28-03-2024 03:07 PM بتوقيت القدس المحتلة

سورية: الأزمة والحل خطان متوازيان

سورية: الأزمة والحل خطان متوازيان

يدرك اطراف النزاع السوري، وهم كثر، أن مرحلة الميدان لم تنته بعد، وبالتالي فإن المرحلة السياسية الفعلية التي تسبقها عادة لم تبدأ بعد

لا ينفي رئيس "مجموعة التغيير السلمي" المعارضة في سورية فاتح جاموس حقيقة أن "أي معارض جاد للنظام في سورية لا يرضى بمبدأ أن شخص الرئيس بشار الأسد خط أحمر"، لكنه في الوقت عينه يؤكد، في حديث لموقع المنار أن "من يريد اسقاط النظام في لقاء موسكو التشاوري" المزمع عقده نهاية الشهر الحالي، والذي سيجمع اطرافاً من المعارضة السورية، "سيكون سقفه مرتفعاً، واميركياً بامتياز". يرسم المعارض، الذي سبق أن كان حاضراً في اجتماع جنيف2، والذي من المفترض أن يشارك في لقاء موسكو التشاوري، بتصريحاته صورة تتسم بالكثير من الخطوط المتشابكة، والتي اذا ما نظرنا اليها بعين المراقب نرى شيئاً واحداً: الأزمة السورية وهي تقترب من نهاية عامها الرابع.

يُبرز الخط الأول الشرخ الواضح بين اطراف المعارضة السورية إن كان بشقيها الداخلي والخارجي، أو لجهة التصنيف الغربي والأميركي لها كمعارضة "معتدلة" واخرى "متشددة"، ويظهر ذلك واضحاً عند سؤال جاموس "كمعارضة، ماذا تريدون من النظام حالياً، في ظل المعطيات الجديدة للأزمة؟"، يؤكد الأخير أنه لا يستطيع "التحدث بلسان غيري"، والسبب معروف "حتى الآن ليس هناك من صورة مشتركة، هناك خلافات عميقة، ليس هناك اي حد ادنى من التنسيق". هي عقبة مهمة تقف في طريق حظوظ المشاورات التي ترعاها موسكو، والتي سعت جاهدة لجمع أكبر عدد من المعارضين على ارضها، محذرة على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن من لن يشارك "سيفقد دوره في عملية التفاوض"، هذه التحذيرات لن تلقى صداها لدى كل من هو محسوب على واشنطن التي أعلنت على لسان المتحدثة باسم خارجيتها ماري هارف "لسنا طرفاً في التحضير للقاءات موسكو"، بل إن وزارة الحرب أكدت عزمها إرسال أكثر من أربعمئة عسكري لتدريب وتجهيز مقاتلي "المعارضة السورية المعتدلة": نقطة التقاء الكبار لم تتشكل بعد.

في معرض حديثه لموقعنا، يؤكد جاموس أن "المعارضة التي ستجلس على طاولة الحوار هي المعارضة المعتدلة غير المسلحة وليست المعارضة الفاشية". المعارضة التي اطلق عليها جاموس صفة "الفاشية" هي عبارة عن تلك الجماعات المسلحة ك"داعش" و "جبهة النصرة" وغيرها التي يقاتلها النظام والتي لا يتوقف اطلاق النار في اي منطقة سورية الا باستئصالها، والسؤال هنا: أين داعمي تسلح هؤلاء وبقائهم، من الأزمة السورية حالياً؟

"السعودية تلعب لعبة مزدوجة"، يقول الباحث والمعارض السعودي فؤاد ابراهيم، موضحاً لموقعنا أنه "في العلن تؤيد المملكة الحل السياسي، بينما تحت الطاولة هي تدفع رجال دين وجماعات الى ايصال مساعدات للمسلحين، لذا فهي قادرة على التخريب، نعم هي باتت متضررة من الارهاب، وهي مستهدفة من القاعدة وداعش والدليل على ذلك عملية عرعرة، رغم ذلك هي لا زالت تدعم هذه الجماعات لتصفية حسابات مع دول اقليمية ومع شخص الرئيس بشار الأسد، رغم سحب الملف السوري منها منذ اعفاء الأمير بندر بن سلطان عام 2014"، لكن هذه الدولة "تنتقم ليس بالضرورة بعقلها، هي تمارس السياسة بغرائزها، إنه الجنون السعودي"، من يستطيع كبح هذا الجنون؟

بحسب المعارض السعودي، الولايات المتحدة قد تلعب دوراً بالضغط على السعودية، لكن ما قد يشكل عامل ضغط على المملكة "وجود توافق دولي تجاه مصير الأزمة وبالتالي المسلحين، بحيث تشعر السعودية أنها لو خالفت هذا الاجماع يمكن أن تصنف كدولة راعية للارهاب، تماماً كما حصل قبل زيارة اوباما الى السعودية في شباط العام الماضي، والتي فرضت على الملك عبدالله اصدار قرار تسليم المقاتلين السعوديين في سورية، في حال حدوث اجماع ستكون السعودية طرفاً فيه"، ما من اجماع، تستطيع المملكة استكمال لعبتها.

انطلاقاً من فكرة التوافق الدولي بشأن الأزمة السورية، تحضر مبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بشأن "تجميد القتال في حلب" الى الواجهة، والذي وبحسب مصادر اعلامية تنظر اليه دمشق كمبعوث فرنسي اميركي. في السياق، يرى المحلل السياسي وسيم بزي، في حديث لموقع المنار، أن هذه المبادرة اتت كردة فعل على اقتراب الجيش السوري من لحظة اطباق الحصار على مدينة حلب "دون القدرة الفعلية في هذه اللحظة على احداث اختراق نوعي يستند عليه في معالجة الأزمة"، خصوصاً في ظل "العرقلة التركية للمبادرة، فمنذ شهر أرسل جيفري فيلتمان مساعده رامي شحادي الى غازي عنتاب حيث اجتمع ببعض المعارضين، لكن لقاء دي مستورا أعضاء في الائتلاف أو في السلطات التركية والذي جاء في اعقاب زيارة مساعدي فيلتمان، طغت عليه اجواء سلبية كما غاب عنه بشكل اساسي جبهة النصرة، حركة احرار الشام، جبهة نورالدين الزنكي، وجبهة الأصالة والتنمية وهؤلاء هم الفصائل الأساسية المعنية بإفشال أي خطة".

يؤكد ذلك أنه وبالرغم من التغيير الذي طرأ على معطيات الأزمة السورية، فإن تركيا لا زالت متمسكة بموقفها المعادي للنظام ولشخص الرئيس الأسد تحديداً، وبالرغم ايضاً من التفاؤل الايراني الذي انعكس في تصريح لرئيس مجلس الشورى علي لاريجاني الذي أعلن أن "الجار التركي اتخذ موقفاً راسخاً ضد داعش خلال اجتماعات بين مسؤولين ايرانيين واتراك"، فإن تركيا لا تزال ماضية قدماً في خياراتها.

يوضح الخبير في الشأن التركي محمد نورالدين أن "أي خطوة تفضي الى تعزيز موقف النظام سواء على الصعيد العسكري أو على صعيد اتمام نوع من المصالحات كما جرى في حمص وسحب هذا الأمر على حلب أو اجزاء منها، الأتراك معارضين لها، انطلاقاً من ذلك هم لا يحبذون ابداً خطة تجميد القتال في حلب، لأن ذلك يعني بالنسبة اليهم تفرّغ الجيش السوري لقتال المسلحين في جبهات اخرى"، مشيراً إلى أن "الأتراك حالياً اقرب إلى الموافقة على مرحلة انتقالية يشارك فيها الأسد، لكن أن تنتهي هذه المرحلة بخروج الأسد من السلطة، بالنسبة اليهم خروج الأسد وبقاء النظام يشكل انتصاراً". يعكس الموقف التركي صعوبة في القدرة على صوغ حل شامل في هذه المرحلة من عمر الأزمة، فمن المعلوم أن شخص الرئيس الأسد هو "خط أحمر" بالنسبة للحلفاء الاقليميين: الخطوط لا تزال متباعدة، اقليمياً.

يبدي النظام السوري ايجابية ملحوظة تجاه المسعى الروسي ويعلن أن "لديه توجيهات من الرئيس ببذل كل جهد ممكن لانجاح لقاء موسكو"،بحسب وزير الخارجية وليد المعلم، حتى أنه لم يغلق الباب في وجه دي مستورا ومساعده رمزي رمزي على الرغم من عدم قدرتهم على انتزاع ضمانات جدية من الأطراف الأخرى، لكنه في الوقت عينه يستكمل بشراسة معركته في الميدان. في المقابل، يعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن "مبادرة موسكو قد تكون مفيدة"، في وقت تلمّح فيه بلاده إلى قناعتها بأن "لا حل من دون الأسد"، لكنها في الوقت عينه ترسل السيناتور جون ماكين للقاء ولي العهد السعودي، سلمان بن عبد العزيز، والأمير تميم بن حمد في الدوحة، لبحث مسألة "تدريب المعارضة السورية". يعكس ذلك ادراك اطراف النزاع السوري، وهم كثر، أن مرحلة الميدان لم تنته بعد، وبالتالي فإن المرحلة السياسية الفعلية التي تسبقها عادة لم تبدأ بعد.