28-03-2024 05:30 PM بتوقيت القدس المحتلة

تركيا وانتخابات «الحكم المطلق»

تركيا وانتخابات «الحكم المطلق»

اكتملت لوائح المرشحين للأحزاب التركية، استعداداً للانتخابات النيابية التي ستجري في الأول من تشرين الثاني المقبل.


محمد نور الدين

اكتملت لوائح المرشحين للأحزاب التركية، استعداداً للانتخابات النيابية التي ستجري في الأول من تشرين الثاني المقبل.

كل حزب عمل على إعادة ترتيب قوائمه وحساباته، لردم ما يراها ثغرات حالت دون أن يحقق نتائج أفضل. وحده ربما «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي لا يعاني من هذه المشكلة، لأنه حقق في انتخابات السابع من حزيران الماضي نتيجة أكبر من المتوقع بكثير، وهو بالطبع يطمح الى تعزيز النتيجة بشكل أو بآخر.

والعين دائما على «حزب العدالة والتنمية»، إذ إن النتيجة المحسومة منذ الآن أن المعارضة لن تنجح في تشكيل حكومة في ما بينها، بسبب خلاف القوميين الأتراك مع القوميين الأكراد. وما هو محسوم من الآن أن «العدالة والتنمية» سيبقى الحزب الأول، وبفارق من 12 إلى 15 نقطة عن «حزب الشعب الجمهوري»، فيما سينال «حزب الحركة القومية» حوالي 15 في المئة أو أكثر، ليتنافس مع الحزب الكردي على المركز الثالث.

أي في ظل انقسام المعارضة، فإن تركيا أمام مواجهة سيناريوهين لا ثالث لهما كما يظهر الآن: إما فوز «حزب العدالة والتنمية» بغالبية النصف زائدا واحدا (276 مقعداً) ليشكل بمفرده حكومة جديدة، أو يفشل في نيل الغالبية المطلقة، ليكون أمام ضرورة، وربما حتمية، تشكيل حكومة ائتلافية مع «حزب الشعب الجمهوري» كخيار أول و «حزب الحركة القومية» كخيار ثان. وإذا لم يدخل في هذا الخيار فإنه سيدخل البلاد في أزمة سياسية كبيرة.

لذا العين كلها على «العدالة والتنمية». ولكن لنكن موضوعيين أكثر، العين على حركة رئيس الجمهورية المرشد الأول والأعلى لحزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان. فانتخابات السابع من حزيران الماضي كانت انتخابات استفتاء على رغبة أردوغان في تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي. النتائج كانت صاعقة على طموحات أردوغان التي طويت بعدما فشل «العدالة والتنمية» في نيل حتى الغالبية المطلقة في البرلمان.

مع طي إمكانية تعديل الدستور في البرلمان، تركزت أنظار أردوغان على عودة «حزب العدالة والتنمية» لتحصيل الـ276 نائباً في الانتخابات المقبلة. هي نسبة لا تتيح له تعديل الدستور في البرلمان. لكن خطة أردوغان التي أفصح عنها هي أن النظام السياسي قد تغير بحكم الأمر الواقع، وليس لواقع دستوري، بقوله إن النظام قد تغير بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في صيف العام 2014.

وهذا يعني أن أردوغان يريد أن يمارس نظاماً رئاسياً بحكم الأمر الواقع، وعبر حكومة من لون واحد لـ «حزب العدالة والتنمية» وخارج أية معايير دستورية. وفي ظل غياب قضاء مستقل وحيادي فإن لا أحد، كمؤسسات رسمية تم وضع اليد عليها، يسأل في جمهورية «الموز الأطلسية».

يقال إن أحمد داود اوغلو كان ميالاً بعد انتخابات السابع من حزيران الماضية إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع «الشعب الجمهوري» لكن أردوغان منعه من ذلك. أردوغان بالطبع حال دون هذا الخيار، لكن ليس واضحاً مدى جدية توجه داود أوغلو الائتلافي. لكن على قاعدة «أبعد عن الشر وغنّ له» عمل أردوغان على التحوط، وشكل لجنة مركزية للحزب كلها من الموالين له، بل استبعد منها شخصيات مهمة مثل علي باباجان وبشير أتالاي وبولنت ارينتش وكل جماعة عبدالله غول والمؤيدين له مباشرة، خلا بعض الأسماء القليلة جدا. حتى إذا لم يفز الحزب بالغالبية المطلقة، فلن يكون لداود أوغلو ثقل وازن في اللجنة المركزية للحزب يؤيد خيار الحكومة الائتلافية.

وفي حال فوز الحزب بالغالبية المطلقة فإنه سيكون لقمة سائغة بكامله لتطبيق أردوغان نظاماً رئاسياً بالقوة، وبالإملاء والضغط. وعلى طريقة مكيافيللي، فقد عاد الحزب إلى ترشيح بعض الأسماء المستبعدة من اللجنة المركزية، مثل باباجان وأتالاي إلى الانتخابات النيابية، ما قد يضيف أصواتاً إلى المؤيدين للحزب. أي أن أردوغان يستبعد هؤلاء من موقع القرار، لكنه يرشحهم للانتخابات ما دام يمكن أن يخدموا هدفه في الحصول على غالبية النصف زائدا واحدا. لذا تفاجأ المراقبون بأن يقبل علي باباجان الترشح بعدما أهين على امتداد السنة الماضية.

تكتيك آخر يتبعه أردوغان، وهو أن يعرض على «حزب السعادة» التحالف مقابل بعض المقاعد. «حزب السعادة» له تقريباً اثنان في المئة، و «حزب العدالة والتنمية» يمتلك الآن 41 في المئة، ويحتاج إلى 44 في المئة على الأقل لينال 276 مقعدا. حتى الآن يريد «السعادة» 20 مقعداً، وربما ينزل عن هذا الرقم بينما أردوغان يعرض 5 نواب، ربما يرفعها إذا اقتضت الضرورة.

من تكتيكات أردوغان رشوة طغرل توركيش، نائب رئيس «حزب الحركة القومية» ونجل المؤسس التاريخي للحزب ألب أرسلان توركيش، وإعطاؤه منصب نائب رئيس الحكومة. وبذلك يقتطع أردوغان بعض أصوات القوميين. ليس معروفا النسبة التي ستلحق بتوركيش الذي سارع الحزب إلى فصله، لكن يعتقد أنها ستكون محدودة جداً، لأن سلوك طغرل توركيش كان خارج أي معايير تنظيمية وفكرية وأخلاقية، وانتقاله كان مكشوف الأهداف.

خطة أردوغان بضرب الأكراد عسكرياً كان هدفاً مركزياً له بتشتيت الصوت الكردي وإرعابه، وعدم ذهابه إلى التصويت. ما حصل في مدينة جزيره من حصار ومنع تجول كان يهدف إلى ترجمة هدف إرهاب السكان وتهجيرهم وعدم ذهابهم للاقتراع. لكن استطلاعات الرأي لا تزال تحرم أردوغان من هدفه الكردي. معظم الشركات لا تزال تعطي الحزب الكردي نسبة 13 في المئة، وبعضها يزيد الرقم ومن يقلل منها، بنسبة لا تزيد عن نقطة أو نصف نقطة.

مع ذلك، فبعدما كانت الانتخابات الماضية مرهونة بما إذا كان الحزب الكردي سينال عشرة في المئة أم لا، فإن انتخابات الأول من تشرين الثاني هي ما إذا كان «حزب العدالة والتنمية» سينال 44 إلى 45 في المئة أم لا، وهي النسبة التي ستتيح أن يفوز الحزب بأكثرية 276 صوتا. لذا فإن كل حزب يسعى لتجميع النقاط، لحرمان «العدالة والتنمية» من نقطة هنا ونصف نقطة هناك. أي إنها انتخابات يعمل على تفاصيلها الصغيرة، قضاء بقضاء ومحافظة بمحافظة.

وفي ترجمة لاستطلاعات الرأي، فإن «العدالة والتنمية» سينال من 39 إلى 44 في المئة، و «الشعب الجمهوري» من 25 إلى 27 في المئة، و «الحركة القومية» من 14 إلى 17 في المئة، و «الشعوب الديموقراطي» الكردي من 12 إلى 15 في المئة. لكن المعادلة ستتغير في توزيع النواب، حيث تعطي الاستطلاعات عددا أكبر من النواب لـ «حزب الشعوب الديموقراطي» على حساب عدد نواب «حزب الحركة القومية». وهذا له اعتبارات تتصل بالنظام الانتخابي وليس لاعتبارات فكرية.

بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى، يتوقع أن تبدأ فعلياً الحملات الانتخابية للأحزاب ولأردوغان. هي من جديد انتخابات شهوة السلطة لدى «الشخص الواحد». من أجل حكمه المطلق نزل إلى الميدان في الانتخابات الماضية، ومن أجل استئثاره بالسلطة عرقل تشكيل حكومة ائتلافية، ودفع البلاد إلى انتخابات مبكرة، ومن أجل تحويل البلاد إلى «سلطنة» بالقوة سينزل من جديد إلى الميدان والساحات داعيا إلى انتخاب مرشحي «حزب العدالة والتنمية» ضارباً عرض الحائط بالدستور والقوانين.

ويبقى الرهان على الناخب التركي الذي أنزل أصوات «حزب العدالة والتنمية» تسعة في المئة دفعة واحدة. ورغم استطلاعات الرأي فإن قدر تركيا أن تختار بين استمرار الفوضى والنزيف الاقتصادي في ظل النظام الحالي أو الاقتراع لبدء مرحلة جديدة، تضع المسمار الأخير في نعش سلطة المغامرات والاقتراع بدم الشعب التركي وشعوب المنطقة.

assafir.com

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه