20-04-2024 10:01 AM بتوقيت القدس المحتلة

"أحرار الشام" و"جبهة النصرة" ... التكفير وجها لوجه

ليس من الصعوبة إثبات الرابط القوي بين حركة احرار الشام وتنظيم القاعدة العالمي، على المستوى الفكري أو العملاني، وان حاول قادتها إخفاء هذا الأمر في التصريحات العلنية، والإطلالات الإعلامية.

أحمد فرحات

 

ليس من الصعوبة إثبات الرابط القوي بين "حركة احرار الشام" و"تنظيم القاعدة" العالمي، على المستوى الفكري أو العملاني، وان حاول قادتها إخفاء هذا الأمر في التصريحات العلنية، والإطلالات الإعلامية. غير أن سيرة حياة مؤسسيها وقادتها، تشير إلى أن معظمهم خرجوا من سوريا إلى أفغانستان والعراق، وقاتلوا إلى جانب تنظيم القاعدة وأبو مصعب الزرقاوي، وعادوا إلى سوريا، ليطبقوا المشروع الذي خرجوا على أساسه، وهو إقامة ما يزعمون انه "الدولة الإسلامية"، أو كما يحب شرعيوها أن يسموها "الحكومة الراشدة".

اختلفت التسميات والهدف واحد، تحقيق ما عجز عنه تنظيم القاعدة في أفغانستان واليمن والصومال، بتأسيس "دولة" بحسب مفهومهم، وإن شابه بعض التعديل نتيجة تبدل الظروف.

من هي أحرار الشام؟

سبقت هذه الحركة ما سمي ب "الجيش الحر" في حمل السلاح ضد الدولة في سوريا، حيث أعلن عن تأسيسها في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 2011، وقبل هذا التاريخ، وبالتحديد في منتصف العام نفسه، عملت في السر، أي مباشرة بعد خروج أحد مؤسسيها من السجن وهو أبو خالد السوري، والذي اغتيل بحي الهلك في حلب.

خاض مسلحو الحركة معارك عديدة مع الجيش السوري، ارتكبوا العديد من المجارز بحق أبناء الشعب. وعند دخولهم إلى حي النيرب في حلب، ارتكبوا المجزرة الشهيرة بحق آل بري، عبر إطلاق الرصاص عليهم، حيث كانت تنشط وقتها تحت إسم "كتائب أحرار الشام"، وذلك أواخر الشهر السابع من عام 2012.

وفي حلب أيضاً، أقدمت أحرار الشام على هدم ضريح الشيخ الصوفي أحمد موصللي في باب الحديد، بذريعة أن "هذه القبور شرك"، وهذه بالمناسبة نفس الذريعة التي يستخدمها "داعش" لهدم القبور والمقامات والآثار التاريخية.

وفي سجل هذه الحركة، دخولها إلى مدينة الرقة شرق سوريا، قبل أن تنسحب منها اثر معارك مع داعش، رغم أن الطرفين تعاونا في المدينة، قبل اندلاع المواجهات بين داعش والنصرة، بحسب ما تشير العديد من المعطيات الميدانية، وعمليات الصلب بحق المواطنين السوريين.

لعبت حركة أحرار الشام في بدايات تأسيسها دوراً بارزاً في اجتذاب المقاتلين الأجانب وتأطيرهم، خصوصاً بعد الدعوات التي أطلقت من خارج سوريا إلى ما يسمونه "الجهاد" في الشام، وتحدثت تقارير عديدة عن علاقة تربط الحركة بالليبي الايرلندي مهدي الحاراتي، الذي أسس لواء الأمة في سوريا، قبل أن يغادرها، ويصبح رئيساً لبلدية العاصمة الليبية طرابلس.

رغم إصرار الحركة على تقديم نفسها على أنها "سورية"، فإنها تضم المئات وربما الآلاف من الأجانب أو "المهاجرين"، الذين تقلدوا مناصب قيادية فيها، ومنهم، ابو سعد المصري، ابو محمد المصري، ابو مصعب التونسي، ابو عبد الله النجدي، ابو انس المصري، ابو الحسن التبوكي، وهم الموقعون حديثاً على بيان حمل عنوان "بيان مهاجري الشام بخصوص جماعة البغدادي". كما أن ساحات المواجهة مع الجيش السوري تشهد يومياً مقتل مسلحين أجانب منها. ولكن الحركة لم تجعل من نفسها مركزاً لإستقطاب الأجانب، لتجنب التبعات السياسية والإعلامية لذلك.

علاقة أحرار الشام بجبهة النصرة

ارتباط "أحرار الشام" بتنظيم القاعدة، لا يجعل منها حركة تابعة، حيث سعى قادتها إلى التمايز عن سلفية القاعدة، من دون أن يحيدوا عن "المنهج"، فيما تشير أنباء إلى أن "مشروع أحرار الشام" تبلور أثناء وجود زعيمها السابق حسان عبود في سجن صيدنايا، برفقة أبو خالد السوري والعديد من الشخصيات، وذلك خلال السنوات التي تلت اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وفي خطتهم الاستفادة من الضغط الدولي على الحكومة السورية آنذاك.

 

على المستوى النظري، تستلهم حركة أحرار الشام مبادءها من 3 شخصيات أساسية:

1_ الفلسطيني عبد الله عزام، أحد مؤسسي تنظيم القاعدة الذي اغتيل عام 1989.

2_ السوري أبو مصعب السوري المعتقل حالياً، بحسب ما أشار أيمن الظواهري في احدى تسجيلاته الصوتية.

3_ السوري عبد المنعم مصطفى حليمة "ابو بصير الطرطوسي" المتواجد في تركيا.

رغم أن الأخير يعتبر من أشد منتقدي جبهة النصرة (حتى أنه أفتى بحرمة الإنتماء إليها)، ويختلف مع منظري تنظيم القاعدة الأساسيين امثال أبو قتادة الفلسطيني، فإن حركة أحرار الشام وجبهة النصرة في العديد من المفاهيم، لا يفرقهما سوى الإرتباط الرسمي للثانية بتنظيم القاعدة العالمي.

هذا الإرتباط الذي بات عبئاً على زعيم النصرة أبو محمد الجولاني، فقيد حركته، وجعل جماعته مطلوبة دولياً بتهمة الإرهاب، فحرمه هذا الأمر من ضم الجماعات المسلحة في سوريا تحت ردائها.

غير أن الجولاني وبسبب ضعف خبرته التنظيمية، وخلفيته الفكرية التي تكفر العمل السياسي والديمقراطية، فشل في تقديم جبهته على أنها مقبولة في اطلالتيه الأخيرتين على قناة الجزيرة القطرية، رغم إعطائه الأمان للولايات المتحدة وللعدو الإسرائيلي، بإعلانه الصريح أنه لا ينوي استهداف الغرب، ذلك لأن وصمة إرتباطه بالقاعدة، تمنع الإدارة الأميركية من التعاون مع جماعته بشكل علني، في محاربة داعش، وإسقاط الدولة السورية.

احرار الشام ليست كذلك، فلا إرتباط علنياً لها بتنظيم القاعدة، ومن تردد أنه بايع الظواهري (مؤسس الحركة حسان عبود)، قتل في انفجار غامض في بلدة رام حمدان بريف ادلب العام الماضي.

وبعد ذلك توجهت الحركة سريعاً إلى الغرب، مستغلة مساعي واشنطن في إيجاد حليف لها في سوريا، كقوات برية تعتمد عليها لمحاربة داعش والجيش السوري، وراحت تقدم أوراق اعتمادها إلى دوائر صنع القرار في واشنطن ولندن، عبر مقالتين الأولى في "واشنطن بوست" الأميركية والثانية في "ديلي تلغراف" البريطانية، حملتا توقيع المدعو لبيب النحاس، وهو شخص غير معروف، عرف عن نفسه على أنه مدير العلاقات الخارجية السياسية للحركة.

ودعا النحاس في مقالته في الصحيفة البريطانية لندن إلى زيادة مشاركتها بالتحالف الدولي في ضرب داعش. امر فسر على ان احرار الشام تريد التفرد في قرارات الجماعات المسلحة، كما أن عبارات التودد للغرب، رأت فيها العديد من قيادات الجماعات على أنها أقرب إلى الخيانة.

الخلاف بين الحركة والتنظيم

وردا على مقال النحاس الأخير، هاجم العديد من مؤيدي القاعدة ومنظريها في سوريا وخارجها حركة أحرار الشام.

ومن أبرز الأصوات المنتقدة، احد المرجعيات الكبيرة لتنظيم القاعدة وهو أبو قتادة الفلسطيني، الذي اعتبر أن أحرار الشام هي في وسط طريق الإنحراف، وستحتاج الكثير للعودة إلى الصواب، وقال إنها "مستعدة لمقاتلة التيار الجهادي كله مقابل قبول اوراق الاعتماد"، وإنها "مستعدة لمعاداتنا من أجل ارضاء الغرب".

أحد أمراء جبهة النصرة في ريف ادلب المدعو أبو سعد السوري، دعا حركة أحرار الشام للعودة إلى الضابط الذي تأسست عليه الحركة، ويقصد بذلك الولاء للسلفية الجهادية، و"إلا فإنها ستخسر النخب، ولا يبقى في صفوفها إلا فضلات جمال معروف"، بحسب ما غرد على حسابه على موقع تويتر.

موقف الفلسطيني استدعى رداً من مسؤولي الحركة، ومؤيديها على صفحات التواصل الإجتماعي، واعتبر البعض أن "الساحة ليست محلا لإعادة التجارب السابقة الفاشلة التي جرت على أمة ويلاتها"، في إشارة إلى إتهام الفلسطيني بعلاقته بأحداث الجزائر، والقتال الذي دار هناك بين الجماعات المسلحة المحسوبة على "التيار الجهادي".

رسمياً كان لأحرار الشام رد عنيف، حيث اتهم عضو مجلس شورى الحركة "أبو عزام الأنصاري"، أبو قتادة بالكذب، وبأنه كان على علاقة بالمخابرات الجزائرية ابان وجوده في بريطانيا.

تفجر الخلافات بين أبرز ركني ما يسمى "غرفة عمليات جيش الفتح" على هذا النحو، استدعى تدخلاً من المسؤول الشرعي للحركة المدعو أبو العباس الشامي، فحاول الرجل جمع التناقضات، حيث اعتبر أن مفهوم العمل السياسي أشمل من "المشاركة البرلمانية في ظل أنظمة جاهلية ﻻ تعترف بحاكمية الله تعالى للمجتمع".

ويكون بذلك قد جدد التزام الحركة بمبدأ الحاكمية وتكفير المجتمعات التي سوّق لها سيد قطب، (باعتبار أن أي مجتمع لا يحتكم إلى الشريعة هو كافر)، مؤكداً ارتباط الحركة بالفكر التكفيري، لتجنب الصدام مع تنظيم القاعدة، خصوصاً أن تداعيات حرب داعش والنصرة، لا تزال ماثلة أمام "الجهاديين". لكنه بالمقابل أعطى ما أسماه العمل السياسي الذي تقوم به حركته، مفهوماً أوسع بكثير من الذي حرمه السيد قطب.

ويبدو أن الساحة السورية أمام مشهد جديد، وصراع جديد بين "إخوة المنهج"، شبيه بذاك الذي دار بين داعش والنصرة وبالتالي تفجر تجربة "جيش الفتح"، فهل سيتم إحتواء الأزمة، أم أن التنافس على السلطة سيولد حربا جديدة بينهما.

الجواب على هذا السؤال رهن بالأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أن أبرز المستفيدين من هذا الصراع إن حصل، هو ما يطلق على نفسه "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش، الطامح إلى لعب دور أكبر على "الساحة"، ولا يكون ذلك إلا بإنهاك منافسيه لا سيما أنه علاقته مع جبهة النصرة ليست على ما يرام، وخلافه مع أحرار الشام بات معروفا، بعد خروجه مؤخراً من مظلة ما يسمونه "الجبهة الإسلامية".