خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش : 24-8-2018 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش : 24-8-2018

00004 0339

نص الخطبة

يقول تعالى: “قل إن الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين” الزمر/15.
(والعصر إن الإنسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
الإنسان كل الإنسان يبقى خاسراً يخسر نفسه ويخسر حياته ويخسر اخرته، إذا لم يأخذ بأسباب النجاح،وإذا لم يأخذ بأسباب الفلاح. لأن الإنسان الذي لا يأخذ بأسباب النجاح وباسباب الفلاح سوف يستسلم لشهواته ويستسلم لأطماعه ويستسلم لملذات الدنيا وزخارفها ومصالحها، والانسان الذي يستسلم لشهواته وأطماعه ويخضع للذاته وغرائزه ويتبع اهوائه ويظل عبدا واسيرا للدنيا ولزخارفها ، ولا يرتفع إلى الله سبحانه ولا يبالي بما يريده الله منه في هذه الحياة. يظل خاسرا، يخسر نفسه وحياته وآخرته، وينطبق عليه قوله تعالى: “قل إن الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين” الزمر/15.
قد يتمتع جسده وقد يتنعم في حياته ولكنه يجعل نفسه خالية من أي معنى في الحياة وروحه خالية من أي هدف سامي في الحياة فتتحول الحياة عنده إلى مجرد عنصر يعيش معه الأنانية الفردية بأبسط صورها.
ولهذا لا بد للإنسان من شيء يرتفع به إلى القمة، الى الله، يرتفع بروحه ويرتفع بفكره وبأهدافه وغاياته وطموحاته ويرتفع بجميع مجالات حياته.
ما هو هذا الشيء؟ إنه الإيمان والعمل الصالح .
الإيمان الذي يعني الاعتقاد بالله ورسله وكتبه، والإيمان باليوم الآخر.

وللإيمان صفتان: صفة شكلية وصفة حقيقية

الإيمان الشكلي هو الإيمان الفارغ من مضمونه، هو الإيمان الفارغ من جوهره وأبعاده. كالانسان الذي يعبد الله ولكنه في الوقت نفسه يخضع لغير الله يحب الله، ولكن يحب غير الله أكثر، يصلي لله، ولكنه لا يعيش روحية الصلاة ونتائج الصلاة، يصوم ولكنه لا يعيش روحية الصيام، يقرأ القرآن ويلعن الظالمين ولكنه يظلم ويعتدي ويأخذ ما ليس له فيه حق.
وهذا النوع من الإيمان هو ما تحدث عنه النبي(ص) بقوله: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه). وعن أمير المؤمنين(ع): (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ. وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء).

وللإيمان صفة حقيقية كما قلنا، صفة تعيش في قلب الإنسان فتضيئ قلبه وتعيش في حياة الإنسان فتضيئ حياته، وتعيش في فكر الإنسان فتضيئ عقله وفكره بحيث يشعر الإنسان بالنور يحيط به من كل جانب ومكان.
الإيمان الحقيقي يعني: أنك تعبد الله الواحد وتخضع لإله تلتقي عنده كل أفكارك وكل عواطفك ومشاعرك واهدافك وغاياتك ونياتك.
الإيمان يعني أنك تشعر بأن الله وحده هو الذي يدير حياتك ويحيط بها وهو الخالق والرازق والمدبر وهو الذي يتصرف بكل حياتك وهو غاية حياتك وعبادتك وأعمالك وطاعتك في هذه الحياة.
الإيمان هو الالتزام الفكري والعملي بما أمر به وبما نهى عنه وبكل ما شرعه للإنسان، وهو الاحساس الدائم بحضور الله وبرقابته عليك وعلى أقوالك وأفعالك وتصرفاتك.
الإيمان معناه أنه يجب الخضوع المطلق أمام الله والتسليم المطلق له والطاعة المطلقة لأمره ونهيه بلا قيد ولا شرط.
على الإنسان أن يلتزم أمره، وعندما يحكم نلتزم حكمه، أن لا يكون لنا إرادة أو رأي أو خيار في مقابل إرادته ورأيه وخياره.
كما قال تعالى: (وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب /36.  (ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً) (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات /15
التعبد لله الواحد ماذا يعطي الإنسان؟ ما هي معطيات الإيمان ونتائجه وآثاره؟
1-  التعبد لله الواحد يعطي الإنسان الشعور بالحرية الداخلية تجاه كل القوى الأخرى، تشعر أنك لست خاضعاً لست عبداً، لست منقادا، لست مسحوقا أمام أي قوة وامام اي احد، تشعر أنك لست خاضعا لاحد إلا لواحد هو الله، وإن كل القوى الاخرى مهما كبرت ومهما عظمت إنما هي قوى زميلة ورفيقة لأنك مثلها في عبوديتك لله سبحانه.
2-  الإيمان يدفعك إلى الشعور بالمسؤولية الداخلية اتجاه كل ما تقوم به، يجعلك تشعر بمسؤوليتك تجاه أعمالك قبل أن يحملك الآخرون المسؤولية، لأنك تشعر بأنك مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن اعمالك وتصرفاتك، قبل أن تكون مسؤولاً أمام الناس.
الإيمان يخلق لك الضمير الذي يحاكمك ويحاسبك ويخلق لك النفس اللوامة ويجعلك تلوم نفسك عندما تنحرف أو تخطئ قبل أن يلومك الآخرون أو يلتفتوا إلى أخطائك.

3-  الإيمان يمنع الانسان من المعصية في جميع الحالات، في حالات الرضا وفي حالات الغضب والانفعال، لأنه يحذر من التمرد على الله ومن تحدي ارادة الله سبحانه. وفي هذا يقول الإمام الجواد (ع) : إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثمٍ ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدي على ما ليس له بحق.
4-  الإيمان يجعل الإنسان ربانياً، يجعل اهدافه ومنطلقاته ودوافعه ربانية، يجعلك تندفع إلى القيام بواجباتك ومسؤولياتك بكل رغبة ابتغاء مرضاة الله. فالإنسان إذا لم يكن مؤمنا ويندفع للعمل، يندفع للعمل لا لأجل أن يرضى الله عنه، وإنما لأجل أن يرضى عنه فلان وفلان، أو يعمل لأجل أن يحصل على شهرة أو على طمع أو على أنانية، يعمل لأجل أن يحصل على مكاسب سياسية أو اجتماعية أو وظيفية، منصب، جاه، مال الخ… هذا الذي لا يؤمن بالله تظل أهدافه وغاياته محكومة لاطماعه وشهواته وأنانيته. وانظروا في حياتكم هذه إلى الذين لا يعيشون الإيمان والالتزام بالقيم كما يجب، لماذا يعملون ولماذا يتحركون؟ إنهم يعملون من أجل قضاياهم الخاصة التي ترجع إليهم شخصيا، من أجل مشاريعهم الشخصية والخاصة، يستعبدون أنفسهم للآخرين من أجل أن يحصلوا على بعض المكاسب: على جاه، على مال، على أرباح، على مديح وثناء. ولكنك عندما تؤمن بالله تتحول إلى إنسان يشعر بأن عليه أن يرضي الله ويتقرب إليه ويضحي في سبيل الله وأن يخدم الآخرين قبل أن يخدموه، لا يعمل المؤمن من أجل أن يمدحه الناس بل من أجل أن يرضى عنه الله سبحانه .

هكذا كان شهدؤنا في المقاومة الإسلامية في لبنان، وهكذا هم مجاهدونا في هذه المسيرة، هؤلاء الربانيون كانت تحكمهم الأهداف الإلهية منذ انطلقت هذه المقاومة.
هذه المقاومة الصادقة المخلصة ميزتها وخصوصيتها منذ البداية منذ اليوم الأول أنها كانت مقاومة لله جهادها وقتالها، دموعها ودمائها، سعادتها وآلامها، فرحها وحزنها وتضحياتها كانت لله وحده، لم يكن أحد يفكر بدنيا ولا بحطامها، لم يكن أحد يفكر بمكاسب، الجميع في هذه المقاومة كانوا يفكرون بالله. هؤلاء الذين قدموا أولادهم وانفسهم وأهليهم واخوتهم وصبروا وتحملوا كانوا يرون الله ويطمعون برضاه ورضوانه، وبتوفيقه وبنصره ، ولذلك كانت المقاومة في لبنان من أبرز المصاديق التاريخية ومن أبرز المصاديق المعاصرة لقوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) (وإن ينصركم الله فلا غالب لكم)
هذه المقاومة انتصرت للبنان في العام 2000 فحررت ارضه من الاحتلال الاسرائيلي. وانتصرت في العام 2017 وحررت ارضه من الارهاب التكفيري فأعطته بذلك الشرف والعزة والكرامة والحرية والمجد والعنفوان.
إنجاز التحرير الثاني هو إنجاز كبير وعظيم ما كان ليتحقق لولا مبادرة المقاومة والجيش في التصدي للنصرة وداعش في الجرود، والإحتضان الشعبي الواسع لهما في معركتهما ضد الإرهاب التكفيري.
هذا الإنجاز جعل لبنان أكثر أمناً واستقراراً ومنعة، واسقط الرهانات الأمريكية الإسرائيلية التي كانت معقودة على الجماعات الارهابية على داعش والنصرة لضرب المقاومة وإنهاكها وإضعاف لبنان ..
نحن حققنا لشعبنا الأمن والامان ولبلدنا الاستقرار، ثم تاتي السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة  هايلي، لتقول عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ان “وكلاء إيران في لبنان واليمن خطر كبير على السلام والإستقرار في الشرق الأوسط بأكمله”،في اشارة الى اللقاء الذي جمع وفد من حركة “أنصار الله” مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مؤخرا ؟!!
ان من يقوض الاستقرار في الشرق الاوسط ويخلق الازمات والفتن والحروب في المنطقة هي الولايات المتحدة الامريكية وليس حركات المقاومة، الولايات المتحدة التي صنعت ورعت ودعمت الجماعات الارهابية ولا تزال في سوريا والعراق واليمن، ووقفت الى جانب الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، وارتكبت المجازر بحق الشعب اليمني في اطار العدوان الامريكي السعودي المستمر منذ اكثر من ثلاث سنوات على اليمن.
الولايات المتحدة الامريكية هي شريكة في كل الجرائم الانسانية التي ترتكب في اليمن بحق الاطفال والنساء وآخرها المجزرة التي وقعت بالامس والتي راح ضحيتها عشرات الاطفال والنساء، كما انها شريكة في الدم الفلسطيني والسوري والعراقي وفي كل الجرائم التي يرتكبها الصهاينة والتكفيريون الارهابيون في هذه المنطقة وعلى امتداد العالم .
اما فيما يتعلق بلبنان فان معالجة الوضع الإقتصادي والأزمات المتعددة التي يعاني منها المواطنون اللبنانيون، تستوجب الاسراع في تشكيل الحكومة، اما التباطىء في تشكيل الحكومة والاصرار على ذات الشروط والمطالب من بعض القوى السياسية فانه يضر بمصلحة لبنان ، والمدخل الصحيح للخروج من حالة المراوحة هو التنازل عن السقوف والمطالب المرتفعة وتجاوز الإملاءات والرغبات الخارجية التي تساهم في تأخير الحكومة. لان هناك محاولات داخلية وخارجية لإدخال العهد في دائرة المراوحة والشلل تمهيدا لإفشاله، وإدخال اللبنانيين ايضاً في المزيد من الأزمات والمعاناة المعيشية والإقتصادية.
اذا كان البعض يراهن  على زيادة حجم حصته في الحكومة لتعديل نتائج الانتخابات وتصفية حسابات خارجية ضد المقاومة، فإن لبنان لن يكون ساحة لتصفية حسابات خارجية ضد المقاومة، ولن يكون ساحة لتحقيق مكاسب أميركية أو سعودية وعلى المراهنين ان يتعظوا من تجارب الماضي، ومن فشل رهاناتهم على المشاريع الخارجية، كما ان عليهم ان يستوعبوا أنهم خسروا كل رهاناتهم في سوريا وفي محاصرة المقاومة واضعافها في لبنان .

المصدر: بريد الموقع

رأيكم يهمنا

شاركوا معنا في إستبيان دورة برامج شهر رمضان المبارك