19-04-2024 12:21 AM بتوقيت القدس المحتلة

بعد ذكرى 11 أيلول، هل سيكون لبنان مسرحاً لمأساة جديدة لأميركا؟ (2/2)

بعد ذكرى 11 أيلول، هل سيكون لبنان مسرحاً لمأساة جديدة لأميركا؟ (2/2)

أميركا وحلفاؤها انتقلوا إلى مرحلة تنفيذ عمليات الاغتيال بسبب عدم تمكنهم من تحقيق أهدافهم في المنطقة من خلال مجموعات خاصة تابعة لأجهزة أمنية أميركية وبريطانية وفرنسية وربما ستنتقل هذه الموجة إلى بيروت

نادر عزالدين

في الجزء الأول من التقرير كشفنا كيف استطاعت الولايات المتحدة الأميركية التغلغل داخل منطقتنا لتفتيتها بحجة أحداث "11 أيلول"، وكيف استغلت اغتبال الحريري وشخصيات مسيحية من قوى 14 آذار للضغط على سورية وإخضاعها. بعد ذلك تحدثنا عن الحرب السرية التي تعيشها بيروت اليوم والمشابهة لفترة ما قبل الحرب الأهلية ومستويات العمل الأمني الأميركي والغربي في المنطقة والجهة المستفيدة منها، وصولاً إلى مخطط "ثورة الياسمين" الذي كان معداً لسورية عام 2005- 2006 وكيف تبدلت الخطة الأميركية بعد الصمود الأسطوري لسورية ومحور المقاومة.

 كيف تتخلى أميركا عن حلفائها؟
وفي بداية الجزء الثاني سنتطرق إلى كيفية تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن حلفائها، ففي الآونة الأخيرة لاحظنا كيف تخلت واشنطن عن أهم شخصية كانت تؤمّن لها الدعم اللوجستي والدعم السياسي في العالم العربي، وهو حسني مبارك الذي أوصلته بنفسها إلى سدة الرئاسة بعد اغتيال أنور السادات الذي كان قد قدّم بدوره خدمات تاريخية للمشروع الأميركي، وبعد أن انتهت صلاحيته جرى استبداله بمبارك الذي تم تعيينه قبل 6 أشهر من رحيل السادات كنائب للرئيس حيث كانت هذه الفترة الزمنية تحضيرية لمبارك قبل اغتيال السادات بسبب تعذر تنحيه. ومنذ ذلك الوقت وحتى تنحيته استعملت أميركا حسني مبارك واستغلت مصر لحماية الكيان الصهيوني ولضمان استمرارية مشروعها في المنطقة تحت غطاء عربي.

وفي هذا الإطار يقول مدير عام الـ"إستشارية للدراسات الإستراتيجية" د. عماد رزق أن "جهاز الإستخبارات الأميركية CIA أطلق على مبارك إسماً رمزياً بمثابة لقب سري وهو "رجل الشنطة"، حيث كان معروفاً عند الأميركيين بأنه رجل يسعى وراء المال ونظامه فاسد ولذلك جرى استغلال نقطة الضعف هذه، وهذا الكلام ليس لي، بل ورد على لسان ضابطين متقاعدين في وكالة الاستخبارات الأميركية تومانس كلينس وأدوين ويلسن وهما من نقل أموالاً هائلة إلى الرئيس المصري المخلوع خلال فترات طويلة مقابل تنفيذه لمشاريعهم ولأعمالهم.

ويمكن اعتبار أن معظم أنظمة الفساد والديكتاتورية في المنطقة العربية وصلت إلى السلطة نتيجة تفاهمات مع أميركا وخدمة لمشروعها، وكانت هذه الأنظمة تتعامل مع مجموعة المخابرات التي كانت تتواصل معها وتنقل إليها الأموال والخدمات، وعندما تنتهي وظيفة هؤلاء الأشخاص تتم تصفيتهم أو تبديلهم بأشخاص آخرين".

وبحسب د. رزق هناك ثلاث مستويات لنقل السلطة "إما أن يكون بدعم المعارضة والضغط على الشخص المستهدف للإستقالة، وإما تحضير انقلاب عسكري كما جرى في أكثر من دولة، وإما بتحضير وتغذية الثورة عبر أجهزة المخابرات الأميركية. لذلك يجب الإنتباه كثيراً إلى ما يجري اليوم في المنطقة، فمثلاً نحن استمعنا بعد الإطاحة بمعمر القذافي من قبل المجلس الإنتقالي في ليبيا كيف كان هؤلاء الأشخاص متهمون بانتمائهم لتنظيم القاعدة وجرى اعتقالهم من قبل الـ CIA ولاحظنا كيف وضعتهم على رأس السلطة لمرحلة إنتقالية في ليبيا عندما أصبحت بحاجة إليهم، وعندما هرب القذافي متخفياً جرى إطلاق الإشاعات والتوصيفات أنه كان يعمل لصالح المخابرات الأميركية والبريطانية، وهذه كلها ألاعيب مخابراتية تستعملها الأجهزة الغربية لتشويه صورة من جهة ولتحقيق أهدافها من جهة أخرى".

وإذا عدنا إلى الوراء في هذه القراءة يمكننا التطرق لمحاولتي اغتيال تعرض لهما الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرّف من قبل ما يسمى بـ"طالبان باكستان"، وعند فشل محاولاتي الإغتيال، يقول د. رزق "رأينا كيف شجعت المخابرات الأميركية بناظير بوتو للعودة من الإمارات العربية إلى باكستان، وحضرت لها الأرضية واستقبلتها استقبال المنتصرين، وكيف جعلت منها الشخصية الأقوى في باكستان وكانت في الوقت نفسه تحضر لإغتيال مشرّف جسدياً بعد الإنتهاء من خدماته وتدميره معنوياً. بعد ذلك استخدمت المخابرات الأميركية طالبان باكستان لإغتيال بوتو وجاء التغيير في باكستان لصالح شخصية جديدة تعمل تحت مظلة المشروع الأميركي وتخاف من ضغوط واشنطن وتنفّذ رغباتها. وبعدها بقليل جرت ملاحقة زعيم طالبان باكستان واغتياله وقد أطلق الكثير من الإتهامات والتصريحات التي اعتبرت أن زعيم هذا التنظيم كان يتواصل مع المخابرات الأميركية". ويضيف د. رزق "التخلي عن برويز مشرّف في ذلك الوقت جاء بسبب عدم تلبيته لكل الشروط المفروضة عليه وبالتالي عدم استطاعته تنفيذ كل رغبات الأميركيين إن كان في موضوع أفغانستان أو حتى في موضوع التمدد نحو الهند وإخراج النفوذ الصيني من المنطقة.

وبالتزامن مع ذلك نقلت أميركا العلاقة إلى الهند وحاولت استدراجها لتوقيع اتقافيات استراتيجية لمكافحة الإرهاب وبعد ذلك حدثت تفجيرات نيودلهي ومارست أميركا الضغوط على الهند لاستدراجها للمواجهة مع باكستان، وأطلقت تسريبات مفادها أن أجهزة مخابرات باكستانية متورطة بالتفجير وذلك لإحداث بلبلة وفتنة بين باكستان والهند لعدم السماح لهما ببناء علاقة جيدة أو أن يسود الهدوء في هذه المنطقة".

كل هذا المسلسل الذي استمر لـ 10 سنوات قامت بكتابته وإخراجه أجهزة المخابرات الأميركية بالتعاون مع الموساد وأجهزة مخابرات غربية أخرى تابعة للحلف الأطلسي، وكل هذا خدمة للمشاريع الإقتصادية الغربية ومجموعة الشركات التي تحكم بها العالم. وليست الديكتاتورية والتمسك بالحكم والعمالة لأميركا سمة السواد الأعظم من الحكام العرب فحسب، بل يمكننا الحديث مثلاً عن تورط أميركا مع الرئيس الأندونيسي الجنرال سوهارتو الذي حكم أندونيسيا لـ 33 عاماً بتواطؤ وتنسيق أميركي، وعندما اتخذت القرار بالتخلي عنه جرى تبليغه في 20-5-1998 وخلال 24 ساعة سلّم السلطة إلى نائبه. وأن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن سطوة وقوّة ونفوذ الأجهزة الأميركية والغربية قوية جداً إلى درجة القضاء التام على من لا ينفذ رغباتها. وحتى اليوم لا تهتم أميركا لمن يأتي بعد عملائها فهي تعتقد أنها تستطيع الضغط وإعادة ترتيب الأوراق بعد الفوضى الخلاقة التي تزرعها بواسطة الفوضى أو الإنقلاب أو دعم المعارضة.

موجة تفجيرات جديدة .. فهل ستكون المخابرات الأميركية الهدف التالي ؟
ما هو واضح ومؤكد أن المرحلة التي عاشها لبنان بين عامي 1981 و1987 من استهداف للمقاومة ومحاولات التفجير المتلاحقة والمتعددة، ومنها محاولة الإغتيال التي تعرض لها العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله والتي أدت إلى استشهاد وجرح مئات المواطنين، كانت جميع أحداثها ناتجة عن تخطيط وتنفيذ المخابرات الأميركية ولكن ما كان مفاجئاً حينها أن تكون السعودية هي المموّل لهذه الأعمال، وهذه المرحلة نفسها تعيشها اليوم العديد من الدول العربية تحت غطاء ثورات وتحريف في هذه الثورات.
"الغريب أن أجهزة المخابرات الأجنبية لم تتعلّم من الدروس التي عاشتها، فالتفجير الذي استهدف السفارة الأميركية في بيروت عام 1983 كان من ضمن أهدافه اغتيال مدير محطة الـ CIA في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي أصيبت هذه المخابرات بخسارة كبيرة في ذلك الحين، وفي العام 2010 تكبدت المخابرات الأميركية أيضاً خسارة مهمة جداً عندما فجر أحد العملاء المزدوجين نفسه في أفغانستان فقتل 7 من أكبر الخبراء الأميركيين في المنطقة وما حدث كان من أكبر خسائر المخابرات الأميركية في التاريخ" يقول الدكتور رزق.

ويضيف أن "الخسارة الأولى كانت عام 1983 في بيروت والثانية عام 2010 في خوست بأفغانستان، وأعتقد أنه في المرة الثالثة ستدفع الولايات المتحدة وأجهزة المخابرات الأميركية خسارة أكبر منها إذا استمرت بهذا الأسلوب وستفقد أهم عناصرها وخبرائها، وهي تعرف أنها لن تخرج منتصرة هذه المرة بل الشعوب والخيارات الحقيقية الصادقة هي من ستفوز، لذا عليها أن تراجع سياستها في المنطقة وأن تفهم أن ليس كل الأشخاص يتم التعامل معهم بصفة المنفذين لسياساتها إنما يجب احترام خيارات الشعوب وأهدافها وطموحاتها".

لذلك فإن الإستمرار في استهداف سورية في ظل الآمال التي تعلقها روسيا والصين على الرئيس بشار الأسد تحديداً وعلى العلاقة بين دمشق وطهران وجبهة المقاومة في لبنان لمواجهة المشروع الأميركي في المنطقة، كلها عوامل سوف تدفع بالقوى الدولية إلى الإصطدام لتنفيذ أهدافها، و"إن لم يستطيعوا تنفيذها عبر الأسلوب الأقل ضرراً سيستخدمون الأسلوب الأمني".

التفجيرات تبدأ في تشرين الأول
حتى نهاية شهر رمضان كان الأسلوب الإعلامي والحرب النفسية له الأولوية لتحقيق الأهداف، وبعد فشل هذه الخطة يؤكد د. رزق أن "أميركا وحلفاءها انتقلوا إلى مرحلة تنفيذ عمليات الاغتيال بسبب عدم تمكنهم من تحقيق أهدافهم في المنطقة، لذا ستقوم مجموعات خاصة تابعة لأجهزة أمنية أميركية وبريطانية وفرنسية استطاعت الدخول إلى لبنان وسورية، بعمليات تفجير واغتيال لقياديين وعسكريين في سورية وربما ستنتقل هذه الموجة إلى بيروت وبغداد. فقد نشاهد أحداثاً أمنية مع بداية تشرين الأول، وأعتقد أن الضغوط التي تمارس اليوم وفشل المحادثات بين أكثر من جهة دولية سيؤدي إلى توتر ينتج عنه اشتباكات أمنية وحروب سرية ستكون مدمرة وقاضية للمشروع الأميركي في المنطقة".

لن يبقى الوضع الحالي على ما هو عليه في المنطقة، وما نتكلم عنه هنا أكبر بكثير من لبنان، إنها مواجهة إقليمية ودولية كبرى، فعندما تتحدث أميركا عن نصب نظام دفاع صاروخي في تركيا وبدورها تعترض روسيا وتصدر عنها تصريحات مفادها أن "هذا الأمر ممنوع"، يمكننا الجزم بأن الأمور ذاهبة إلى مواجهة فـ"لغة الممنوع" في المفهوم الدولي لها عواقب وخيمة. وإذا كانت روسيا قد دخلت إلى المياه الدافئة بعد 200 سنة من الحروب مع الدولة العثمانية وصولاً إلى الحرب الباردة مع أميركا، فهي بطبيعة الحال لن تتخلى بسهولة عن مكانتها وعن حلفائها، كما أنها لن تتخلى عن الممر الرئيسي لطريق الحرير باتجاه الصين. هذه العوامل تؤشر إلى أن الصين وروسيا لن تتخلى بسهولة عن محور المواجهة والمقاومة، لذلك فإن إمكانية استهداف هذا المحور من قبل الغرب والـ CIA واردة والمعلومات تؤكد أن هناك تحضيرات لهذه الموجة تتزامن مع الإنسحاب من العراق واستبدال القوات العسكرية بقوات سرية أمنية تنفذ هذه العمليات.

إذاً ستبدأ "حرب أجهزة المخابرات السرية" رسمياً في تشرين الأول ولو أننا لاحظنا انطلاقتها منذ أسابيع في سورية من خلال بعض التفجيرات "الخفيفة" والتي وضعت في إطار "التجربة" الأولية. وستكون ساحة هذه الحرب منطقة البحر المتوسط من لبنان إلى سورية وصولاً إلى العراق، وستكون المرحلة صعبة أمنياً وخطيرة جداً ولكن الغلبة ستكون لصالح خيار المقاومة نظراً لتمتعه بالتأييد الشعبي، فهذا خيار المنطقة وأهلها، أما مشروع الفوضى الخلاقة فهو غريب عن المنطقة وعن شعوبها. والصمود سيكون لصالح خيار المقاومة في "معركة الفصل" للانتهاء من عملية المراوغة والمراوحة مع المشروع الأميركي في المنطقة ليترك الخيار بعد ذلك للشعوب لبناء مستقبلها وعلاقاتها فيما بينها.

 

 بعد ذكرى 11 أيلول، هل سيكون لبنان مسرحاً لمأساة جديدة لأميركا؟ الجزء الأول