خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 9-8-2019 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 9-8-2019

00008 25

نص الخطبة
نعزي رسول الله (ص) وصاحب العصر والزمان(عج) وعموم المسلمين والمؤمنين بشهادة الامام الخامس من أئمة اهل البيت(ع) وهو الامام محمد الباقر (ع) الذي كانت شهادته في اليوم السابع من شهر ذي الحجّة سنة 114 هـ وقد دفن في المدينة المنورة في مقبرة البقيع الى جانب أبيه الإمام السجاد(ع) وعمّه الإمام الحسن بن علي(ع).

في الاسبوع الماضي تحدثنا بمناسبة اسبوع الاسرة الذي تزامن مع مناسبة زواج النورين، زواج علي وفاطمة عليهما السلام ، عن بعض مقومات وصفات الاسرة الصالحة والناجحة.
وقلنا ان هناك الكثير من الأسر في مجتمعنا وواقعنا  تعاني من المشاكل وتشكو من القلق والتوتر وعدم الاستقرار ؛ وان هذا في كثير من الحالات هو نتيجة عدم مراعاة افراد الاسرة للحقوق والواجبات وعدم التزام أفراد الاسرة بمقومات الأسرة الآمنة السعيدة المستقرة؛ فهناك صفات ومقوّمات حددها الإسلام لتكوين أسرةٍ صالحة وناجحة ومستقرة، ومن أهم هذه الصفات والمُقوّمات:

أولاً: أن تكون العلاقات بين أفراد الأسرة قائمة على أساس الحب والمودة والايجابيّة والتّعاوُن والتّواصل والتقدير والاحترام؛ وقد تحدثنا عن هذه النقطة او عن هذا العنصر في الاسبوع الماضي. واتحدث اليوم عن العنصر الثاني والثالث للاسرة الناجحة.
العنصر الثاني او المقوم الثاني من مقومات نجاح الاسرة: التعاون بين أفراد الأسرة، فبعض الأسر والعوائل تعتمد على الأب فقط او على الأم فقط، بأن يتحمل ربّ الأسرة كلّ الأمور، أو تقوم المرأة بكلّ المهام، بينما سائر أفراد العائلة لا يتحملون أيّ مسؤولية ولا يقومون بأي دور، بل يتّكلون على الأب في توفير كلّ الاحتياجات، ولو حصل أيّ نقص لا يبادر أحد لتلافيه، ويعتمدون على المرأة في القيام بكلّ الخدمات، مهما تراكمت ، فلا أحد غيرها معنيٌ بالأمر.
وهذا الأسلوب ينتج الإرهاق والعناء لطرف، ويكرّس روح الاتكالية والاعتمادية على الغير في نفوس أعضاء الأسرة، كما يؤدي إلى تعطيل مصالحهم. بينما المفترض ان تسود بدلا من الاتكالية روح التعاون والمشاركة بين افراد الاسرة بحيث يشعر كل فرد من افرادها إنه جزء منها وعضو فيها، وتتأثر حياته بأوضاعها، وانه معنيٌّ بأمورها وشؤونها وتلبية احتياجاتها كبقية افرادها، وهذا يفرض على أفراد الأسرة أن يتعاونوا معًا لإنجاح حياتهم العائلية، وإدارة منزلهم على أفضل وجه.
فالزوجة ينبغي أن تشعر الزوج بانها تساعده وتعينه في تأمين بعض النفقات حسب إمكاناتها، وخاصة إذا كانت تعمل وتنتج او كان لديها اموال وكان الرجل مضغوطًا من الناحية الاقتصادية، فان الزوجة عندما تتعاون مع زوجها في الإنفاق على الأسرة، وإن كان هذا الأمر هو مسؤولية الزوج، الا انه إذا كان الزوج يبذل كل ما في وسعه ولكن راتبه قليل ولا يكفي، فتعاون الزوجة مع زوجها في الانفاق او في تخفيض المصروفات من خلال حسن تدبير أمور المنزل هو أمر هام وضروري، وهو من صور التعاون الأسري، التي تساهم في زيادة المحبة والمودة بين الزوجين.
والرجل ينبغي له أن يساعد زوجته في أداء خدمات المنزل المتعارفة، وفي تحمّل مسؤولية التربية والرعاية للأبناء. فان مساعدة الزوج لزوجته في أعمال المنزل إذا كانت الزوجة مريضة أو اذا كانت تعمل مثله، ويعود الإثنان من العمل ويتعاونان في إعداد الطعام أو ترتيب المنزل، او مساعدتها في تربية الاولاد وملاحقة احتياجاتهم ومشاكلهم بحيث تشعر الزوجة بأن زوجها يحس بها وبتعبها، هو ايضا من الامور الضرورية التي تساعد على تقوية وتمتين الروابط بين الزوجين ولن تؤثر فيها أي مشاكل أو ظروف صعبة.
ايضا ينبغي مساعدة الأبناء للأم في المطبخ كأن يقوموا بوضع الأطباق على السفرة وإعداد طاولة الطعام، أو مساعدة الأم في إعداد وجبات الطعام ، أو حتى مساعدة الاولاد لامهم في ترتيب غرفهم وترتيب اشيائهم، بحيث يتعلم الولد منذ الصغر أهمية التعاون والإعتماد على النفس.
ايضا مساعدة الأم لأبنائها في مذاكرة دروسهم وعمل واجباتهم المنزلية وتنفيذ الأنشطة التي تطلبها المدرسة أمر في غاية الأهمية، ويشعر الطفل بمدى إهتمام الأم بأبنائها وبمستقبلهم.
التعاون بين أفراد الأسرة في كل الأمور الكبيرة والصغيرة يساهم في جعل الروابط الأسرية بين أفراد الأسرة قوية جدا، فمساعدة الزوج لزوجته في أعمال المنزل تجعل الزوجة تقدر حب الزوج لها، كما أن مساعدة الزوجة لزوجها في مصاريف المنزل تجعل الزوج يشعر بأن زوجته تراعي ظروفه وتقدره.ومساعدة الابناء لامهم تساهم زيادة حبها لهم وحرصها عليهم.

على الجميع ان يقدم ويبذل ويشارك، لأن الحياة تشارك وتعاون وتعاضد ؛ وقد كان النبي(ص) خير نموذج في هذا الجانب ؛ فقد ضرب لنا أروع الأمثلة في العمل والسعي لتأمين متطلبات الحياة؛ فكان يقوم بنفس الدور الذي كانت تقوم به الزوجة: يغسل ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويصلح حذائه ؛ ويعلف بعيره، ويأكل مع الخادم، ويطحن مع زوجته إذا تعبت ويعجن معها، وكان يحمل حاجات البيت من السوق، ويتصرف كما يتصرف سائر الناس الذين يخرجون الى السوق للتبضع، حتى ان المشركين تعجبوا من ذلك وقالوا فيما حكى عنهم القران: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ) نعم النبي هو بشر وهو على سمو مقامه كان يمشي في الاسواق وياكل الطعام ويتبضع لعائلته، ليعلمنا المشاركة والتعاون.
وكذلك فعل علي بن ابي طالب مع زوجته الزهراء(ع) فان من مظاهرالعظمة في بيت علي وفاطمة عليهما السلام والتي تستحق أن تكون قدوة لنا في حياتنا وأُسوة في تعاملنا داخل بيوتنا، هو التعاون بإخلاص بين الزوج والزوجة على إدارة شؤون البيت وتقسيم العمل في داخله وخارجه.
فقد روي عن الباقر (عليه السلام) أنّه قال: إنّ فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت ، وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب : نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز.
وجاء عن ابن شاذان أنه دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )على علي عليه السلام فوجده هو وفاطمة عليها السلام يطحنان في الجاروش ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أيكما أعيى؟ فقال علي عليه السلام : فاطمة يا رسول الله ، فقال لها : قومي يابنية ، فقامت وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم موضعها مع علي عليه السلام فواساه في طحن الحبّ. فلم يكن النبي(ص) ولا علي(ع) يستنكفان عن المساعدة في خدمة المنزل.
وأيضا ينبغي تبادل الخبرات والكفاءات والتجارب بين الزوجين ، فاذا كان لدى الزوج فكرة معينة عن كيفية ادارة الشأن المنزلي  او كان لديه رأي في تفصيل من التفاصيل فان على  الزوجة ان تتلقف ذلك بكل محبة وأدب وتواضع واحترام من دون مكابرة او انزعاج، كما انه احيانا ينتقد الزوج  الزوجة في تفصيل معين يتعلق بادارة شؤون البيت، فانه ايضا على الزوجة ان تتقبل ذلك اذا كان صحيحا من دون تزمر، فان المنطق يفرض ان تتقبل الزوجة من زوجها ما هو نافع ومفيد، والأمر نفسه ينطبق على الزوج فإن عليه أن يستفيد من خبرات زوجته في شؤون ومناحي الحياة من دون التعرض لحساسيات الفوقية أو الدونية بينهما..
اليوم بعض الازواج يتعيب من مساعدة زوجته على شؤون المنزل ويعتبر ذلك منقصة، وان ذلك ليس من مهامه بل من مختصات الزوجة وواجباتها وهذا خطأ، هو ليس واجبا على الزوجة بل هي تقوم بذلك من موقع حرصها على تدبير الشؤون المنزلية وعلى الرجل ان يشاركها في هذه الروحية ويساعدها على ذلك.
بعض الزوجات تتأفف عندما يشير زوجها عليها بشيء معين ولا تتقبل انتقاداته المحقة وهذا ايضا ليس صحيحا فان على الزوجة ان تتقبل ذلك من زوجها خصوصا اذا كان محقا  .

اليوم التعاون والتفاهم مطلوبان من كل ابناء المجتمع والوطن وليس من افراد الاسرة فقط ، هما مطلوبان من القوى السياسية والشركاء في الوطن لتجاوز الخلافات السياسية والمساعدة على ايجاد حل للأزمة الراهنة، لأن إبقاء المشكلة بلا حل يفتح البلد على المزيد من التدخلات الخارجية التي لا تريد الخير للبنان .
الولايات المتحدة الامريكية التي تدعي كذبا انها تحترم السيادة اللبنانية تاريخها حافل بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وإزكاء الفتنة بين اللبنانين، وتحريضهم على بعضهم، وتعميق الانقسامات بينهم، وتقوية فريق ضد قريق، ومعاقبة لبنان ماليا واقتصاديا وفرض عقوبات على أبنائه، والبيان الصادرعن السفارة الامريكية اول امس يأتي استكمالا لهذا المسار المتواصل من التحريض وإزكاء الفتنة، والتدخل في الشأن اللبناني وشؤون المنطقة.

بيان السفارة الامريكية هو  تدخل علني سافر في قضية سياسية داخلية، ومحاولة لتعميق النزاع والانقسام حول حادثة قبرشمون، والتشكيك بدورالقضاء اللبناني .
هذا التدخل يجب ان يواجه سياسيا وشعبيا ومن كل اللبنانيين، وبالأخص من أدعياء السيادة والاستقلال الذين لا نسمع اصواتهم الا عندما يكون الأمر متعلقا باتهام سوريا او ايران، أما عندما يتعلق بما ترتكبه أميركا او السعودية بحق لبنان او حتى بما ترتكبه اسرائيل من خروقات للسيادة اللبنانية، فإنهم يبلعون ألسنتهم ويلوذون بالصمت.
إن أبلغ ردّ على التدخل الامريكي هو تكاتف اللبنانيين بوجه الهيمنة الامريكية، وتجاوز الخلافات والسجالات، والتفاعل مع مبادرات الحل المطروحة للأزمة الراهنة، وعدم الانزلاق الى الفتنة التي تريدها الولايات المتحدة بين اللبنانيين، فالانقسامات والسجالات لا تعالج قضية ولا تحل مشكلة بل تزيد الازمة تعقيدا وتعكس صورة سيئة عن لبنان.

المصدر: بريد الموقع

البث المباشر