفاعية الأربعة التي اقامها العدو، بحيث عندما وصلنا الى الخط الرابع بعد عمل كبير جداً، لم يبق من التكفيريين إلا حوالي ثمانية افغان يعملون كمرتزقة عند التكفيريين".

 أثناء متابعة مجريات الميدان مع مقاتلي الحشد الشعبي

يقول مصدر في قوات الحشد الشعبي العراقية، التي كان للجنرال سليماني دوراً بارزاً في تشكيلها لصد تقدم داعش، "بناءً على معلومات استخباراتية أن العدو كان يصاب بحالة من الارباك، بمجرد وصول معلومات عن تواجد سليماني شخصياً في الميدان"، مؤكداً لموقع المنار أن وجوده بالنسبة لهم، أي التكفيريين، يعني "خسارة المعركة".

في ايلول/ سبتمبر عام 2013، كان للحسيني لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. وقتها، وفي سياق الحديث عن التطورات الميدانية في سورية، أكد الحسيني ان الرئيس الأسد قال له ان "وجود الجنرال قاسم سليماني الى جانبنا في أكثر من معركة ميدانية، كان سبباً اساسياً ومهماً في تحول المشهد".

 قائد فيلق القدس مخاطباً المقاتلين شمال سورية

يحدثنا الحسيني عن ذلك، عقب سؤاله عن كثرة الصور التي تمّ نشرها مؤخراً للجنرال والتي كان آخرها في ريف حلب وفي سهل الغاب في ريف حماه، فيوضح أهمية ذلك "لما يشكله من حرب نفسية على العدو"، الذي سبق أن خبر مدى تأثير وجود سليماني على مجريات الميدان، ويضيف الحسيني انه "في معارك بابا عمرو مثلاً، التي استطيع أن اؤكد أنه كان حاضراً فيها حسبما علمت من بعض المقربين منه، أشرف الجنرال على هزيمة المسلحين في تلك المنطقة التي كانت بمثابة غرفة العمليات الكبرى التي كانت معدة لسقوط دمشق".

 

من الجبهة السورية الى الجبهة العراقية التي شهدت منتصف حزيران/يونيو من العام 2014 تطورات خطيرة، تمثلت بسيطرة داعش على منطقة الموصل وأجزاء كبيرة من محافظة الأنبار، مهددة بذلك العاصمة بغداد ومدينة سامراء المقدسة، "وقتها كان الظهور الأول للحاج قاسم سليماني في بغداد، حيث جاء مسرعاً لانقاذ العراق من التمدد الداعشي"، حسبما يروي مصدر في قوات الحشد الشعبي لموقع المنار. يتابع المصدر أنه "عند ترجله من الطائرة، كان باستقبال سليماني نائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقية الحاج أبو مهدي المهندس وقائد عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، اضافة الى مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، وقتها طلب منهم الذهاب فوراً الى سامراء، فكانت تلك المدينة نقطة بداية تحرك الجنرال لصد العدوان من جهة، وللمباشرة بتحرير الأراضي العراقية من جهة ثانية".

 مراسل المنار حسن حمزة متحدثاً الى الجنرال سليماني

أثناء تغطيته لسير المعارك ضد تنظيم داعش في محافظة ديالى، تحديداً في منطقة خانقين، التقى مراسل قناة المنار الزميل حسن حمزة قائد فيلق القدس. هناك لمس حمزة "تواضع القائد الأسطورة، خصوصاً عندما سألني عن سير الأمور في مدينة حلب السورية، بعدما علم أنني كنت أعمل هناك، مستفسراً عن سلامتي وسلامة الفريق"، خلال ذلك اللقاء، قال الحاج قاسم أنه لا فارق بين الجبهتين السورية والعراقية، وأنه يرى فيهما "مشروعاً واحداً". عندها يروي المراسل أنه طلب اجراء مقابلة مع سليماني، فكان جوابه "هنا الوقت للعمل، وليس للمقابلات".

يتحدث حمزة عن أن تأثير سليماني في الميدان، بحسب مشاهداته، لم يكن يقتصر على العدو، بل على مقاتلي الحشد الشعبي والفصائل الأخرى ايضاً، "الذين كانوا يقاتلون بوجود الجنرال وهم على يقين بأن الأمور ذاهبة الى النصر وتحقيق الانجازات"، وأن هذه الروحية "كانت تتسلل الى نفوسنا نحن الاعلاميين ايضاً". هنا يستذكر حمزة معركة تحرير بلدة "السعدية" التي تقع ضمن محافظة ديالى، وكيف كان سليماني متيقناً منذ اللحظات الأولى للمعركة من تحقيق هدف طرد المسلحين منها في غضون ساعات قليلة، بالرغم من الحديث الذي كان يدور في الأوساط العسكرية هناك عن صعوبة تحقيق ذلك.

 سليماني يؤم المقاتلين العراقيين في الصلاة

 

يتحدث المصدر في قوات الحشد الشعبي، والذي واكب "حجي" قاسم في العديد من المعارك، عن مستوى الدعم الذي كان يقدمه للمقاتلين من خلال "وجوده معهم في الخطوط الأولى من المواجهة، حيث كان يمتنع عن مغادرة الأماكن الخطرة اثناء الاشتباكات، بل كان يصر على البقاء، وكان لا يرتدي أي درع واق من الرصاص واحياناً كان يتواجد في مناطق الاشتباكات بسيارة غير مصفحة"، مشيراً الى أنه "في معارك تكريت كان يستقل دراجة نارية ويندفع الى الأمام لرصد العدو قبل الهجوم، لقد كان شجاعاً لا يهاب الموت، عندما تنفجر قذيفة بالقرب منه كان لا يحرك ساكناً، وكأن شيئاً لم يكن".

من هنا كان لسليماني "اضافة الى خبرته العسكرية الكبيرة، حضوراً محبباً لدى العاملين معه من ضباط وجنود رسخه طبعه الهادئ، وقدرته على الاستماع للجميع في الجلسات، حتى عندما كانوا يقاطعونه لابداء آرائهم"، بحسب مراسل المنار، "اضافة الى تواضعه الذي كان يبرز من خلال "عشقه للمجاهدين، حيث يحرص على أن يجلس معهم وأن ينام كما ينامون، وعلى السؤال عن احوالهم"، كما يؤكد المصدر في الحشد الشعبي، الذي رأى الحاج قاسم "أكثر من مرة وهو يقبل ايدي الجرحى والمجاهدين".

بالنسبة للمقاتلين في الفصائل العراقية كان "الحجي" قريباً منهم "قرب القائد الترابي المتواضع الخبير"، كما يؤكد الحسيني الذي عرفه كذلك منذ اللقاء الأول عام 2009 في كلية الامام علي في طهران التابعة لفيلق القدس، "حيث كان الحديث عن القدس والقضية الفلسطينية، التي يرى قاسم سليماني أن القتال في كل الجبهات هو من أجل تلك القضية"، متابعاً أنه "بالرغم من هذا القرب"، كان بالنسبة للأميركيين "شبحاً يطاردهم"، وفي هذا الاطار ينقل مراسل المنار عن مصدر رفيع المستوى التقاه في العراق، بأن الأميركيين ارسلوا لقائد فيلق القدس عبر وسطاء رسالة مفادها "بأننا نراقب عملك العسكري في ديالى، ونحن على استعداد لتقديم المساعدة، فجاء الرد بأنه لدينا ما يكفي من طاقات وعناصر لتحقيق هدفنا". أما بالنسبة للاسرائيليين فإنه "هدف دائم"، كما كان خلال حرب الثلاثة وثلاثين يوماً في لبنان، حيث يكشف الحسيني عن أن الاسرائيليين كانوا يعلمون بوجوده على الأرض خلال الحرب "وربما كان هو المستهدف خلال الانزال الشهير في مدينة صور وقتها".

يؤكد ما تمّ ذكره أن لقائد اللواء 41، كما كان يُعرّف عنه اثناء الحرب الايرانية العراقية، تأثير مزدوج. من جهة على المقاتلين تحت اشرافه الذين يستمدون منه روحية قتالية عالية، انعكست انتصارات من جرف الصخر الى سامراء وتكريت وريف حلب وغيرها، ومن جهة ثانية على الخصوم الذين لمسوا نتائج حضور هذا الجنرال فباتوا يهابونه، ومن هنا كان لا بد ربما من اخبارهم احياناً بأنه في هذه الجبهة أو تلك، وقتها تتخذ حسابات الربح والخسارة منحى آخر.