28-03-2024 06:53 PM بتوقيت القدس المحتلة

بين مرج دابق وكوباني: أحلام الفتوحات التركية

بين مرج دابق وكوباني: أحلام الفتوحات التركية

بين عامي 1324 و1826 م سجلت السلطنة العثمانية انتصارات حاسمة وسّعت من رقعة سلطتها في حروب خاضها الجيش العثماني، الذي كان قوامه وعماده الأساس فرقة الانكشارية

الانكشاريةبين عامي 1324 و1826 م سجلت السلطنة العثمانية انتصارات حاسمة وسّعت من رقعة سلطتها في حروب خاضها الجيش العثماني، الذي كان قوامه وعماده الأساس فرقة الانكشارية، وفق ما يذكر المستشرق الألماني بروكلمان. ومن أهم المعارك العثمانية،التي سجّلها التاريخ، معركة مرج دابق*، الواقع شمال حلب(1516)، التي انتهت بهزيمة المماليك، فشرعت باب المنطقة العربية لحكم عثماني دام أكثر من 500 عام.

والانكشارية، أقوى فرق الجيش العثماني ووُصفت بأنها "أداة رهيبة" بيد الدولة، وكان اسمها يثير الخوف في القلوب، وغالباً ما حققت النصر بالرعب قبل أن تحققه بالمعارك. وكان عناصرها يتم اختيارهم من صغار السن ويربون تربية "دينية-عسكرية" في معسكرات خاصة بهم، تحدث قطيعة مع أصولهم وتجعل من القتال صنعتهم الوحيدة، وتنشئهم على مفهوم استرخاص الحياة والاستماتة بالقتل، وبحسب المؤرخ الانكليزي جرانت فقد اعتمد مصير ومستقبل الدولة العثمانية إلى حد كبير على هذه الفرقة، التي كانت تتقدم صفوف الجيش العثماني في كل معركة.

وعلى صورة الانكشارية في العهد العثماني يأتي تنظيم داعش اليوم، فيصف الخبير في الشأن التركي د. محمد نورالدين  عناصر التنظيم بـ"الانكشاريين الجدد". ويؤكد، في مقابلة له مع قناة المنار، أن تركيا  تعد "الراعي الأكبر" لتنظيم داعش، وترى فيه "أداتها الوحيدة في هذه المرحلة، للتأثير في تطورات المنطقة سواء في سورية او العراق". ويرى أن مردّ رفض تركيا المشاركة مع التحالف الدولي، رغم الضغوط الأميركية، يعود لكونها ترى في ذلك "قضاء على الأداة الوحيدة التي تمارس عبرها النفوذ في المنطقة".

تركيا: لا مشكلة لنا مع داعش

في اتصال مع موقع قناة المنار، يعلق الباحث التركي المقرب من حزب "العدالة والتنمية" زاهد غول على طلب انضمام تركيا للتحالف، بعد أحداث عين العرب، فيكشف أنّ الولايات المتحدة الأميركية "قدمت لتركيا أموالاً لمقاتلة داعش في كوباني وغيرها"، ويردف: "لكن نائب رئيس الوزراء التركي قال بصراحة إن تركيا ليس لديها جنود مرتزقة، تركيا لن تقاتل نيابة عن أحد، ومن لديه مشكلة مع داعش فليقاتل بنفسه".

"تركيا لن تتدخل بمفردها، ستتدخل مع تدخل قوى دولية" يقول غول. ويصف "مشكلة داعش" بالمؤقتة وغير الحقيقية، وبأنها "مجرد ردة فعل على النظام السوري" حسب قوله. ويرى الباحث المقرب من الحزب الحاكم في تركيا أن بلاده ترى بأن وجود الجيش السوري على حدودها أسوأ من وجود داعش هناك.

ويكرر المسؤولون الأتراك – وأبرزهم رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو- أنه ليس لتركيا مشكلة مع داعش، ولذلك تعمد تركيا إلى المساومة على تنفيذ ما يطلبه الأميركيون لناحية انضمامها للتحالف، فيما تدور معارك كوباني أمام أعين الآليات العسكرية التركية المصطفة على الحدود لمشاهدة الدخان المتصاعد من المدينة السورية.

وقد لا يصح القول ان تركيا تنأى بنفسها عن معركة كوباني، اذا أنها لم تلتزم الحياد بقدر ما كانت طرفاً. فيقول د.محمد نورالدين في احدى مقالاته: "دفعت تركيا ثمن تواطئها في عين العرب (كوباني) حتى قبل أن تسقط". وتناولت وكالات الأنباء العالمية تقريرا عن منع الأتراك لأكراد الخروج من الأراضي التركية   لمقاتلة داعش، وفق ما ينقل تقرير لـ"فرانس برس". والنتيجة يعززها ما عرضته قناة "سكاي نيوز" عن جوازات سفر مقاتلين لـ"داعش" في كوباني تحمل أختام مغادرة من الحدود التركية باتجاه سورية، بحسب ما عرضت قناة "سكاي نيوز".

إرتدادت معركة كوباني على الداخل التركي

غازي عنتابويؤكد د. محمد نورالدين، في مقابلة مع قناة المنار، إن " الحجر الذي رمته تركيا في وجه خصوصمها وهو "كوباني" بدأ بالارتداد عليها"، ويكتب في مقال له عن الارتدادات، وعن تحول المدن التركية لاسيّما غازي عنتاب إلى ساحات حرب، لا يُسمع فيها صوت الرصاص فقط بل ترتفع فيها السيوف، كإشارات تأييد لداعش، ومدن اخرى تغرق بالدم بعد أن شهدت تظاهرات مطالبة بدعم كوباني.

من جهته، يوضح مراسل قناة المنار في تركيا حسن الطهراوي أن غالبية من قضوا في التظاهرات التي نظمها أكراد تضامناً مع كوباني، لم يقتلوا برصاص قوات الأمن التركية بل برصاص متطرفين خرجوا مع من رفع الشعارات القومية واستخدموا رصاصهم، مشيراً إلى أن ذلك ما جرى في منطقتي ديار بكر وغازي عنتاب، التي تأوي عدداً كبيراً من النازحين السوريين إضافة إلى قيادات لداعش والنصرة وغيرها من فصائل المعارضة السورية المسلحة.

وكما نورالدين، يؤكد الطهراوي أن الأزمة انتقلت إلى تركيا، رغم محاولات الحكومة لململة الوضع، مشيراً إلى تصريحات لمسؤولين اكراد قالوا فيها: "سقوط كوباني يعني سقوط أنقرة".

كوباني بوابة عبور إلى المنطقة

ولكن ماذا تريد تركيا من معركة كوباني؟ وأي نتائج تجعل من أنقرة مستعدة لدفع ضرائب قد تطال استقرارها الداخلي؟

يُقال إن إن قراءة التاريخ مفتاح لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، وقد وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوماً ليقول: نحن أحفاد السلاجقة وبقية الدولة العليّة..."حزب العدالة والتنمية هو حزب يحمل في جذوره العميقة روح السلاجقة والعثمانيين"، وفق ما نقل تقرير سابق لموقع قناة المنار. فهل تتكرر معادلة "مرج دابق" يوم حكم الأتراك المنطقة 500 عام، بعد المعركة التي خاضوها في الشمال السوري. هل يتأمل الأتراك حصاداً من كوباني يوازي ما ناله أجدادهم من مرج دابق؟ 

رجب طيب أردوغانتُقابل تركيا الضغوط الأميركية لحثّها على الانضمام إلى التحالف الدولي بشروط متوازية مع مطلب انقرة تدريب وتسليح المعارضة السورية ، والشروط  تتمثل بـ:

1.    فرض منطقة عازلة وحظر جوي، يؤمنان منطقة آمنة للمقاتلين في صفوف المعارضة السورية وقاعدة ينطلقون منها لتنفيذ عملياتهم في الأراضي السوري، وأيضاً منطقة تأوي النازحين الذين باتت تتذمر تركيا من وجودهم على أراضيها.
2.    ضمان عدم تسليح الأكراد وإلغاء أي كيانية مستقلة لهم في سورية، لأن من شأن ذلك أن يعزز وضع حزب العمال الكردستاني أو الأحزاب الكردية الأخرى في تركيا.
3.    اشتمال ضربات التحالف الجوية أهداف سورية رسمية بهدف "اسقاط النظام السوري"، الذي ترى تركيا أن مشكلتها معه لا مع داعش.

إذاَ تعتقد تركيا أن الفرصة تاريخية وسانحة لاعادة "فتوحاتها" في المنطقة. ولعلها ترى أن سقوط سورية سيفتح بوابة المنطقة أمام نفوذ تركي بلا منازع، يكون عماده نظام حكم في سورية موالٍ لتركيا، لينعكس بالتالي على الأردن، وفلسطين، والكويت، وقطر، وتونس، وليبيا، وربما مصر لاحقاً... انهيار أنظمة على غرار تهاوي أحجار "الدومينو" لصالح أنظمة تلتقي في عمقها مع فكر الحزب الحاكم في تركيا. وفيما لو تحققت هذه التطلعات فإن من شأنها رسم علامات استفهام حول شكل المنطقة وتركيبتها مستقبلاً، وبعبارة أدق فهي تضع مصير المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين بصورتها الحالية على المحك، ليُعاد رسم خارطة شبه الجزيرة العربية... فهل ستحقق داعش لتركيا، ما حققته الانكشارية للعثمانيين؟

ما يُقارب 502 سنة اعتمد فيها جيش السلطنة العثمانية على رّعب الفرقة الانكشارية فحقق الانتصارات... كبر الرعب ونغص حياة السلطنة نفسها، لم تعد الحروب فقط صنعة عناصر الانكشارية، بل تدخلوا بأمور السلطنة عزلوا حكاماً وقتلوا آخرين، حتى تم القضاء عليهم بمذبحة ارتكبها الجيش العثماني في العام 1826. اليوم يعتمد الأتراك على توحش داعش كأداة نفوذ في المنطقة، ومع أن أياً من الانتصارات لم تحصدها تركيا بعد إلا أن ارتدادات توحش التنظيم عليها أخذت تتبدى..

في سلسلة الوثائقيات القصيرة  من إعداد "Vice News"  يُسأل أحد عناصر تنظيم داعش عن قضية قطع الحكومة التركية للمياه عن سورية والعراق فيجيب: "نتمنى من الله سبحانه وتعالى أن تعيد هذه الحكومة المرتدة حساباتها، لأنها اذا لم تعدها في الوقت الحالي، سوف نعيدها بإذان الله، بفتح اسطنبول". ويتابع: "نعم هذا تهديد صريح ووعيد، وان شاء الله إن لم يعيدوا المياه سنعيدها نحن، سنفتحها من اسطنبول".