19-03-2024 01:29 PM بتوقيت القدس المحتلة

حماه ميدان لاختبار القوة.. و«النصرة» تقود المعركة

حماه ميدان لاختبار القوة.. و«النصرة» تقود المعركة

«كتيبة الأتراك» تقاتل في سهل الغاب


عبد الله سليمان علي

وضع «جيش الفتح»، الذي تهيمن عليه «جبهة النصرة» و«أحرار الشام الإسلامية»، نفسه أمام اختبار صعب للغاية بإعلانه، أمس، عن إطلاق ما أسماه «غزوة حماه» التي تهدف بحسب قوله إلى «تحرير حماه العز والبطولة».

إذ بينما تواجه الفصائل المسلحة صعوبات كبيرة في صد الهجوم الواسع الذي يشنه الجيش السوري منذ أسبوعين على ريفَي حماه واللاذقية، محققاً تقدماً ملموساً على أكثر من محور من محاور الهجوم، يعلن «جيش الفتح» عن نيته إطلاق هجوم للسيطرة على محافظة كبيرة، وذات موقع استراتيجي ومهم من وزن محافظة حماه. فهل هي سياسة الهروب إلى الأمام، أم لدى «جيش الفتح» تطمينات إقليمية ودولية بأنه سيتلقى دعماً كافياً لتحقيق مهمته؟

وجاء إعلان «جيش الفتح»، لـ«غزوة حماه»، بعد ساعات فقط من نشر تسجيل صوتي لزعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني وصف فيه التدخل الروسي بـ«الحملة الصليبية الشرقية»، وتوعد بأن «الحرب في الشام ستنسي الروس أهوال ما لاقوه في أفغانستان». وهو ما يكشف عن حقيقة أن «جبهة النصرة»، التي تهيمن على «جيش الفتح»، هي التي أصبحت تقود المعارك في ريف حماه وريف اللاذقية، بعد فترة تولت فيها «أحرار الشام» هذه القيادة، وهو ما يقوض بدوره الدعاية الإعلامية التي حاولت الترويج لمقولة ان «الروس يحاربون الجيش الحر» باعتباره يمثل «المعتدلين» ولا يحارب المتطرفين، علماً أن «جبهة النصرة» مصنفة كتنظيم إرهابي بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي.

وفي هذا السياق، علمت «السفير» أن «كتيبة الأتراك» في «جبهة النصرة» دخلت على خط المعارك في سهل الغاب، كجزء من التعزيزات التي أرسلها «جيش الفتح» لوقف انهيار قواته في المنطقة بعد تقدم الجيش السوري وسيطرته على البحصة وتهديده بالتقدم على محور المنصورة ـ تل واسط ـ الزيارة، الأمر الذي يؤكد حقيقة الدور الذي تقوم به «جبهة النصرة» في هذه المعارك. و«كتيبة الأتراك» هي كتيبة تنتمي إلى «جبهة النصرة»، وغالبية عناصرها من الجنسية التركية، وقد شاركت سابقاً في معركة مطار أبو الضهور العسكري التي كانت أول مشاركة معلنة لها، ما يوحي بحداثة تشكيلها. وسقط لهذه الكتيبة بعض القتلى في معركة سهل الغاب، عرف من بينهم «حذيفة التركي».

وبخصوص «غزوة حماه»، فقد جاء في البيان الذي صدر أمس عن «المكتب الإعلامي في جيش الفتح» أنه «في ظل مكر الكبار الذي يقوده محور الشر: روسيا والميليشيات السورية والإيرانية نزف لأهل الشام المرحلة الثانية من مراحل جيش الفتح، وذلك ببدء تحرير حماه العز والبطولة».

وكان لافتاً في البيان أنه لم يكتف بإعلان الحرب على محافظة حماه فحسب، بل هدد بأن «أي فئة مقاتلة تعترض طريقه من النصيرية والرافضة وداعش سيتم قتالها حتى تحرير أرض الشام كاملة». ويبدو إقحام «داعش» في البيان مستغرباً لعدم وجود خطوط تماس بينه وبين «جيش الفتح» في مناطق المواجهات في ريف حماه الشمالي وريف اللاذقية وسهل الغاب.

ولقي الإعلان عن «غزوة حماه» انتقادات واسعة من جانب العديد من النشطاء السوريين، باعتبار أن حماه مدينة آمنة، ويتواجد فيها عشرات الآلاف من النازحين، ولا ينبغي تعريضها لخطر المعارك في هذه المرحلة. حتى أن الشيخ السعودي موسى الغنامي، المعروف بدعمه للفصائل المسلحة بما فيها «جبهة النصرة» في مرحلة من المراحل، وصف «بيان غزوة حماه» بأنه «مغامرة قاعدية».

وعقب هذا الإعلان بساعات عدة لم تلاحظ أي تغييرات على أرض الميدان يستشف منها إمكان شن هجوم واسع، غير أن بعض النشطاء أفادوا «السفير» أنهم لاحظوا حركة نزوح متزايدة للأهالي من منطقة قلعة المضيق، الأمر الذي أثار شكوكهم، لأن مدينة كفرنبودة كانت قد شهدت موجة نزوح مماثلة قبل أن تندلع فيها الاشتباكات قبل أسبوعين.

وبالرغم من الاعتقاد بأن «جيش الفتح»، في ظل الظروف الميدانية الحالية، لا يستطيع شن هجوم واسع يهدد بالفعل محافظة حماه، إلا أن ما تسرب من أنباء حول وصول دفعات جديدة من الدعم الأميركي والخليجي إلى الفصائل المسلحة، يثير الشكوك حول ضلوع جهات إقليمية ودولية في مخطط كبير يستهدف إشعال الفوضى في مدينة حماه بالاستناد إلى بعض الخلايا النائمة، وهو ما تعززه مطالبة بيان «جيش الفتح» لـ «المجاهدين المحاصرين في المدينة بإشعال الجبهات من الداخل»، وذلك لإرباك عملية الجيش السوري ومنعه من تحقيق أي تقدم استراتيجي على أيٍّ من محاور هجومه من جهة، ومن جهة ثانية لخلط الأوراق في الساحة السورية وممارسة مزيد من الضغوط على روسيا لجرّها إلى تفاهمات تحيّد بعض الفصائل عن غاراتها الجوية.

في غضون ذلك، واصل الجيش السوري مدعوماً بالغطاء الجوي الروسي عمليته العسكرية على الجبهات الثلاث. وكاد الجيش يحقق تقدماً استراتيجياً مهماً عبر سيطرته على قرية جب الأحمر والتل الخامس والأخير من التلال المحيطة بها المسمى «خندق خامو»، والذي يطل على سهل الغاب، ويعطي سيطرة نارية للجهة التي تعتلي ذروته، إلا أن الجيش لم يتمكن من التثبيت واضطر للانسحاب من قرية جب الأحمر وتل خندق خامو بعد اقتحامهما بساعات عديدة، بسبب كثافة النيران الآتية من تلتي كتف الغدر وكتف الغنم كما من ناحية كنسبا الواقعة تحت سيطرة المسلحين منذ سنوات.

في هذا الوقت تواصلت الاشتباكات في ضاحية سلمى، والتي تحولت إلى حرب شوارع، بعد نجاح الجيش في السيطرة على كتل أبنية في طرفها الجنوبي والتثبيت فيها. لكن الانجاز الأهم للجيش كان في إفشال الهجوم المضاد ضد قرية دورين، حيث أفاد مصدر ميداني «السفير» أن مجموعات مسلحة عدة حاولت، مساء أمس الأول، التسلل عبر وادي حزيرين إلى قرية دورين بهدف تشتيت الجيش وإرباكه من الخلف، في محاولة لعرقلة تقدمه على محاور الهجوم في جب الأحمر وسلمى. وأكد أن محاولة التسلل تحولت إلى كمين محكم، تمكن الجيش خلاله من قتل غالبية عناصر المجموعات المتسللة، مشدداً على أنه لا صحة لسيطرة المسلحين على دورين، وأن القرية لا تزال تحت سيطرة الجيش السوري بالكامل.

أما في كفرنبودة، فقد كان الجيش بالفعل قد أكمل سيطرته عليها بشكل كامل بعد ساعات متواصلة من الاشتباكات العنيفة، وعمل فوراً على تثبيت سيطرته في بعض مفاصل المدينة، كما أن فرق الهندسة دخلت إلى المدينة لتفكيك العبوات والألغام. غير أن هجوماً معاكساً، شارك فيه حوالي 1500 مسلح، أدّى إلى قلب موازين القوى، واضطرت وحدات الجيش إلى الانسحاب من النصف الشمالي للمدينة مع الاستمرار في إحكام سيطرتها على النصف الجنوبي منها. كما استمرت سيطرة الجيش على محاور الهجوم الثلاثة، وهي ألبانة والمغيّر والصوامع.

وحول الهجوم المعاكس الذي شنه المسلحون، أكد مصدر ميداني، لـ «السفير»، أن مجموعات من المسلحين ترتدي بدلات مموهة مطابقة لبدلات الجيش، وبينهم عشرات الانتحاريين والانغماسيين خرجت من «برادات الخضار» الموجودة تحت الأرض في كفرنبودة، حيث كانت تختبئ وحاولت التسلل إلى الشوارع والأحياء، وذلك تحت غطاء أمّنته لهم حشود المسلحين، الذين ينتمي غالبيتهم إلى «جبهة النصرة» و«جند الأقصى»، من المرتفعات المحيطة بالمدينة، لا سيما من جهة الهبيط شمال شرق كفرنبودة. ورغم انكشاف أمر المتسللين ببدلات مموهة إلا أن مشكلة في الاتصالات منعت وصول التعميم الذي يحذر منهم إلى جميع وحدات الجيش داخل المدينة، الأمر الذي أدى إلى حالة من الإرباك ضمن صفوف هذه الوحدات، انتهى بانسحاب الجيش من نصف المدينة، وسط استمرار الاشتباكات والقصف الصاروخي والمدفعي على النصف الذي سيطر عليه المسلحون.

كما أكد المصدر أن الجيش ما زال يسيطر على قرى أم حارتين وعطشان وسكيك وتل سكيك، بالإضافة إلى تلة مرعي القريبة من قرية التمانعة، وهي آخر القرى في ريف حماه قبل مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، بحوالي كيلومتر ونصف الكيلومتر فقط.

assafir.com

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه