24-04-2024 10:17 PM بتوقيت القدس المحتلة

السلطان أردوغان واستحقاق انهيار "السلطنة"

السلطان أردوغان واستحقاق انهيار

يعتبر محلِّلون أن بدء التفاوض التركي مع أميركا منذ نحو شهر، وتزامُن التوصُّل الى اتفاق للحرب على داعش في سوريا مع توقيع مرسوم الدعوة لإنتخابات مُبكرة، يعكس الوضع الهزيل لأردوغان

أمين أبوراشد


تزامن توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرسوم دعوة الناخبين الأتراك لانتخابات برلمانية مُبكرة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مع إعلان وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، أن تركيا والولايات المتحدة ستبدآن قريبا عمليات جوية وصفها بالـشاملة، لطرد مقاتلي تنظيم "داعش" من مناطق شمال سوريا قرب الحدود التركية، بعد سنة من محاولات الولايات المتحدة مع أنقرة للمشاركة في الحرب على داعش كرأس حربة فيها بالنظر الى موقعها الجغرافي في شمال سوريا والعراق.

وأشار الوزير التركي إلى أن المحادثات الفنية استُكملت الأحد، و"قريبا سنبدأ هذه العملية ضد داعش"، وأن حلفاء إقليميين سيشاركون ربما في العمليات من بينهم دول عربية مثل السعودية وقطر والأردن، وكذلك دول أخرى منها بريطانيا وفرنسا، مؤكداً أن العمليات ستبعث أيضا برسالة للرئيس السوري بشار الأسد تضغط على دمشق لقبول التفاوض والسعي إلى حل سياسي للحرب السورية.
ويعتبر محلِّلون أن بدء التفاوض التركي مع أميركا منذ نحو شهر، وتزامُن التوصُّل الى اتفاق للحرب على داعش في سوريا مع توقيع مرسوم الدعوة لإنتخابات مُبكرة، يعكس الوضع الهزيل لأردوغان في الداخل التركي، وحاجته لتعويم حزب العدالة والتنمية باستعادة الإعتبار إليه عبر استرجاع الأغلبية البرلمانية في انتخابات مبكرة، يرجو من خلالها أردوغان، كزعيم فعلي لهذا الحزب، الفوز بالغالبية السابقة، وتسمح لحزبه بتشكيل حكومة أغلبية تُجري استفتاء لتعديل الدستور، وتجعل نظام الحكم رئاسياً مما يُتيح له أن يغدو الحاكم المنفرد والسلطان المُطلق.
ويُضيف أحد العارفين ببراغماتية أردوغان ساخراً: كان أردوغان يحلم منذ أربع سنوات بالصلاة في المسجد الأموي بدمشق بعد إسقاط الأسد، ويبدو أن أحلامه تواضعت لدرجة مساعدة الأسد بطريقة غير مباشرة لتطهير الشمال السوري، ليس حبّاً بالأسد بل خوفاً على نفسه، بعد أن أهدرت داعش دمه واعتبرته مرتدَّاً ولوَّحت ببدء عملياتها في الداخل التركي.

وإذ يأمل أردوغان أنه بإمكانه على هامش حرب القضاء على داعش وإبعاد خطرها عن الجنوب التركي، أن يقضي على حزب العمال الكردستاني، فإن هذا الأمر ترفضه أميركا، إنطلاقاً من رغبتها بحق الأكراد في إقامة دولتهم في إقليم كردستان العراق وصولاً الى الشمال السوري الكردي، ضمن مخطط إقامة الدويلات وإنشاء الإسرائيليات في الشرق.

هذا ما سوف يرتد سلباً على أردوغان، لأن حزب العمال الكردستاني هو العدو الأخطر بالنسبة إليه لأنه الذراع العسكرية لحزب "الشعوب الديموقراطي الكردي"، الذي دخل في الإنتخابات التركية الماضية التي جرت في يونيو/ حزيران الماضي بثمانين نائباً اللى البرلمان للمرة الأولى بتاريخ تركيا، مما أدخل أردوغان في مأزق مواجهة الزحف السياسي الكردي ضمن تركيا إضافة الى زحفهم العسكري في الداخل ومن الجنوب لنيل الحقوق بدولتهم الموعودة.  

إذاً فإن تنظيم داعش ليس ضمن أهداف أردوغان، لأنه على حدود تركيا منذ سنوات، ورفضت تركيا الدخول في أي حربٍ ضده، بحجة عدم توافق عمليات التحالف الدولي ضذ التنظيم مع شروط أنقرة، لكن البعض يرى أن الهدف المعلن يخفي بين طياته أمراً آخر، وهذا ما صرَّح به المستشار بمركز الدراسات الإستراتيجية التركية جواد غوك: "الهدف ليس تنظيم داعش بالتحديد، بل هو غطاء لحرب أنقرة الحقيقية ضد الأكراد، لأن تركيا تحركت لتضرب التنظيم بعد توسع أكراد سوريا في الشمال على الحدود التركية، كما أن الحرب لم تستمر باستهداف مواقع داعش ولكنها توسعت لتشمل حزب العمال الكردستاني، وبالتالي فإن المنطقة التي تريد أنقرة في اتفاقها مع واشنطن تصفيتها من داعش، تسعى لأن يكون الجيش الحر حليفها بديلا عن أي تنظيمات مسلحة فيها، وبذلك يمكن أن تسيطر تركيا على غرب الفرات حتى حلب، وهذا ما تسعى إليه حكومة العدالة والتنمية منذ فترة عندما طالبت بمنطقة عازلة شمال سوريا، بالإضافة الى ذلك، فإن الرئيس التركي يريد انتخابات مبكرة يمكن أن تعيد له ولحزب العدالة والتنمية السلطة الكاملة وبالتالي فإن العملية العسكرية لها أهداف انتخابية تعوِّم أردوغان شخصياً".

إن كل ما سوف يحصل من أعمال عسكرية ستشارك بها تركيا في المرحلة المقبلة في الشمال السوري، يدخل ضمن إطار المعركة الإنتخابية الشخصية لأردوغان الخارج من صدمة الإنتخابات الماضية، بعد إخفاق حزب العدالة والتنمية بالحصول على الأغلبية ودخول "أعدائه" الأكراد الى البرلمان، وهو بارتضائه الخضوع لأميركا والقيام بأعمال حربية، سيضرب حزب العمال الكردستاني من جهة ويُظهر للداخل التركي أن حزب العدالة والتنمية هو صمام أمان تركيا، وفي هذا الاتجاه، يمكن القول إن الحملة زادت مستوى الاصطفاف السياسي والأيديولوجي داخل تركيا، الأمر الذي قد يساعد في تبديل أولويات الناخب ودفعه باتجاه إعادة خياره الانتخابي.

وللمعارضة التركية رأيها الصريح، أن الرئيس رجب طيب أردوغان يدبِّر لـ"انقلاب مدني"، من خلال دعوته لإجراء انتخابات مبكرة بعد إفشاله عمداً جهود تشكيل حكومة ائتلافية، واعتبر حزب الشعب الجمهوري أن أردوغان تعمَّد عرقلة المشاورات من خلال سلطته المطلقة على شخص رئيس حزب العدالة التنمية / رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو، لأن أردوغان يرفض الشراكة في الحكم نتيجة ميوله الإستبدادية، وقال رئيس الحزب كمال كيليتشدار أوغلو "أن الديمقراطية معلَّقة حاليا في تركيا والدستور لا يُعمل به"، وأضاف خلال لقاء مع نواب حزبه في أنقرة "نحن نواجه انقلابا مدنيا"، ما يعيد إلى الذاكرة تاريخ تركيا الذي شهد ثلاثة انقلابات عسكرية في 1960 و1971 و1980، وأردوغان يرفض إحداث تغييرات تتعلَّق بالإقتصاد والتعليم وبوقف التدخُّل الخارجي بشؤون دول أخرى وفي طليعتها سوريا".

في المحصِّلة، فإن استطلاعات الرأي لغاية الآن، لا تُعطي حزب العدالة والتنمية أكثر من 2% أعلى من انتخابات حزيران، مع 2% أيضاً لحزب الشعب الجمهوري، بينما سترتفع شعبية حزب الشعوب الديموقراطي الكردي مع بدء الحرب المرتقبة من أردوغان على الأكراد في شمال سوريا، وأردوغان خاسرٌ لا محالة، لأنه لو انتصر خارجياً سيخسر داخلياً، وتركيا قادمة على اهتزازات داخلية أمنية، وستكون داعش أولى أركانها ويليها الأكراد، وتستعيد تركيا زمن "الرجل العثماني المريض" وتدفع أثمان طموحات السلطان أردوغان الذي أمعن كثيراً في توريط تركيا خارجياً بما ليس لها فيه...