26-04-2024 12:25 AM بتوقيت القدس المحتلة

لبنان ينتظر "الموازنة"... تشريع مع وقف التنفيذ

لبنان ينتظر

بدأ التحضير لاقرار الموازنة العامة في لبنان، رغم اننا نقترب من منتصف العام الجاري، فمجلس الوزارء اتخذ القرار بجعل جلساته مفتوحة الاسبوع المقبل حتى اتمام مشروع قانون الموازنة.

على قدم وساق يبدو العمل جارياً للتحضير لمشروع الموازنة العامة في لبنان، رغم اننا نقترب من منتصف العام الجاري، إلا ان الحراك يشير الى ان الوزير علي حسن خليل أخذ "الضوء الاخضر" بضرورة العمل لايصال الموازنة الى ادراج مجلس النواب، علّها تسهم في فتح ابواب المجلس ليلعب دوره في التشريع، وبوادر نجاح المهمة بدأ بالظهور مع اتخاذ مجلس الوزارء القرار بجعل جلساته مفتوحة الاسبوع المقبل حتى اتمام مشروع قانون الموازنة.

وبعد غياب طال منذ العام 2005 تتحضر الدولة اللبنانية بشكل او بآخر لاستقبال موازنة "عدم وجودها له تداعيات كبيرة على مؤسسات عمل الدولة"، بحسب وزير المالية، علما ان هذه الفكرة بالتأكيد بديهية لدى كل الناس وليس فقط لدى وزراء المالية الذين تناوبوا منذ الـ2005 وحتى اليوم في لبنان، فأي دولة في العالم يمكن ان تعمل بلا موازنة لسنة واحدة؟ فكيف بعشر سنين؟؟

ولكن بما ان في لبنان كل شيء جائز طالما ان السياسة ترتضيه، فالسياسة التي غيبت الموازنة عشرة اعوام يبدو انها اليوم قررت تمريرها في مجلس الاجدر به بحث الكثير من القوانين في طليعتها قانون الانتخاب الذي إن أقرّ بشكل صحيح ومتوازن وعصري ربما يحل الكثير من أزماتنا التي لم تبدأ بغياب الموازنة ولن تنتتهي بالفراغ في كثير من المراكز الاساسية في الدولة وفي طليعتها مركز رئاسة الجمهورية.

والغريب ان كل القوى او أغلبها تتفق في ليلة وضحاها على تمرير القوانين ليس فيها ضرر مباشر لها، وهي نفسها القوى تتنازع وتتخاصم عند وجود قوانين تضرب مصالحها او مصالح بعضها كما في قانون الانتخاب مثلا، فاليوم يرتفع الصوت وتستخدم عبارات مثل "ضرورة تمرير القوانين نزولا عند مصالح الناس الحيوية"، و"ضرورة الحفاظ على حسن سير عمل المؤسسات"، ... وغيرها من العبارات الفضفاضة الرنانة التي لا يُفهم هل المقصود فعلا منها مصلحة الوطن والمواطن او انها تهدف لتحقيق مصالح البعض من القوى والسياسيين.

هل من ضرورة لاقرار قانون الموازنة؟؟ وما هي سلبيات عدم الاقرار؟

وقد يكون طرح موضوع الموازنة هو أساس لفتح دورة تشريعية لمجلس النواب، حيث ان بعض الكتل التي تعارض أصلا حضور جلسة تشريعية، توافق على الحضور بحسب جدول أعمال الجلسة التشريعية، فالبعض يوافق على الحضور اذا ما أدرج مشروع قانون الموازنة على جدول اعمال الجلسة، بينما يطالب البعض بوضع قوانين اخرى ذات اهمية معينة بحسب اعتباره كمشروع قانون الانتخاب او حتى مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب او غيرها من القوانين حسب "الحاجة او المصلحة"، لذلك قد يكون انجاز مشروع الموازنة مفتاحًا للجلسة التشريعية، وبذلك يكون جهد الوزير خليل منصبًا على تسهيل مهمة رئاسة المجلس في عقد جلسة تشريعية.

ولكن ما يعنينا هنا، هل من ضرورة ومصلحة لبنانية عامة لاقرار وتمرير مشروع قانون الموازنة في مجلس الوزراء وصولا الى اقرار الموازنة في البرلمان؟ وما هي الاضرار من غياب هذه الموازنة بعد كل هذا الوقت على عدم وجودها؟ وهل كل القوى السياسية في لبنان ستسهل تمرير الموازنة في الحكومة؟ وهل جميع الكتل ستشارك في جلسة تشريعية للمجلس؟ ومتى قد تعقد هذه الجلس التشريعية؟

وزني: لا اصلاح ولا رقابة بدون موازنة

لفت الخبير الاقتصادي غازي وزني الى ان "الموازنة هي رؤية اقتصادية واجتماعية للحكومة في فترة زمنية معينة هي سنة كاملة"، واضاف "خلال هذه السنة تقدم الحكومة بيانا عن الايرادات والنفقات التي ستؤديها خلال هذه الفترة"، وتابع "عندما لا توجد موازنة يتم الانفاق على اساس قاعدة الاثني عشرية كما هو حاصل في لبنان اليوم".

واعتبر وزني في حديث لموقع "قناة المنار" انه "بغياب الموازنة وحصول الانفاق على أساس قاعدة الاثني عشرية يعني ان الحكومة ليس لديها برنامج اصلاحي مالي او اقتصادي او اجتماعي وصار نشاطها أشبه بتسيير الاعمال"، واوضح ان "الحكومة في هذه الحالة تقوم بعمليتي الجباية والانفاق فقط دون القدرة على القيام بالاصلاحات او القيام بالمشاريع الاستثمارية وبرامج تنموية".

وحول سلبيات غياب الموازنة، أكد الخبير وزني ان "لبنان خلال العشر سنوات الماضية لم يكن لديه خطة ولا رؤية ما أدى الى انه خسر على صعيد الاصلاحات الاجتماعية والانماء والاستثمار وتحسين جباية الدولة وعلى صعيد ترشيد الاتفاق"، وتابع "دور الحكومات في لبنان خلال الفترة الماضي بغياب الموازنة هو تغطية الدين العام وتأمين الرواتب والاجور للموظفين وتكلفة الكهرباء"، ولفت الى انه "ليس لدى الحكومات اللبنانية اية امكانية مالية او قانونية للقيام بأي خطوات انمائية او اجتماعية".

واشار وزني الى انه "على صعيد الانتظام المالي بغياب الموازنة لم يعد هناك امكانية بإجراء قطع حساب اي لم يعد بالامكان بشكل دقيق معرفة ما هو وضع المالية العامة في البلد"، واوضح انه "بغياب الموازنة لا نستطيع القيام برقابة فعلية على مالية الدولة من قبل الجهات الرقابية سواء ديوان المحاسبة او مجلس النواب بمعنى ان النظام المالي مخترق والجهات الرقابية باتت غير فعالة كما انه لم يعد بمقدور الحكومة القيام بالرقابة الفعلية على عمل المؤسسات والادارات".

ولفت وزني الى انه "بدون موازنة لا يمكن زيادة عديد القطاع العام كما حصل خلال السنوات الماضية وكما يحصل اليوم لانه كيف ستغطي الحكومة من الناحية القانونية رواتب هؤلاء"، واكد ان "هذه مخالفة قانونية لان الموازنة هي التي تجيز للحكومة زيادة عديد القطاع العام"، وتابع "عمليات الهدر والسرقة التي قد تحصل في الادارات العامة لا يمكن ضبطها طالما لا توجد موازنة وبغياب السلطات الرقابية".

وبالنسبة لتأثير غياب الموازنة على وضع لبنان مع الخارج، قال وزني إن "غياب الموازنة يؤثر على رؤية المؤسسات المالية الدولية للبنان فهي تؤثر سلبا على النظرة باتجاه لبنان وديونه السيادية ووضعه الاقتصادي"، واشار الى ان "من تداعيات ذلك انه يؤدي الى ارتفاع المخاطر السيادية اي امكانية رفع الفوائد وابتعاد المستثمرين عن لبنان".

وحول ايجابيات اقرار الموازنة، لفت الخبير الاقتصادي الى انه "بوجود الموازنة يمكننا الحديث عن ارتفاع في معدلات النمو او تحسّن في التقديمات الاجتماعية(كالطبابة والتربية والتعليم والحد من الفقر)، وتابع "بغياب الموازنة لا يمكن النقاش بهذه الامور وغيرها لانها مفقودة بالاساس لغياب الرؤية او الخطة للحكومة"، وشدد على ان "لا اصلاح بدون موازنة فالموزانة ضرورية لتلافي كل السلبيات السابقة وللوصول الى لوقف الهدر ولترشيد الانفاق وللانماء وللاستثمار ولسمعة لبنان وصورته في الخارج ولتلافي كل السلي".   

فرغم كل هذا الحراك وتحت عناوين مختلفة للقيام بمهمة التشريع التي يفترض أنها بديهية للبرلمان في اي بلد من البلدان، ورغم كل هذا التهليل لاقرار الموازنة التي لا يجب ان تتأخر كل هذا الوقت في بلد يقال ما يقال عن الاستقرار فيه وضرورة حفظ امنه وحمايته، يبقى ان العبرة بالتنفيذ سواء بالنسبة لما ستحققه هذه الموازنة في مختلف المجالات او حتى على صعيد باقي التشريعات التي ينتظر او يحكى انها ستتطرح على مجلس النواب، فما هي النتائج التي سيجنيها الشعب في لبنان من وراء كل ذلك؟ هذا ما سنراه ونحكم عليه في الفترة الآتية..