خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 14-6-2019 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 14-6-2019

00000 110

نص الخطبة

يقول تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) الاعراف 56

وفي اية اخرى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ).

حماية البيئة والمحيط والطبيعة من الفساد والتلوث هو أمرواجب من الناحية الدينية والاخلاقية تماما كما ان حماية المجتمع من الفساد والانحرافات، والموبقات، والجرائم، والانحلال الاخلاقي والسلوكي واجب ديني واخلاقي.

فالآيات القرآنية تحذر بشدة من الإفساد في الأرض أيا كان شكل الافساد، سواء كان افسادا اجتماعيا، يتمثل في نشر الفساد والانحراف بين افراد المجتمع او كان افسادا بيئياً يتمثل بتدمير وافساد المحيط والطبيعة وتلويثها.

هذه البيئة وهذه الطبيعة التي نعيش في أحضانها، خلقها الله تعالى لنا، وسخرها لخدمة الانسان كي يستفيد منها، الأرض التي نعيش عليها بكل ما فيها من موارد وثروات : النباتات والاشجار، الهواء ، الماء والانهر، الحيوانات و الكائنات الحية، هذه كلها تشكل البيئة التي يعيش فيها الانسان.

لان البيئة هي: (كل ما يحيط بالإنسان من موجودات: من هواء وماء وجمادات وكائنات حيَّة، تؤثر على حياة الانسان)، وهي (الإطار الذي يمارس فيه الإنسان حياته الطبيعية ونشاطاته المتنوعة)، فيشمل هذا المفهوم المدينة بما فيها من مساكن وشوارع ومباني سكنية وحدائق وساحات عامة وأنهار وآبار وشواطئ وأشجار، وغابات وجبال ووديان وكل ما يحيط بالانسان من هواء ومن عوامل جوية وغير ذل ، هذه البيئة الطبيعية خلقها الله سبحانه وتعالى ووضعها ضمن نظام دقيقٌ جدًّا ومتوازن ،يقول تعالى في سورة النمل: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} ونحن مسؤولون عن هذه البيئة ويجب ان نحميها من التخريب والتلوث والافساد والعبث والفوضى.

على الإنسان أن يحافظ على هذه البيئة ويحسن التعامل والتعاطي معها ، فلا يفسد فيها، ولا يخربها ولا يلوثها ولا يتعاطى معها بشكل سلبي بل عليه ان يستفيد من خيراتها ضمن نظام مصلحة البيئة.

اليوم مع تطور الحياة والتقدم الصناعي والتكنولوجي اصبحت البيئة بكل عناصرها الماء، والهواء، والتربة والغابات والاشجار تتعرض لملوثات جديدة لم تكن معروفة سابقا.
ولذلك اهتم الاسلام بالبيئة اهتماما كبيراً، وشرع احكاما وقوانين تكفل حفظ التوازن البيئي، وترشد الانسان الى طريقة حماية البيئة، وكيفية التعاطي معها والتصرف فيها .
والهدف الاساس من المحافظة على البيئة هو المحافظة على الانسان وسعادته ورفاهيته في هذه الدنيا.

لقد أمر الاسلام بالمحافظة على البيئة ونهي عن الإضرار بها باي شكل من الاشكال، ومن الأمور التي نهى الله عنها لحفظ البيئة، الإفساد في الأرض عموماً، كما في قوله تعالى(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) الأعراف/56. ونهى عن إهلاك الحرث والنسل واعتبره من الفساد ، كما في قوله تعالى: )وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) البقرة/205.

ونهى عن الإسراف في في الموارد الطبيعية واهدارها او الاستفادة اكثر من الحاجة واعتبره افساداً ايضا، لأنَّ ذلك يؤدي إلى استنزاف موارد الطبيعة وتبديد مقدراتها دونَ جدوى، قال تعالى: {كلوا واشرَبوا من رِزقِ الله ولا تعثَوا في الأرضِ مُفسدِين} ، وقال تعالى أيضًا محذِّرًا من الإسراف بشكل آخر: {ولا تطيعُوا أمرَ المسرِفين * الذِين يفسدُون في الأرضِ ولا يُصلِحُون}.

وقد نهى الله تعالى عن الإفساد في الأرض وهو ما يعبَّر عنه اليوم بمفهوم التلوث البيئي، قال تعالى: {وإذا قيلَ لهُم لا تفسدُوا في الأرضِ قالُوا إنَّما نحنُ مصلِحُون * ألا إنَّهم هم المُفسِدون ولكِن لا يَشعرون}.

ووردَ أيضًا في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما يؤكّدُ هذا النهي، ويدفعُ إلى حماية البيئة بكلِّ محتوياتها، فقد وصّى رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) الجيشَ وهو يتجهز في غزوة مؤتة بعدم قطع الاشجار حتى في الحرب الا اذا اضطروا لذلك، فقال(ص): “لا تقتُلُنَّ امرأةً ولا صغيرًا ضرعًا ولا كبيرًا فانيًا ولا تُغرِقُنَّ نخلًا ولا تقطعُنَّ شجرًا ولا تهدِموا بناءً” . وفي المقابل امر بالحفاظ على الثروة النباتية وشجع على التشجير والزراعة.

فعن النبي (صلى الله عليه وآله ): من نصب شجرة وصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله”.

ونهى الاسلام عن صيد الحيوانات برية كانت أو مائية اذا كان عبثا ولهوا لغير منفعة، فعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: “من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى اللَّه تعالى يوم القيامة يقول يا ربّ إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني لمنفعة”.

وأمر الاسلام بازالة كل ما يسبب اذى او اضرارا بالشوارع والطرق. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا اللَّه وأدناها إماطته الأذى عن الطريق”.

الانسان مؤتمنٌ على هذه البيئة وخليفة الله في هذه الأرض، والمطلوب منه اعمار الارض والكون والحياة، ﴿هو أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾.

في بعض الأحيان وبدافع الجشع أو التلهي والعبث يفسد الإنسان أجواء هذه البيئة، ويتعدى على مواردها يتعدى على الشوارع والحدائق فيبني بطريقة عشوائية ومخالفة للقانون فيشوه البيئة، يقطع الاشجار، يرمي فيها النفايات بشكل عشوائي في الوقت الذي يفترض به ان يحافظ على النظافة وان يترفع عن رمي النفايات في من السيارة الى الشارع العام او من شرفة المنزل الى الطريق او الى شرفة الجيران .

احيانا الذين يذهبون الى الحدائق العامة ياكلون او يشربون يتركون النفايات بالارض ويعبثون او يتركون اولادهم يعبثون بمحتوياتها او بورودها واشجارها او انهم عندما يكونون على شواطىء البحر او ضفاف الانهر يتركون كل قذاراتهم فيها بما يضر بالبيئة وبالمنظر العام ويلوث الشواطىء والانهار .

احيانا هناك مصانع ومعامل تتخلص من نفاياتها السامة فترمي بها في الانهر او في البحر او على الشواطىء او في مداخل القرى والبلدات مما يتسبب بانبعاث روائح كريهة.

احيانا يتم تسليط القاذورات والمجارير في الشوارع او في اراضي زراعية او على الشواطىء مما يتسبب بايذاء الناس وتلويث الجو وبامراض للناس.

البيئة ليست ملكك وحدك، بل هي للجميع، فلا يصح ان يتصرف الانسان بها بما يؤذي الناس.

اليوم قضايا البيئة اصبحت قضايا مهمة وتحتل المرتبة الاولى من اهتمام المجتمعات الحديثة نظرا للدراسات التي تشير يوما بعد يوم الى علاقة مظاهر التلوث البيئي بظهور الامراض بين الناس ، وافساد الثروات البحرية والبرية ..

فهناك الكثير من الامراض التي يصاب بها الناس وخاصة الامراض الخبيثة والمستعصية، ناجمة عن تلوث البيئة والهواء غير النظيف الذي يستنشقه الانسان، كما ان هناك الكثير من الثروات البحرية والبرية مثل الاسماك والطيوروغير ذلك تتلف بسبب المواد السامة التي ترمى في البحر وما ينبعث من المصانع والمعامل وبسبب صيد اللهو والصيد العشوائي وغير ذلك .

اليوم هناك محاولات تجري من جهات متعددة رسمية وغير رسمية لحماية البيئة وتجميل المحيط والحفاظ على الطبيعة ومعالجة المشكلات البيئية القائمة لا سيما ملف النفايات وتلوث نهر الليطاني وغيره، وهذه المحاولات يجب تعزيزها وتعميمها ومساهمة الجميع فيها.

وفي هذا السياق نشيد بانجازات البلديات في مختلف المناطق على المستوى البيئي لا سيما اتحاد بلديات الضاحية الذي عمل خلال السنوات الاخيرة على تجميل الضاحية وقام بحملات جيدة تحسن من البيئة والطبيعة ان على مستوى التشجير وانشاء الحدائق وتحسين الطرقات والساحات والجسور والعناية بموضوع النظافة، او على مستوى ازالة المخالفات التي تضر بالناس، والحد من الفوضى . كما اننا نشيد بالجمعيات البيئية التي تهتم بالقيام بحملات النظافة لا سيما تنظيف الشواطىء البحرية في المناطق المختلفة.

كل هذه المساهمات مهمة وجيدة وتساعد على خلق بيئة نظيفة يأمن فيها الانسان على صحته وحياته لكن يبقى ان على عموم الناس ان يتعاونوا وان يتحملوا مسؤولياتهم على هذا الصعيد، فهناك مسؤولية عامة للحفاظ على البيئة ونظافتها يتحملها كل أفراد المجتمع، كما هو واضح من كلام أمير المؤمنين(ع) فيما روي عنه: “عباد الله اتقوا الله في عباده وبلاده فانكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم”، لكن الواجب الاساسي يقع على عاتق الدولة، حيث ان الحفاظ على البيئة وحمايتها من كل أشكال التلوث التي تتهددها هو بالدرجة الاولى من مسؤولية الدولة، فالدولة ووزاراتها ومؤسساتها المعنية وخاصة وزارة البيئة، مهمتها دراسة المشاكل ورصد الأخطار البيئية والتخطيط لكيفية رفعها أو تلافيها.

اليوم هناك مشكلة كبيرة لا تزال بلا حل استراتيجي هي مشكلة النفايات التي لها انعكاسات سلبية كبيرة على صحة الناس وسلامتهم، حيث ان معظم الحلول القائمة هي حلول مؤقتة، مع ان هذا الملف بحاجة الى حل استراتيجي وخاصة في الضاحية والجبل وبيروت، ولا بد من استحداث مكان للمحرقة وللعوادم ومن وجود مطمر صحي يعالج مشكلة النفايات في هذه المناطق، لان مطمر الكستا برافا لم يعد يستوعب، وبالرغم من التحرك والسعي الذي يقوم به حزب الله واتحاد بلديات الضاحية على هذا الصعيد من اجل تحريك هذا الملف لا يزال هناك بطء وتلكؤ من قبل اللجنة التي شكلها رئيس الحكومة لمعالجة هذا الملف.
ولذلك على هذه اللجنة ان تعمل وتتحرك وتتعاون مع البلديات والاحزاب والفعاليات في الضاحية والجبل وبيروت للتوصل الى حل مشترك لهذا الملف لان الوقت بات يداهم الجميع .

اما موضوع الموازنة، فحزب الله لديه رؤية اقتصادية ومالية وهو يناقش في الموازنة انطلاقا من هذه الرؤية وانطلاقا من ثوابت ومبادىء لا يمكن ان يحيد عنها، وفي مقدمها حماية الفقراء وذوي الدخل المحدود، وعدم فرض ضرائب جديدة تزيد من أعباء المواطنين، وعلى هذا الاساس نحن رفضنا وضع ضريبة 2% على البضائع المستوردة من الخارج، لانها بمثابة ضريبة مضافة، ورفضنا وضع ضريبة على رواتب المتقاعدين، وسنرفض اي ضريبة تطال الفئات الشعبية. واخواننا نواب الحزب في لجنة المال والموازنة يبذلون جهودا كبيرة خلال النقاشات لكي لا تمرر مثل هذه الضرائب وتفرض بطرق غير مباشرة على هذه الفئات.

المصدر: موقع المنار

البث المباشر