19-03-2024 04:14 AM بتوقيت القدس المحتلة

إمّـا مع الدولة السوريّة أو مـع «داعـش»!

إمّـا مع الدولة السوريّة أو مـع «داعـش»!

عندما بدأتْ الحرب على سورية في شهر آذار من عام 2011، فقد البعض، في سورية وخارجها، البوصلة وصدّقوا أنّ ما يجري هو ربيع عربي يتمدد هنا وهناك كي ينعم المواطن العربي

 

 

د. فيـصل المقداد نائب وزير الخارجيّة السوريّة

 

عندما بدأتْ الحرب على سورية في شهر آذار من عام 2011، فقد البعض، في سورية وخارجها، البوصلة وصدّقوا أنّ ما يجري هو ربيع عربي يتمدد هنا وهناك كي ينعم المواطن العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن بالديمقراطيّة والحريّة وحقوق الإنسان! آنذاك انجرتْ دول وقادة في المنطقة وخارجها، خلف هذه الرواية التي أثبتت الأسابيع والأشهر والسنوات اللاحقة أنّها لم تكن سوى وهم وسراب. ومما زاد من أسباب الشك والخوف هو عدم وصول هذا الربيع إلى دول هي بحاجة حقيقية إلى الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، خصوصاً في السعوديّة؟

 

ما هذا الربيع الذي تبين للكل أنّ «إسرائيل» وأميركا هما من خطّطوا له، وأنّ البديل الذي طرحوه للأوضاع التي تمر بها الأمّة لم يكن بديلاً جيّداً، خصوصاً أنّ هذا البديل كان الإخوان المسلمين والجماعات السلفيّة والتكفيريّة والإرهابيّة الأخرى على امتداد الساحة العربيّة، هؤلاء الذين تتخاطف سيوفهم الصدئة السعوديّة من جانب وقطر من جانب آخر وتسخّران إعلاماً رخيصاً في الغرب وفي السعوديّة وقطر والإمارات لإعلان «بزوغ نظام عربي جديد»! وما هذا الربيع الذي لا تنتج انتخاباته «الديمقراطيّة جدّاً جدّاً جدّاً» سوى الإخوان المسلمين والمتطرفين في كل هذه الأقطار العربيّة! وما هذا الربيع الذي باركته يد الرعاية الأميركيّة ورحّبتْ به العناية «الإسرائيليّة» وهلّلتْ له الأنظمة النافذة في الخليج.

 

لقد قام أعداء سورية بضخ كل ما استطاعوا من أموال لشراء النفوس المريضة لقتل السوريين، كما قاموا بتسليح كل من قبل من الفاسدين والمرتزقة بقتل أهله ومواطنيه. وعندما لم ينجحوا بذلك شجّعوا قتلة ومجرمي العالم للمجيء إلى سورية عبر نظام الإخوان المسلمين في تركيا، لكنهم فشلوا مرّة أخرى في الوصول إلى ما أرادوا، وفشل أردوغان الذي يتطلّع للجلوس على عرش الخلافة العثمانيّة الوثير على رغم كل الأموال والوعود التي دفعها الغرب له ولمجرميه وللمجموعات الإرهابيّة التي بلغ تعدادها المئات إن لم نقل الآلاف. وكذلك فشل آل سعود والأدوات الأخرى في الخليج… ولم يبقَ بيدهم إلاَّ الزج بآخر مبتكراتهم، فكان لهم «داعش»، فرع تنظيم القاعدة في العراق والذي اختبروه جيّداً وتربّى في أحضانهم… وعلى موائدهم إثر الاحتلال الأميركي للعراق، كما ترعرعت أم هذا التنظيم، القاعدة، على أيادي أبناء آل سعود وإدارة رونالد ريغان، في حربهم على الشعب الأفغاني.

 

لقد فضح نائب الرئيس الأميركي جو بايدين، الذي ضاق ذرعاً بأدواته في تركيا والخليج بالخدمات السيئة التي قدّمها هؤلاء لإدارته في كل الدول العربيّة التي حط بها رحال الربيع المزعوم. وقال بايدن بلغة إنكليزيّة أميركيّة لا خطأ فيها، إنّ سبب كل ما حدث كان الحقد الأسود من حكّام السعوديّة وتركيا وغيرهما تجاه شعب سورية وقيادته المسؤولة والمدافعة عن كرامته وحقوقه. ولن نسأل هنا الإدارة الأميركيّة عن أسباب إعلانها المتأخر هذا، لكننا نقول إنّ قيام «داعش» و»الجيش الحر» و»جبهة النصرة» والتنظيمات الإرهابيّة الأخرى بقطع رقاب المئات، إن لم نقل الآلاف من السوريين، كان يستحق أيضاً اهتمام الولايات المتحدة والغرب إذا كانوا صادقين في دفاعهم عن حقوق الإنسان ونواياهم في إبعاد خطر الإرهاب، وهم حتماً ليسوا كذلك. على هؤلاء جميعاً أن يخجلوا من أنفسهم ومن الجرائم التي ارتكبوها أو شجعوا على ارتكابها في سورية والعراق ولبنان وليبيا وتلك التي يرتكبها الإرهابيون ضد شعبنا وجيشنا في مصر الشقيقة.

 

لقد تحطمتْ أدوات الغرب وسيوفه الخشبيّة على صخرة الصمود السوري الأسطوري، ولم يكن شعب سورية مستعدّاً للتضحية بأبنائه وماله وممتلكاته للوقوف خلف منطلقات قيادته لولا إيمان هذا الشعب بقيادته وجيشه. فهل كان لسورية أن تصمد لو لم يكن جيش سورية الباسل مستعدّاً لبذل أنهار الدماء رخيصة للدفاع عن الوطن، كل الوطن؟ وهل كان له أن يحقّق الإنجاز تلو الإنجاز، وأن يمنع تمرير المؤامرة على سورية والمنطقة وقضاياها العادلة، وفي مقدّمها قضيّة فلسطين وتحرير الجولان، وما تبقّى من أراض محتلّة في جنوب لبنان، لولا عميق إيمانه بعقيدته القوميّة وإيمانه الوطني بصحّة نهج سورية؟

 

إذا كانتْ أوهام الغرب وعملائهم في المنطقة قد تدمّرتْ أمام أعينهم، فلا ائتلاف بين أيديهم ولا جيش حر ولا ألوية ولا كتائب ولا مرتزقة، فلماذا يتعامون عن الحقيقة المرّة التي كُتب عليهم تجرع كأسها المر؟ لقد تهاوتْ قواعدهم وأزلامهم كما تتهاوى الأحجار على رقعة الشطرنج، ولم يبقَ في الميدان سوى «داعش» وشقيقته «جبهة النصرة» اللذين أدانهما مجلس الأمن في قراريه 2170 و2178. لكن السخرية هي أنّنا نراهم، ليل نهار، يتحدّثون، وكأنّهم يتسلّون، عن خطر «داعش» وقوّة «داعش»، وتمدّد «داعش»، وسيطرته على أرض من العراق وسورية. وإمكانيّة زحف «داعش» إلى كردستان العراق وإلى الأردن ولبنان والسعوديّة نفسها، ناهيك عن قيام بعض خلايا «داعش» النائمة في كندا والولايات المتحدة وبريطانيا بعمليات إرهابيّة تهدّد الأمن في هذه الدول وأرواح مواطنيها.

 

ها هي سورية تضع مكافحة إرهاب «داعش» وشقيقات «داعش» أولويّة لها. وكانتْ هذه الأولوية، كما يعرف الجميع، مطروحة منذ بدء الأحداث في سورية وخلال مؤتمر جنيف، فمن هو الذين عطّل تنفيذ هذه الأولويّة؟ ومع ذلك، فقد أبلغتْ سورية كل من يهمّه الأمر أنّ مكافحة الإرهاب في سورية وخارجها هي الأولويّة الأولى، ناهيك عن أولويّتها الثانية المتعلّقة بتحقيق المصالحات المحليّة في كافّة أنحاء سورية لوقف الإرهاب وسفك الدماء. ولم تقف القيادة السوريّة عند ذلك فحسب، بل أنّها أكّدتْ أنّه لا بد من إيجاد إطار للحل السياسي للأزمة في سورية يكلّل كل جهود مكافحة الإرهاب والانتصار عليه ويكلّل جهود التوصّل إلى مصالحات محليّة في كافّة أنحاء سورية. هذا هو طريق حل الأزمة السوريّة.

 

إنّ المنطق يقول، وقرارات مجلس الأمن ضد «داعش» تقول إنّ مهمّة البشريّة الآن هي مكافحة خطر «داعش» الذي يمثّل أخطر ما تواجهه البشريّة من تحديات. وسورية تقف في مقدّم من يتصدّى لخطر «داعش». والاستنتاج الطبيعي هو حتميّة وقوف من يُحارب «داعش» إلى جانب سورية في حربها عليه. وهكذا أصبح من المنطقي أنّ على من يريد مكافحة «داعش» أن يقف مع سورية، وأنّ من لا يقف مع سورية فهو يقف مع «داعش»!

 

فقولوا لنا أين تقفون؟


http://al-binaa.com/albinaa/?article=18873

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه