19-04-2024 12:23 PM بتوقيت القدس المحتلة

رياض سلامة: لا مانع من زيادة الضرائب على المصارف

رياض سلامة: لا مانع من زيادة الضرائب على المصارف

ليس لدينا أي مانع من أن يكون هناك ضرائب على القطاعات، وعلى القطاع المصرفي لتمويل السلسلة. تباحثنا في هذا الوضع مع جمعية المصارف وهم تفهموا الأمر

يعتقد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنه في ظل غياب المبادرات الاقتصادية أصبحت السياسة النقدية تشغل الساحة، مشيراً إلى أن مصرف لبنان تحمّل الكلفة من أرباحه. ويشير إلى أن المصارف خالفت التعاميم وتمادت في اتجاه خلق فقاعات مضرّة بالاقتصاد، لافتاً إلى قرب إقرار تدابير احترازية لتكوين مؤونات.

محمد وهبة/  جريدة الأخبار

هل ترون أن السياسات النقدية التي اتبعت منذ فترة التسعينيات إلى اليوم، لا تزال صالحة في هذه المرحلة التي تشهد أوضاعاً صعبة (لا موازنة ولا هيئات دستورية، وثمة أعداد كبيرة من النازحين السوريين …)، وخصوصاً أننا نستعمل الفائدة من أجل استقطاب الودائع وتمويل الدولة. ما أولوياتنا اليوم؟

رياض سلامةلقد توسّعنا في السياسات النقدية نتيجة الظروف التي مرّت على لبنان، علماً بأننا لمسنا هذا الأمر في الدول الصناعية حيث بادرت الى هذه السياسات بعد أزمة عام 2008، أي كان هدفها الاستقرار والحفاظ على الثقة من خلال استعمال ما هو متوافر لديها. أما الهدف اللبناني، فقد تجسدت معالمه من خلال رزم التحفيز التي أطلقها مصرف لبنان، ومن خلال التوسّع في محفظة السندات الحكومية من أجل حماية ملاءة الدولة اللبنانية، ومن خلال مبادرات ترمي إلى إدخال لبنان اقتصادياً في العصر، أي تحفيز اقتصاد المعرفة الذي شجّعنا المصارف على مواكبته.

المصرف المركزي قام بكل هذه الأمور فيما حافظ على قدرته على حماية استقرار الأسعار. وأنا أخالف التصّور عن الفائدة، لأن زيادة الودائع مرتبطة أكثر بسلامة القطاع المصرفي وبالثقة التي تخلقها هذه السلامة. عالمياً، هناك دول تدفع فوائد أكثر مما يدفع لبنان ولكنها لا تستقطب أموالاً. لم يكن هدفنا أن نحفّز المصارف على الاكتتاب في السندات الحكومية، وقد تبيّن أن القطاع المصرفي، منذ عام 2009 إلى اليوم، سلّف القطاع الخاص أكثر من القطاع العام.

الهدف كان يتعلق باستقرار سعر صرف الليرة وارساء بنية سليمة في القطاع وخفض بنية الفوائد وقد نجحنا في هذا الأمر، إذ كان معدّل الفوائد في لبنان بعد الحرب يزيد على 13% واليوم انخفضت هذه المعدلات إلى أقل من 6%. تمسكنا بهذه الأولويات التقليدية وهي أعطت نتائج إيجابية للمجتمع وللاقتصاد، ولا نزال نعمل على الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة، ومنع ارتفاع الفوائد مع احترام أدوات السوق، وعدم إفلاس المصارف. ونزيد عليها مكافحة البطالة من خلال السياسة النقدية بما يمكن أن تفعله لأنها ليست المحرك الأساسي في هذا الموضوع، وتحفيز الطلب الداخلي بعدما تراجع الطلب الخارجي وانعكس ذلك على قطاعات مهمة.

تحملنا الكلفة ولكننا لم نختر أن نتحملها بل الواقع فرضها علينا

■ ألم تطغَ السياسات النقدية على السياسات الاقتصادية، وبات الأمر يسبّب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم؟

لم نكن نريد من السياسات النقدية أن تنافس المبادرات اقتصادية، لكن في غياب المبادرات الاقتصادية صارت السياسات النقدية هي الوحيدة الموجودة، وأعطت نتائج مكنت الاقتصاد من تحمّل1.3 مليون لاجئ سوري إلى لبنان، مع ما يرتبه ذلك من كلفة قدّرتها الجهات الدولية بقيمة 7.5 مليار دولار ونصف مليار على مدى سنتين. السياسة النقدية جعلت الأموال التي دخلت إلى لبنان بتصرف المجتمع اللبناني، فتمكّنت أكثر من100 ألف عائلة من الاقتراض لشراء مساكن، فضلاً عن أنها ضبطت معدّلات التضخّم التي كانت فوق 10% قبل استقرار لبنان، لكنها اليوم لا تتجاوز 4% سنوياً. لم نخلق أي كلفة أو عبء على الاقتصاد بسبب القروض المدعومة وتحرير الاحتياط الالزامي، بل على العكس، تمكّنا من خلق سيولة إضافية في السوق من دون أن نزعزع الثبات النقدي.

في رأيكم، هل ما زال هذا النموذج قادراً على الصمود؟

طبعاً، لا يخفى على أحد أن نموذج بازل 3 قريب من النموذج اللبناني. لا أقصد أنهم أخذوا النموذج اللبناني، لكن في أوقات الأزمات يجري البحث عن حلول، والحلول التي وجدت دولياً قريبة مما كنا نقوم به وهو نموذج مجرب وناجح.

بمعزل عن حسنات هذا النموذج، ما هي كلفته؟
إذا كنت تعرف أين سجّلت هذه الكلفة فقل لي. لا أريد أن أحاجج في هذا الأمر.

هل أنتم مستمرون في سياسة تعقيم السيولة الإضافية في السوق والناتجة عن تدفق الودائع؟

سياسة تعقيم السيولة ليست هدفاً بل وسيلة للحفاظ على استقرار الأسعار، وهذا الأمر يدار على نحو دقيق بدليل أن الفوائد بين المصارف لم ترتفع. الفائض في السيولة مضرّ للاقتصاد وللأسعار ومن واجبات المصرف المركزي أن يتدخل دائماً للحفاظ على استقرار الأسعار.

لكن أليس الفائض وتعقيمه هو أحد عناصر كلفة النموذج؟
لقد تحملنا الكلفة ولكننا لم نختر أن نتحملها. الواقع فرض هذه السياسات، وكان علينا أن ننتقي منها ما يتيح تنفيذ مهمتنا المنصوص عنها في المادة 70 من قانون النقد والتسليف (الحفاط على سلامة النقد اللبناني، الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، الحفاظ على سلامة اوضاع النظام المصرفي، تطوير السوق النقدية والمالية). ليس هدفنا أن نتحمل تكاليف، علماً بأن المصرف المركزي مؤسسة رابحة وسدّد للدولة عدة مليارات من الدولارات من خلال الغاء ديون وتوزيع أرباح، وبالتالي لم نكلف أحدا بل تحملنا أرباحا أقلّ.

يقال إن التحفيز والدعم موجّهان للاستهلاك أكثر من الانتاج؟

القروض الاستهلاكية غير مدعومة، وقد وضعنا ضوابط عليها، لأنه تبيّن أن هناك تماديا يمكن أن يهدد الأسر اللبنانية ويخلق فقاعات في الاقتصاد. دعمنا شراء المساكن نظراً إلى أهميته الاجتماعية للبنانيين لكننا لم ندعم المضاربات ولا الترويج العقاري.

هل أنتم قلقون من فقاعات اقتصادية بسبب المخالفات والتمادي في المصارف؟
هناك نوعان من المخالفات الحاصلة: قروض سكنية مستفيدة من تسهيلات مصرف لبنان، بينما صاحب القرض لديه وديعة في المصرف تكفل القرض، فيما الكفالة يجب أن تكون رهن المسكن. وفي ظل وجود الوديعة فلماذا القرض؟ كذلك، تبيّن أن هناك قروضا سكنية كانت تستعمل لإعطاء قروض أخرى منها كقروض استهلاكية، وهذا ما كاد أن يخلق فقاعة، لأنه يزيد قيمة العقار ورقياً، وهذه الزيادة الورقية ينتج عنها تسليف. ضُبطت هذه العملية وعادت الأمور إلى نصابها، وقد حدّدت التعاميم عقوبات مالية تصل إلى 15% من قيمة القرض، وإذا لم يلتزم المصرف طلبنا الغاء القروض واتخاذ مؤونات على القرض فستذهب المبالغ من أرباح المصرف.

صرّحتم بأن تجميد حسابات مجموعة حتّي كان بطلب خارجي. كيف ورد هذا الطلب، وهل صحيح أن هناك طلبات خارجية إضافية؟.

ما قلته أن هناك أمورا داخلية وخارجية. وأنا ملزم تنفيذ القانون الذي لا يسمح لي بالقول أكثر من ذلك، لكن بإمكاني أن أؤكد أن هيئة مكافحة تبييض الأموال لا تتحرّك بأي أمر إلا من خلال قانون مكافحة تبييض الأموال والقوانين المرعية.

ما موقفكم من زيادة الضريبة على المصارف من ضمن تمويل سلسلة الرتب؟.

ليس لدينا أي مانع من أن يكون هناك ضرائب على القطاعات، وعلى القطاع المصرفي لتمويل السلسلة. تباحثنا في هذا الوضع مع جمعية المصارف وهم تفهموا الأمر، وكان قرارهم أنه إذا أقرت قوانين فستنفذ. من حقهم أن يراجعوا وأن يعترضوا، لكن ليس هناك أي حديث عن مبدأ الامتناع. بالنسبة إلينا، الأولوية ألا يزيد العجز في الخزينة.

ما مخاطر أن تصبح محفظة التسليفات موازية للناتج المحلي؟
في حال ارتفاع الفوائد سينعكس ذلك على النمو الاقتصادي إذا حصل. أما بالنسبة إلى المؤسسات والأفراد المدينين، فلن تعود لديهم القدرة على الادخار، علماً بأن الادخار أساسي للاستثمار.

في ضوء طلبكم من المصارف تسهيل إعادة جدولة ديون الزبائن، هل هناك أزمة ديون متعثّرة؟.

نحن مستمرون في التعاطي مع الديون بمرونة وبمسؤولية. لن نمرّر التخلف عن الديون بحجة الوضع الراهن. اليوم أصبحت القروض الاستهلاكية توازي 28% من تسليفات المصارف، ولذلك نقول للبنانيين، «على قد بساطك مدّ رجليك». ليس هناك أزمة ديون، ولكننا سنقرّ مجموعة إجراءات احترازية نطلب بموجبها احتياطا عاما ومؤونات تصل إلى 5% تدريجاً على القروض الاستهلاكية، وتصل إلى 2.5% على القروض الأخرى. الهدف أن نكون محصنين تجاه أي مفاجآت في السوق.

لا موافقة على بيع «فرعون وشيحا»

يؤكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفضه العرض المقدّم من المؤسسة التي يمكلها شقيقان من آل رحمة لشراء حصّة الغالبية في بنك فرعون وشيحا، يعود ذلك إلى كون «هذه العملية مخالفة للتصوّر الذي يرسمه مصرف لبنان للقطاع المصرفي، علماً بأنه ليس لدينا ملاحظات على المساهمين». ويشير سلامة إلى أن «توجهنا هو أن ندعّم القطاع المصرفي من خلال الدمج، حتى تكون المؤسسات المصرفية متعددة وقادرة على المنافسة من دون أن تمثل ثقلاً على الأسواق. أي مصرف ليس لديه دورة عمل كافية سيرفع الفائدة ويؤثّر في باقي المصارف ويضع كلفة على الاقتصاد. والهدف من عمليات الدمج هو أن نخلق مجموعات مصرفية جديدة، لكن إذا جاءنا فريق مهني وكنّا في حاجة إلى دم جديد فسنقوم بهذا الاستثناء».