28-03-2024 03:32 PM بتوقيت القدس المحتلة

المقاومة إرهاب، والتكفيرُ والتدميرُ والنحر... جهاد!؟

المقاومة إرهاب، والتكفيرُ والتدميرُ والنحر... جهاد!؟

لا عتب على قرارٍ غربيّ صَنَّف عام 2013، "الجناح العسكري" لحزب الله ضمن الجماعات الإرهابية، لكن ما يدعو للعجب والعتب، أن القرار الذي وَرَدَ على لسان مندوب السعودية من على منبر الأمم المتحدة منذ أيام.

أمين أبوراشد

لا عتب على قرارٍ غربيّ صَنَّف عام 2013، "الجناح العسكري" لحزب الله ضمن الجماعات الإرهابية، بناء على اتّهام الغرب للحزب بالإعتداء على باص ينقل إسرائيليين في مدينة "بورغاس" البلغارية رغم عدم توفّر الأدلّة، وعلى خلفية تدخُّل الحزب في القصير السورية في قتالٍ مع فئة من "ملائكة الرحمة" تقتات لحوم البشر، وتهدم دور العبادة، وتحطّم المعالم الحضارية سواء كانت تمثّل مقاماتٍ دينية أو تاريخاً من تُراث.

لكن ما يدعو للعجب والعتب، أن القرار الذي وَرَدَ على لسان مندوب السعودية من على منبر الأمم المتحدة منذ أيام، والذي يُطالب بإدراج حزب الله ضمن الجماعات الإرهابية التي تُقاتل في سوريا، يدعو فعلاً للأسف والسخط، لأن ظلم ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً، علماً بأن القرار السعودي لن يكون له صدى أكثر من القرار الغربي سوى أنه سيزيد لبنان بكل أحراره وشرفائه تراصفاً خلف حزب الله والمقاومة.

الغرب كان لائقاً على الأقل في التفريق بين الجناح العسكري لحزب الله والجناح السياسي، علماً بأن حزب الله جناحٌ واحد، وكتلة واحدة قائمة على وحدة مجتمعية تضم كافة الشرائح، من المهندس والطبيب والمحامي ورجل الأعمال، الى الأستاذ الجامعي والطالب والفنّي وعامل البناء والمزارع والغني والفقير والرجل والمرأة والشيخ واليافع، وهو مكوِّن عقائدي مؤمن بوطنٍ كريم، يعيش رجاله يومياتهم كسائر المواطنين، ويتحوّلون بلحظات الى كتلة من نار تُحيل سهول التبغ ميادين ملاحم، ووديان الزيتون الى مقابر للغزاة وسماء الوطن خطّاً بريدياً للرسائل بالوسائل الرادعة، وكان أولى بدولة الحرمين الشريفين، تكفير من يدنِّسون أولى القِبلتين وثالث الحرمين وينتهكون المقدسات في فلسطين، لا أن تكفِّر حزباً سَحَق المجرم الإسرائيلي بالنيابة عن أمَّة العرب التي تتبادل تكفير بعضها وتغضُّ الطرف عن العدو كالنعام الغارقة رؤوسها في الرمال.

وقبل أن نختلف مع الغرب و"وكلائه" في هذا الشرق بتعريف كلمة إرهاب، فالغرب أصلاً مختلفٌ مع نفسه عليها وعلى التمييز بين النشاط المُقاوم للمجموعات الوطنية المسلّحة وبين إرهاب الدولة، تماماً كما نختلف معه بين اعتبار "تشليع" أطفال قانا دفاعاً عن النفس لجيش "الدفاع الإسرائيلي"، بينما الدفاع المشروع عن النفس يغدو إرهاباً موصوفاً متى أنزلت صواريخ حزب الله سكان المستوطنات الى الملاجىء لخلق توازن رعبٍ عادلٍ وكسر شوكة الإجرام الإسرائيلي.

نحن نختلف مع الغرب و"وكلائه" في التفسير اللغوي لكلمة "إرهاب"، والخلاف ليس على الترجمة بقدر ما أن المسألة مرتبطة بمن يحمل في قلبه في هذا الشرق قاموس كرامة سُطِّر بدم الشهادة، وبين من يحمل قاموس مفردات العمالة الرخيصة الذليلة المُرتهنة، وكلمة "إرهاب" مشتقّة من كلمة "رهبة" قد يستعملها المظلوم ردّة فعلٍ على عدوان لإسترداد حقٍ سليب، وقد يستخدمها المعتدي كمبررٍ لعدوانه على حقوق الآخرين وكرامتهم وأرضهم ومواردهم ومدنهم وقراهم وبناهم التحتية، وتدمير ممتلكاتهم العامة والخاصة على أشلاء الأبرياء من شيوخٍ وأطفالٍ ونساء.

على هامش مؤتمر مدينة قمّ الإيرانية المقدَّسة حول مخاطر التكفيريين بمشاركة أكثر من 1000 شخصية دينية ومدنية رفيعة من 86 دولة، بينهم أكثر من 300 مفتي، سمعنا كلمات مسؤولة واعية مدركة لمخاطر التناحر بين أبناء الدين الواحد والأمَّة الواحدة، ولفتتنا سماحة الخطاب الورِع والمسؤول والإسلامي الوحدوي لممثِّل حزب الله في المؤتمر السيد إبراهيم أمين السيِّد، ولفتنا أيضاً تصريح الشيخ بلال شعبان عن حال المسلمين وأوضاعهم حين تساءل: "نحن مليار وستمائة مليون نسمة وليس لدينا عضوية دائمة في الأمم المتحدة فإلى متى نصبغ الإسلام بالتكفير والإرهاب ونُعطي الصورة السلبية عن ديننا؟!".  

ولعل أبلغ ما سمعناه من خارج قاعة المؤتمر في مدينة قمّ، تعليقٌ لأكاديمي ومحلِّل سياسي إسلامي وحدوي رداً على سؤال، لماذا لم تتضمن لائحة إحدى الدول الخليجية التي صدرت منذ أيام نفس الجمعيات والمنظمات التي صنَّفتها المملكة السعودية إرهابية فأجاب:

"لائحة المنظمات الإرهابية متحرِّكة، ويُمكن إضافة منظمات إليها أو شطبها وفقاً لسياسة كل دولة ومصالحها الخاصة، وبعض الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية ذهبت بعيداً في التدخُّل بساحات "الربيع العربي" الى حدِّ التورُّط، ومسألة تصنيف الجماعات والجمعيات على أنها إرهابية هي حصراً وجهة نظر خاصة!!!"

ليكن لكل نظام تكفيري رأيه في توصيف الإرهاب وتصنيف الإرهابيين، وليكُن الحوثيون في اليمن والشيعة في البحرين والقطيف إرهابيين لأنهم يُطالبون بحقوق مشروعة، وليكن حزب الله وخلفه ثلاثة أرباع لبنان من مناصرين وحلفاء، إرهابيين، ولتَبنِ المملكة سوراً إسمنتياً مكهرباً على الحدود مع جيرانها لحماية نفسها من "الإرهاب"، ولتترك صدور عناصر حزب الله وأبناء لبنان دروعاً في مواجهة أعتى جيش عنصري في العالم، وليكن للآخرين تمويل وإمداد شياطين صناعة الموت على امتداد أمَّة العرب تحت مسمَّى الجهاد، ولحزب الله والمقاومة ولبنان شرف رهبة "الإرهاب" في مواجهة العنصرية والتكفير...